تاريخ يافا القديم
فلسطين
يُشتقّ اسم فلسطين حسبَ المصادر الآشوريّة من الاسم "بيلشتي Peleshti"، وتشمل فلسطين جميع الأراضي الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسّط، وأطلق عليها قديمًا اسم أرض كنعان، وهي ذات تاريخٍ ضاربٍ منذ قديم الزمان، فلقد حوت أرض فلسطين العديد من الحضارات المهمّة على مدار التاريخ، ففلسطين دولةٌ عرييةٌ من بلاد الشام شرقي الأبيض المتوسط، وهي أحد البلدان المكونة لما يعرف بوحدة الهلال الخصيب، وعاصمتها القدس الشريف، وأما هذا المقال فسيتناول في سطوره التاليات تاريخ يافا القديم.[١]
تاريخ يافا القديم
إن يافا واحدةٌ من المدن الفلسطينيّة الساحليّة، وهي الآن تحت الاحتلال الصهيوني الذي بدأ مع منتصف القرن العشرين تقريبًا، لكنّها ومع هذا لا زالت تحتفظ بطابعها العربيّ خاصةً في أحيائها القديمة، ويسكن يافا حاليًا العرب من سكانها الأصليين إلى جانب المستوطنين اليهود، ويقول "لامرتين" أنّ اسم يافا منسوبٌ إلى ابن نوح -عليه السلام- "يافت"، ويضيف أن يافت هو من بناها، وأنها -أيْ يافا- كانت الشاطئ الذي بنى عليه نوحٌ -عليه السلام- سفينته، غير أنّ هذا الحديث غير مدعومٍ بأي ثابتٍ تاريخيٍّ؛ تقع المدينة على ساحل بلاد الشام ضمن منطقةٍ خصبةٍ معتدلة المُناخ، وتشتهر بزراعة الحمضيات خاصّةً بالبرتقال، فبرتقال يافا غنيٌّ عن التعريف.[٢]
ولِكَوْن يافا ذات موقعٍ استراتيجيٍّ ومهمٍ، حيث تقع على هضبةٍ مرتفعةٍ عن البحر إضافةً لوجودها في مفترق طرق التجارة القديمة، جعلها ذلك كله عرضةً للغزو والتدمير والتخريب، إذ شهدت يافا العديد من الدول والنزاعات، فتاريخ يافا القديم زاخرٌ بالكثير، فمثلًا وبحسب مراجع التاريخ اشتهرت يافا مع نهايات القرن 19 ق.م بحادثة النبي يونس -عليه السلام-، حيث ألقاه الحوت على شاطئها في موقعٍ يسمى "تل يونس".[٢]
يافا المدينة الكنعانية
يمتدّ تاريخ يافا القديم إلى حوالي 4000 آلافِ سنةٍ، فاسمُها في الأساس مأخوذٌ من اسمِها الكنعانيّ "يافي Yafi" ومعناه الجميلة، وجاء ذكر الاسم على واجهة معبد الكرنك بلفظ "يابو"، وهو تحريفٌ لاسمِها الكنعانيّ الأصل، حيث يرجع بناء يافا إلى منتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد في ثالث موجات الهجرة العربيّة من شبه الجزيرة، حيثُ أنشأها الكنعانيّون في بدايات القرن الرابع قبل الميلاد، وكانت يافا مملكةً كنعانيةً بحدّ ذاتها، وتتكوّن كما باقي المدن الكنعانية في الأساس من قلعةٍ أعلى الهضبة وبداخلها قصر الملك ودور العبادة، بينما تترامى بيوتٌ حجريةٌ إلى أسفلها باتجاه الساحل بشكل عشوائيٍّ، وتُحاط جميعها بسورٍ حجري ذي أبراجٍ، وكان لسورها بوابةٌ واحدة.[٣]
يافا في العصر الفرعوني
