أراد أن يذكره التاريـخ .. !
المكتب الإعلامي في مجمع سيد الشهداء حمزة
بقلم الشيخ جمال الدين شبيب
مما ورد في كتب التراث أن أعرابيا جاء الى «مكة» - في صدر الاسلام - وتوجه من
فوره الى بئر زمزم، وامام حشود العرب المسلمين الاوائل كشف عن عورته و..
بال في البئر! وحينما عنفوه ولاموه وضربوه، سألوه.. «لم فعلت ذلك»؟! فقال..
«أردت أن يذكرني الناس.. » !!
تذكرت هذا الاعرابي «البوّال» وما زلنا
نذكره - و فعلته - حتى يومنا هذا ، بعد اكثر من الف واربعمائة عام على
حدوثها!! وأنا أقرأ في صحيفة يومية هجوماً لاذعاً وربما موجعاً على شخصيات
وجهات محترمة لمجرد وقوفها في المقلب الآخر انسجاماً مع قناعاتها وقيمها
وتاريخها الناصع في الدعوة والجهاد وعدم انصياعها لترغيب وترهيب من يرغبون
في اختصار الوطن والطائفة وحتى نسمة الهواء في شخصهم الكريم .. لو استطاعوا؟!
وأدركت بالبداهة أن اللجوء الى الافعال والاقوال - غير
العقلانية يحدث حين يعجز المرء عن اقناع الآخرين بأهميته وقيمته وفائدته.
فلا يجد الا فعلاً ممجوجاً، أو قولاً قبيحاً ليسري خبره بين الناس أياما
وشهورا و.. دهورا!!
وأخطر ما في الأمر أن ينحدر بعض الصبية إرضاءً
لسادتهم وكبرائهم إلى درك بالغ الانحطاط. عندما يحاولون تزوير الحاضر
وتكذيب التاريخ لمجرد اختلاف حاد حاصل في ساحة ، كان الأجدر بأهلها أن
يكونوا أكثر انسجاماً مع المبادىء فيوحدوا صفوفهم ويتابعوا النهوض بمشروعهم
المميز. بدل التلهي بالإتكاء المرحلي على الحيط المايل.. والاستيقاظ على
صحوة ضمير - ولو جاءت متأخرة عشرات السنين - ليكتشفوا أنفسهم في أس طائفتهم
ومذهبهم المهدد بخطر الاستلاب وأسعار السوق.
غداً سيكتب التاريخ وقلمه
لا يرحم .. ويسجل ما كتبه ويكتبه أولئك الغلمان زوراً وبهتاناً في حق دعاة
وعلماء وشخصيات ممن رفعوا رؤوسنا عالياً .. وما زالوا منذ وقفوا في وجه
الاحتلال الاسرائيلي وقاوموا وضحوا وتحملوا الأذى من القريب والبعيد حتى
أثمر النصر واندحر الاحتلال. فإذا بأعناق أهل النفاق تشرئب لتحطيم رؤوس فشل
أسياد أسيادهم من الاسرائيليين والأمريكان في تمريغها بوحل الهزيمة.
ربما مشكلة أهل الدين والعلم والجهاد أنهم ثبتوا على نصرة الحق لا يخشون في
الله لومة لائم.. ثبتوا على الحق الذي يرونه حقاً في الوقت الذي تذبذب في
الآخرون حول باطلهم الذي يعرفون في قرارة أنفسهم أنه باطل .. يجمعهم الطبل
والدولار .. وحتماً ستفرقهم يوماً العصا.!
ذنب هؤلاء العلماء العاملين
المفترى عليهم بمناسبة وبدونها أنهم رفضوا الخوض في الفتنة وشرذمة الناس
الى قبائل جاهلية وأحزاب مذهبية متناحرة يذبح بعضهم بعضا ويستحل بعضهم دماء
وأعراض اخوانهم.. رفضوا عرقنة لبنان واشعال ساحته بحروب طائفية ومذهبية
مشبوهة .. ومدفوعة الأجر سلفاً.
لكن أكثر ما يمكن أن يحزن المرء رؤيته
جوقة أهل الباطل بمالها وما كيناتها الاعلامية الضخمة توظف بعض المأجورين
ممن مروا يوماً على ساحة عطرة فلم يزيّنهم مرورهم برائحة طيبة ! كالمار
ببائع العطر فلا هو جلس ولا هو ابتاع بل راح ليبيع ما لايملكه .. شمة عطر
لم يحافظ هو على طيبها في نفسه..!
..فإذا به وأمثاله من المارة يستخدم
مروره العابر تأشيرة دخول لنادي الشتامين المستأجرين الذين سرعان ما ينتهي
بهم الأمر الى سلة المهملات بعد أن يعود للناس صوابهم ويرشدوا الى مصلحة
وطنهم الحقيقية التي تجبرهم على التسليم بمنطق الاعتدال والمشاركة في بناء
الوطن وتحمل مسؤولية درء الأخطار عنه..
ولا أجد لأمثال هؤلاء الشتامين
من مخرج إلا البراءة في الدنيا قبل الآخرة .. ومن يدري ربما يتبرأ منهم
سادتهم وكبراءهم وبقرتهم الحلوب ويلعنونهم قبل صياح الديك في الدنيا ..
وأكيد في الآخرة يوم يتبرأ الذين اتبعوا – بضم التاء- من الذين اتبعوا –
بفتح التاء – .. فهل يرعوي هؤلاء فيحترموا أمانة القلم التي لوثت بما دبجته
نوازع شهواتهم ، حتى سودوا حاضرهم بمداد الكذب والافتراء قبل أن يبدو لهم
العذاب .. أو تتقطع بهم الأسباب .. ؟ فإن أبو فلهم ما أرادوا ..سيذكرهم
التاريخ ولكن ..في كتابه الأسود.
صيدا 2/10/2009