ارسطقراطي بريطاني في خدمة الاستخبارات السوفيتية
دفعت الفضيحة المثيرة المتعلقة بانكشاف أمر العملاء السوفيت السريين في
بريطانيا عام 1951 دفعت السلطة البريطانية الى الكشف عن شبكة تجسس سوفيتية
في هذا البلد. وقد تشكل اخطر شبكة للجواسيس في القرن العشرين في وسط جامعة
كامبريدج مما يعد امرا لا مثيل له في تاريج التجسس العالمي.
وقد اصبح هذا الامر ممكنا بفضل خطة ذكية لتجنيد طلبة كان يحتمل ان يشغلوا في المستقبل مناصب بارزة و يفرضوا السيطرة على
اهم الاسرار في الدولة واجهزتها الامنية. وايدت قيادة بلاد السوفيت والاممية
الشيوعية هذه الخطة بشتى الوسائل وحثت الاساتذة الذين يشاطرونهم في
افكارهم الماركسية على الانتقال للعمل في جامعتي كامبريدج واوكسفورد.
وقد شغل هؤلاء الطلبة المتمسكين بالافكار اليسارية مواقع رائدة في "جمعية
الرسل" السرية التي كانت آنذاك تضم نخبة من الطلبة البريطانيين وجرت العادة
الا يفشي اعضاء الجمعية اسرارهم الى اي احد. واستفاد الطلبة اليساريون من
هذا الامر. وترأس تلك الجمعية في ثلاثينات القرن الماضي انتوني بلانت الذي
كان نسبه يعود لأنبل العائلات البريطانية بما فيها اسرة الملكة يليزابيت
الام. وابلغ السفير السوفيتي في لندن قيادته ان عميل الاممية الشيوعية
اليهودي الاسترالي ارنولد ديتش قام عام 1934 بتجنيد بلانت ليتعامل مع
الاستخبارات السوفيتية. وتمكن ديتش في الوقت ذاته من تجنيد عدد كبير من
طلبة كامبريدج بمن فيهم غاي بيرجس نجل العقيد البحري في سلاح البحر
البريطاني وجون كيرنكروس خير الطلبة في الجامعة وراسيل فيلبي ( المعروف
فيما بعد بكيم فيلبي) نجل المحافظ البريطاني في احدى المحافظات الهندية.
ولد كيم فيلبي عام 1912 في الهند لمسؤول كبير في ادارة الاستعمار البريطاني
في هذا البلد. وولع والده فيما بعد بالدراسات الشرقية وبصورة خاصة الدراسات
في مجال تاريخ العرب واصبح باحثا مستشرقا بارزا. وخدم مستشارا بريطانيا
لدى العاهل السعودي عبد العزيز بن آل سعود. كما انه كان يحافظ على العلاقات
الوثيقة مع الدوائر الارستقراطية المحافظة ورجال الاعمال والبرلمانيين
في بريطانيا العظمى وغيرها من الدول الغربية. وفهم فيلبي الاب ان الانتماء
الى طبقة النبلاء والتربية الممتازة غير كافية لابنه كي يشغل مكانة جديرة
في المجتمع البريطاني. ولذا قرر بإيفاده الى جامعة كامبريدج ليتلقى
التعليم العالي ويتعاون مع النخبة الطلابية.
لعبت هزيمة حزب العمل البريطانية في الانتخابات البرلمانية عام 1931 وعجزه عن مواجهة الرجعية في
بريطانيا دورا كبيرا في تقارب فيلبي مع الاشتراكيين ثم مع الشيوعيين
البريطانيين الذين اتخذوا مواقف راسخة في مواجة الرجعية والنازية. الامر
الذي ساعد رجل المخابرات السوفيتية ديتش في تجنيده للعمل عنصرا استخباراتيا لصلح الاتحاد السوفيتي.
وكلفته الاستخبارات السوفيتية بعد تخرجه
من الجامعة بان يتوغل الى الاوساط البريطانية تبحث عن التقارب مع ألمانيا
النازية. وصار فيلبي يعمل في صحيفة " افنينغ ستار" البريطانية التي باتت
توفده كمندوب صحفي الى ألمانيا بشكل منتظم. والتحق بالجمعية البريطانية
الالمانية، الامر الذي مكنه من اطلاع المخابرات السوفيتية على تطلعات
الزعماء النازيين بمن فيهم وزير الخارجية ريبنتروب الذي التقى به فيلبي اكثر من مرة.