امتدّ الحكم الفرعوني في فلسطين عمومًا وفي يافا خاصّةً ما بين الفترة 2500- 853 قبل الميلاد، حيث ذكرت يافا ضمن المدن التي احتلَّها "تحتمس الثالث" في القرن 15 ق.م، إذْ أصبحَتْ يافا حينئذٍ قاعدةً بحريةً لجنود مصر، وازدهرت يافا في عهد "رعمسيس الثاني" خاصةً بعد انتصاره على الحثيين في القرن 13 ق.م، حيث تميّزت تلك الفترة من تاريخ يافا القديم بعمّالها المَهَرة، وبغنى أهلها، وكانت شهيرةً بجمال حدائقها وجودة ثمارها، وفي القرن 10 ق.م، كانت ضمن المناطق التي حكمها النبي داود -عليه السلام-، حيث شَكّلت معه مِصر تَحالفًا لحماية حدودها الشمالية مع الآشوريين، وظلّت يافا تحت حكم سليمان -عليه السلام- وعاشت في عهده ازدهارًا كبيرًا.[٤]
الحكم الآشوري والبابلي والفارسي
تمتدّ هذه المرحلة من تاريخ يافا في الفترة ما بين 803-332 ق.م، وتمتاز هذه الفترة بعدم الاستقرار والنزاع المضطرد، ما جعل المُدَد الزمنيّة لحكّامها قصيرةً مقارنةً بغيرها من الفترات، وتبدأ مع احتلال "سنحاريب" الآشوري ليافا، حيث خرّبها هي وغيرها من مدن الساحل الفلسطينيّ، وبحلولِ العام 587 ق.م احتلّها "نَبُوخَذ نصّر" وتحالف مع ملك مملكة يهودا منهيًا آمال الفراعنة ببسط نفوذهم في آسيا، وفي عام 538 ق.م دخلت الدولة الفارسية وامتلكت البلاد، حيث سمح "كورش" لليهود ببناء الهيكل بعد أن استولى على عموم فلسطين ومن ضمنها يافا.[٤]
الحكم اليوناني الهلنستي
تبدأ هذه المرحلة من حوالي عام 332 ق.م، وتمتدّ حتى العام 66 ق.م، وأول ما يجدر ذكره هنا هو أن الإسكندر الأكبر بنا أول دارٍ لسكّ النقود في فلسطين بعد احتلالها وكانت في يافا، وبموت الإسكندر عام 323 ق.م شهدت يافا نزاعًا بين قادته، مما أسهم وسرّع في دخولها تحت الحكم الهلنستيّ، وكان أهم من حكمها في تلك الفترة الملك بطليموس، الذي تعينه مصر ملكًا على فلسطين، وأخيرًا نال اليهود ما يشبه الاستقلال الذاتي بعد ثورة المكابين إبان حكم السلوقيّين ليافا.[٥]
الحكم الروماني البيزنطي
أما هذه المرحلة فتمتدّ بين عامَيْ 66 ق.م - 636 للميلاد، فبعد أن قضى الرومان على المكابيّين سياسيًّا أعلنوا مدن الساحل ومنها يافا مدنًا حرّةً وسمّوا فيها نقودًا جديدةً، حيث منح يوليوس قيصر مدينة يافا لِـ "أنتيباتر" ملك آدوم كمكافئةٍ؛ نظرًا لمساعدته في حملته على مصر، حوالَيْ العام 49 ق.م، ثمّ حكمتها كليوبترة لمدةٍ قصيرةٍ، قبل أن يستردّها "أغسطس قيصر" ويمنحها لِـ "هيرودس" عام 30 ق.م، وظلت يافا في تلك المرحلة عرضةً للحروب، حيث شهدت نوعًا من المنافسة في بسط النفوذ حتى حكمتها الإمبراطورية الرومانية الشرقية، وكان لهذه المرحلة سمةٌ بارزةٌ في النشاط التجاري.[٥]
الحكم العربي الإسلامي
فتحت يافا في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وكان ذلك على يد الصحابي عمرو بن العاص -رضي الله- عنه عام 636 للميلاد، وهو العام ذاته الذي دخل فيه عمر بن الخطاب إلى القدس، فظلت يافا مدينةً هامةً ومركز تجارةٍ رئيسٍ طوال فترة الحكم العربي الإسلامي، ويُذكر أن أحمد بن طولون وبعد استقلاله عن الدولة العباسية بنى قلعة يافا، وظلت يافا تحت الحكم الإسلامي حتى الدولة السلجوقية والتي شهدت فيها أولى الحملات الصليبية.[٥]
