ما احتمالية أن يكون لقاح كوفيد-19 علاجًا جينيًا؟
توجد العديد من المخاوف غير المبررة حول لقاح كوفيد-19، ومن أكثرها شيوعًا هي أن الجرعات الجديدة ليست لقاحات في الحقيقة، بل أنها بطريقة ما ستغير الجينات أو تنفذ إلى الحمض النووي للخلايا.
قد تجد بعض الأشخاص يضعون المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي عن كون اللقاح علاجًا جينيًا، وهم محقون جزئيًا، ولكن تلك الفكرة تفتقر في نهاية المطاف إلى بعض التفاصيل المهمة حول كيفية عمل اللقاح. لا يمكن للقاحات أن تغير الجينات، ولا تظل في الجسم لأكثر من بضعة أيام.
لكن العديد من الناس شوهوا الطريقة التي يعمل بها اللقاح ليبدو شيئًا خبيثًا. فمثلاً، في يناير، أجرت مؤسسة ويستون أ. برايس، وهي مجموعة تثني عن التلقيح، مقابلة إذاعية مع ديفيد مارتن الحاصل على الدكتوراه، والذي يصفه موقعFactCheck.org «محللًا ماليًا ومنظم مشاريع للمساعدة الذاتية»، نعت فيها مارتن اللقاح بعلاج جيني.
وقال مارتن: «يجب أن يحفز اللقاح جهاز المناعة، لا أن يحفز الجسد على إنتاج السموم». وأضاف: «إنه ليس لقاحًا».
إلا أن تلك الجرعات هي لقاح بحسب ما أوردته إدارة الغذاء والدواء الأمريكية. وهي لا تتسبب في إنتاج الجسد للسموم.
إذًا من أين نبعت تلك الفكرة؟
العلم المعقد
«مثل أي إشاعة أخرى، يوجد وجه ما للحقيقة». تقول بيث ثيلين الحاصلة على الدكتوراه ودكتوراه في الطب وأخصائية أمراض الأطفال المعدية في كلية الطب بجامعة مينيسوتا.
«ولكن الحقيقة أن اللقاح ينطوي على علم سليم قد يبدو معقدًا لمعظم الأشخاص غير الدارسين للمجال».
يستخدم اللقاح الذي صنعته شركتا فايزر وموديرنا أغلفة دهنية ضئيلة الحجم يُطلق عليها الجسيمات النانوية الدهنية لتُدخل خيطًا مفردًا من مادة جينية تدعى الحمض النووي الريبي المرسال (mRNA) إلى خلايا الجسم.
أما لقاح شركة جونسون آند جونسون فهو مختلف قليلًا، فهو يستخدم الحمض النووي المزدوج المدرج في فيروس شائع ولكنه خامل يسمى أدينوفيروس. ويحوي هذا الحمض النووي التعليمات اللازمة لبناء بروتينات الحسكة-spike protein، فبمجرد دخوله الخلية، تُقرأ تلك التعليمات وتُترجم إلى حمض mRNA الذي يدخل إلى ذلك السائل الهلامي المسمى سيتوبلازم الذي يشكل جسم خلايانا.
«حيث ينضم إلى نحو 200,000 قطعة أخري من حمض mRNA الذي يقبع أيضًا في سيتوبلازم كل خلية، لأن خلايانا تنتج بروتينات وانزيمات طوال الوقت»، يقول بول أوفيت، الحاصل على دكتوراه في الطب، ومدير مركز تعليم اللقاحات بمستشفى الأطفال في فيلادلفيا.
إن سلاسل mRNA هي في الأساس أوامر عمل تصدر التعليمات لإنتاج بروتينات الحسكة، والتي تلتصق بالسطح الخارجي لفيروس كورونا. يستغل الفيروس تلك الأشواك الناتئة ليدخل الخلية ويصيبها.
إنها واحدة من أكثر الخصائص المعروفة للفيروس. تقرأ خلايانا حمض mRNA وتستعمله لتجميع بروتينات الحسكة، التي تخرج بدورها من الخلية حيث يتعرف عليها الجهاز المناعي ويتذكرها.
تلك البروتينات ليست خطرة بذاتها، ولا يمكنها أن تمرض أحدهم. إنها طلقات قدح تساعد الجسم في التعرف على الفاعل الحقيقي ومواجهته حين يأتي.
