هل يحتمل وجود حياة على كوكب الزهرة؟
أثار خبر اكتشاف مادة كيميائية تُسمى الفوسفين على كوكب الزهرة في سبتمبر الماضي موجة محمومة في الأوساط العلمية ما بين مؤيد ومعارض، ونتيجة ورقتين بحثيتين جديدتين، زعم البعض أن المسمار الأخير في نعش الفوفسين قد دُق، مع ذلك، من المرجح استمرار الجدل حول ذلك الاكتشاف، وستستمر مناقشته حتى حين.
ما أهمية الفوسفين على الزهرة؟
الاكتشاف مذهل في ذاته، فباستعمال أداتين مختلفتين في وقتين مختلفين، هما تلسكوب جيمس كلارك ماكسويل سنة 2017 ومصفوفة أتاكاما (ALMA) سنة 2019، اكتشف فريق من علماء البيولوجيا الفلكية بقيادة جين جريفيس من جامعة كارديف في بريطانيا أثرًا طيفيًا لمادة كيميائية تُسمى الفوسفين في الغلاف الجوي للزهرة، بتركيز 20 جزءًا في المليار، ونُشر البحث في مجلة Nature Astronomy.
يوجد الفوسفين بوفرة على الأرض، في الأنظمة البيئية فقيرة الأكسجين مثل المستنقعات والأوحال، حيث تزدهر الميكروبات غير الهوائية، ويوجد في الأمعاء وفي غازات البطن. تُنتج الكائنات هذه الكائنات الدقيقة الفوسفين. إن سُحب كوكب الزهرة تُعد غير هوائية وفقيرة بالأكسجين أيضًا.
رغم استبعاد جريفيس وفريقها احتمالات كثيرة لا حيوية لتشكُّل الفوسفين، فقد حرصوا على الإشارة إلى وجود احتمالات أخرى لظهور الفوسفين، مثل البراكين، كما هو الحال على الأرض؛ إذ تنتج البراكين الفوسفين، ولدينا دليل على أن الزهرة ما يزال نشطًا بركانيًا. وَجدت دراسة أخرى ما زالت قيد النشر دليلًا ملموسًا على أصل بركاني لتلك المادة. لكن الإشارة إلى وجود بصمة ميكروبية ألقت بظلال عديدة من الشك ومحاولات التمحيص والتدقيق من قبل علماء آخرين.
ماذا بعد؟
حسنًا، تعقدت الأمور قليلًا بعد ذلك. بدايةً، طالع فريق من العلماء بيانات الزهرة التاريخية ووجدوا أنه من المحتمل أن يكون المسبار الاستطلاعي قد اكتشف الفوسفين سنة 1978. لم تُقبل تلك الورقة للنشر حتى الآن. زعمت ورقة أخرى مُرسلة إلى مجلة Science اكتشاف الحمض الأميني الجلايسين -وحدة بناء أساسية في البروتين- على الزهرة. لم تخضع تلك الورقة لمراجعة الأقران بعد.
طالع علماء آخرون تلك البيانات، ولم تجد ثلاث ورقات بحثية -نُشرت ورقتان منهما، وأعادت الورقة الثالثة تحليل بيانات الورقتين الأوليين وتنتظر مراجعة الأقران- أي دليل على اكتشاف الفوسفين في الغلاف الجوي للزهرة.
اتضح وجود خطأ في معالجة البيانات من ملاحظات مصفوفة أتاكاما، وطلبت جريفيس إعادة معالجة البيانات، وأُتيحت البيانات الجديدة للنشر في نوفمبر 2020، وبتحليل البيانات وجد الفريق أنه يمكن اكتشاف الفوسفين في غلاف الزهرة الجوي لكن بكميات أقل، بمعدل عام يتراوح بين 1 و4 أجزاء في المليار، مع قمم تتراوح بين 5 و10 أجزاء في المليار.
اقتُرح أن ما وجده الفريق كان ثاني أكسيد الكبريت، لا الفوسفين، نظرًا إلى أن كليهما يمتص الإشعاعات عند تردد 266.94 جيجاهرتز، وينتج من الأنشطة البركانية، إلا أن جريفيس في ورقتها البحثية الجديدة استبعدت ثاني أكسيد الكبريت، نظرًا إلى أن خط الامتصاص الطيفي المفسر بأنه الفوسفين يستبعد كونه ثاني أكسيد الكبريت، ولا توجد كمية كافية منه على الزهرة لتنتج البيانات الملحوظة، ودافعت ورقة بحثية ثالثة نشرتها جريفيس وفريقها عن الرأي القائل بأن المادة المكتشفة هي الفوسفين.
لماذا تعود تلك الأخبار إلى واجهة الأحداث إذن؟
نُشرت ورقتان بحثيتان حديثًا، أعادتا تحليل البيانات، وعارضت النتائج وجود الفوسفين.
