25. تزايد التوتر
زادت الحوادث الحدودية الكثيرة التي وقعت عند خطوط وقف إطلاق النار في الشرق الاوسط من حدة التوتر العربي "الاسرائيلي" منذ نهاية الحرب، كما زادت من مخاطر اندلاع حرب على نطاق واسع، وتزايدت كذلك باطراد الغارات "الفدائية" العربية التي تشن داخل "اسرائيل" وبحلول اكتوبر/تشرين الأول من عام 1967 ركّزت "اسرائيل" على التحذير من انها ربما تضطر لضرب "مراكز الإرهاب"، وهو تهديد صريح ووعيد لسوريا، وربما انسحب هذا على الاردن، وأفزع التهديد السوريين، الذين كانوا يتوقعون "هجوماً وشيكاً".
(حذف هنا)
في اكتوبر/تشرين الأول ظهرت علائم تدل على أن ناصر كان هاجسه الاكبر الذي سرعان ما تحول إلى طموح متأصل يتطلع إلى استعادة مكانة مصر من خلال توجيه ضربة ناجحة إلى "اسرائيل"، ولربما عكس غرق المدمرة "الاسرائيلية" "إيلات" هذا التوجه وهذا الموقف من جانب ناصر، فإذا كان الامر كذلك، فلا بد ان رد "اسرائيل" الانتقامي قد أجج غضبه، حين قصفت ودمرت مصافي البترول المصرية. كما زاد من سخطه الإعلان عن أن الولايات المتحدة سوف تزود "اسرائيل" بطائرات مقاتلة قاذفة.
ونشر العديد من التقارير في ذلك الوقت، وكانت تتحدث عن ان الموقف المصري آخذ بالتشدد، وبدأت الشكوك تتزايد في القاهرة بشأن احتمال إبرام تسوية سلمية.
وفي العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني ، وصف هيكل، وهو يكتب في "الأهرام" أمر مواصلة الحرب بأنه "حتمي"، إلا أنه احتاط للأمر قليلاً، فاستدرك بأن هذا لايعني بالضرورة ان القتال سوف يستأنف غداً.
وباختصار يتضح انه وخلال الأزمة ربما تشكل إجماع قلق يقوم على رغبة السوفييت في جعل الخسائر في حدها الأدنى وتجنب اي تورط مباشر في الصراع. ومع ان بعض القادة ربما طالبوا باتخاذ اجراء اقوى مما جرى اتخاذه بالفعل، إلا ان الدعم لمثل هذا الامر كان على ما يبدو، ضئيلاً. وعلى اي حال فقد جرى تجاوز الخلافات (في اوساط القيادة السوفييتية)، ومع ذلك عادت الخلافات حول سياسة الشرق الاوسط تطفو بصورة بالغة التفجر في الهجوم الذي شنه يجوريتشيف على التيار السوفييتي المعتدل.
وهكذا اصبح هناك موقف للمتشددين وآخر للمعتدلين، واستمرت الخلافات حول مدى الالتزام الذي يجب القيام به تجاه العرب. ومن المرجح ان هذين الاتجاهين المتعارضين في اوساط القيادة مسؤولان جزئيا عن المسار المتسم بالانفصام للسلوك السوفييتي منذ بدء الحرب، ويشيران ايضا الى امكانية حدوث تغيير في السياسة السوفييتية المتعلقة بالشرق الاوسط.
وعلى الرغم من الخلافات الداخلية، بدأت السياسة السوفييتية تتخذ شكلاً اوضح وتتجلى معالمها في صيف 1967، وبحلول نوفمبر/تشرين الثاني من ذلك العام اكتمل بحق وبصورة واقعية التحول الثاني الذي شهدته السياسة السوفييتية. فأما التحول الأول، ذاك الذي حدث في منتصف عام 1966 فقد أعقب الانقلاب البعثي الراديكالي في سوريا، عكس جوهر القرار السوفييتي بدعم هذا النظام والدفاع عنه ومحاولة تحقيق التقارب السوري المصري. وانطوى هذا التحول على تبني السوفييت نهجاً أكثر نشاطاً وساعد على دفع ناصر لاتخاذ مواقف متشددة أقرب إلى النزعة القتالية والتحول الثاني تبع قرار ناصر نفسه بعد الحرب برفض الجنوح إلى "مواصلة القتال". وهو الموقف الذي اقترن بالسوريين، كما اشتمل هذا التحول على اتخاذ السوفييت قراراً بدعم ناصر، ولو على حساب تنفير السوريين وإقصائهم.
