كيف كان يعيش السوفييت منذ ستالين وحتى غورباتشوف؟!
عايش المواطنون السوفيات حالات مد وجزر وصعود وهبوط في مستوياتهم المعيشية، تراوحت بين الانحدار إلى عتبات الفقر، والارتقاء إلى عيش رغيد لا يقل عن نظرائهم الغربيين.
ففي السنوات الأولى التي أعقبت انتصار الثورة الاشتراكية ووصول البلاشفة إلى السلطة، بذلت السلطات السوفيتية الجديدة كل ما بوسعها للخروج بالبلاد من حالة الخراب التي عمّتها بسبب الثورة التي هزّت العالم، حسب وصف الكاتب الأمريكي جون ريد آنذاك. لدرجة أن الزعيم السوفيتي، نيكيتا خروشوف، وصف تلك المرحلة بالقول: " "لقد أطحنا بالقيصرية، والبرجوازية، وفزنا بحريتنا، لكن الناس يعيشون أسوأ من ذي قبل!" فالأجور بعد الثورة تتهاوى بينما الأسعار تواصل ارتفاعها.
وفي منتصف الثلاثينات فقط، أي في السنة السابعة من بدء التصنيع، صار الاتحاد السوفياتي قادرا على الوصول إلى مستوى عال من التنمية الصناعية، وتوفير السلع الأساسية لمواطنيه. وعلاوة على ذلك، أصبح الاتحاد السوفياتي بحلول ذلك الوقت، الدولة الأولى في العالم من حيث التغلب على مشكلة البطالة.
بعد ذلك، تمكن الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين، من إحياء الإنتاج الوطني. فعشية اندلاع الحرب العالمية الثانية، التي يسميها الروس الحرب الوطنية العظمى، احتل اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية من حيث الناتج الصناعي الإجمالي المرتبة الثانية بين الدول في العالم، خلف الولايات المتحدة، ومتقدما بفارق كبير عن الدول الأوروبية المتقدمة. لذلك تمكنت هذه الدولة الفتية بعد نهاية الحرب، من التغلب على الدمار في وقت قصير. في عام 1946، ارتفعت أجور العمال والمهندسين العاملين في المؤسسات ومواقع البناء في الأورال وسيبيريا والشرق الأقصى بنسبة 20٪. وازدادت رواتب المواطنين ذوي التعليم الثانوي والعالي بنفس المقدار، بما في ذلك الأطباء والمعلمين والعاملين في مجال البحوث العلمية.
وبلغ مستوى معيشة مواطني الاتحاد السوفياتي بحلول عام 1953، أي لحظة وفاة ستالين، حدا موازيا وأحيانا متفوقا على مستوى نظرائهم الغربيين. وكان أكثر السكان حظا في هذا المجال هم موظفو مؤسسات الصناعات الدفاعية، ومكاتب التصميم والهندسة ، والمؤسسات العلمية، وأساتذة الجامعات، والأطباء، والفنانون، والمتطوعون في الجيش، وفقا لدراسات المكتب المركزي للإحصاء، ومنظمات المجتمع المدني.
وفي عام 1953، كان متوسط الرواتب في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية 719 روبلا، أي حوالي 1600 - 1700 دولار بأسعار اليوم.
بعد وصول خروشوف إلى السلطة، استمر مستوى معيشة المواطنين السوفيات في النمو. وفي عام 1957، رفعت رواتب الفئات المنخفضة الأجر من العمال والموظفين، ومن عام 1959 إلى عام 1965، كان متوسط المرتبات أعلى بنحو 1.5 مرة. وفي عام 1964، أدخل لأول مرة مخصص للمعاشات التقاعدية للمزارعين الجماعيين، كما ألغيت الرسوم الدراسية. واستثمرت السلطات الكثير في مجال الصحة، وفي ذلك الوقت حدثت طفرة في متوسط أعمار المواطنين.
والأمر الأكثر تذكيرا بمنجزات خرشوف، تمثل في الطفرة العمرانية التي أحدثها هذا الزعيم السوفياتي، إذ انتقل من عام 1956 إلى عام 1960، أكثر من 50 مليون مواطن، أي ما يقارب ربع سكان الاتحاد السوفياتي للعيش في شقق جديدة خاصة بهم، وهذا شكّل نقلة نوعية في مستويات عيش وحياة المواطنين، حتى ولو كانت تلك الشقق ذات مساحات بسيطة وصغيرة.
ومع انتهاء عهد خروشوف، الذي سعى للحاق بأمريكا وتجاوزها في كل المجالات، بدأت فترة الاستقرار التصاعدي مع وصول ليونيد بريجنيف إلى سدّة السلطة، فاستقرت حياة المواطنين السوفيات. وإذا أخذنا في الاعتبار مؤشر التنمية البشرية الحالي، فإن الاتحاد السوفييتي كان من بين البلدان الخمسة الأكثر تقدما من حيث مؤشراته الاقتصادية.
