التهديدات التي تواجهها حرية الفكر ، كيف تنقذ عقلك؟
تقف حرية الفكر اليوم عند مفترق طرق خطير؛ إذ تحوّل الدول والشركات التقدم التكنولوجي والنفسي إلى أسلحة تقيّد أفكارنا، وهذا التقدم يساعدنا على تعزيز حرية الفكر، ويحمي عوالمنا الداخلية، ويقلل تحيزاتنا العقلية، ويخلق فضاءات جديدة للتفكير.
تعني خسارة حرية الفكر فقدان جانب بشري فريد. فنحن نتشارك عواطفنا الأساسية مع الحيوانات، لكننا الوحيدون القادرون على التراجع والسؤال «هل أريد أن أكون غاضبًا؟»، «هل أريد أن أكون هذا الشخص؟»، «ألا يمكنني أن أكون أفضل؟».
نستطيع النظر في توافق أفكارنا ومشاعرنا ورغباتنا مع أهدافنا وقيمنا ومُثلنا، فإن وجدنا هذا التوافق تكون أفكارنا لنا حقًا، ويمكننا بعد ذلك التصرف بأصالة.
قد نجد أن بعض الأفكار في عقولنا لا تصدر عنا وإنما عن قوة أخرى. تجلس لأداء عملك فتلمع في ذهنك: «تفقّد فيسبوك». هل جاءت هذه الفكرة منك أم من مارك زوكربيرج؟
تتطلب حرية الفكر الاحترام، وتُمكِّن الديمقراطية، وهي جزء مما يجعلنا «بشرًا» وعلينا أن نتعرف على أعدائها لنحميها.
ثلاثة تهديدات تواجهها حرية الفكر
ينتج التهديد الأول عن التقدم في علم النفس. فقد سمحت الأبحاث في هذا الميدان بخلق فهم جديد للعوامل المؤثرة على أفكارنا وسلوكياتنا وقراراتنا.
تستخدم الدول والشركات هذه المعارف للتحكم في تفكيرنا وتصرفاتنا بما يخدم أهدافها (التي لا توائم أهدافنا بالضرورة)؛ فتجعلنا نقامر أكثر، ونشتري أكثر، ونقضي المزيد من الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد تُستخدم في حَرْفِ الانتخابات.
يُستخلَص التهديد الثاني من تطبيق خوارزميات التعلم الآلي على «البيانات الكبيرة». حين نقدم بياناتنا للشركات، فنسمح لها بالاطلاع على دواخلنا، ما يجعلنا أكثر عرضة للخداع، وحين ندرك أن خصوصيتنا تتعرض للتهديد، فإن هذا يحد من قدرتنا على التفكير بحرية.
يأتي التهديد الثالث من تطور القدرة على فك شيفرات الدماغ والأفكار. تعمل فيسبوك Facebook وميكروسوفت Microsoft ونيورالينك Neuralink على تطوير واجهات دماغية حاسوبية؛ ما قد يؤدي إلى ابتكار آلات قادرة على قراءة الأفكار. سيخلث الوصول غير المسبوق إلى أفكارنا تهديدات غير مسبوقة لحريتنا.
تفتح هذه التطورات -في التكنولوجيا وعلم النفس- الأبواب أمام الدول والشركات لانتهاك أفكارنا والتلاعب بها والمعاقبة عليها. فما الذي يمكن فعله؟
قد ينقذنا القانون
تعترف القوانين الدولية وحقوق الإنسان بالحق في حرية الفكر. ومع ذلك، يُهمل هذا الحق تمامًا تقريبًا، ونادرًا ما يحتج به أحد في قاعة المحكمة. علينا أولًا أن نحدد ما نعنيه بهذا الحق؛ كي نتمكن من استخدامه لصون أنفسنا.
يجب أن يُستخدم حق حرية الفكر للدفاع عن الخصوصية العقلية، وإلا أعاقت الضغوط أفكارنا الحرة وبحثنا عن الحقيقة. يجب أن نستخدمه لمنع التلاعب بأفكارنا عبر الحيل النفسية أو التهديد بالعقوبة، بل استخدامه لتحصين الفكر بكل أشكاله. لا يقتصر الفكر على ما يدور في أذهاننا، فنحن نفكر من خلال الكتابة أو البحث في غوغل، وحين ندرك أن هذه الأنشطة «فكر» يصبح من الواجب أن تُحمى بالخصوصية التامة عبر الحق في حرية الفكر.