تدوم سلاسل mRNA الواردة من اللقاح بضعة أيام قبل تهشمها ونزوح الفتات عن طريق النظام العادي للتخلص من الفضلات في الجسم.
إن حمض mRNA مادة جينية، ومن هذا المنطلق فإن اللقاحات علاج قائم على أساس جيني، إلا أن إدارة التغذية والعقاقير تصنفها لقاحًا لا علاجًا جينيًا.
«أعتقد أن الناس يسمعون ذلك فيقولون (يا إلهي، ستبدلون حمضي النووي)»، يقول أوفيت، «هذا ليس ممكنًا».
ويشرح أوفيت قائلًا: «من أجل أن يغير اللقاح جينات الشخص، يجب أن تدخل تعليمات حمض mRNA مركز تحكم الخلية، ألا وهي النواة. والنواة محصنة عن بقية الخلية بغشائها الخاص. للمرور عبر ذلك الغشاء، سيكون على حمض mRNA أن يملك إنزيم يدعى إشارة ولوج نووية، وهو ما لا يمتلكه».
وحتى لو استطاع دخول النواة، فإن الشريط الواحد لحمض mRNA يجب أن يُترجم إلى خيطين مزدوجين من خيوط الحامض النووي.
يمكن لفيروس نقص المناعة البشرية الذي يسبب الايدز أن يفعل ذلك، فهو يستخدم أنزيمًا مثل المنتسخة العكسية ليتمكن من دخول الكروموسومات. أما حمض mRNA الذي في اللقاح فيفتقر إلى ذلك الإنزيم، لذا لا يمكنه العودة إلى الحمض النووي.
أما بالنسبة للحمض النووي الفيروسي المستخدم في لقاح جونسون آند جونسون فهو يدخل بالفعل نواة خلياتنا، لكنه لا يندمج أبدًا في الكروموسومات.
حتى بعد هاتين الخطوتين لا يزال هناك جدار ثالث يحول بين اللقاحات والجينات، ألا وهو أنزيم يدعى الأنزيم المدمج. من أجل غرز الحمض النووي الجديد في الحمض النووي لخلايانا نحتاج إلى هذا الأنزيم، وهو غير موجود في اللقاحات أيضًا.
يقول أوفيت: «لذا فإن احتمال حدوث ذلك هو صفر».
وتقول ثيلين: «لنفهم أمر حمض mRNA يمكننا أن نتصور صديقًا يريد عمل سلطة لذيذة تمتلك وصفتها. ستذهب إلى كتاب الطبخ خاصتك وتنقل الوصفة على ورقة صغيرة وتعطيه إياها. سيتمكن من صنع السلطة، لكنه لا يمتلك كتاب الطبخ الأساسي. أنت لم تغير كتاب الطبخ، أنت أعطيته ورقة مُفكرة وحسب أو شيئًا ما مؤقت يؤدي الغرض».
تكنولوجيا جديدة
صحيح أن تلك اللقاحات هي الأولى من نوعها التي تعمل بتلك الطريقة، لكن تكنولوجيا صنعها هي حصيلة جهود سنوات. هذا النوع من العلم أُعطيَ دفعة أخيرة بالتمويل بالمليارات الذي أتاحته (عملية السرعة القصوى).
لقد أخذ ملايين الأشخاص حتى الآن اللقاحات. إنها ضمن الوسائل الأكثر فاعلية في العالم لمنع التبعات الخطيرة لعدوى كوفيد. وحتى الآن هي تصمد جيدًا في مواجهة المتغيرات الفيروسية.
ورغم وجود آثار جانبية نادرة للغاية مرتبطة باللقاحات حتى الآن، فإن إدارة الغذاء والدواء أكدت أن فوائد أخذ اللقاح بالنسبة لمعظم الناس تفوق بكثير تلك الآثار النادرة.
وتقول ثيلين: «لقد أذهلني في الحقيقة مدى فاعليته، لذا أعتقد من منظور تطوير اللقاحات أنه من الشائق أننا نمتلك أدوات جديدة ضمن عدة ممارستنا لنصنع لقاحات جديدة. لكن لا يزال هناك الكثير لنتعلمه».
وتضيف: «أعتقد أن علينا القيام بدراسات متخصصة لتلك المنصة لفهم مدى استمرار الحماية ومدى جودة تكيفها مع الأهداف الأخرى للقاح، مثل النسخة القياسية المنقحة. أعتقد أنه ما زال علينا استكشاف ذلك».