بعد نشوب الحرب الاهلية في اسبانيا كانت القيادة
السوفيتية تعاني من حاجة ماسة الى معلومات عن الوضع في الاراضي التي
احتلتها قوات الجنرال فرانكو المعادية للحكومة الاسبانية. واستطاع فيلبي
اقامة علاقات جيدة مع نخبة من ضباط جيش فرانكو وحتى مع الجنرال نفسه.
في عام 1940 عرض جهاز المخابرات البريطاني "مي – 6" على فيلبي العمل موظفا
فيه. وترقى بسرعة بفضل تعليمه وسمعته في اوساط الاستخبارات بالسلم الهرمي
ليشغل بعد فترة منصب نائب رئيس "مي – 6" الذي كانت مهمته الرئيسية مكافحة
التجسس الاجنبي في بريطانيا وقبل كل شيء الجواسيس الالمان . في عام 1944
تولى فيلبي رئاسة الشعبة التاسعة في المخابرات البريطانية " SIS " التي
تخصصت في الرقابة على المنظمات الشيوعية في بريطانيا. وبعد انتهاء الحرب
العالمية الثانية انتقل فيلبي الى اسطنبول ليتولى رئاسة قيادة الاستخبارات
البريطانية في تركيا وبدأ يتعاون بشكل وثيق مع الاستخبارات الامريكية. وقال
غرام غرين العنصر السابق في " SIS " ان اية مبادرة طرحتها قيادة
الاستخبارات الغربية آنذاك كان الحكم عليها بالفشل مسبقا طالما كان فيلبي
يشغل المناصب القيادية في الاستخبارات البريطانية . وفي هذا السياق اضطر
فيلبي الى تدبير عمليات استخباراتية موجهة ضد الاتحاد السوفيتي لتلحق الحد
الادنى من الضرر بمصالحه او توضع تحت سيطرة اجهزته الامنية. وكان ينجح في
ذلك حتى عام 1951 حين تلقى معلومات عن خطر الاعتقال الذي يمكن ان يتعرض
له زميلاه جونلد ماكلين و غاي بيرجس في وزارة الخارجية البريطانية وبذل كل
ما في وسعه لانقاذهما. لكن فيلبي نفسه صار شخصا مشتبها بالتجسس لصالح
الاتحاد السوفيتي. الا ان اجهزة الامن البريطانية لم تمتلك ادلة كافية
لتتهم فيلبي لكونه عنصرا قياديا في المخابرات البريطانية ونبيلا انكليزيا.
وانتهت كل التحقيقات قي قضيته بالفشل. الا ان
الشكوك ظلت قائمة. الامر الذي اجبر فيلبي على تقديم استقالته من المناصب القيادية
في المخابرات البريطانية. وبعد ان قدم وزير الخارجية البريطاني غارولد
ماكميلن عام 1955 للبرلمان البريطاني نتائج التحقيق التي اثبتت براءة
فيلبي وعدم ضلوعه في التجسس اوفدته الاستخبارات البريطانية الى بيروت حيث
عمل مندوبا لصحيفة "اوبسرفر" البريطانية وما زال يزود الاستخبارات
السوفيتية بمعلومات هامة. لكن جهاز الامن البريطاني "مي – 5" بقي يصر على
تورط فيلبي بالتجسس. فاثبت هذا الامر بعد هروب عنصر "كي غي بي" اناتولي
غوليتسين الى الغرب في مطلع الستينات. واكد غوليتسين للمخابرات البريطانية
ان فيلبي هو عنصر رابع في "رباعي كامبريدج". وفي هذه الظروف اضطرت
الاستخبارات السوفيتية الى استدعاء فيلبي الى موسكو.
رست سفينة شحن سوفيتية في يوم من ايام عام 1982 قبالة ساحل سوسج البريطاني. ولوحظ في
برج القيادة شخص مسن في يده منظار. وهذا الشخص هو فيلبي الذي قرر بان يلقي
نظرة اخيرة الى موطنه. وتوفي فيلبي في موسكو عام 1988 ودفن في مقبرة كونتسيفو.