البروفيسور سيرغي لوباتنيكوف الذين عاش في الولايات المتحدة في ذلك الوقت، وعمل في مركز جامعة المواد المركبة من ولاية ديلاوير، أكد أن مستوى معيشة المواطنين السوفيات في ثمانينات القرن الماضي، لم يكن موازيا فقط لمستوى الحياة في الولايات المتحدة، بل كان من بعض النواحي متفوقا على نوعية حياة 80% من الأمريكيين في ذلك الوقت.
وفي عهد بريجنيف طرأ تحسن كبير على قطاع الزراعة، وصناعة النفط والغاز وصناعة الفضاء. وكان متوسط الراتب في البلاد يبلغ 120-130 روبلا. وفي عام 1970 كان من الممكن العيش براحة وكفاية براتب المنح الدراسية التي كانت تقدّم للطلاب وتبلغ ما بين 30 و 50 روبلا.
وفي عهد بريجنيف، أتيحت الفرصة لتطوير المزارع الشخصية والفرعية. وصار شائعا ما أصبح يعرف بـ"الاقتصاد الشخصي" الذي بات شعار المرحلة في ذلك الوقت. وقد اشترت الدولة الفائض من المنتجات الزراعية من خلال نظام التعاون الاستهلاكي بين السكان، في حين ارتفعت الأسعار بنسبة 30-40 في المائة عما كانت عليه عند الشراء من المزارع الجماعية ومزارع الدولة.
وخلال فترة حكم بريجنيف التي استمرت 18 عاما، تم بناء حوالى 1.6 مليار متر مربع من الشقق السكنية الفسيحة والمجهزة تجهيزا جيدا ، انتقل إليها 162 مليون شخص من الشقق الضيقة التي بناها سلفه خروشوف.
وبحلول عام 1985، احتل الاتحاد السوفياتي المركز الأول في أوروبا والثاني في العالم (بعد الولايات المتحدة الأمريكية) من حيث الإنتاج الصناعي والزراعي. وكان متوسط الراتب لعام 1985 في جمهورية روسيا السوفياتية يعادل 199 روبلا، فيما النفقات الشهرية العادية من دفع السكن والغذاء والنقل والخدمات الضرورية الأخرى لا تتجاوز 50٪ من الدخل، مما سمح للمواطنين السوفيات بتوفير المال بشكل جدي.
وظل مستوى معيشة السكان مرتفعا بشكل ثابت، على الرغم من أن المؤشرات الاقتصادية كانت قد بدأت بالفعل في إظهار الاتجاهات السلبية الأولى. ولم يؤثر الزعيمان يوري أندروبوف و قسطنطين تشرنينكو بشكل كبير على الوضع، على الرغم من أن أندروبوف حاول جاهدا ضخ دماء جديدة فى الحياة الاجتماعية والاقتصادية للبلاد.
هوت بيروسترويكا ميخائيل غورباتشوف، المصممة لتحويل وجه الاشتراكية، بالاقتصاد السوفياتي نحو الحضيض، وأدت إلى نتائج لا يمكن التنبؤ بها تماما. فبدأ الخمول في الجهاز الإداري المتضخم ، وبدأت نوعية حياة المواطنين بالانخفاض على نحو متواتر. وبحلول منتصف عام 1990 أصبح من الواضح، أن التحولات السياسية تجاوزت الأساليب الاشتراكية في إدارة الاقتصاد الوطني واعتبرت أنه عفا عليها الزمن: فالبلد صار على وشك إصلاحات اقتصاد السوق.
وبحلول عام 1991، ارتفعت أسعار المنتجات الغذائية والنقل والمرافق بنسبة تتراوح بين 2 و 4 مرات، نتيجة سياسات البيروسترويكا. وبدأت أزمات منتظمة في تزويد المواطنين بالمواد الأساسية، مما أدى إلى أزمة نقص في التبغ والسكر والفودكا. وأصبحت العديد من السلع الأساسية متاحة فقط عن طريق القسائم الحكومية. ولأول مرة منذ وقت بعيد، واجه البلد مشكلة صفوف الطوابير الطويلة للحصول على ما يبقي على قيد الحياة. وكان العجز في ميزانية الدولة، أي زيادة الإنفاق على الدخل، وفقا لتقديرات مختلفة، من 20% إلى 30% من الناتج المحلي الإجمالي. وصارت البطالة وعمليات فرض الأتاوات من الأمور الشائعة. وتدحرجت البلاد تدريجيا نحو إعادة توزيع الممتلكات العامة...ولكن بقي السؤال على من؟ وكيف؟.
