فجّر مسؤول فلسطيني سابق، بمساعدة قناة تلفزيونية إسرائيلية، سلسلة فضائح شديدة الوطأة، تطال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، من خلال كبار مقرّبيه ومدير مكتبه ونجليه. ولا تتوقف الفضائح عند حدود مالية أو أخلاقية مشفوعة بالإثباتات؛ بل تصل إلى إساءات بالغة من مقرّبي عباس للرئيس الفلسطيني الراحل والزعيم التاريخي لحركة "فتح" محمود عباس، الذي نعته أحدهم بأنه "كبير الدجالين"، وأنه "لا يحب الشعب" الفلسطيني. فقد بثّ برنامج "المصدر"، المختص بالتحقيقات، في القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي ليل أمس الأربعاء (10/2)، حلقة خاصة حملت عنوان "فتح غيت"، حاول فيها معدّ البرنامج ومقدِّمه، تسفيكا يحزقيلي رئيس قسم الشؤون العربية في القناة وهو يهودي من أصل كردي عراقي؛ حشد الوثائق المكتوبة والمرئية للتدليل على أنّ الفساد ينخر في قيادة حركة "فتح"، ومن ثم في جناح السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، وبالأخص في الدائرة المحيطة به. واستضاف البرنامج المسؤول الفلسطيني السابق فهمي شبانه التميمي، والذي عرّف نفسه بداية بأنه "محام من شرقي القدس، مسؤول سابق في قسم مكافحة الفساد في المخابرات الفلسطينية"؛ حيث استعرض جرائم الرشاوى والجنس والفساد، التي أشار إلى أنه بحكم عمله في وحدة مكافحة الفساد في جهاز المخابرات، تمكّن من كشفها وتوثيقها ليعرضها على قيادة السلطة لإقصاء المشتبه بتورّطهم في هذه الجرائم. إلاّ أنّ ما اعتبره التميمي تخاذلاً من تلك القيادات في معاقبة "أبطال" تلك الفضائح، دفعه إلى وضع تلك المستندات بين يدي القناة العاشرة الإسرائيلية، محذراً محمود عباس بكشف المزيد من الوثائق والمستندات التي تطال قيادات أخرى في حركة "فتح"، إذا لم يتمّ اتخاذ إجراء قانوني بحقّ المشتبه بهم. وكان من بين الوثائق التي قدّمها التميمي وعرضتها القناة، شريط فيديو من جزئين، مصوّر بكاميرات خفيّة، تم تثبيتها في منزل سيدة فلسطينية كانت ترغب بالعمل في مكتب محمود عباس. ويظهر في الجزء الأول من الشريط رفيق الحسيني، الذي يشغل منصب مدير مكتب محمود عباس، وعضو طاقم التفاوض مع الجانب الإسرائيلي، وتظهر إلى جواره سيدة، عرّفها مقدم البرنامج أنها سكرتيرة الحسيني، والسيدة الأخرى هي صاحبة المنزل الراغبة في العمل. ويظهر الحسيني - الشخصية رقم 2 بالسلطة الفلسطينية، بحسب معدّ البرنامج - متحدثاً عن مظاهر الفساد بين القيادات الفلسطينية، مستهلاً بالحديث عن محمود عباس؛ حيث يقول إنه لا يمتلك الكاريزما، ويفضل البقاء بعيداً عن الشعب، فلا ينزل إليه، مثلما كان يفعل "الناقص"، على حد قول الحسيني، ياسر عرفات، الذي دأب على القول "يا جبل ما يهزّك ريح". ويقول الحسيني: "إنه (أيّ عرفات) كان يلوح دائماً بعلامة النصر، بينما يلتف حوله عتاة النصب والدجّالين. فكان حرياً به أن يعمل على تنقية صفوفه"، وذهب مدير مكتب عباس إلى حدّ القول إنّ "الجميع كانوا دجالين، وكان أبو عمار كبيرهم، ولم يكن شعبياً أو حاول أن يحتك بالشعب، فلم يحبّ الشعب والشعب لم يحبّه"، على حد وصفه. كما وصف الحسيني، اللواء توفيق الطيراوي، رئيس جهاز المخابرات الفلسطينية، بأنه "نصّاب وحرامي"، في ما وصف الشعب (الفلسطيني) بأنه لا يعرف الحقيقة (حقيقة من يمسكون بزمامه). وطالت الاتهامات التي كالها الحسيني أيضاً ابنيْ رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وهما طارق رجل الأعمال، وياسر مدير شركة دعاية وإعلان. وتابع التميمي، الذي بلغ منصب لواء في المخابرات الفلسطينية، عملية كشف الوثائق، مشيراً إلى أنّ وزارة المالية الفلسطينية كانت تمدّه بما يلزم من مستندات ووثائق، بحكم منصبه، وهي تتعلّق بعمليات شراء عقارات وأراض ومستندات صرف مبالغ مالية، التي تتبّع مصادرها واكتشف أنّ مئات ملايين الدولارات التي كانت تُمنَح للسلطة الفلسطينية من الدول الغربية والعربية ضمن إطار المساعدات، كانت تصل إلى أشخاص بعينهم. واستعرض البرنامج صوراً لوثائق تشير، بحسب التميمي، إلى أموال كانت يتمّ الحصول عليها في صورة قروض أو عمليات شراء أراض يقوم بها المقرّبون من محمود عباس. ووصم التميمي تلك الشخصيات، التي لم يكشف عنها، بأنها تتكسّب على حساب الشعب الفلسطيني الفقير، فيتمّ بناء القصور، أو يأتي أحدهم ولا