وبدأت الجمهورية العربية المتحدة في أواخر يوليو/تموز وأغسطس/آب بتبني موقف أميل إلى الروح التصالحية تجاه الغرب، وموقف اكثر وداً وحميمية إزاء البلدان العربية المحافظة، وربما كانت جذور العوامل المحفزة التي قادت إلى هذا التحول الثاني ترجع في الشطر الأعظم منها إلى المحنة الاقتصادية التي عانت منها الجمهورية العربية المتحدة، لأن الدول العربية المحافظة ما لبث حكامها ان أطلقوا وعوداً مباشرة بعد الحرب ببذل مقادير ضخمة من المساعدات والعون لناصر. وتحول ناصر من معارض إلى داعم لانعقاد قمة عربية مقترحة كانت قد أقرتها الدول المحافظة (السعودية، الكويت، والأردن) وقاطعها السوريون الراديكاليون، ومنح المؤتمر، الذي عقد في الخرطوم في نهاية اغسطس، ناصر والحسين تفويضاً للسعي من أجل التوصل الى تسوية سياسية، وأسبغ على اقتراح يوغسلافي يلتمس تسوية وصف "متعقل".
هامش:
إلا ان السوفييت استطاعوا في الحقيقة ان يتدبروا أمر الحفاظ على شيء من عنصر الغموض فيما يتعلق باستجابتهم وردهم في حال حدوث تدخل أمريكي في حرب شرق أوسطية. وفي حين بيّن السوفييت بشكل واضح وصريح انه لن يكون هناك تدخل عسكري في حال وقوع اي اعمال حربية عدائية عربية "اسرائيلية"، بينوا ايضا ان الاتحاد السوفييتي يمكن ان يتدخل بشكل مباشر في حال حدث تدخل أمريكي "محدد المعالم" لا لبس فيه، وهو أمر يترك البت فيه للسوفييت.
وفي نهاية المطاف، اختار السوفييت، الذين ارغموا على المفاضلة العلنية ما بين ناصر والسوريين في هذه القضية، ناصر. وتحول السوفييت، الذين ظلوا ينتقدون المؤتمر الى ان صادق عليه ناصر، إلى موقف المؤيد والداعم له، بل وحاولوا حتى في اللحظة الاخيرة (لكن دون إحراز نجاح) إقناع السوريين بالحضور.
وظهر دعم السوفييت لسياسات ناصر بصورة أوضح في ثنايا قرار الاتحاد السوفييتي في اكتوبر/تشرين الأول من عام 1967 الذي تضمن دعم جهود ناصر وحسين من أجل تمرير قرار في الامم المتحدة.
والشروط والبنود التي اتفق عليها الزعيمان العربيان في سبتمبر/أيلول كانت مشابهة لتلك التي اشتملت عليها الخطة التي وضعت في يوليو/تموز ودعمها السوفييت، وكان السوفييت قد سحبوا هذه الخطة عندما رفضها الراديكاليون العرب. وهذه المرة بين السوفييت انهم سيدعمون قراراً بغض النظر عن معارضة سوريا.
واشتملت مسودة قرار التسوية البريطانية التي مررها مجلس الأمن الأممي في نهاية المطاف على بنود وعبارات وشروط كانت الجمهورية العربية المتحدة ترغب بأفضل منها بكثير (على سبيل المثال، لم تحدد تلك البنود أن على "اسرائيل" الانسحاب من كل المناطق التي احتلتها بعد 4 يونيو/حزيران، كما لم تدع لانسحاب "اسرائيلي" فوري. ومع ذلك، وبعد مساومات ومماحكات كثيرة وافق ناصر على ما يبدو على القبول بها، ولكن قبل تبنيها بذل السوفييت محاولة يتيمة اخيرة لتجنب تنفير العرب الراديكاليين وإقصائهم. فعشية التصويت في مجلس الأمن، تقدموا بمسودتهم البديلة التي تدعوا الى انسحاب "اسرائيلي" فوري من جميع المناطق التي احتلت خلال الحرب، غير ان تلك لم تكن سوى إيماءة موحية فحسب، القصد منها تسجيل موقف. وفي اليوم التالي لتقديمها سحب السوفييت المسودة وصوتوا موافقين على القرار البريطاني.