عايش المواطنون السوفيات حالات مد وجزر وصعود وهبوط في مستوياتهم المعيشية، تراوحت بين الانحدار إلى عتبات الفقر، والارتقاء إلى عيش رغيد لا يقل عن نظرائهم الغربيين.
ففي السنوات الأولى التي أعقبت انتصار الثورة الاشتراكية ووصول البلاشفة إلى السلطة، بذلت السلطات السوفيتية الجديدة كل ما بوسعها للخروج بالبلاد من حالة الخراب التي عمّتها بسبب الثورة التي هزّت العالم، حسب وصف الكاتب الأمريكي جون ريد آنذاك. لدرجة أن الزعيم السوفيتي، نيكيتا خروشوف، وصف تلك المرحلة بالقول: " "لقد أطحنا بالقيصرية، والبرجوازية، وفزنا بحريتنا، لكن الناس يعيشون أسوأ من ذي قبل!" فالأجور بعد الثورة تتهاوى بينما الأسعار تواصل ارتفاعها.
وفي منتصف الثلاثينات فقط، أي في السنة السابعة من بدء التصنيع، صار الاتحاد السوفياتي قادرا على الوصول إلى مستوى عال من التنمية الصناعية، وتوفير السلع الأساسية لمواطنيه. وعلاوة على ذلك، أصبح الاتحاد السوفياتي بحلول ذلك الوقت، الدولة الأولى في العالم من حيث التغلب على مشكلة البطالة.
بعد ذلك، تمكن الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين، من إحياء الإنتاج الوطني. فعشية اندلاع الحرب العالمية الثانية، التي يسميها الروس الحرب الوطنية العظمى، احتل اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية من حيث الناتج الصناعي الإجمالي المرتبة الثانية بين الدول في العالم، خلف الولايات المتحدة، ومتقدما بفارق كبير عن الدول الأوروبية المتقدمة. لذلك تمكنت هذه الدولة الفتية بعد نهاية الحرب، من التغلب على الدمار في وقت قصير. في عام 1946، ارتفعت أجور العمال والمهندسين العاملين في المؤسسات ومواقع البناء في الأورال وسيبيريا والشرق الأقصى بنسبة 20٪. وازدادت رواتب المواطنين ذوي التعليم الثانوي والعالي بنفس المقدار، بما في ذلك الأطباء والمعلمين والعاملين في مجال البحوث العلمية.
وبلغ مستوى معيشة مواطني الاتحاد السوفياتي بحلول عام 1953، أي لحظة وفاة ستالين، حدا موازيا وأحيانا متفوقا على مستوى نظرائهم الغربيين. وكان أكثر السكان حظا في هذا المجال هم موظفو مؤسسات الصناعات الدفاعية، ومكاتب التصميم والهندسة ، والمؤسسات العلمية، وأساتذة الجامعات، والأطباء، والفنانون، والمتطوعون في الجيش، وفقا لدراسات المكتب المركزي للإحصاء، ومنظمات المجتمع المدني.
وفي عام 1953، كان متوسط الرواتب في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية 719 روبلا، أي حوالي 1600 - 1700 دولار بأسعار اليوم.
بعد وصول خروشوف إلى السلطة، استمر مستوى معيشة المواطنين السوفيات في النمو. وفي عام 1957، رفعت رواتب الفئات المنخفضة الأجر من العمال والموظفين، ومن عام 1959 إلى عام 1965، كان متوسط المرتبات أعلى بنحو 1.5 مرة. وفي عام 1964، أدخل لأول مرة مخصص للمعاشات التقاعدية للمزارعين الجماعيين، كما ألغيت الرسوم الدراسية. واستثمرت السلطات الكثير في مجال الصحة، وفي ذلك الوقت حدثت طفرة في متوسط أعمار المواطنين.
والأمر الأكثر تذكيرا بمنجزات خرشوف، تمثل في الطفرة العمرانية التي أحدثها هذا الزعيم السوفياتي، إذ انتقل من عام 1956 إلى عام 1960، أكثر من 50 مليون مواطن، أي ما يقارب ربع سكان الاتحاد السوفياتي للعيش في شقق جديدة خاصة بهم، وهذا شكّل نقلة نوعية في مستويات عيش وحياة المواطنين، حتى ولو كانت تلك الشقق ذات مساحات بسيطة وصغيرة.
ومع انتهاء عهد خروشوف، الذي سعى للحاق بأمريكا وتجاوزها في كل المجالات، بدأت فترة الاستقرار التصاعدي مع وصول ليونيد بريجنيف إلى سدّة السلطة، فاستقرت حياة المواطنين السوفيات. وإذا أخذنا في الاعتبار مؤشر التنمية البشرية الحالي، فإن الاتحاد السوفييتي كان من بين البلدان الخمسة الأكثر تقدما من حيث مؤشراته الاقتصادية.
