الرسول يحدد آداب الطريق العام
--------------------------------------------------------------------------------
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: “إياكم والجلوس على
الطرقات، قالوا ما لنا بد منها. إنما هي مجالسنا نتحدث فيها، فقال رسول
الله صلى الله عيه وسلم: فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه، قالوا
وما حق الطريق؟ قال غض البصر وكف الأذى ورد السلام. والأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر” متفق عليه.
هذا التوجيه النبوي الكريم يؤكد أن الإسلام يستهدف بتعاليمه وتشريعاته
توفير كل ما يوثق علاقة المسلمين ببعضهم بعضا.. ويجمع بينهم على الحب
والمودة والرحمة والتعاون على كل ما ييسر وسائل العيش الكريم والحياة
الطيبة. ويعلن في هذا المضمار ذلك المبدأ الخالد: “لا ضرر ولا ضرار” فيحذر
من اقتراف أي عمل أو قول يترتب عليه أذى، أو يكون فيه شر يحيق بالفرد أو
بالمجتمع. أو يثير فتنة، أو يحدث فرقة أو يوغر الصدور، وينفث سموم الحقد
والعداوة في النفوس. ومثل ذلك كل ما يترتب عليه حرمان المرء من حق كفلته
له القوانين السماوية والوضعية والأعراف المرعية، دون نظر إلى ما يترتب
على ذلك من آثار قد تعوق مسيرة الحياة على النحو الأمثل، أو تمزق ما بين
الناس من علائق قد تفضي إلى ما لا تحمده عقباه.
ومن بين ما خطط الإسلام لخير الإنسانية، وتحقيق آمالها، ودفع عجلة الحياة
بها إلى ما يؤمنها على كل ما يطمئنها في حاضرها، ويفتح آفاق الأمل في غد
ننعم فيه من الدنيا بما يعينها على الوفاء بحق الخلافة عن الله، فيها ذلك
المرفق الهام: الطريق من حيث إنشاؤه وتمهيده، حتى يتيسر استخدامه والحفاظ
عليه من كل ما يعوق صلاحيته أو يعطل الانتفاع به، وبقدر رعايته والعناية
به تكون ثمرته في جميع فروع الحياة: زراعية وصناعية وتجارية وثقافية
واجتماعية.
وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد حذر من الجلوس فيه فلأن ذلك كان
الشائع في ذلك الوقت، ولما قد يؤدي إليه من إساءة لرواده خصوصا أن الرسول
صلى الله عليه وسلم قد أذن به مع الالتزام بالآداب الواردة في الحديث. فإن
روح التشريع تتوخى تخليص الطريق من السلبيات التي تحول دون أدائه لوظيفته
الأداء الأمثل في إنشائه واحتوائه لكل ما يسد حاجة رواده.
وتحذير النبي صلى الله عليه وسلم من الجلوس على الطرقات يستهدف منع الأذى
والضرر الذي يمكن أن يقع من طرف على آخر من الذين يستخدمون الطريق العام..
لكن إذا كانت هناك ضرورة أو حاجة للجلوس على الطريق فليس هناك حرج في ذلك
بشرط الحفاظ على حق الطريق.
وأول هذه الحقوق التي ينبغي أن يراعيها كل من يجلس أو يسير في الطريق: غض
البصر وهو أمر إلهي قبل أن يكون توجيها نبويا.. فالله سبحانه وتعالى يقول:
“قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا
فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا
يَصْنَعُونَ”.
وهذا أمر من الله تعالى كذلك لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم
عليهم فلا ينظروا إلا إلى ما أباح الله النظر إليه وأن يغضوا أبصارهم عن
المحارم فإن حدث ووقع البصر على محرم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعا.
فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: “يا علي لا تتبع النظرة
النظرة، فإن لك الأولى وليس لك الآخرة”.
ولما كان النظر داعية إلى فساد القلب كما قال بعض السلف: “النظرة سهم سم
إلى القلب” لذلك أمر الله بحفظ الفروج كما أمر بحفظ الأبصار التي هي بواعث
إلى ذلك قال تعالى: “قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ
وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ”.
وكل أمر للمؤمنين فهو كذلك للمؤمنات إلا أنه أعقبه بالنسبة لهن بالنهي عن
إبداء مواضع الزينة منهن إلا ما جرت العادة بكشفه كالوجه والكفين، وهو
المشهور.
وأما غض البصر بالنسبة للمرأة فقد ذهب كثير من العلماء إلى أنه لا يجوز
للمرأة النظر إلى الرجال الأجانب بشهوة. والإسلام يرفض أن تتحول المرأة
إلى سجينة بالبيت خاصة أنها تحت وطأة الضرورة قد خرجت، ولكن نطالبها
بالعفة، ونلح عليها ألا تبرز زينتها، وأن تحافظ على نفسها وتخشى الله
خالقها.
كما أن الدين لا يكره التزين أو النظافة، وإنما يدعو النساء إلى ذلك ما
استطعن ولكن لأزواجهن. أما أن تكون في البيت على طبيعتها فإذا خرجت إلى
الشارع جمعت المساحيق ووضعت الأصباغ وحاولت إظهار كل جزء من بدنها في صورة
تفتن به فذلك ما يرفضه الإسلام ولا ترضاه المرأة المسلمة.
وقوله صلى الله عليه وسلم: “وكف الأذى” يعني ذلك ألا يؤذي الناس بالقول أو
بالفعل ورب العزة تبارك وتعالى يقول: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا
نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا
تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ” ويقول: “يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ
بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم
بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً
فَكَرِهْتُمُوهُ”.
أما الإيذاء بالفعل فقد حرص الإسلام على نظافة الطريق وإزالة العوائق التي
تعترض سبيل المارة به ويتوعد من يأتي شيئا من ذلك بأشد أنواع الوعيد كما
يضاعف الأجر لمن يسهم في كل ما يجعله صالحا ولا يجد فيه من يطرقه ما يعكر
صفوه أو يعطل عمله.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “اتقوا
اللاعنين قالوا وما اللاعنين يا رسول الله. قال: الذي يتخلى في طرق الناس
وفي ظلهم”.
والمراد بالأذى كل ما يؤذي المارة، كالحجر والشوك والنجاسة، ونحو ذلك.
وقوله صلى الله عليه وسلم: “ورد السلام” دعوة صريحة وواضحة إلى إشاعة روح المودة والمحبة بين الناس.