المصدر
توجد العديد من المخاوف غير المبررة حول لقاح كوفيد-19، ومن أكثرها شيوعًا هي أن الجرعات الجديدة ليست لقاحات في الحقيقة، بل أنها بطريقة ما ستغير الجينات أو تنفذ إلى الحمض النووي للخلايا.
قد تجد بعض الأشخاص يضعون المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي عن كون اللقاح علاجًا جينيًا، وهم محقون جزئيًا، ولكن تلك الفكرة تفتقر في نهاية المطاف إلى بعض التفاصيل المهمة حول كيفية عمل اللقاح. لا يمكن للقاحات أن تغير الجينات، ولا تظل في الجسم لأكثر من بضعة أيام.
لكن العديد من الناس شوهوا الطريقة التي يعمل بها اللقاح ليبدو شيئًا خبيثًا. فمثلاً، في يناير، أجرت مؤسسة ويستون أ. برايس، وهي مجموعة تثني عن التلقيح، مقابلة إذاعية مع ديفيد مارتن الحاصل على الدكتوراه، والذي يصفه موقعFactCheck.org «محللًا ماليًا ومنظم مشاريع للمساعدة الذاتية»، نعت فيها مارتن اللقاح بعلاج جيني.
وقال مارتن: «يجب أن يحفز اللقاح جهاز المناعة، لا أن يحفز الجسد على إنتاج السموم». وأضاف: «إنه ليس لقاحًا».
إلا أن تلك الجرعات هي لقاح بحسب ما أوردته إدارة الغذاء والدواء الأمريكية. وهي لا تتسبب في إنتاج الجسد للسموم.
إذًا من أين نبعت تلك الفكرة؟
العلم المعقد
«مثل أي إشاعة أخرى، يوجد وجه ما للحقيقة». تقول بيث ثيلين الحاصلة على الدكتوراه ودكتوراه في الطب وأخصائية أمراض الأطفال المعدية في كلية الطب بجامعة مينيسوتا.
«ولكن الحقيقة أن اللقاح ينطوي على علم سليم قد يبدو معقدًا لمعظم الأشخاص غير الدارسين للمجال».
يستخدم اللقاح الذي صنعته شركتا فايزر وموديرنا أغلفة دهنية ضئيلة الحجم يُطلق عليها الجسيمات النانوية الدهنية لتُدخل خيطًا مفردًا من مادة جينية تدعى الحمض النووي الريبي المرسال (mRNA) إلى خلايا الجسم.
أما لقاح شركة جونسون آند جونسون فهو مختلف قليلًا، فهو يستخدم الحمض النووي المزدوج المدرج في فيروس شائع ولكنه خامل يسمى أدينوفيروس. ويحوي هذا الحمض النووي التعليمات اللازمة لبناء بروتينات الحسكة-spike protein، فبمجرد دخوله الخلية، تُقرأ تلك التعليمات وتُترجم إلى حمض mRNA الذي يدخل إلى ذلك السائل الهلامي المسمى سيتوبلازم الذي يشكل جسم خلايانا.
«حيث ينضم إلى نحو 200,000 قطعة أخري من حمض mRNA الذي يقبع أيضًا في سيتوبلازم كل خلية، لأن خلايانا تنتج بروتينات وانزيمات طوال الوقت»، يقول بول أوفيت، الحاصل على دكتوراه في الطب، ومدير مركز تعليم اللقاحات بمستشفى الأطفال في فيلادلفيا.
إن سلاسل mRNA هي في الأساس أوامر عمل تصدر التعليمات لإنتاج بروتينات الحسكة، والتي تلتصق بالسطح الخارجي لفيروس كورونا. يستغل الفيروس تلك الأشواك الناتئة ليدخل الخلية ويصيبها.
إنها واحدة من أكثر الخصائص المعروفة للفيروس. تقرأ خلايانا حمض mRNA وتستعمله لتجميع بروتينات الحسكة، التي تخرج بدورها من الخلية حيث يتعرف عليها الجهاز المناعي ويتذكرها.
تلك البروتينات ليست خطرة بذاتها، ولا يمكنها أن تمرض أحدهم. إنها طلقات قدح تساعد الجسم في التعرف على الفاعل الحقيقي ومواجهته حين يأتي.
