يلا تفضلوا الفصل الأول
-1-
" تك ....تك ....تك... تك ..."
استرخاء تام على صوت القطرات المنتظمة في كل مكان بدءأ بالمطر خارجا حيث شوارع أكسفورد تملأها البرك الصغيرة بفعل الامطار فتتساقط على سقف المنزل محدثة سيمفونية طبيعية فيشاركها العزف حوض الاستحمام المعطر بالرغوة البيضاء التي تغطيه بأكمله و القهوة الساخنة التي ينتهي صوت القطرات عندها فتكتمل المقطوعة الرائعة التي تبعث الدفء بالجسد ... هذا افضل شيء قد يحدث بعد يوم عمل طويل و مليء بالاحداث و الخطط و الرسومات كل ذلك يجب ان يمحى حالا من الذاكرة فعندما يترك الشخص مكتبه المكتظ بالاوراق و يقفله ليعود للمنزل يجدر به ايضا قفل عقله من التفكير بتلك الاشياء التي تنهك النفس و تتعب العقل و كل ما على المرء ان يفعله هو اخذ قسط من الراحة في حوض الاستحمام وتكون قهوته باليد الاخرى فيستمتع بصوت تساقط المطر على النافذة و سقف البيت و تخيل منظر الشارع بالخارج حيث الناس يحملون المضلات الملونة و البعض يهرب من البلل خوفا على بذلته الجديدة او من ان يبلل المطر شعره المسرح وهناك اخرين لا يأبهون بما يحدثه المطر من كوارث فيقفان يتبادلان القبلات تحته الذي يليق بالرومانسية التي يقومون بها ... لكن ما يحدث لها الان في حوض الاستحمام الساخن هو افضل استرخاء قد يحصل عليه المرء بعد يوم شاق ...
اغمضت عينيها تحاول طرد الرسومات الهندسية و المخططات من رأسها و اهم شيء تريد طرده هو صوت مديريها المزعج الذي لا يشك خيط بإبرة الا و أخذ رأيها به و هذا قد يصبح متعبا لها في اغلب الاحيان ... فالبنسبة له هي كل شيء بل هي محور المؤسسة و عمودها كما يطلق عليها فبدونها قد تسقط المؤسسة او تنهار, قد تكون تلك الفكرة رائعة عندما يسمعها البعض اي عندما نجد بان المدير يسلم كل شيء بيد موظفة صغيرة ليس لديها خبرة طويلة الا خمس سنوات قد نراها قليلة , لكن جهدها للوصول الى ما هي عليه كان صعبا في اول سنتين حيث اثبتت وجودها في المؤسسة مما جعل المحيطين و السابقين لها يشعرون بشيء من الغيرة و الحقد فهم يعتقدون بانها تقربت من المدير بجمالها و صباها و بشعرها الاحمر الكثيف و برشاقة جسدها و اناقتها و انسيابها بالحركةعلى الرغم من كعبها العالي و فستانها الضيق و ما الى ذلك من كلام النساء الغيورات و الرجال المعادين لاحتلال المرأة لمناصب قد تعلوهم .. فيتناسون عقلها و منطقها و تفكيرها و لا يصدقون بأن ذلك هو ما جعلها نائب المدير و المستشار العام في شركة ( مارتن كوبر ) و هي احدى الشركات المشهورة في اكسفورد للهندسة المعمارية... تخرجت قبل خمس سنوات من جامعة اكسفورد و عملت بالشركة كمتطوعة قبل تخرجها كعمل جزئي ليزيد من نسبة قبولها في العمل لاحقا, لاحظ السيد كوبر نشاطها و حبها لعملها حتى قبيل حصولها على الشهادة الشيء الذي ساعدها للحصول على الوظيفة في اول مقابلة لها بالشركة و هذا جيد بالنسبة لها لكن الموضوع يختلف الان لكثرة إلحاح السيد كوبر لان تقوم هي بكل عمل فلا وقت لها للراحة ..للاكل للنوم.. و حتى لقضاء الحاجات الضرورية فهي لم تر أصدقائها منذ فترة و لم تجتمع معهم كما ان علاقاتها الاجتماعية قد قلت لكثرة انشغالها انها تحب ما تقوم به لكن الامر تعدى الحدود فهو يعتمد عليها اعتماد كلي منذ ان استلمت الوظيفة و منذ ثلاث سنوات لم تاخذ اجازة للراحة و حتى عندما تمرض,و كل ما تريده الان هو البحث عن (كايت) الفتاة التي اعتادت ان تكون هي لسنوات طويلة انها بحاجة للراحة و النوم اكثر من اربع ساعات يوميا, تريد ان تأخذ حمام شمس في مكان دافيء يحيط به الشبان و يتغزلون بها , تريد ان تخلق علاقات , تحب , تعشق, تخرج في مواعيد مع شباب يقدرون انثوتها تريد ان تفعل كل ما تفعله الفتيات اللاتي في عمرها فهي لم تبلغ السادسة و العشرون بعد و ليس لديها صديق او عشيق.. كل ما تريده هو اجازة في مكان بعيد عن حياة المدينة الروتينية, مكان دافيء, غير ممطر , مكان به نهر و شاطيء و بحر و بحيرات و سماء و ارض و زروع و اشجار و ليس مكان به اوراق و دفاتر و بحوث و اشكال هندسية و مشاريع و مديرين و موظفين و بذل رسمية وحقائب سوداء ثقيلة و عوادم سيارات خانقة كل ذلك لا تريده فقط لفترة معينة تبحث فيها عن ذاتها عن (كايت) ...
رشفت من قهوتها الساخنة و ارخت جسدها في حوض الفقاعات ثم غطست حتى رأسها تاركة انفها خارج الماء تستنشق الهواء لم تسمع شيء بالماء الا ضربات قلبها و صوت ضغط الماء على اذنيها اغمضت عينيها تتخيل نفسها في مكان غير عالمها واقفة و الهواء يطير فستانها الابيض و شعرها الاحمر يتبعثر و لم تكن تفكر في شيء الا بزرقة السماء الصافية و صوت العصافير و دفء اشعة الشمس على جسدها... ابتسمت لهذه الفكرة التي اراحت عقلها و الهته عن التفكير بالاعمال المنهكة ..
تابع الفصل الأول ــــــــــــــــــــ>