دفعت الفضيحة المثيرة المتعلقة بانكشاف أمر العملاء السوفيت السريين في
بريطانيا عام 1951 دفعت السلطة البريطانية الى الكشف عن شبكة تجسس سوفيتية
في هذا البلد. وقد تشكل اخطر شبكة للجواسيس في القرن العشرين في وسط جامعة
كامبريدج مما يعد امرا لا مثيل له في تاريج التجسس العالمي.
وقد اصبح هذا الامر ممكنا بفضل خطة ذكية لتجنيد طلبة كان يحتمل ان يشغلوا في المستقبل مناصب بارزة و يفرضوا السيطرة على
اهم الاسرار في الدولة واجهزتها الامنية. وايدت قيادة بلاد السوفيت والاممية
الشيوعية هذه الخطة بشتى الوسائل وحثت الاساتذة الذين يشاطرونهم في
افكارهم الماركسية على الانتقال للعمل في جامعتي كامبريدج واوكسفورد.
وقد شغل هؤلاء الطلبة المتمسكين بالافكار اليسارية مواقع رائدة في "جمعية
الرسل" السرية التي كانت آنذاك تضم نخبة من الطلبة البريطانيين وجرت العادة
الا يفشي اعضاء الجمعية اسرارهم الى اي احد. واستفاد الطلبة اليساريون من
هذا الامر. وترأس تلك الجمعية في ثلاثينات القرن الماضي انتوني بلانت الذي
كان نسبه يعود لأنبل العائلات البريطانية بما فيها اسرة الملكة يليزابيت
الام. وابلغ السفير السوفيتي في لندن قيادته ان عميل الاممية الشيوعية
اليهودي الاسترالي ارنولد ديتش قام عام 1934 بتجنيد بلانت ليتعامل مع
الاستخبارات السوفيتية. وتمكن ديتش في الوقت ذاته من تجنيد عدد كبير من
طلبة كامبريدج بمن فيهم غاي بيرجس نجل العقيد البحري في سلاح البحر
البريطاني وجون كيرنكروس خير الطلبة في الجامعة وراسيل فيلبي ( المعروف
فيما بعد بكيم فيلبي) نجل المحافظ البريطاني في احدى المحافظات الهندية.
ولد كيم فيلبي عام 1912 في الهند لمسؤول كبير في ادارة الاستعمار البريطاني
في هذا البلد. وولع والده فيما بعد بالدراسات الشرقية وبصورة خاصة الدراسات
في مجال تاريخ العرب واصبح باحثا مستشرقا بارزا. وخدم مستشارا بريطانيا
لدى العاهل السعودي عبد العزيز بن آل سعود. كما انه كان يحافظ على العلاقات
الوثيقة مع الدوائر الارستقراطية المحافظة ورجال الاعمال والبرلمانيين
في بريطانيا العظمى وغيرها من الدول الغربية. وفهم فيلبي الاب ان الانتماء
الى طبقة النبلاء والتربية الممتازة غير كافية لابنه كي يشغل مكانة جديرة
في المجتمع البريطاني. ولذا قرر بإيفاده الى جامعة كامبريدج ليتلقى
التعليم العالي ويتعاون مع النخبة الطلابية.
لعبت هزيمة حزب العمل البريطانية في الانتخابات البرلمانية عام 1931 وعجزه عن مواجهة الرجعية في
بريطانيا دورا كبيرا في تقارب فيلبي مع الاشتراكيين ثم مع الشيوعيين
البريطانيين الذين اتخذوا مواقف راسخة في مواجة الرجعية والنازية. الامر
الذي ساعد رجل المخابرات السوفيتية ديتش في تجنيده للعمل عنصرا استخباراتيا لصلح الاتحاد السوفيتي.
وكلفته الاستخبارات السوفيتية بعد تخرجه
من الجامعة بان يتوغل الى الاوساط البريطانية تبحث عن التقارب مع ألمانيا
النازية. وصار فيلبي يعمل في صحيفة " افنينغ ستار" البريطانية التي باتت
توفده كمندوب صحفي الى ألمانيا بشكل منتظم. والتحق بالجمعية البريطانية
الالمانية، الامر الذي مكنه من اطلاع المخابرات السوفيتية على تطلعات
الزعماء النازيين بمن فيهم وزير الخارجية ريبنتروب الذي التقى به فيلبي اكثر من مرة.