يافا فترة الحروب الصليبية
مع الحملة الصليبية الأولى عام 1099 وقت يافا تحت الحكم الصليبي؛ نظرًا لأهميتها ومينائها وأرضها، وظلت تحت حكمهم زمنًا، حتى هزمهم صلاح الدين الأيوبي عام 1187 للميلاد واسترد يافا منهم، وظلت كذلك قبل أن يتنازل عنها الملك العادل صلحًا للحملة الصليبية الخامسة عام 1197.[٦]
يافا في العهد المملوكي
فتح الظاهر بيبرس أول السلاطين المماليك مدينة يافا عام 1268 م، وأمر بهدمها لعدم استخدامها كنقطة إنزالٍ للجيوش في أي حملةٍ صليبيةٍ أخرى، لكنها لم تلبث كثيرًا قبل أن يُعاد بناؤها، وعاشت ازدهارًا جديدًا استمر لمدةٍ طويلةٍ، قبل أن يتم هدمها بأمرٍ من السلطان ناصر الدين بن قلاوون، وظلت تحت حكم المماليك حتى عام 1516 للميلاد.[٦]
الحكم العثماني ليافا
امتد الحكم العثماني ليافا ما يزيد عن ثلاثة قرونٍ، فمن حوالي عام 1517م، دخلت يافا تحت الحكم العثماني تابعةً لولاية دمشق، فأعيد بناها وجدد فيها الميناء، وبلغ عدد بيوتها عام 1766م، حوالي 500 بيت، غير أنها تعرضت لعدة حملاتٍ بدأت مع أبو الذهب المملوكي، وانتهت بحملة نابليون الذي حاصرها مدةً طويلةً وقتل 4000 من أهلها بعد أن أعطاهم الأمان، واستمرّ احتلاله وتخريبها لها قرابة الثلاثة أشهر، لاحقًا وفي عام 1818م، أعاد الحاكم العثماني محمد آغا أبو نبوت تعميرها، وبلغ عدد سكانها 6000 نسمة.[٧]
يافا في عهد إبراهيم باشا
بعد حصارٍ وترقبٍ عام 1831م، أجمع وجهاء يافا على تسليم المدينة لإبراهيم باشا دون مقاومةٍ، فازدهرت التجارة وانتشرت مصانع الصابون والفخار واتسع بنيانها وزاد ساكنوها، حتى بلغ عدد سكانها حوالي 15000 ألف نسمةٍ، وفي عام 1840م وتحت ظروفٍ كثيرةٍ، عاد إبراهيم باشا إلى مصر، غير أن مئات العائلات المصرية بقيت في يافا.[٧]
يافا قبل الحرب العالمية الأولى
بلغت يافا ذروة النشاط الاقتصادي مع القرن الجديد، حيث بلغت واردات ميناء يافا عام 1913م ما مقداره 1312600 جنيه إنجليزي، وبلغت الصادرات، 745400، فكان متوسط عدد البواخر التي ترسو في الميناء حوالي 670 باخرة سنويًا، وفي عام 1911م مثلًا صدّرت يافا 870000 صندوق برتقال، وبلغت ذروة الحياة المدنية حيث كان فيها قبل الحرب العالمية الأولى 55 مدرسة، والعديد من المطابع، وكانت تصدر فيه سبع صحفٍ ومطلةٍ هي الأولى في فلسطين، وبلغ عدد سكانها قبل الحرب العالمية الأولى ما يزيد عن 70000 ألف نسمة، غير الآلاف من الزوار والمقيمين.[٨]
المراجع
1 . ↑ سامي الأحمد (1979)، تاريخ فلسطين القديم (الطبعة 1)، بغداد-العراق: مركز الدراسات الفلسطينية، صفحة 41،42،43،45. بتصرّف.