أعادت الورقة الأولى تحليل بيانات مصفوفة أتاكاما قبل إعادة المعالجة وبعدها، ووجد الفريق خطًا طيفيًا عند تردد 266.94 جيجاهرتز في البيانات الأولى، لكن لا أثر لذلك الطيف بعد معالجة البيانات، ووجدوا أن ثاني أكسيد الكبريت قد يظهر بنسب تبلغ 10 أجزاء في المليار، دون أن تلتقطه بيانات مصفوفة أتاكاما، ما يشير إلى احتمالية توفره بدرجة أكبر مما ظنت جريفيس وفريقها.
استعملت الورقة الثانية بيانات للزهرة تمتد عقودًا، لمحاكاة ظروف الغلاف الجوي ومعرفة سلوك الفوسفين وثاني أكسيد الكبريت، ووجدوا أن الإشارة الملتقطة عند تردد 266.94 جيجاهرتز تناسب مصدرًا على ارتفاع 80 كيلومترًا فوق طبقات السحب، بخلاف ما أشارت إليه جريفيس وفريقها من أن ارتفاع المصدر يقدر بـ 50-60 كيلومترًا، وعلى ذلك الارتفاع لن يستمر الفوسفين طويلًا، لذا فالأرجح كون تلك المادة ثاني أكسيد الكبريت.
هل حُسم الجدل إذن وأسدل الستار على فوسفين الزهرة؟
يصعب قول ذلك. يُتوقع أن ترد جريفيس وفريقها على الأبحاث الأخيرة ما سيثير عاصفة أخرى من الردود، مع المزيد من النماذج والأرقام وربما التجارب لاكتشاف الاحتمالات. لا يمكننا الجزم بصحة أي مما ورد سابقًا، إذ تظل الطريقة الوحيدة لحسم الجدل هي أخذ ملاحظات تفصيلية أخرى بأدوات أدق، وربما ننتظر مدةً ليست بالقصيرة لحدوث ذلك، إذ توجد مهمات عدة مقترحة للزهرة، ولكن كما هي العادة، نقل المقترح إلى موضع التنفيذ يستغرق بعض الوقت. مع ذلك، هذا هو العلم في أبهى صوره، لا صواب مطلق أو خطأ مطلق، ربما يوجد الفوسفين على الزهرة وربما لا، وسيستعمل العلماء قدراتهم الإبداعية لمحاولة حل المشكلة، ما سينتج أدوات وطرقًا أدق للتحليل، وفي النهاية سنعلم الحقيقة، وبصرف النظر عن ماهيتها سنتعلم شيئًا جديدًا عن الكون.
المصدر
أثار خبر اكتشاف مادة كيميائية تُسمى الفوسفين على كوكب الزهرة في سبتمبر الماضي موجة محمومة في الأوساط العلمية ما بين مؤيد ومعارض، ونتيجة ورقتين بحثيتين جديدتين، زعم البعض أن المسمار الأخير في نعش الفوفسين قد دُق، مع ذلك، من المرجح استمرار الجدل حول ذلك الاكتشاف، وستستمر مناقشته حتى حين.
ما أهمية الفوسفين على الزهرة؟
الاكتشاف مذهل في ذاته، فباستعمال أداتين مختلفتين في وقتين مختلفين، هما تلسكوب جيمس كلارك ماكسويل سنة 2017 ومصفوفة أتاكاما (ALMA) سنة 2019، اكتشف فريق من علماء البيولوجيا الفلكية بقيادة جين جريفيس من جامعة كارديف في بريطانيا أثرًا طيفيًا لمادة كيميائية تُسمى الفوسفين في الغلاف الجوي للزهرة، بتركيز 20 جزءًا في المليار، ونُشر البحث في مجلة Nature Astronomy.
يوجد الفوسفين بوفرة على الأرض، في الأنظمة البيئية فقيرة الأكسجين مثل المستنقعات والأوحال، حيث تزدهر الميكروبات غير الهوائية، ويوجد في الأمعاء وفي غازات البطن. تُنتج الكائنات هذه الكائنات الدقيقة الفوسفين. إن سُحب كوكب الزهرة تُعد غير هوائية وفقيرة بالأكسجين أيضًا.
رغم استبعاد جريفيس وفريقها احتمالات كثيرة لا حيوية لتشكُّل الفوسفين، فقد حرصوا على الإشارة إلى وجود احتمالات أخرى لظهور الفوسفين، مثل البراكين، كما هو الحال على الأرض؛ إذ تنتج البراكين الفوسفين، ولدينا دليل على أن الزهرة ما يزال نشطًا بركانيًا. وَجدت دراسة أخرى ما زالت قيد النشر دليلًا ملموسًا على أصل بركاني لتلك المادة. لكن الإشارة إلى وجود بصمة ميكروبية ألقت بظلال عديدة من الشك ومحاولات التمحيص والتدقيق من قبل علماء آخرين.