وخدمت الإيماءة السوفييتية غرض منح الراديكاليين العرب بعض التطمينات بخصوص الالتزام السوفييتي بقضيتهم. وأعادت المسودة البديلة التوكيد على الموقف السوفييتي المناصر للعرب، وأناطت بالسوفييت دوراً مؤقتاً أشبه ما يكون بالمعيق أو واضع العقبات في الطريق. فإذا كانت الغاية هي تهدئة السوريين وتليين تشنجهم فإن المسودة لم تحرز نجاحاً يذكر على هذا الصعيد، لأن ردة فعلهم كانت عنيفة إزاء فقرات القرار، وهاجموا السوفييت بقسوة ومرارة لتصويتهم بالموافقة عليها.
وحسبما أوردت التقارير، فإن السوفييت مارسوا ضغوطاً كذلك من اجل اكتساب مرافق وقواعد بحرية في البحر الابيض المتوسط أو حيازة حقوق باستخدام مثل هذه المنشآت ولم يكونوا قد حازوا السيطرة على اي ميناء عربي، وحتى استخدامهم لتلك المرافق كان على أضيق نطاق ممكن، حيث كانت المراكب والقطع البحرية السوفييتية تعتمد أساساً على سفنها المساعدة سواء في الإمدادات أو في الصيانة والإصلاح. غير ان الاسطول السوفييتي كان دائما يمنح حق الوصول الى شتى الموانئ العربية، وكانت السفن الحربية السوفييتية تقوم بزيارة هذه الموانئ بين الفينة والفينة بغاية ظاهرها على ما يبدو التبيان بجلاء ان السوفييت يدعمون العرب ويقفون في صفهم، وبهدف الحيلولة بين "اسرائيل" ومهاجمة هذه الموانئ، ولم تهاجم "اسرائيل" في الحقيقة أياً من هذه الموانئ، لكن الامر يظل رهن التكهنات والحدس لحسم مسألة ما اذا كان "إحجام" "اسرائيل" عن ضرب تلك الموانئ له أي صلة بالوجود السوفييتي على الإطلاق.
وازدادت شحنات السوفييت من العتاد العسكري الى العرب وتكثفت في الفترة التي أعقبت الحرب مباشرة وخلال ما تلاها من الشهور. وعلى ما يبدو، وعد السوفييت بأن يعجلوا إلى حد كبير عملية تعويض العتاد الذي فقد في الحرب واستبداله بأسلحة وتجهيزات جديدة، وتم إنجاز هذا على ارض الواقع. ومنذ صيف عام 1967 انتظم تدفق هذه الشحنات ليستقر عند معدل مطرد بثبات الى حد ما، واستردت حملات إعادة الإمداد وبرامج التدريب القدرات العربية فرجعت بها الى المستوى الذي كانت عليه قبل الحرب على الاقل.
وعلى نحو مشابه اتجه موقف السوفييت تجاه الفدائيين الى ان يزيد، لا ان يخفف من التوتر، فعلى الرغم من مخاطر قيام "اسرائيل" بعمليات ثأرية حربية كبرى، ظل السوفييت وبصورة متزايدة يتحاشون، بل ولا يقبلون استثارة نفور الفدائيين، ويتجنبون حدوث جفوة بينهم وبين الفدائيين، ونتيجة لذلك كانوا يزودونهم بشكل غير مباشر ببعض العون، الذي كان في معظمه على شكل أسلحة خفيفة ومعدات، وفي النصف الثاني من عام 1969 بدأ الإعلام السوفييتي يسلط الضوء على دعم السوفييت للفدائيين وينشر على الملأ تقارير عن نشاطات رجال حرب العصابات.