2 . ^ أ ب أحمد الدجاني، مدينة يافا في ذاكرة التاريخ (الطبعة 1)، صفحة 20،21. بتصرّف.
3 . ↑ أحمد المرعشلي، عبدالهادي هاشم، أنيس الصايغ (1984)، الموسوعة الفلسطينية (الطبعة 1)، دمشق- سوريا: هيئة الموسوعة الفلسطينية، صفحة 608، جزء 4. بتصرّف.
4 . ^ أ ب أحمد المرعشلي، عبدالهادي هاشم، أنيس الصايغ (1984)، الموسوعة الفلسطينية (الطبعة 1)، دمشق سوريا: هيئة الموسوعة الفلسطينية، صفحة 609، جزء 4. بتصرّف.
5 . ^ أ ب ت أحمد المرعشلي، عبد الهادي هاشم، أنيس صايغ (1984)، الموسوعة الفلسطينية (الطبعة 1)، دمشق-سوريا: هيئة الموسوعة الفلسطينية، صفحة 609،610، جزء 4. بتصرّف.
6 . ^ أ ب أحمد المرعشلي، عبدالهادي هاشم، أنيس صايغ (1984)، الموسوعة الفلسطينية (الطبعة 1)، دمشق- سوريا: هيئة الموسوعة الفلسطينية، صفحة 611، جزء 4. بتصرّف.
7 . ^ أ ب أحمد المرعشلي، عبدالهادي هاشم، أنيس صايغ (1984)، الموسوعة الفلسطينية (الطبعة 1)، دمشق- سوريا: هيئة الموسوعة الفلسطينية، صفحة 611،612، جزء 4. بتصرّف.
8 . ↑ أحمد المرعشلي، عبدالهادي هاشم، أنيس صايغ (1984)، الموسوعة الفلسطينية (الطبعة 1)، دمشق- سوريا: هيئة الموسوعة الفلسطينية، صفحة 613، جزء 4. بتصرّف.
فلسطين
يُشتقّ اسم فلسطين حسبَ المصادر الآشوريّة من الاسم "بيلشتي Peleshti"، وتشمل فلسطين جميع الأراضي الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسّط، وأطلق عليها قديمًا اسم أرض كنعان، وهي ذات تاريخٍ ضاربٍ منذ قديم الزمان، فلقد حوت أرض فلسطين العديد من الحضارات المهمّة على مدار التاريخ، ففلسطين دولةٌ عرييةٌ من بلاد الشام شرقي الأبيض المتوسط، وهي أحد البلدان المكونة لما يعرف بوحدة الهلال الخصيب، وعاصمتها القدس الشريف، وأما هذا المقال فسيتناول في سطوره التاليات تاريخ يافا القديم.[١]
تاريخ يافا القديم
إن يافا واحدةٌ من المدن الفلسطينيّة الساحليّة، وهي الآن تحت الاحتلال الصهيوني الذي بدأ مع منتصف القرن العشرين تقريبًا، لكنّها ومع هذا لا زالت تحتفظ بطابعها العربيّ خاصةً في أحيائها القديمة، ويسكن يافا حاليًا العرب من سكانها الأصليين إلى جانب المستوطنين اليهود، ويقول "لامرتين" أنّ اسم يافا منسوبٌ إلى ابن نوح -عليه السلام- "يافت"، ويضيف أن يافت هو من بناها، وأنها -أيْ يافا- كانت الشاطئ الذي بنى عليه نوحٌ -عليه السلام- سفينته، غير أنّ هذا الحديث غير مدعومٍ بأي ثابتٍ تاريخيٍّ؛ تقع المدينة على ساحل بلاد الشام ضمن منطقةٍ خصبةٍ معتدلة المُناخ، وتشتهر بزراعة الحمضيات خاصّةً بالبرتقال، فبرتقال يافا غنيٌّ عن التعريف.[٢]
