نذر حرب إقليمية تلوح في منطقة الشرق الأوسط
تنذر التطورات الأخيرة في سورية بانتقال الحرب الطاحنة إلى دول الجوار؛ فعلى عكس رد الفعل التركي المرتبك بعد إسقاط الطائرة فوق مياه المتوسط قصفت المدفعية التركية مواقع في شمال سورية بعد ساعات من سقوط قذيفة على قرية حدودية تركيا أودت بحياة سيدتين وثلاثة أطفال. ومع ازدياد أعداد اللاجئين إلى جوار متوتر أصلا تتضاعف مخاطر ازدياد الاحتقان في دول الجوار بين مؤيدي النظام السوري ومعارضيه في المجتمعات التي لجأ إليها السوريون تجنبا للموت المحتم في الصراع الذي يزداد عسكرة يوما بعد يوم.
في دوامة الحرب الأهلية
ويختلف توصيف ما يجري في سورية بين قائل إن البلاد تشهد ثورة شعبية انتقلت إلى حمل السلاح منذ مطلع الصيف الماضي، بسبب القوة المفرطة التي استخدمها النظام في قمع المحتجين السلميين المطالبين بالتغيير، وبين رواية عن مؤامرة كونية معدة مسبقا لإسقاط النظام نظرا لدوره في دعم المقاومة. ويرى كثيرون أن الأوضاع في سورية تحولت إلى حرب أهلية بمكونات طائفية، فيما يرى آخرون أن الجيش والقوات النظامية تحارب عصابات إرهابية مسلحة، وأن الانتصار حتمي طال الأمد أم قصر.
الحقائق على الأرض تعطي لكل طرف أساسا للبناء عليه، فعدد الضحايا تجاوز 30 ألف قتيل، يقابلهم حسب المتعارف عليه نحو 300 ألف جريح، وأعداد المعتقلين تقدرها المعارضة بعشرات الألوف، والمفقودون في ازدياد مضطرد مع دخول عصابات هدفها طلب الفدية على خط الصراع بين النظام والمعارضة المسلحة، وتحجم القوات السورية في الأشهر الأخيرة عند كشف الخسائر في صفوف ضباط الجيش والأمن إلا في حالة تعرض المراكز الأمنية لتفجيرات انتحارية.
وفي الريف الشمالي من سورية تزداد أعداد الجهاديين العرب والأجانب، حسب تقارير دولية موثوقة، ويدخل هؤلاء من تركيا ولبنان وبصورة أقل من العراق والأردن، وتزداد شحنات السلاح للمجموعات المسلحة والمنشقين عن الجيش الذين لم يستطيعوا توحيد صفوفهم حتى الآن. وتتحدث تقارير عن شحنات سلاح ترسل، ومساعدات استخباراتية للقوات التي تقاتل نظام الرئيس بشار الأسد. وفي المقابل تؤكد المعارضة السورية أن مهمة القائد العسكري في حزب الله "الجهادية" علي حسين ناصيف انتهت في حمص على أيدي مجموعات من الجيش الحر، مما يثبت، حسب وجهة نظرها، تورط الحزب بمساعدة النظام عسكرياً، وماتزال التنظيمات المعارضة المسلحة تحتجز أفرادا من حزب الله منذ أشهر، إضافة إلى 48 إيرانيا تقول إنهم من "الحرس الثوري الإيراني" فيما تؤكد الرواية الرسمية أنهم حجاج حضروا لزيارة مقام السيدة زينب، والمزارات الشيعية الأخرى في سورية.
وأيا كان التوصيف فإن الصور التي يبثها التلفزيون السوري وناشطون تؤكد أن مساحات واسعة في سورية باتت ساحة لحرب شاملة دمرت حتى الآن، حسب تقارير، أكثر من مليونين وأربعمئة ألف بناء بين سكني وتجاري وحكومي. ويخلص المتابع إلى نتيجة أن أيا من الطرفين غير قادر على حسم المعركة عسكريا، فالمعارك متواصلة في حلب منذ نحو شهرين، كما أن تجدد الاشتباكات في ريف دمشق، يكشف أن النظام لم يتمكن بعد من حسم معركة العاصمة، كما تتواصل الاشتباكات في أماكن كثيرة تمتد على معظم مناطق الجغرافية السورية.