بعد نشوب الحرب الاهلية في اسبانيا كانت القيادة
السوفيتية تعاني من حاجة ماسة الى معلومات عن الوضع في الاراضي التي
احتلتها قوات الجنرال فرانكو المعادية للحكومة الاسبانية. واستطاع فيلبي
اقامة علاقات جيدة مع نخبة من ضباط جيش فرانكو وحتى مع الجنرال نفسه.
في عام 1940 عرض جهاز المخابرات البريطاني "مي – 6" على فيلبي العمل موظفا
فيه. وترقى بسرعة بفضل تعليمه وسمعته في اوساط الاستخبارات بالسلم الهرمي
ليشغل بعد فترة منصب نائب رئيس "مي – 6" الذي كانت مهمته الرئيسية مكافحة
التجسس الاجنبي في بريطانيا وقبل كل شيء الجواسيس الالمان . في عام 1944
تولى فيلبي رئاسة الشعبة التاسعة في المخابرات البريطانية " SIS " التي
تخصصت في الرقابة على المنظمات الشيوعية في بريطانيا. وبعد انتهاء الحرب
العالمية الثانية انتقل فيلبي الى اسطنبول ليتولى رئاسة قيادة الاستخبارات
البريطانية في تركيا وبدأ يتعاون بشكل وثيق مع الاستخبارات الامريكية. وقال
غرام غرين العنصر السابق في " SIS " ان اية مبادرة طرحتها قيادة
الاستخبارات الغربية آنذاك كان الحكم عليها بالفشل مسبقا طالما كان فيلبي
يشغل المناصب القيادية في الاستخبارات البريطانية . وفي هذا السياق اضطر
فيلبي الى تدبير عمليات استخباراتية موجهة ضد الاتحاد السوفيتي لتلحق الحد
الادنى من الضرر بمصالحه او توضع تحت سيطرة اجهزته الامنية. وكان ينجح في
ذلك حتى عام 1951 حين تلقى معلومات عن خطر الاعتقال الذي يمكن ان يتعرض
له زميلاه جونلد ماكلين و غاي بيرجس في وزارة الخارجية البريطانية وبذل كل
ما في وسعه لانقاذهما. لكن فيلبي نفسه صار شخصا مشتبها بالتجسس لصالح
الاتحاد السوفيتي. الا ان اجهزة الامن البريطانية لم تمتلك ادلة كافية
لتتهم فيلبي لكونه عنصرا قياديا في المخابرات البريطانية ونبيلا انكليزيا.
وانتهت كل التحقيقات قي قضيته بالفشل. الا ان
الشكوك ظلت قائمة. الامر الذي اجبر فيلبي على تقديم استقالته من المناصب القيادية
في المخابرات البريطانية. وبعد ان قدم وزير الخارجية البريطاني غارولد
ماكميلن عام 1955 للبرلمان البريطاني نتائج التحقيق التي اثبتت براءة
فيلبي وعدم ضلوعه في التجسس اوفدته الاستخبارات البريطانية الى بيروت حيث
عمل مندوبا لصحيفة "اوبسرفر" البريطانية وما زال يزود الاستخبارات
السوفيتية بمعلومات هامة. لكن جهاز الامن البريطاني "مي – 5" بقي يصر على
تورط فيلبي بالتجسس. فاثبت هذا الامر بعد هروب عنصر "كي غي بي" اناتولي
غوليتسين الى الغرب في مطلع الستينات. واكد غوليتسين للمخابرات البريطانية
ان فيلبي هو عنصر رابع في "رباعي كامبريدج". وفي هذه الظروف اضطرت
الاستخبارات السوفيتية الى استدعاء فيلبي الى موسكو.
رست سفينة شحن سوفيتية في يوم من ايام عام 1982 قبالة ساحل سوسج البريطاني. ولوحظ في
برج القيادة شخص مسن في يده منظار. وهذا الشخص هو فيلبي الذي قرر بان يلقي
نظرة اخيرة الى موطنه. وتوفي فيلبي في موسكو عام 1988 ودفن في مقبرة كونتسيفو.