ولِكَوْن يافا ذات موقعٍ استراتيجيٍّ ومهمٍ، حيث تقع على هضبةٍ مرتفعةٍ عن البحر إضافةً لوجودها في مفترق طرق التجارة القديمة، جعلها ذلك كله عرضةً للغزو والتدمير والتخريب، إذ شهدت يافا العديد من الدول والنزاعات، فتاريخ يافا القديم زاخرٌ بالكثير، فمثلًا وبحسب مراجع التاريخ اشتهرت يافا مع نهايات القرن 19 ق.م بحادثة النبي يونس -عليه السلام-، حيث ألقاه الحوت على شاطئها في موقعٍ يسمى "تل يونس".[٢]
يافا المدينة الكنعانية
يمتدّ تاريخ يافا القديم إلى حوالي 4000 آلافِ سنةٍ، فاسمُها في الأساس مأخوذٌ من اسمِها الكنعانيّ "يافي Yafi" ومعناه الجميلة، وجاء ذكر الاسم على واجهة معبد الكرنك بلفظ "يابو"، وهو تحريفٌ لاسمِها الكنعانيّ الأصل، حيث يرجع بناء يافا إلى منتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد في ثالث موجات الهجرة العربيّة من شبه الجزيرة، حيثُ أنشأها الكنعانيّون في بدايات القرن الرابع قبل الميلاد، وكانت يافا مملكةً كنعانيةً بحدّ ذاتها، وتتكوّن كما باقي المدن الكنعانية في الأساس من قلعةٍ أعلى الهضبة وبداخلها قصر الملك ودور العبادة، بينما تترامى بيوتٌ حجريةٌ إلى أسفلها باتجاه الساحل بشكل عشوائيٍّ، وتُحاط جميعها بسورٍ حجري ذي أبراجٍ، وكان لسورها بوابةٌ واحدة.[٣]
يافا في العصر الفرعوني
امتدّ الحكم الفرعوني في فلسطين عمومًا وفي يافا خاصّةً ما بين الفترة 2500- 853 قبل الميلاد، حيث ذكرت يافا ضمن المدن التي احتلَّها "تحتمس الثالث" في القرن 15 ق.م، إذْ أصبحَتْ يافا حينئذٍ قاعدةً بحريةً لجنود مصر، وازدهرت يافا في عهد "رعمسيس الثاني" خاصةً بعد انتصاره على الحثيين في القرن 13 ق.م، حيث تميّزت تلك الفترة من تاريخ يافا القديم بعمّالها المَهَرة، وبغنى أهلها، وكانت شهيرةً بجمال حدائقها وجودة ثمارها، وفي القرن 10 ق.م، كانت ضمن المناطق التي حكمها النبي داود -عليه السلام-، حيث شَكّلت معه مِصر تَحالفًا لحماية حدودها الشمالية مع الآشوريين، وظلّت يافا تحت حكم سليمان -عليه السلام- وعاشت في عهده ازدهارًا كبيرًا.[٤]
الحكم الآشوري والبابلي والفارسي
تمتدّ هذه المرحلة من تاريخ يافا في الفترة ما بين 803-332 ق.م، وتمتاز هذه الفترة بعدم الاستقرار والنزاع المضطرد، ما جعل المُدَد الزمنيّة لحكّامها قصيرةً مقارنةً بغيرها من الفترات، وتبدأ مع احتلال "سنحاريب" الآشوري ليافا، حيث خرّبها هي وغيرها من مدن الساحل الفلسطينيّ، وبحلولِ العام 587 ق.م احتلّها "نَبُوخَذ نصّر" وتحالف مع ملك مملكة يهودا منهيًا آمال الفراعنة ببسط نفوذهم في آسيا، وفي عام 538 ق.م دخلت الدولة الفارسية وامتلكت البلاد، حيث سمح "كورش" لليهود ببناء الهيكل بعد أن استولى على عموم فلسطين ومن ضمنها يافا.[٤]
الحكم اليوناني الهلنستي