تدوم سلاسل mRNA الواردة من اللقاح بضعة أيام قبل تهشمها ونزوح الفتات عن طريق النظام العادي للتخلص من الفضلات في الجسم.
إن حمض mRNA مادة جينية، ومن هذا المنطلق فإن اللقاحات علاج قائم على أساس جيني، إلا أن إدارة التغذية والعقاقير تصنفها لقاحًا لا علاجًا جينيًا.
«أعتقد أن الناس يسمعون ذلك فيقولون (يا إلهي، ستبدلون حمضي النووي)»، يقول أوفيت، «هذا ليس ممكنًا».
ويشرح أوفيت قائلًا: «من أجل أن يغير اللقاح جينات الشخص، يجب أن تدخل تعليمات حمض mRNA مركز تحكم الخلية، ألا وهي النواة. والنواة محصنة عن بقية الخلية بغشائها الخاص. للمرور عبر ذلك الغشاء، سيكون على حمض mRNA أن يملك إنزيم يدعى إشارة ولوج نووية، وهو ما لا يمتلكه».
وحتى لو استطاع دخول النواة، فإن الشريط الواحد لحمض mRNA يجب أن يُترجم إلى خيطين مزدوجين من خيوط الحامض النووي.
يمكن لفيروس نقص المناعة البشرية الذي يسبب الايدز أن يفعل ذلك، فهو يستخدم أنزيمًا مثل المنتسخة العكسية ليتمكن من دخول الكروموسومات. أما حمض mRNA الذي في اللقاح فيفتقر إلى ذلك الإنزيم، لذا لا يمكنه العودة إلى الحمض النووي.
أما بالنسبة للحمض النووي الفيروسي المستخدم في لقاح جونسون آند جونسون فهو يدخل بالفعل نواة خلياتنا، لكنه لا يندمج أبدًا في الكروموسومات.
حتى بعد هاتين الخطوتين لا يزال هناك جدار ثالث يحول بين اللقاحات والجينات، ألا وهو أنزيم يدعى الأنزيم المدمج. من أجل غرز الحمض النووي الجديد في الحمض النووي لخلايانا نحتاج إلى هذا الأنزيم، وهو غير موجود في اللقاحات أيضًا.
يقول أوفيت: «لذا فإن احتمال حدوث ذلك هو صفر».
وتقول ثيلين: «لنفهم أمر حمض mRNA يمكننا أن نتصور صديقًا يريد عمل سلطة لذيذة تمتلك وصفتها. ستذهب إلى كتاب الطبخ خاصتك وتنقل الوصفة على ورقة صغيرة وتعطيه إياها. سيتمكن من صنع السلطة، لكنه لا يمتلك كتاب الطبخ الأساسي. أنت لم تغير كتاب الطبخ، أنت أعطيته ورقة مُفكرة وحسب أو شيئًا ما مؤقت يؤدي الغرض».
تكنولوجيا جديدة
صحيح أن تلك اللقاحات هي الأولى من نوعها التي تعمل بتلك الطريقة، لكن تكنولوجيا صنعها هي حصيلة جهود سنوات. هذا النوع من العلم أُعطيَ دفعة أخيرة بالتمويل بالمليارات الذي أتاحته (عملية السرعة القصوى).
لقد أخذ ملايين الأشخاص حتى الآن اللقاحات. إنها ضمن الوسائل الأكثر فاعلية في العالم لمنع التبعات الخطيرة لعدوى كوفيد. وحتى الآن هي تصمد جيدًا في مواجهة المتغيرات الفيروسية.
ورغم وجود آثار جانبية نادرة للغاية مرتبطة باللقاحات حتى الآن، فإن إدارة الغذاء والدواء أكدت أن فوائد أخذ اللقاح بالنسبة لمعظم الناس تفوق بكثير تلك الآثار النادرة.
وتقول ثيلين: «لقد أذهلني في الحقيقة مدى فاعليته، لذا أعتقد من منظور تطوير اللقاحات أنه من الشائق أننا نمتلك أدوات جديدة ضمن عدة ممارستنا لنصنع لقاحات جديدة. لكن لا يزال هناك الكثير لنتعلمه».
وتضيف: «أعتقد أن علينا القيام بدراسات متخصصة لتلك المنصة لفهم مدى استمرار الحماية ومدى جودة تكيفها مع الأهداف الأخرى للقاح، مثل النسخة القياسية المنقحة. أعتقد أنه ما زال علينا استكشاف ذلك».
المصدر