اللاجئون عاملا لعدم الاستقرار وتوسيع الصراع
ويهدد تضاعف أعداد اللاجئين إلى دول الجوار في الأشهر الثلاثة الأخيرة وبلوغ أعداد المسجلين رسميا إلى 311 ألف لاجئ استقرار بلدان الجوار، ويذكي مشاعر السخط في جوار منقسم بين مؤيد ومعارض للنظام السوري، ويزداد اصطفافه طائفيا وإثنيا في مواقفه مما تشهده سورية. وتشير تقارير إلى أن أعداد اللاجئين أكبر بكثير مع احجام كثيرن عن التسجيل في مفوضية اللاجئين والفارين من لهيب الحرب ولجوء كثير منهم إلى بلدان بعيدة مثل ليبيا والجزائر ومصر، وبلدان أخرى. وتتوقع مفوضية اللاجئين ازدياد أعداد السوريين المسجلين لديها إلى 700 ألف لاجئ بنهاية العام.
ومن المرجح أن يزداد تذمر اللاجئين واحتجاجاتهم بفعل الظروف الصعبة في المخيمات المنتشرة في تركيا والأردن، وتوقعات بازدياد المعاناة مع عودة موسم الشتاء والبرد. كما يخشى اللاجئون في لبنان من تكرار عمليات الاختطاف بحجة الانتماء إلى الجيش الحر أو مجموعات مسلحة. وفي العراق يمكن أن تؤجج أوضاع اللاجئين مشاعر السكان الطائفية، والانزلاق في دوامة العنف الطائفي مرة أخرى بعدما هدأت نسبيا في السنتين الأخيرتين.
ولعل الأهم هو انخراط مزيد من اللاجئين في العمليات العسكرية ضد النظام، وتهريب الأسلحة إلى الداخل مع تنامي مشاعر السخط مما آلت إليه أوضاعهم من تشرد وتدمير منازل.
انتقال العدوى إلى الجيران
منذ بداية الأزمة تتواصل التحذيرات من انتقال الصراع في سورية إلى دول الجيران. ومهد وصول أول لاجئ إلى الأردن من مناطق درعا الحدودية إلى الجهة المقابلة من سهل حوران لدخول الصراع في سورية إلى مرحلة جديدة بلغت ذروتها بمحاولات السيطرة على المعابر الحدودية مع تركيا والعراق ولبنان، وتصاعد أعداد اللاجئين وسقوط قذائف من المعارك على أراضي بلدان الجوار.
ومع تواصل القصف المدفعي التركي على أهداف في سورية ردا على سقوط ضحايا، تنذر الأجواء بتوسع الصراع رغم أن التصريحات الرسمية السورية سعت إلى احتواء الموقف بإبداء الأسف والتعهد بإجراء تحقيق. ومع ترجيح عدم قيام تركيا أو حلف شمال الأطلسي بعملية واسعة ضد الأراضي السورية إلا أنه لا يمكن اهمال تطور الأحداث وفق سيناريوات قد تقحم المنطقة كلها في حرب شاملة بمكونات إثنية وطائفية وقودها الشعوب، حرب تزهق أرواحا بريئة كثيرة، وتحرق تاريخ وحضارة المنطقة وأسس التسامح التي شهدتها لمئات السنين وتهدد العيش المشترك ومستقبل المنطقة بأسرها. ولا يبقى إلا الدعاء بأن تتجنب المنطقة الانزلاق إلى حرب شاملة المستفيد الوحيد منها حتى الآن إسرائيل، ودعوة جميع الأطراف الدولية إلى اجبار الأطراف المتحاربة في سورية على نبذ الجنوح إلى الحسم العسكري، وقف استخدام الأسلحة واستهداف المدنية وتجفيف مصادر التسليح، وإلزام المعارضة والحكومة بالجلوس إلى طاولة مفاوضات جدية للانتقال بسورية من مرحلة الحرب إلى إعادة البناء، وإقامة حكم ديمقراطي تعددي يراعي حقوق الطوائف والإثنيات، ويكون عاملا في استقرار المنطقة وبعث رسالة تعاون وتعايش بدلا من تصدير العنف واللاجئين ونشر لهيب الحرب. وفي هذا الاطار يبرز جليا الدور الذي يمكن أن يلعبه التوافق بين روسيا والاتحاد الأروبي والولايات المتحدة والأطراف الفاعلة لتجنيب العالم نشوب حرب تهدد الأمن الاستقرار في العالم.
