الركود الكبير

الركود الكبير Hardsh10

الركود الكبير The Great Recession مصطلح يعبر عن الهبوط الاقتصادي الحاد الذي حدث في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والذي يُعد أسوأ حدث اقتصادي منذ الكساد الكبير الذي حدث في فترة الثلاثينيات. ويُطلق هذا المصطلح على الركود الذي أصاب الاقتصاد الأمريكي، وامتد رسميًا من ديسمبر 2007 إلى يونيو 2009، والركود العالمي الذي تلاه عام 2009.

حدث هذا الركود عندما انهار سوق العقارات الأمريكية، وفُقدت أكثر الأوراق المالية المدعومة بالقروض العقارية MBS’s ومشتقاتها الجزء الأكبر من قيمتها.

فهم الركود الكبير

مصطلح الركود الكبير هو تغيير على مصطلح الكساد الكبير The Great Depression الذي حدث خلال الثلاثينيات، وأدى إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي GDP بنسبة أكثر من 10%، وارتفاع نسبة البطالة إلى 25%.

مع عدم وجود معايير واضحة للتفرقة بين الكساد Depression والركودRecession ، يُجمع أكثر الاقتصاديين على أن الهبوط الأخير لم يصل إلى درجة الكساد، رغم أنه أدى إلى فقد الناتج المحلي الإجمالي 0.3% من قيمته عام 2008، و2.8% من قيمته عام 2009، وارتفاع نسبة البطالة إلى 10% فإنه يُعتبر أسوأ انخفاض اقتصادي منذ الثلاثينيات.

أسباب الركود الكبير

وفقًا لتقرير لجنة تقصي الأزمات المالية المشكلة من ستة نواب ديمقراطيين وأربعة جمهوريين، الصادر عام 2011، فإن الركود الكبير كان من الممكن تفاديه. أشار التقرير إلى عدة عوامل رئيسية أدت إلى حدوث هذا الركود.

أولًا، الفشل الحكومي في تنظيم القطاع المالي، الذي تمثل في عدم قدرة الاحتياطي الفيدراليthe U.S. Federal Reserve/ the Fed على التحكم في قروض الرهن العقاري الضارة.

ثانيًا، إقدام عدد من الشركات على مخاطر عالية؛ ما أدى إلى نشوء نظام الظل المصرفيThe shadow banking system الذي تكون من شركات استثمارية نامية، نافست نظام الودائع المصرفية، دون أن تخضع لنفس الضوابط والمراجعة الدقيقة، فنتج عن انهيار هذا النظام تأثر التدفقات الائتمانية للمستهلكين والشركات.

الركود الكبير School10

من الأسباب الأخرى التي ذكرها التقرير، الإفراط في الاقتراض من قبل الأفراد والشركات، وعجز المشرعين عن فهم حقيقة النظام المالي المتداعي.

أصول الركود الكبير وتبعاته

بدءًا من العام 2001، دفع كل من الركود الاقتصادي وأحداث الحادي عشر من سبتمبر الاحتياطي الفيدرالي إلى تخفيض معدلات الفائدة إلى أدنى مستوى لها في فترة ما بعد اتفاقية بريتون وودزBretton Woods ، في محاولة للحفاظ على الثبات الاقتصادي، واستمر ذلك حتى منتصف عام 2004.

صاحب ذلك السياسات الفيدرالية التي شجعت على امتلاك المنازل، وساهمت أسعار الفائدة المتدنية في حدوث ازدهار سريع في سوق العقارات والأسواق المالية.
سمحت النظم المالية المستحدثة، مثل الأنماط الجديدة من قروض الرهن العقاري Subprime Loans، والرهونات العقارية القابلة للتعديل adjustable mortgages، لمقترضين غير مؤهلين بالحصول على قروض إسكان سخية، بناءً على الاعتقاد بأن أسعار الفائدة ستظل منخفضة، في حين ستواصل أسعار المنازل الارتفاع.

إلا أن الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة بثبات بين عامي 2004 و2006 في محاولة لتثبيت معدل التضخم، وفي المقابل ارتفعت أسعار الفائدة السوقية، وتدفق المزيد من الائتمان عبر القنوات المصرفية التقليدية إلى العقارات، ما أدى إلى إعادة تحديد أسعار الفائدة على الرهونات العقارية ذات الفوائد القابلة للتعديل والمطروحة سابقًا، بالإضافة إلى إبرام المزيد من القروض بأسعار فائدة عالية لم يتوقعها أغلب المقترضين، وأدى ذلك إلى انفجار ما عرف لاحقًا باسم فقاعة الإسكان housing bubble.

أدى تداعي سوق العقارات عام 2007 إلى انهيار قيمة الأوراق المالية المدعومة بالرهونات العقارية، التي روجتها المؤسسات المالية الأمريكية خلال فترة ازدهار سوق الإسكان من منتصف عام 2000، بعد ذلك انهارت الأسواق الائتمانية التي مَوَّلت فقاعة الإسكان، لتكشف عن أزمة الائتمان عام 2007.