زادت الحوادث الحدودية الكثيرة التي وقعت عند خطوط وقف إطلاق النار في الشرق الاوسط من حدة التوتر العربي "الاسرائيلي" منذ نهاية الحرب، كما زادت من مخاطر اندلاع حرب على نطاق واسع، وتزايدت كذلك باطراد الغارات "الفدائية" العربية التي تشن داخل "اسرائيل" وبحلول اكتوبر/تشرين الأول من عام 1967 ركّزت "اسرائيل" على التحذير من انها ربما تضطر لضرب "مراكز الإرهاب"، وهو تهديد صريح ووعيد لسوريا، وربما انسحب هذا على الاردن، وأفزع التهديد السوريين، الذين كانوا يتوقعون "هجوماً وشيكاً".
(حذف هنا)
في اكتوبر/تشرين الأول ظهرت علائم تدل على أن ناصر كان هاجسه الاكبر الذي سرعان ما تحول إلى طموح متأصل يتطلع إلى استعادة مكانة مصر من خلال توجيه ضربة ناجحة إلى "اسرائيل"، ولربما عكس غرق المدمرة "الاسرائيلية" "إيلات" هذا التوجه وهذا الموقف من جانب ناصر، فإذا كان الامر كذلك، فلا بد ان رد "اسرائيل" الانتقامي قد أجج غضبه، حين قصفت ودمرت مصافي البترول المصرية. كما زاد من سخطه الإعلان عن أن الولايات المتحدة سوف تزود "اسرائيل" بطائرات مقاتلة قاذفة.
ونشر العديد من التقارير في ذلك الوقت، وكانت تتحدث عن ان الموقف المصري آخذ بالتشدد، وبدأت الشكوك تتزايد في القاهرة بشأن احتمال إبرام تسوية سلمية.
وفي العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني ، وصف هيكل، وهو يكتب في "الأهرام" أمر مواصلة الحرب بأنه "حتمي"، إلا أنه احتاط للأمر قليلاً، فاستدرك بأن هذا لايعني بالضرورة ان القتال سوف يستأنف غداً.
وباختصار يتضح انه وخلال الأزمة ربما تشكل إجماع قلق يقوم على رغبة السوفييت في جعل الخسائر في حدها الأدنى وتجنب اي تورط مباشر في الصراع. ومع ان بعض القادة ربما طالبوا باتخاذ اجراء اقوى مما جرى اتخاذه بالفعل، إلا ان الدعم لمثل هذا الامر كان على ما يبدو، ضئيلاً. وعلى اي حال فقد جرى تجاوز الخلافات (في اوساط القيادة السوفييتية)، ومع ذلك عادت الخلافات حول سياسة الشرق الاوسط تطفو بصورة بالغة التفجر في الهجوم الذي شنه يجوريتشيف على التيار السوفييتي المعتدل.
وهكذا اصبح هناك موقف للمتشددين وآخر للمعتدلين، واستمرت الخلافات حول مدى الالتزام الذي يجب القيام به تجاه العرب. ومن المرجح ان هذين الاتجاهين المتعارضين في اوساط القيادة مسؤولان جزئيا عن المسار المتسم بالانفصام للسلوك السوفييتي منذ بدء الحرب، ويشيران ايضا الى امكانية حدوث تغيير في السياسة السوفييتية المتعلقة بالشرق الاوسط.
وعلى الرغم من الخلافات الداخلية، بدأت السياسة السوفييتية تتخذ شكلاً اوضح وتتجلى معالمها في صيف 1967، وبحلول نوفمبر/تشرين الثاني من ذلك العام اكتمل بحق وبصورة واقعية التحول الثاني الذي شهدته السياسة السوفييتية. فأما التحول الأول، ذاك الذي حدث في منتصف عام 1966 فقد أعقب الانقلاب البعثي الراديكالي في سوريا، عكس جوهر القرار السوفييتي بدعم هذا النظام والدفاع عنه ومحاولة تحقيق التقارب السوري المصري. وانطوى هذا التحول على تبني السوفييت نهجاً أكثر نشاطاً وساعد على دفع ناصر لاتخاذ مواقف متشددة أقرب إلى النزعة القتالية والتحول الثاني تبع قرار ناصر نفسه بعد الحرب برفض الجنوح إلى "مواصلة القتال". وهو الموقف الذي اقترن بالسوريين، كما اشتمل هذا التحول على اتخاذ السوفييت قراراً بدعم ناصر، ولو على حساب تنفير السوريين وإقصائهم.