تنذر التطورات الأخيرة في سورية بانتقال الحرب الطاحنة إلى دول الجوار؛ فعلى عكس رد الفعل التركي المرتبك بعد إسقاط الطائرة فوق مياه المتوسط قصفت المدفعية التركية مواقع في شمال سورية بعد ساعات من سقوط قذيفة على قرية حدودية تركيا أودت بحياة سيدتين وثلاثة أطفال. ومع ازدياد أعداد اللاجئين إلى جوار متوتر أصلا تتضاعف مخاطر ازدياد الاحتقان في دول الجوار بين مؤيدي النظام السوري ومعارضيه في المجتمعات التي لجأ إليها السوريون تجنبا للموت المحتم في الصراع الذي يزداد عسكرة يوما بعد يوم.
في دوامة الحرب الأهلية
ويختلف توصيف ما يجري في سورية بين قائل إن البلاد تشهد ثورة شعبية انتقلت إلى حمل السلاح منذ مطلع الصيف الماضي، بسبب القوة المفرطة التي استخدمها النظام في قمع المحتجين السلميين المطالبين بالتغيير، وبين رواية عن مؤامرة كونية معدة مسبقا لإسقاط النظام نظرا لدوره في دعم المقاومة. ويرى كثيرون أن الأوضاع في سورية تحولت إلى حرب أهلية بمكونات طائفية، فيما يرى آخرون أن الجيش والقوات النظامية تحارب عصابات إرهابية مسلحة، وأن الانتصار حتمي طال الأمد أم قصر.
الحقائق على الأرض تعطي لكل طرف أساسا للبناء عليه، فعدد الضحايا تجاوز 30 ألف قتيل، يقابلهم حسب المتعارف عليه نحو 300 ألف جريح، وأعداد المعتقلين تقدرها المعارضة بعشرات الألوف، والمفقودون في ازدياد مضطرد مع دخول عصابات هدفها طلب الفدية على خط الصراع بين النظام والمعارضة المسلحة، وتحجم القوات السورية في الأشهر الأخيرة عند كشف الخسائر في صفوف ضباط الجيش والأمن إلا في حالة تعرض المراكز الأمنية لتفجيرات انتحارية.
وفي الريف الشمالي من سورية تزداد أعداد الجهاديين العرب والأجانب، حسب تقارير دولية موثوقة، ويدخل هؤلاء من تركيا ولبنان وبصورة أقل من العراق والأردن، وتزداد شحنات السلاح للمجموعات المسلحة والمنشقين عن الجيش الذين لم يستطيعوا توحيد صفوفهم حتى الآن. وتتحدث تقارير عن شحنات سلاح ترسل، ومساعدات استخباراتية للقوات التي تقاتل نظام الرئيس بشار الأسد. وفي المقابل تؤكد المعارضة السورية أن مهمة القائد العسكري في حزب الله "الجهادية" علي حسين ناصيف انتهت في حمص على أيدي مجموعات من الجيش الحر، مما يثبت، حسب وجهة نظرها، تورط الحزب بمساعدة النظام عسكرياً، وماتزال التنظيمات المعارضة المسلحة تحتجز أفرادا من حزب الله منذ أشهر، إضافة إلى 48 إيرانيا تقول إنهم من "الحرس الثوري الإيراني" فيما تؤكد الرواية الرسمية أنهم حجاج حضروا لزيارة مقام السيدة زينب، والمزارات الشيعية الأخرى في سورية.
وأيا كان التوصيف فإن الصور التي يبثها التلفزيون السوري وناشطون تؤكد أن مساحات واسعة في سورية باتت ساحة لحرب شاملة دمرت حتى الآن، حسب تقارير، أكثر من مليونين وأربعمئة ألف بناء بين سكني وتجاري وحكومي. ويخلص المتابع إلى نتيجة أن أيا من الطرفين غير قادر على حسم المعركة عسكريا، فالمعارك متواصلة في حلب منذ نحو شهرين، كما أن تجدد الاشتباكات في ريف دمشق، يكشف أن النظام لم يتمكن بعد من حسم معركة العاصمة، كما تتواصل الاشتباكات في أماكن كثيرة تمتد على معظم مناطق الجغرافية السورية.