أخيرًا، يجب أن نستخدم هذا الحق في مطالبة الحكومات بخلق مجتمعات تسمح بالتفكير الحر (يمكن أن يساعد علم النفس في هذا الأمر).
منع التلاعب
يساعدنا فهم العقل بشكل أفضل على تجنب التلاعب الذي يسعى له الآخرون. يميز عالم النفس دانييل كانيمان بين نوعين من التفكير: تفكير «قاعدة الإبهام» ويعني الامتثال للحدس، والتفكير المنطقي.
يتضمن تفكير قاعدة الإبهام عمليات عقلية قديمة لا تتطلب جهدًا وتسمح لنا باتخاذ قرارات سريعة (تكلفنا السرعة بعض الأخطاء). وفي الجانب الآخر، يعَد التفكير المنطقي عملية تفكير بطيئة يتحكم بها الوعي، وتعتمد عادةً على اللغة، ويجدر بالذكر أنها تستغرق وقتًا أطول لكنها أدق.
يساعد بناء مطبات السرعة في تفكيرنا على تحسين صنع القرار. إذ لا يمنحنا النقر السريع على محتوىً أو إعلان من شركة ما أي حرية في التفكير. فنحن لا نملك الوقت لتحديد ما إذا كانت رغباتنا لنا حقًا أو أنها رغبات سيد الدمى!
علينا أيضًا تحويل بيئتنا إلى بيئة تدعم التحكم الذاتي، إذ تسمح لنا هذه البيئة بإيجاد أسبابنا الخاصة للقيام بعمل ما، وتقلل الضوابط الخارجية كالمكافآت والعقوبات، وتشجع الاختيار والمشاطرة واتخاذ القرارات بشكل مشترك.
يمكن أن تساعد التكنولوجيا في خلق هذه البيئة. ولكن من المسؤول عن تحقيق ذلك؟
اتخاذ التدابير
يجب أن تساعد الحكومات المواطنين على فهم آلية عمل العقل في سن مبكرة، وعليها أن تعيد هيكلة المجتمع بما يسهل ممارسة التفكير الحر، وإيقاف الذين ينتهكون الحق في حرية الفكر بمن فيهم الشركات.
يجب أن تساهم الشركات في ذلك، عبر التأكيد على حرية التفكير في سياسات الخصوصية. عليها أن تبذل العناية اللازمة لحماية حرية التفكير من الأذى الذي قد تسببه نشاطاتها. وربما يُطلب منها الإقرار بالحيل النفسية التي تستخدمها للتحكم بسلوكنا.
علينا أن نُعلّم أنفسنا ونعزز قيم حرية الفكر وندعمها، وندين أولئك الذين يحولون إحدى أعظم نقاط القوة لدى جنسنا، واجتماعيتنا، إلى إحدى أهم نقاط ضعفنا، عبر استخدامها وسيلةً لاستخلاص البيانات. يجب أن نناهض بأصواتنا أولئك الذين ينتهكون حرية أفكارنا.
يفترض هذا كله أننا نريد أن نحظى بحرية الفكر. فهل نريد ذلك حقًا؟ يكره الكثيرون منا الجلوس بهدوء مع أفكارهم. فهل يفضل الكثيرون منا أيضًا أن تؤدي الحكومات والشركات عمليات التفكير نيابةً عنا؟ هل يرى الكثيرون منا أن الحدّ من حرية التفكير أمر محبّذ إذا ساهم في تعزيز الأمن؟ إلى أي درجة نرغب فعلًا بحرية الفكر وبم يمكن أن نضحي لننالها؟
ببساطة، هل نريد الحفاظ على كوننا بشرًا؟ أم أصبحَ الألم والجهد والمسؤولية التي تحتاجها حرية الفكر، أكبر مما نستطيع تحمّله؟ إذا كان الأمر كذلك، فليس من الواضح ما الذي سنفعله بعد اليوم أو ما سنصبح عليه يومًا ما.