وبدأت الجمهورية العربية المتحدة في أواخر يوليو/تموز وأغسطس/آب بتبني موقف أميل إلى الروح التصالحية تجاه الغرب، وموقف اكثر وداً وحميمية إزاء البلدان العربية المحافظة، وربما كانت جذور العوامل المحفزة التي قادت إلى هذا التحول الثاني ترجع في الشطر الأعظم منها إلى المحنة الاقتصادية التي عانت منها الجمهورية العربية المتحدة، لأن الدول العربية المحافظة ما لبث حكامها ان أطلقوا وعوداً مباشرة بعد الحرب ببذل مقادير ضخمة من المساعدات والعون لناصر. وتحول ناصر من معارض إلى داعم لانعقاد قمة عربية مقترحة كانت قد أقرتها الدول المحافظة (السعودية، الكويت، والأردن) وقاطعها السوريون الراديكاليون، ومنح المؤتمر، الذي عقد في الخرطوم في نهاية اغسطس، ناصر والحسين تفويضاً للسعي من أجل التوصل الى تسوية سياسية، وأسبغ على اقتراح يوغسلافي يلتمس تسوية وصف "متعقل".
هامش:
إلا ان السوفييت استطاعوا في الحقيقة ان يتدبروا أمر الحفاظ على شيء من عنصر الغموض فيما يتعلق باستجابتهم وردهم في حال حدوث تدخل أمريكي في حرب شرق أوسطية. وفي حين بيّن السوفييت بشكل واضح وصريح انه لن يكون هناك تدخل عسكري في حال وقوع اي اعمال حربية عدائية عربية "اسرائيلية"، بينوا ايضا ان الاتحاد السوفييتي يمكن ان يتدخل بشكل مباشر في حال حدث تدخل أمريكي "محدد المعالم" لا لبس فيه، وهو أمر يترك البت فيه للسوفييت.
وفي نهاية المطاف، اختار السوفييت، الذين ارغموا على المفاضلة العلنية ما بين ناصر والسوريين في هذه القضية، ناصر. وتحول السوفييت، الذين ظلوا ينتقدون المؤتمر الى ان صادق عليه ناصر، إلى موقف المؤيد والداعم له، بل وحاولوا حتى في اللحظة الاخيرة (لكن دون إحراز نجاح) إقناع السوريين بالحضور.
وظهر دعم السوفييت لسياسات ناصر بصورة أوضح في ثنايا قرار الاتحاد السوفييتي في اكتوبر/تشرين الأول من عام 1967 الذي تضمن دعم جهود ناصر وحسين من أجل تمرير قرار في الامم المتحدة.
والشروط والبنود التي اتفق عليها الزعيمان العربيان في سبتمبر/أيلول كانت مشابهة لتلك التي اشتملت عليها الخطة التي وضعت في يوليو/تموز ودعمها السوفييت، وكان السوفييت قد سحبوا هذه الخطة عندما رفضها الراديكاليون العرب. وهذه المرة بين السوفييت انهم سيدعمون قراراً بغض النظر عن معارضة سوريا.
واشتملت مسودة قرار التسوية البريطانية التي مررها مجلس الأمن الأممي في نهاية المطاف على بنود وعبارات وشروط كانت الجمهورية العربية المتحدة ترغب بأفضل منها بكثير (على سبيل المثال، لم تحدد تلك البنود أن على "اسرائيل" الانسحاب من كل المناطق التي احتلتها بعد 4 يونيو/حزيران، كما لم تدع لانسحاب "اسرائيلي" فوري. ومع ذلك، وبعد مساومات ومماحكات كثيرة وافق ناصر على ما يبدو على القبول بها، ولكن قبل تبنيها بذل السوفييت محاولة يتيمة اخيرة لتجنب تنفير العرب الراديكاليين وإقصائهم. فعشية التصويت في مجلس الأمن، تقدموا بمسودتهم البديلة التي تدعوا الى انسحاب "اسرائيلي" فوري من جميع المناطق التي احتلت خلال الحرب، غير ان تلك لم تكن سوى إيماءة موحية فحسب، القصد منها تسجيل موقف. وفي اليوم التالي لتقديمها سحب السوفييت المسودة وصوتوا موافقين على القرار البريطاني.