اللاجئون عاملا لعدم الاستقرار وتوسيع الصراع
ويهدد تضاعف أعداد اللاجئين إلى دول الجوار في الأشهر الثلاثة الأخيرة وبلوغ أعداد المسجلين رسميا إلى 311 ألف لاجئ استقرار بلدان الجوار، ويذكي مشاعر السخط في جوار منقسم بين مؤيد ومعارض للنظام السوري، ويزداد اصطفافه طائفيا وإثنيا في مواقفه مما تشهده سورية. وتشير تقارير إلى أن أعداد اللاجئين أكبر بكثير مع احجام كثيرن عن التسجيل في مفوضية اللاجئين والفارين من لهيب الحرب ولجوء كثير منهم إلى بلدان بعيدة مثل ليبيا والجزائر ومصر، وبلدان أخرى. وتتوقع مفوضية اللاجئين ازدياد أعداد السوريين المسجلين لديها إلى 700 ألف لاجئ بنهاية العام.
ومن المرجح أن يزداد تذمر اللاجئين واحتجاجاتهم بفعل الظروف الصعبة في المخيمات المنتشرة في تركيا والأردن، وتوقعات بازدياد المعاناة مع عودة موسم الشتاء والبرد. كما يخشى اللاجئون في لبنان من تكرار عمليات الاختطاف بحجة الانتماء إلى الجيش الحر أو مجموعات مسلحة. وفي العراق يمكن أن تؤجج أوضاع اللاجئين مشاعر السكان الطائفية، والانزلاق في دوامة العنف الطائفي مرة أخرى بعدما هدأت نسبيا في السنتين الأخيرتين.
ولعل الأهم هو انخراط مزيد من اللاجئين في العمليات العسكرية ضد النظام، وتهريب الأسلحة إلى الداخل مع تنامي مشاعر السخط مما آلت إليه أوضاعهم من تشرد وتدمير منازل.
انتقال العدوى إلى الجيران
منذ بداية الأزمة تتواصل التحذيرات من انتقال الصراع في سورية إلى دول الجيران. ومهد وصول أول لاجئ إلى الأردن من مناطق درعا الحدودية إلى الجهة المقابلة من سهل حوران لدخول الصراع في سورية إلى مرحلة جديدة بلغت ذروتها بمحاولات السيطرة على المعابر الحدودية مع تركيا والعراق ولبنان، وتصاعد أعداد اللاجئين وسقوط قذائف من المعارك على أراضي بلدان الجوار.
ومع تواصل القصف المدفعي التركي على أهداف في سورية ردا على سقوط ضحايا، تنذر الأجواء بتوسع الصراع رغم أن التصريحات الرسمية السورية سعت إلى احتواء الموقف بإبداء الأسف والتعهد بإجراء تحقيق. ومع ترجيح عدم قيام تركيا أو حلف شمال الأطلسي بعملية واسعة ضد الأراضي السورية إلا أنه لا يمكن اهمال تطور الأحداث وفق سيناريوات قد تقحم المنطقة كلها في حرب شاملة بمكونات إثنية وطائفية وقودها الشعوب، حرب تزهق أرواحا بريئة كثيرة، وتحرق تاريخ وحضارة المنطقة وأسس التسامح التي شهدتها لمئات السنين وتهدد العيش المشترك ومستقبل المنطقة بأسرها. ولا يبقى إلا الدعاء بأن تتجنب المنطقة الانزلاق إلى حرب شاملة المستفيد الوحيد منها حتى الآن إسرائيل، ودعوة جميع الأطراف الدولية إلى اجبار الأطراف المتحاربة في سورية على نبذ الجنوح إلى الحسم العسكري، وقف استخدام الأسلحة واستهداف المدنية وتجفيف مصادر التسليح، وإلزام المعارضة والحكومة بالجلوس إلى طاولة مفاوضات جدية للانتقال بسورية من مرحلة الحرب إلى إعادة البناء، وإقامة حكم ديمقراطي تعددي يراعي حقوق الطوائف والإثنيات، ويكون عاملا في استقرار المنطقة وبعث رسالة تعاون وتعايش بدلا من تصدير العنف واللاجئين ونشر لهيب الحرب. وفي هذا الاطار يبرز جليا الدور الذي يمكن أن يلعبه التوافق بين روسيا والاتحاد الأروبي والولايات المتحدة والأطراف الفاعلة لتجنيب العالم نشوب حرب تهدد الأمن الاستقرار في العالم.