قطز..سيف
سُلط على رقبة التتار
فتح التاريخ سجلاته ليظهر لنا أحد شخصياته البارزة، هو فارس
مسلم وأشهر سلاطين دولة المماليك قدر له الله سبحانه وتعالى أن يكون سبباً في رفعة
الإسلام والمسلمين وذلك عندما تمكن بحنكته العسكرية وقيادته لجيش المسلمين من إلحاق
الهزيمة بالتتار وكسر شوكتهم ووقف زحفهم، هو الفارس سيف الدين قطز الذي تمكن من ضم
معركة عين جالوت الحاسمة إلى سجل الانتصارات التي أحرزها المسلمون خلال التاريخ،
وذلك خلال فترة حكم قصيرة تربع فيها على عرش سلطنة مصر، قبل أن يتم اغتياله غدراً
على يد عدد من أمراء المماليك على رأسهم بيبرس
البندقداري، ليلقى حتفه في الثالث والعشرين من أكتوبر
1260م.
الدين
النشأة
ولد قطز أميراً مسلماً في ظل الدولة الخوارزمية فهو محمود بن
ممدود ابن أخت السلطان جلال الدين خوارزم شاه، الذي تم إختطافه عقب انهيار الدولة
الخوارزمية عام 1231م على يد المغول، وحمل هو وغيره من الأطفال إلى دمشق وتم بيعهم
في سوق الرقيق وأطلق عليه اسم "قطز"، ظل قطز عبد يباع ويشترى إلى أن انتهى به
المطاف في يد عز الدين أيبك أحد أمراء مماليك البيت الأيوبي
بمصر.
تعلم قطز اللغة العربية والقرآن الكريم ومبادئ الفقه الإسلامي،
وعندما وصل إلى مرحلة الشباب تدرب على الفروسية والمهارات القتالية واستخدام السيف
والرمح وغيرها من فنون الحرب، ونظراً لمهارته ارتقى قطز سريعاً حتى صار قائداً لجند
أيبك، ثم قائداً للجيوش عقب تربع عز الدين أيبك على عرش السلطنة مع زوجته شجرة
الدر.
الفارس الأول
بدأ دور قطز يتضح ويبرز أكثر عقب تولي عز الدين أيبك السلطنة في
مصر وأصبح قطز يده اليمنى، ولكن لم تكن الأوضاع مستقرة بالبلاد فبالإضافة لتهديد
التتار المستمر واستمرار زحفه على الدولة الإسلامية، كانت تدب الكثير من الخلافات
الداخلية والتي كان منبعها فارس الدين أقطاي زعيم المماليك البحرية، ومن حوله من
رجال وفرسان المماليك، فقد كان أقطاي يرغب في التربع على عرش السلطنة وانتزاعه من
أيبك، وشعر الأخير بالخطر الذي يشكله أقطاي فقرر التخلص منه وأوكل بهذه المهمة إلى
قطز، كما قام بالقبض على عدد من المماليك البحرية وفر الباقون إلى
الشام.
ولم يدم الحال بالنسبة لأيبك بعد ذلك كثيراً حيث مالبث أن قتل، وقتلت
من بعده زوجته شجرة الدر ليصعد المنصور نور الدين علي بن المعز أيبك إلى كرسي
السلطنة وكان طفلاً صغيراً لا يصلح لأمور السلطنة والحكم، فعمت الاضطرابات البلاد
والتي كان يثيرها عدد من المماليك البحرية الذين مكثوا في مصر، بالإضافة لأطماع
أمراء الشام الأيوبيين في الاستيلاء على الحكم، وتهديد التتار، فوقف قطز بالمرصاد
للثورات الداخلية والاضطرابات جميعاً وتمكن من القضاء على ثورات أمراء المماليك
البحرية ففروا إلى الشام، كما قاد الجيش وصد أمراء الشام الذين أرادوا غزو مصر،
وتمكن من بث الاستقرار ونشر الأمن.