ماذا بعد؟
حسنًا، تعقدت الأمور قليلًا بعد ذلك. بدايةً، طالع فريق من العلماء بيانات الزهرة التاريخية ووجدوا أنه من المحتمل أن يكون المسبار الاستطلاعي قد اكتشف الفوسفين سنة 1978. لم تُقبل تلك الورقة للنشر حتى الآن. زعمت ورقة أخرى مُرسلة إلى مجلة Science اكتشاف الحمض الأميني الجلايسين -وحدة بناء أساسية في البروتين- على الزهرة. لم تخضع تلك الورقة لمراجعة الأقران بعد.
طالع علماء آخرون تلك البيانات، ولم تجد ثلاث ورقات بحثية -نُشرت ورقتان منهما، وأعادت الورقة الثالثة تحليل بيانات الورقتين الأوليين وتنتظر مراجعة الأقران- أي دليل على اكتشاف الفوسفين في الغلاف الجوي للزهرة.
اتضح وجود خطأ في معالجة البيانات من ملاحظات مصفوفة أتاكاما، وطلبت جريفيس إعادة معالجة البيانات، وأُتيحت البيانات الجديدة للنشر في نوفمبر 2020، وبتحليل البيانات وجد الفريق أنه يمكن اكتشاف الفوسفين في غلاف الزهرة الجوي لكن بكميات أقل، بمعدل عام يتراوح بين 1 و4 أجزاء في المليار، مع قمم تتراوح بين 5 و10 أجزاء في المليار.
اقتُرح أن ما وجده الفريق كان ثاني أكسيد الكبريت، لا الفوسفين، نظرًا إلى أن كليهما يمتص الإشعاعات عند تردد 266.94 جيجاهرتز، وينتج من الأنشطة البركانية، إلا أن جريفيس في ورقتها البحثية الجديدة استبعدت ثاني أكسيد الكبريت، نظرًا إلى أن خط الامتصاص الطيفي المفسر بأنه الفوسفين يستبعد كونه ثاني أكسيد الكبريت، ولا توجد كمية كافية منه على الزهرة لتنتج البيانات الملحوظة، ودافعت ورقة بحثية ثالثة نشرتها جريفيس وفريقها عن الرأي القائل بأن المادة المكتشفة هي الفوسفين.
لماذا تعود تلك الأخبار إلى واجهة الأحداث إذن؟
نُشرت ورقتان بحثيتان حديثًا، أعادتا تحليل البيانات، وعارضت النتائج وجود الفوسفين.
أعادت الورقة الأولى تحليل بيانات مصفوفة أتاكاما قبل إعادة المعالجة وبعدها، ووجد الفريق خطًا طيفيًا عند تردد 266.94 جيجاهرتز في البيانات الأولى، لكن لا أثر لذلك الطيف بعد معالجة البيانات، ووجدوا أن ثاني أكسيد الكبريت قد يظهر بنسب تبلغ 10 أجزاء في المليار، دون أن تلتقطه بيانات مصفوفة أتاكاما، ما يشير إلى احتمالية توفره بدرجة أكبر مما ظنت جريفيس وفريقها.
استعملت الورقة الثانية بيانات للزهرة تمتد عقودًا، لمحاكاة ظروف الغلاف الجوي ومعرفة سلوك الفوسفين وثاني أكسيد الكبريت، ووجدوا أن الإشارة الملتقطة عند تردد 266.94 جيجاهرتز تناسب مصدرًا على ارتفاع 80 كيلومترًا فوق طبقات السحب، بخلاف ما أشارت إليه جريفيس وفريقها من أن ارتفاع المصدر يقدر بـ 50-60 كيلومترًا، وعلى ذلك الارتفاع لن يستمر الفوسفين طويلًا، لذا فالأرجح كون تلك المادة ثاني أكسيد الكبريت.
هل حُسم الجدل إذن وأسدل الستار على فوسفين الزهرة؟
يصعب قول ذلك. يُتوقع أن ترد جريفيس وفريقها على الأبحاث الأخيرة ما سيثير عاصفة أخرى من الردود، مع المزيد من النماذج والأرقام وربما التجارب لاكتشاف الاحتمالات. لا يمكننا الجزم بصحة أي مما ورد سابقًا، إذ تظل الطريقة الوحيدة لحسم الجدل هي أخذ ملاحظات تفصيلية أخرى بأدوات أدق، وربما ننتظر مدةً ليست بالقصيرة لحدوث ذلك، إذ توجد مهمات عدة مقترحة للزهرة، ولكن كما هي العادة، نقل المقترح إلى موضع التنفيذ يستغرق بعض الوقت. مع ذلك، هذا هو العلم في أبهى صوره، لا صواب مطلق أو خطأ مطلق، ربما يوجد الفوسفين على الزهرة وربما لا، وسيستعمل العلماء قدراتهم الإبداعية لمحاولة حل المشكلة، ما سينتج أدوات وطرقًا أدق للتحليل، وفي النهاية سنعلم الحقيقة، وبصرف النظر عن ماهيتها سنتعلم شيئًا جديدًا عن الكون.
المصدر