تبدأ هذه المرحلة من حوالي عام 332 ق.م، وتمتدّ حتى العام 66 ق.م، وأول ما يجدر ذكره هنا هو أن الإسكندر الأكبر بنا أول دارٍ لسكّ النقود في فلسطين بعد احتلالها وكانت في يافا، وبموت الإسكندر عام 323 ق.م شهدت يافا نزاعًا بين قادته، مما أسهم وسرّع في دخولها تحت الحكم الهلنستيّ، وكان أهم من حكمها في تلك الفترة الملك بطليموس، الذي تعينه مصر ملكًا على فلسطين، وأخيرًا نال اليهود ما يشبه الاستقلال الذاتي بعد ثورة المكابين إبان حكم السلوقيّين ليافا.[٥]
الحكم الروماني البيزنطي
أما هذه المرحلة فتمتدّ بين عامَيْ 66 ق.م - 636 للميلاد، فبعد أن قضى الرومان على المكابيّين سياسيًّا أعلنوا مدن الساحل ومنها يافا مدنًا حرّةً وسمّوا فيها نقودًا جديدةً، حيث منح يوليوس قيصر مدينة يافا لِـ "أنتيباتر" ملك آدوم كمكافئةٍ؛ نظرًا لمساعدته في حملته على مصر، حوالَيْ العام 49 ق.م، ثمّ حكمتها كليوبترة لمدةٍ قصيرةٍ، قبل أن يستردّها "أغسطس قيصر" ويمنحها لِـ "هيرودس" عام 30 ق.م، وظلت يافا في تلك المرحلة عرضةً للحروب، حيث شهدت نوعًا من المنافسة في بسط النفوذ حتى حكمتها الإمبراطورية الرومانية الشرقية، وكان لهذه المرحلة سمةٌ بارزةٌ في النشاط التجاري.[٥]
الحكم العربي الإسلامي
فتحت يافا في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وكان ذلك على يد الصحابي عمرو بن العاص -رضي الله- عنه عام 636 للميلاد، وهو العام ذاته الذي دخل فيه عمر بن الخطاب إلى القدس، فظلت يافا مدينةً هامةً ومركز تجارةٍ رئيسٍ طوال فترة الحكم العربي الإسلامي، ويُذكر أن أحمد بن طولون وبعد استقلاله عن الدولة العباسية بنى قلعة يافا، وظلت يافا تحت الحكم الإسلامي حتى الدولة السلجوقية والتي شهدت فيها أولى الحملات الصليبية.[٥]
يافا فترة الحروب الصليبية
مع الحملة الصليبية الأولى عام 1099 وقت يافا تحت الحكم الصليبي؛ نظرًا لأهميتها ومينائها وأرضها، وظلت تحت حكمهم زمنًا، حتى هزمهم صلاح الدين الأيوبي عام 1187 للميلاد واسترد يافا منهم، وظلت كذلك قبل أن يتنازل عنها الملك العادل صلحًا للحملة الصليبية الخامسة عام 1197.[٦]
يافا في العهد المملوكي
فتح الظاهر بيبرس أول السلاطين المماليك مدينة يافا عام 1268 م، وأمر بهدمها لعدم استخدامها كنقطة إنزالٍ للجيوش في أي حملةٍ صليبيةٍ أخرى، لكنها لم تلبث كثيرًا قبل أن يُعاد بناؤها، وعاشت ازدهارًا جديدًا استمر لمدةٍ طويلةٍ، قبل أن يتم هدمها بأمرٍ من السلطان ناصر الدين بن قلاوون، وظلت تحت حكم المماليك حتى عام 1516 للميلاد.[٦]
الحكم العثماني ليافا