المصدر
تقف حرية الفكر اليوم عند مفترق طرق خطير؛ إذ تحوّل الدول والشركات التقدم التكنولوجي والنفسي إلى أسلحة تقيّد أفكارنا، وهذا التقدم يساعدنا على تعزيز حرية الفكر، ويحمي عوالمنا الداخلية، ويقلل تحيزاتنا العقلية، ويخلق فضاءات جديدة للتفكير.
تعني خسارة حرية الفكر فقدان جانب بشري فريد. فنحن نتشارك عواطفنا الأساسية مع الحيوانات، لكننا الوحيدون القادرون على التراجع والسؤال «هل أريد أن أكون غاضبًا؟»، «هل أريد أن أكون هذا الشخص؟»، «ألا يمكنني أن أكون أفضل؟».
نستطيع النظر في توافق أفكارنا ومشاعرنا ورغباتنا مع أهدافنا وقيمنا ومُثلنا، فإن وجدنا هذا التوافق تكون أفكارنا لنا حقًا، ويمكننا بعد ذلك التصرف بأصالة.
قد نجد أن بعض الأفكار في عقولنا لا تصدر عنا وإنما عن قوة أخرى. تجلس لأداء عملك فتلمع في ذهنك: «تفقّد فيسبوك». هل جاءت هذه الفكرة منك أم من مارك زوكربيرج؟
تتطلب حرية الفكر الاحترام، وتُمكِّن الديمقراطية، وهي جزء مما يجعلنا «بشرًا» وعلينا أن نتعرف على أعدائها لنحميها.
ثلاثة تهديدات تواجهها حرية الفكر
ينتج التهديد الأول عن التقدم في علم النفس. فقد سمحت الأبحاث في هذا الميدان بخلق فهم جديد للعوامل المؤثرة على أفكارنا وسلوكياتنا وقراراتنا.
تستخدم الدول والشركات هذه المعارف للتحكم في تفكيرنا وتصرفاتنا بما يخدم أهدافها (التي لا توائم أهدافنا بالضرورة)؛ فتجعلنا نقامر أكثر، ونشتري أكثر، ونقضي المزيد من الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد تُستخدم في حَرْفِ الانتخابات.
يُستخلَص التهديد الثاني من تطبيق خوارزميات التعلم الآلي على «البيانات الكبيرة». حين نقدم بياناتنا للشركات، فنسمح لها بالاطلاع على دواخلنا، ما يجعلنا أكثر عرضة للخداع، وحين ندرك أن خصوصيتنا تتعرض للتهديد، فإن هذا يحد من قدرتنا على التفكير بحرية.
يأتي التهديد الثالث من تطور القدرة على فك شيفرات الدماغ والأفكار. تعمل فيسبوك Facebook وميكروسوفت Microsoft ونيورالينك Neuralink على تطوير واجهات دماغية حاسوبية؛ ما قد يؤدي إلى ابتكار آلات قادرة على قراءة الأفكار. سيخلث الوصول غير المسبوق إلى أفكارنا تهديدات غير مسبوقة لحريتنا.
تفتح هذه التطورات -في التكنولوجيا وعلم النفس- الأبواب أمام الدول والشركات لانتهاك أفكارنا والتلاعب بها والمعاقبة عليها. فما الذي يمكن فعله؟
قد ينقذنا القانون
تعترف القوانين الدولية وحقوق الإنسان بالحق في حرية الفكر. ومع ذلك، يُهمل هذا الحق تمامًا تقريبًا، ونادرًا ما يحتج به أحد في قاعة المحكمة. علينا أولًا أن نحدد ما نعنيه بهذا الحق؛ كي نتمكن من استخدامه لصون أنفسنا.
يجب أن يُستخدم حق حرية الفكر للدفاع عن الخصوصية العقلية، وإلا أعاقت الضغوط أفكارنا الحرة وبحثنا عن الحقيقة. يجب أن نستخدمه لمنع التلاعب بأفكارنا عبر الحيل النفسية أو التهديد بالعقوبة، بل استخدامه لتحصين الفكر بكل أشكاله. لا يقتصر الفكر على ما يدور في أذهاننا، فنحن نفكر من خلال الكتابة أو البحث في غوغل، وحين ندرك أن هذه الأنشطة «فكر» يصبح من الواجب أن تُحمى بالخصوصية التامة عبر الحق في حرية الفكر.