البروفيسور سيرغي لوباتنيكوف الذين عاش في الولايات المتحدة في ذلك الوقت، وعمل في مركز جامعة المواد المركبة من ولاية ديلاوير، أكد أن مستوى معيشة المواطنين السوفيات في ثمانينات القرن الماضي، لم يكن موازيا فقط لمستوى الحياة في الولايات المتحدة، بل كان من بعض النواحي متفوقا على نوعية حياة 80% من الأمريكيين في ذلك الوقت.
وفي عهد بريجنيف طرأ تحسن كبير على قطاع الزراعة، وصناعة النفط والغاز وصناعة الفضاء. وكان متوسط الراتب في البلاد يبلغ 120-130 روبلا. وفي عام 1970 كان من الممكن العيش براحة وكفاية براتب المنح الدراسية التي كانت تقدّم للطلاب وتبلغ ما بين 30 و 50 روبلا.
وفي عهد بريجنيف، أتيحت الفرصة لتطوير المزارع الشخصية والفرعية. وصار شائعا ما أصبح يعرف بـ"الاقتصاد الشخصي" الذي بات شعار المرحلة في ذلك الوقت. وقد اشترت الدولة الفائض من المنتجات الزراعية من خلال نظام التعاون الاستهلاكي بين السكان، في حين ارتفعت الأسعار بنسبة 30-40 في المائة عما كانت عليه عند الشراء من المزارع الجماعية ومزارع الدولة.
وخلال فترة حكم بريجنيف التي استمرت 18 عاما، تم بناء حوالى 1.6 مليار متر مربع من الشقق السكنية الفسيحة والمجهزة تجهيزا جيدا ، انتقل إليها 162 مليون شخص من الشقق الضيقة التي بناها سلفه خروشوف.
وبحلول عام 1985، احتل الاتحاد السوفياتي المركز الأول في أوروبا والثاني في العالم (بعد الولايات المتحدة الأمريكية) من حيث الإنتاج الصناعي والزراعي. وكان متوسط الراتب لعام 1985 في جمهورية روسيا السوفياتية يعادل 199 روبلا، فيما النفقات الشهرية العادية من دفع السكن والغذاء والنقل والخدمات الضرورية الأخرى لا تتجاوز 50٪ من الدخل، مما سمح للمواطنين السوفيات بتوفير المال بشكل جدي.
وظل مستوى معيشة السكان مرتفعا بشكل ثابت، على الرغم من أن المؤشرات الاقتصادية كانت قد بدأت بالفعل في إظهار الاتجاهات السلبية الأولى. ولم يؤثر الزعيمان يوري أندروبوف و قسطنطين تشرنينكو بشكل كبير على الوضع، على الرغم من أن أندروبوف حاول جاهدا ضخ دماء جديدة فى الحياة الاجتماعية والاقتصادية للبلاد.
هوت بيروسترويكا ميخائيل غورباتشوف، المصممة لتحويل وجه الاشتراكية، بالاقتصاد السوفياتي نحو الحضيض، وأدت إلى نتائج لا يمكن التنبؤ بها تماما. فبدأ الخمول في الجهاز الإداري المتضخم ، وبدأت نوعية حياة المواطنين بالانخفاض على نحو متواتر. وبحلول منتصف عام 1990 أصبح من الواضح، أن التحولات السياسية تجاوزت الأساليب الاشتراكية في إدارة الاقتصاد الوطني واعتبرت أنه عفا عليها الزمن: فالبلد صار على وشك إصلاحات اقتصاد السوق.
وبحلول عام 1991، ارتفعت أسعار المنتجات الغذائية والنقل والمرافق بنسبة تتراوح بين 2 و 4 مرات، نتيجة سياسات البيروسترويكا. وبدأت أزمات منتظمة في تزويد المواطنين بالمواد الأساسية، مما أدى إلى أزمة نقص في التبغ والسكر والفودكا. وأصبحت العديد من السلع الأساسية متاحة فقط عن طريق القسائم الحكومية. ولأول مرة منذ وقت بعيد، واجه البلد مشكلة صفوف الطوابير الطويلة للحصول على ما يبقي على قيد الحياة. وكان العجز في ميزانية الدولة، أي زيادة الإنفاق على الدخل، وفقا لتقديرات مختلفة، من 20% إلى 30% من الناتج المحلي الإجمالي. وصارت البطالة وعمليات فرض الأتاوات من الأمور الشائعة. وتدحرجت البلاد تدريجيا نحو إعادة توزيع الممتلكات العامة...ولكن بقي السؤال على من؟ وكيف؟.