وخدمت الإيماءة السوفييتية غرض منح الراديكاليين العرب بعض التطمينات بخصوص الالتزام السوفييتي بقضيتهم. وأعادت المسودة البديلة التوكيد على الموقف السوفييتي المناصر للعرب، وأناطت بالسوفييت دوراً مؤقتاً أشبه ما يكون بالمعيق أو واضع العقبات في الطريق. فإذا كانت الغاية هي تهدئة السوريين وتليين تشنجهم فإن المسودة لم تحرز نجاحاً يذكر على هذا الصعيد، لأن ردة فعلهم كانت عنيفة إزاء فقرات القرار، وهاجموا السوفييت بقسوة ومرارة لتصويتهم بالموافقة عليها.
وحسبما أوردت التقارير، فإن السوفييت مارسوا ضغوطاً كذلك من اجل اكتساب مرافق وقواعد بحرية في البحر الابيض المتوسط أو حيازة حقوق باستخدام مثل هذه المنشآت ولم يكونوا قد حازوا السيطرة على اي ميناء عربي، وحتى استخدامهم لتلك المرافق كان على أضيق نطاق ممكن، حيث كانت المراكب والقطع البحرية السوفييتية تعتمد أساساً على سفنها المساعدة سواء في الإمدادات أو في الصيانة والإصلاح. غير ان الاسطول السوفييتي كان دائما يمنح حق الوصول الى شتى الموانئ العربية، وكانت السفن الحربية السوفييتية تقوم بزيارة هذه الموانئ بين الفينة والفينة بغاية ظاهرها على ما يبدو التبيان بجلاء ان السوفييت يدعمون العرب ويقفون في صفهم، وبهدف الحيلولة بين "اسرائيل" ومهاجمة هذه الموانئ، ولم تهاجم "اسرائيل" في الحقيقة أياً من هذه الموانئ، لكن الامر يظل رهن التكهنات والحدس لحسم مسألة ما اذا كان "إحجام" "اسرائيل" عن ضرب تلك الموانئ له أي صلة بالوجود السوفييتي على الإطلاق.
وازدادت شحنات السوفييت من العتاد العسكري الى العرب وتكثفت في الفترة التي أعقبت الحرب مباشرة وخلال ما تلاها من الشهور. وعلى ما يبدو، وعد السوفييت بأن يعجلوا إلى حد كبير عملية تعويض العتاد الذي فقد في الحرب واستبداله بأسلحة وتجهيزات جديدة، وتم إنجاز هذا على ارض الواقع. ومنذ صيف عام 1967 انتظم تدفق هذه الشحنات ليستقر عند معدل مطرد بثبات الى حد ما، واستردت حملات إعادة الإمداد وبرامج التدريب القدرات العربية فرجعت بها الى المستوى الذي كانت عليه قبل الحرب على الاقل.
وعلى نحو مشابه اتجه موقف السوفييت تجاه الفدائيين الى ان يزيد، لا ان يخفف من التوتر، فعلى الرغم من مخاطر قيام "اسرائيل" بعمليات ثأرية حربية كبرى، ظل السوفييت وبصورة متزايدة يتحاشون، بل ولا يقبلون استثارة نفور الفدائيين، ويتجنبون حدوث جفوة بينهم وبين الفدائيين، ونتيجة لذلك كانوا يزودونهم بشكل غير مباشر ببعض العون، الذي كان في معظمه على شكل أسلحة خفيفة ومعدات، وفي النصف الثاني من عام 1969 بدأ الإعلام السوفييتي يسلط الضوء على دعم السوفييت للفدائيين وينشر على الملأ تقارير عن نشاطات رجال حرب العصابات.