يملك بضعة آلاف من الدولارات ثم يثري ثراء فاحشاً في زمن قصير. وتكشف وثيقة أخرى تم عرضها أنّ وزير المالية نقل مبلغ ثمانية ملايين دولار من حساب السلطة إلى حسابه الشخصي، بينما يظهر في الوثيقة المصاحبة للتعليق اسما عاطف علاونة (رئيس هيئة سوق المال الفلسطينية) وسامي الرملاوي (مدير عام وزارة المالية الفلسطينية السابق). ويلخِّص التميمي محور حديثة بالقول: "إنّ الفساد سرطان ينخر في جسد السلطة الفلسطينية، فالشريف والمحترم من قياداتها يمكن حصر عددهم على أصابع اليد الواحدة". ويتطرّق التميمي إلى عملية فساد أخرى "بطلها" ياسر محمود عباس، صاحب شركة سكاي للإعلان، التي حصلت على أموال من الأمريكيين بغرض إعداد دعاية لحركة "فتح" قبيل انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني لعام 2006، وأن ابن الرئيس الفلسطيني حصل على جانب من هذه الأموال بصفة شخصية. وكانت حركة "فتح" قد منيت بهزيمة مدوية في تلك الانتخابات، قبالة حركة "حماس" التي فازت بنحو ثلثي مقاعد المجلس التشريعي. ويبرِّر التميمي توجهه لوسائل الإعلام، بأنّ السلطة الفلسطينية لم تتخذ الإجراءات الواجبة تجاه الأشخاص الذين ثبتت بحقهم جرائم تتعلّق بالفساد واستغلال أموال الشعب الفلسطيني. وختم المسؤول الفلسطيني السابق الجزء الأول من حديثه بأنّ مجرد إذاعة تلك الحلقة ستدفع بمن سمّاهم أذناب الفاسدين إلى تشويه سمعته والإساءة إليه، محذراً من أنه ما زالت لديه العديد من الوثائق المصوّرة والمسموعة، التي إذا ما وصلت لأمير قطر مثلاً، فإنه لن يمنح درهماً واحداً للسلطة الفلسطينية، حسب تقديره. ويواصل التميمي في الجزء الثاني من حديثه، التحدّث عن شخصية رفيق الحسيني، مستدلاً بالجزء الثاني من شريط الفيديو، وعلّق عليه بأنه يتضمّن محاولة من الحسيني لابتزاز سيدة فلسطينية جنسياً، من أجل أن تحظى بوظيفة في مكتب الرئيس الفلسطيني، وأنها استغاثت به (التميمي) من أجل إنقاذها من ملاحقة الحسيني. بينما يظهر التميمي في الشريط ومعه مجموعة من أعوانه، وهو يدخل على الحسيني المستلقي عارياً في فراش السيدة بانتظارها، التي لم تكن قد دخلت الغرفة كونه تمّ ترتيب الأمر معها. ورغم إعراب التميمي عن تيقنه بأنّ "الابتزاز الجنسي" هو من صفات مدير مكتب محمود عباس؛ إلاّ أنّ أحداً لم يتعرّض له إلى اليوم. وبالمقارنة مع الوضع في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات؛ قال التميمي إنّ إحدى السيدات شكت لعرفات من محاولة هشام مكي، وهو مدير هيئة الإذاعة والتليفزيون الفلسطينية، التحرّش بها جنسياً، فما كان من عرفات إلاّ أن أصدر أوامر بقتله. وبالفعل قُتل مكي في مكتبه في غزة منذ تسع سنوات، وتم تقييد الحادث ضد مجهول، بحسب التميمي. وكما يذكر البرنامج؛ فإنّ التميمي الذي عرض الوثائق التي قال إنها تثبت الفساد بحق محمود عباس؛ قد واجه قيوداً غير متوقعة. فقد اعتقلت شرطة الاحتلال الإسرائيلي التميمي بعد ذلك ببضعة أيام، موجِّهة إليه أربعة اتهامات، وهي: "التجسّس على إسرائيل"، وتهديد رفيق الحسيني، وتشكيل مجموعات في القدس، والانتساب إلى جهاز الأمن الفلسطيني. إلا أن تلك التهم أُسقطت، وبقي هو رهن الإقامة الجبرية على خلفية الاتهام الأخير فقط. وبحسب ادعاء فهمي التميمي؛ فإنّ كلّ من يعمل في السلطة الفلسطينية ويسكن في القدس الشرقية، يخرق القانون الإسرائيلي، ولكنه هو وحده من يواجه المحاسبة، مشيراً إلى أنّ اعتقاله ومنعه من مواصلة كشف الفساد بالسلطة هو خدمة للفاسدين. ويختم التميمي حديثه بتوجيه إنذار بالكشف عن المزيد من الوثائق "الأكثر خطورة"، إذا لم يتحرك محمود عباس لمكافحة الفاسدين. ويشير التميمي إلى أنّ وازعه في الكشف عن الفساد هو العمل بالحديث النبوي الشريف، الذي يشير إلى أنّ من "أعظم الجهاد كلمة حقّ أمام سلطان جائر". وكما بدأت حلقة البرنامج بمشهد التميمي وهو يرعى قبره، وفي الخلفية صوت المؤذن؛ تختتم الحلقة به وهو يفعل الشيء ذاته، في إشارة إلى ما قد يتعرّض له من خطر جراء ما كشف عنه. وكانت مصادر إعلامية إسرائيلية قد تحدثت عن أنّ محمود عباس قد طالب بعدم عرض التقرير الذي بثه برنامج "المصدر"، مهدداً في خطاب شديد اللهجة وجّهه إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأنه سيتستقيل من منصبه إذا ما تمّ نشر التقرير، كما ورد. |