امتد الحكم العثماني ليافا ما يزيد عن ثلاثة قرونٍ، فمن حوالي عام 1517م، دخلت يافا تحت الحكم العثماني تابعةً لولاية دمشق، فأعيد بناها وجدد فيها الميناء، وبلغ عدد بيوتها عام 1766م، حوالي 500 بيت، غير أنها تعرضت لعدة حملاتٍ بدأت مع أبو الذهب المملوكي، وانتهت بحملة نابليون الذي حاصرها مدةً طويلةً وقتل 4000 من أهلها بعد أن أعطاهم الأمان، واستمرّ احتلاله وتخريبها لها قرابة الثلاثة أشهر، لاحقًا وفي عام 1818م، أعاد الحاكم العثماني محمد آغا أبو نبوت تعميرها، وبلغ عدد سكانها 6000 نسمة.[٧]
يافا في عهد إبراهيم باشا
بعد حصارٍ وترقبٍ عام 1831م، أجمع وجهاء يافا على تسليم المدينة لإبراهيم باشا دون مقاومةٍ، فازدهرت التجارة وانتشرت مصانع الصابون والفخار واتسع بنيانها وزاد ساكنوها، حتى بلغ عدد سكانها حوالي 15000 ألف نسمةٍ، وفي عام 1840م وتحت ظروفٍ كثيرةٍ، عاد إبراهيم باشا إلى مصر، غير أن مئات العائلات المصرية بقيت في يافا.[٧]
يافا قبل الحرب العالمية الأولى
بلغت يافا ذروة النشاط الاقتصادي مع القرن الجديد، حيث بلغت واردات ميناء يافا عام 1913م ما مقداره 1312600 جنيه إنجليزي، وبلغت الصادرات، 745400، فكان متوسط عدد البواخر التي ترسو في الميناء حوالي 670 باخرة سنويًا، وفي عام 1911م مثلًا صدّرت يافا 870000 صندوق برتقال، وبلغت ذروة الحياة المدنية حيث كان فيها قبل الحرب العالمية الأولى 55 مدرسة، والعديد من المطابع، وكانت تصدر فيه سبع صحفٍ ومطلةٍ هي الأولى في فلسطين، وبلغ عدد سكانها قبل الحرب العالمية الأولى ما يزيد عن 70000 ألف نسمة، غير الآلاف من الزوار والمقيمين.[٨]
المراجع
1 . ↑ سامي الأحمد (1979)، تاريخ فلسطين القديم (الطبعة 1)، بغداد-العراق: مركز الدراسات الفلسطينية، صفحة 41،42،43،45. بتصرّف.
2 . ^ أ ب أحمد الدجاني، مدينة يافا في ذاكرة التاريخ (الطبعة 1)، صفحة 20،21. بتصرّف.
3 . ↑ أحمد المرعشلي، عبدالهادي هاشم، أنيس الصايغ (1984)، الموسوعة الفلسطينية (الطبعة 1)، دمشق- سوريا: هيئة الموسوعة الفلسطينية، صفحة 608، جزء 4. بتصرّف.
4 . ^ أ ب أحمد المرعشلي، عبدالهادي هاشم، أنيس الصايغ (1984)، الموسوعة الفلسطينية (الطبعة 1)، دمشق سوريا: هيئة الموسوعة الفلسطينية، صفحة 609، جزء 4. بتصرّف.
5 . ^ أ ب ت أحمد المرعشلي، عبد الهادي هاشم، أنيس صايغ (1984)، الموسوعة الفلسطينية (الطبعة 1)، دمشق-سوريا: هيئة الموسوعة الفلسطينية، صفحة 609،610، جزء 4. بتصرّف.
6 . ^ أ ب أحمد المرعشلي، عبدالهادي هاشم، أنيس صايغ (1984)، الموسوعة الفلسطينية (الطبعة 1)، دمشق- سوريا: هيئة الموسوعة الفلسطينية، صفحة 611، جزء 4. بتصرّف.
7 . ^ أ ب أحمد المرعشلي، عبدالهادي هاشم، أنيس صايغ (1984)، الموسوعة الفلسطينية (الطبعة 1)، دمشق- سوريا: هيئة الموسوعة الفلسطينية، صفحة 611،612، جزء 4. بتصرّف.
8 . ↑ أحمد المرعشلي، عبدالهادي هاشم، أنيس صايغ (1984)، الموسوعة الفلسطينية (الطبعة 1)، دمشق- سوريا: هيئة الموسوعة الفلسطينية، صفحة 613، جزء 4. بتصرّف.