وبدأ انهيار المؤسسات الكبرى بانهيار بير ستيرنز Bear Stearnsفي مارس 2008، وبلغت الأمور ذروتها خلال نفس العام بإفلاس ليمان برزرس Lehman Brothers، رابع أكبر بنك استثماري في الولايات المتحدة في سبتمبر 2008، وامتد الركود إلى نظم اقتصادية أخرى حول العالم، خاصةً في أوروبا.

ونتيجة لهذه الأزمة، فقد نحو 8.7مليون شخص وظائفهم في الولايات المتحدة فقط، ليتضاعف معدل البطالة، وفقًا لمكتب العمل الأمريكي للإحصاء، وفقدت الأسر الأمريكية نحو 19 تريليون دولار من صافي أصولها بسبب انهيار سوق الأسهم، وفقًا لوزارة الخزانة الأمريكية. وانتهى الركود الكبير رسميًا في يونيو 2009.

الانتعاش من الرّكود الكبير

لم تسلم السياسات المالية الصارمة التي اتخذها الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية الأخرى نتيجة الركود من النقد، رغم الاعتراف بأنها فعالة في تخفيف الضرر على الاقتصاد العالمي.

من هذه الإجراءات، خفض الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة لما يقرب من الصفر لتعزيز السيولة، كما أمد البنوك -في خطوة غير مسبوقة- بقروض تبلغ نحو 7.7 تريليون دولار للطوارئ في إطار ما يعرف بسياسة التيسير الكمي quantitative easing.

إلى جانب هذا الإغراق النقدي أطلقت الحكومة الفيدرالية برنامجًا ماليًا ضخمًا لتحفيز الاقتصاد، تمثل في ضغط النفقات بنحو 787 مليار دولار، وعُرف ذلك بقانون الإنعاش وإعادة الاستثمار the American Recovery and Reinvestment Act، الذي أعلن عنه مكتب الموازنة في الكونجرس.

لم تكتف الحكومة الفيدرالية بتقديم حزم داعمة للنظام المالي؛ بل قامت أيضًا بإعداد تشريعات مالية جديدة.

يرى العديد من الاقتصاديين أن إلغاء قانون Glass-Steagall قد ساهم في حدوث الركود الكبير؛ لأن إلغاءه أدى إلى اندماج عدد كبير من البنوك الأمريكية مكونةً كيانات أضخم.

قانون دود-فرانك Dodd-Frank

أصدرت إدارة الرئيس أوباما عام 2010 قانون دود- فرانك الذي منح الحكومة المزيد من السلطة التشريعية في القطاع المالي؛ فأتاح لها السيطرة على المؤسسات المالية المتعثرة، والقدرة على إنشاء آلية لحماية المستهلك من الإقراض المتوحش.

يلاحظ منتقدو قانون دود-فرانك أن المؤسسات المالية التي استفادت من الإقراض المتوحش وممارسات أخرى متعلقة به وتربحت منه كانت مشاركة في صياغة القانون الجديد، كما في المؤسسات المعنية بتطبيقه خلال إدارة أوباما.

بدأ الانتعاش التدريجي للاقتصاد بعد تلك السياسات؛ فعاد الناتج المحلي الذي انهار إلى أدنى مستوياته في الربع الثاني من عام 2009، إلى مستوى ما قبل الركود في الربع الثاني من 2011، أي بعد ثلاث سنوات ونصف من البداية الرسمية للركود. كذلك تعافت الأسواق المالية بعد الإغراق المالي الذي شمل Wall Street في المقام الأول.

أما مؤشر داو جونز الصناعي The Dow Jones Industrial Average (DJIA) الذي فقد أكثر من نصف قيمته في أغسطس 2007، فبدأ في الانتعاش في مارس 2009، لكنه لم يتخط مستوى 2007 إلا في مارس 2013.

لكن فيما يتعلق بالعاملين والأسر فقد كان الوضع أسوأ؛ فالبطالة التي لم تتعد 5% عام 2007، وارتفعت إلى 10% في أكتوبر 2010، ولم تنخفض إلى 5% إلا في عام 2015؛ أي بعد نحو ثماني سنوات من بداية الركود. ولم يعد متوسط دخل الأسر إلى مستوى ما قبل الركود إلا في عام 2016.

احتج منتقدو السياسات المالية التي ساعدت على الانتعاش بأن ضخ السيولة وضغط النفقات قد ساهما بالفعل في انتعاش المؤسسات المالية الكبرى، لكن على حساب الأشخاص العاديين الذين تأخر انتعاشهم الاقتصادي بسبب ارتباط مواردهم الحقيقية بأنشطة معرضة للفشل.

المصدر