أخيرًا، يجب أن نستخدم هذا الحق في مطالبة الحكومات بخلق مجتمعات تسمح بالتفكير الحر (يمكن أن يساعد علم النفس في هذا الأمر).
منع التلاعب
يساعدنا فهم العقل بشكل أفضل على تجنب التلاعب الذي يسعى له الآخرون. يميز عالم النفس دانييل كانيمان بين نوعين من التفكير: تفكير «قاعدة الإبهام» ويعني الامتثال للحدس، والتفكير المنطقي.
يتضمن تفكير قاعدة الإبهام عمليات عقلية قديمة لا تتطلب جهدًا وتسمح لنا باتخاذ قرارات سريعة (تكلفنا السرعة بعض الأخطاء). وفي الجانب الآخر، يعَد التفكير المنطقي عملية تفكير بطيئة يتحكم بها الوعي، وتعتمد عادةً على اللغة، ويجدر بالذكر أنها تستغرق وقتًا أطول لكنها أدق.
يساعد بناء مطبات السرعة في تفكيرنا على تحسين صنع القرار. إذ لا يمنحنا النقر السريع على محتوىً أو إعلان من شركة ما أي حرية في التفكير. فنحن لا نملك الوقت لتحديد ما إذا كانت رغباتنا لنا حقًا أو أنها رغبات سيد الدمى!
علينا أيضًا تحويل بيئتنا إلى بيئة تدعم التحكم الذاتي، إذ تسمح لنا هذه البيئة بإيجاد أسبابنا الخاصة للقيام بعمل ما، وتقلل الضوابط الخارجية كالمكافآت والعقوبات، وتشجع الاختيار والمشاطرة واتخاذ القرارات بشكل مشترك.
يمكن أن تساعد التكنولوجيا في خلق هذه البيئة. ولكن من المسؤول عن تحقيق ذلك؟
اتخاذ التدابير
يجب أن تساعد الحكومات المواطنين على فهم آلية عمل العقل في سن مبكرة، وعليها أن تعيد هيكلة المجتمع بما يسهل ممارسة التفكير الحر، وإيقاف الذين ينتهكون الحق في حرية الفكر بمن فيهم الشركات.
يجب أن تساهم الشركات في ذلك، عبر التأكيد على حرية التفكير في سياسات الخصوصية. عليها أن تبذل العناية اللازمة لحماية حرية التفكير من الأذى الذي قد تسببه نشاطاتها. وربما يُطلب منها الإقرار بالحيل النفسية التي تستخدمها للتحكم بسلوكنا.
علينا أن نُعلّم أنفسنا ونعزز قيم حرية الفكر وندعمها، وندين أولئك الذين يحولون إحدى أعظم نقاط القوة لدى جنسنا، واجتماعيتنا، إلى إحدى أهم نقاط ضعفنا، عبر استخدامها وسيلةً لاستخلاص البيانات. يجب أن نناهض بأصواتنا أولئك الذين ينتهكون حرية أفكارنا.
يفترض هذا كله أننا نريد أن نحظى بحرية الفكر. فهل نريد ذلك حقًا؟ يكره الكثيرون منا الجلوس بهدوء مع أفكارهم. فهل يفضل الكثيرون منا أيضًا أن تؤدي الحكومات والشركات عمليات التفكير نيابةً عنا؟ هل يرى الكثيرون منا أن الحدّ من حرية التفكير أمر محبّذ إذا ساهم في تعزيز الأمن؟ إلى أي درجة نرغب فعلًا بحرية الفكر وبم يمكن أن نضحي لننالها؟
ببساطة، هل نريد الحفاظ على كوننا بشرًا؟ أم أصبحَ الألم والجهد والمسؤولية التي تحتاجها حرية الفكر، أكبر مما نستطيع تحمّله؟ إذا كان الأمر كذلك، فليس من الواضح ما الذي سنفعله بعد اليوم أو ما سنصبح عليه يومًا ما.
المصدر