هل تتحدث النساء أكثر من الرجال؟
دائمًا يشار إلى المرأة بأنها الجنس الثرثار كثير الكلام، نجد هذا في الكثير من الأمثال مثل: «لسان المرأة يتحرك أكثر من ذيل الحمل» و«الكثير من النساء تساوي الكثير من الكلمات»، وفي الأدب والثقافات الشعبية فإن الأولاد يسوون أمورهم بالعنف والقبضات بينما تستخدم الفتيات الكلام سلاحًا للرد على الفتيات الأخريات.
ولكن من أين جاءت هذه الأيديولوجية المنتشرة حول أساليب التحدث بين الرجال والنساء والفتيات والفتيان؟ ولماذا نصر على هذا التصور لكلام المرأة رغم أن الأبحاث أشارت إلى أنه أبعد ما يكون عن الدقة؟
حسنًا، لماذا لا نعد إلى البداية؟
ثرثرة النساء المملة، وحديث الرجال المهم
إن ارتباط النساء بالحديث الممل يمتد إلى الفلاسفة الرومانيين واليونانيين الأوائل الذين كانت كتاباتهم تثني على الرجال وتذكر سلبيات النساء، فعلى سبيل المثال يقول أرسطو إن النساء يتحدثن زورًا ويتشككن كثيرًا، هذا مجرد مثال على الأساطير المحيطة بحديث المرأة، وقد قيل منذ وقت طويل أن أصوات النساء لا تنتمي للمجالات العامة.
يعتقد الكاتب اليوناني بلوتارخ أن تمثال سلحفاة أفروديت يوضح أن مكان المرأة الحقيقي في المنزل ويجب أن تصمت عندما تكون خارجه. ما يثير الدهشة أنه استطاع الحصول على كل هذه المعلومات من تمثال سلحفاة، ولكنه لم يتخذ هذا الرأي بمفرده، فقد كان الاعتقاد السائد عند الجميع أن الخطابة مجال للرجال لا النساء.
تقول عالمة اللغة جنيفر كوتس في كتابها «المرأة والرجل واللغة» إن المرأة كانت تعد فاضلة ومن أولئك المقدرين أصحاب المكانة الاجتماعية المهيمنة وإنها طبقًا لأرسطو يجب ألّا تشارك في المجالات العامة.
كان يُنظر إلى المرأة التي تتحدث في مواضيع خارج المجال المنزلي على أنها تتصرف خارج حدود الأنوثة وأنها تخل بالنظام الاجتماعي، فعلى سبيل المثال وبّخ القنصل الروماني كاتو الماترونات (النساء الرومانيات المتزوجات من رجال رومانيين) اللاتي تجرأن وعبرن لأزواج نساء أخريات عن قلقهن، بعبارة أخرى: أزعجي زوجك ولكن لا تزعجي رجالًا آخرين!
حديث المرأة خلال العصور الوسطى
استمر التعامل مع حديث المرأة على أنه غير جدير بالثقة ومشكوك به أخلاقيًا خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر، وقد حذرت الكتابات من خطر ألسنة النساء الكاذبة وتعود حكايات الزوجات العجوزات إلى التحذيرات القديمة من ميل المرأة إلى سرد أحاديث كاذبة.
ونرى العواقب التي تواجه أصوات النساء خارج المجالات المنزلية بعد قرن أو اثنين من ذلك التاريخ. تستكشف ساندرا دارسلي في كتاب يتحدث عن التقاطع العام بين الحديث العام والجنس والطبقات خلال القرون الوسطى كيف نمت الفرصة للفلاحين بعد الموت الأسود (الطاعون) بسبب الفراغ الاقتصادي والاجتماعي الذي سببه عدد القتلى الهائل في كسب مراكز اجتماعية، وقد أدى ذلك إلى زيادة الاضطرابات السياسية ضد نظام الحكم المحلي والضرائب الباهظة، وكان يُنظر إلى النساء اللاتي يعبرن عن مظالمهن على أنهن يعطلن النظام الاجتماعي.
بمراجعة سجلات القضاء في هذه الفترة وجدت باردسلي أن النساء تشكل غالبية قضايا التوبيخ والتشهير.
حتى كلمة «النميمة» أخذت شعور التحقير لأنها ارتبطت بقوة بحديث المرأة. وأصبح يشير إلى الكلام الافترائي للمرأة.
بالانتقال إلى القرن 18 والقرن 19، شوه حديث المرأة في المجالات العامة تزامنًا مع تطور مفهوم سلامة اللغة.
رغم أنه كان من المتوقع أن تكون النساء ذوات المكانة الاجتماعية نماذج للخطاب السليم فإنهن كُن يُعبن على ضعف اللغة في أحيان كثيرة.
حديث المرأة في العصر الحديث
وصولًا إلى عصر الخطاب الحديث، ما تزال أصوات النساء خارج المجالات المنزلية تواجه صعوبات في الاستماع إليها وخاصةً في المجالات التي يهيمن عليها الذكور.
ويبدو أننا ما زلنا نتمسك بفكرة أن أفكار المرأة تافهة ومن الأفضل أن يُترك الخطاب العام للرجال، وجدت الأبحاث التي أجراها العلماء ميرا ودايفيد سادكر ونانسي زيتلمان أن الأولاد يتحدثون أغلب الوقت في الصف الدراسي على عكس الفتيات وبالمثل تبين أن الرجال يهيمنون على المحادثات في الواقع بينما تساهم النساء بدرجة أقل.
مع ذلك اسأل الناس: أي الجنسين أكثر ثرثرة؟ سيقولون بلا شك: النساء. أفاد المدرسون في هذه الدراسة أن البنات في الصفوف المدرسية يتكلمن أكثر من البنين، رغم أن المدرسين في الواقع أعطوا البنين وقتًا أطول للحديث بينما كانوا يقطعون حديث الفتيات ولا يمكنوهن من الحديث ويعاملون كلامهن على أنه غير مرحب به.
وهذا يشير إلى أن معتقداتنا حول خطاب المرأة تخلق عقبات حقيقية أمام مساهمة المرأة في المجالات المهنية والتعليمية، وتشير عالمة اللغة ديبورا تانن إلى أن النساء أكثر تحفظًا في الحديث في المجالات التي يهيمن عليها الرجال، وهذا قد يؤثر في قدرتها التنافسية. وتبين البحوث التي أجرتها عالمة النفس فيكتوريا بريسكول أن المؤسسات تشجع الرجال على الكلام ولكنها تبعد النساء عن الكلام.
لذا بصفتنا آباءً وأزواجًا يجب أن نعطي بناتنا وزوجاتنا مجالًا للتحدث ونستمع لما يقلنه. ومع تزايد عدد النساء في المناصب الاقتصادية والسياسية، تتاح لنا الآن الفرصة لوضع أصواتهن في الحسبان وفهم قيمة حديثهن أكثر من ذي قبل.
المصدر
دائمًا يشار إلى المرأة بأنها الجنس الثرثار كثير الكلام، نجد هذا في الكثير من الأمثال مثل: «لسان المرأة يتحرك أكثر من ذيل الحمل» و«الكثير من النساء تساوي الكثير من الكلمات»، وفي الأدب والثقافات الشعبية فإن الأولاد يسوون أمورهم بالعنف والقبضات بينما تستخدم الفتيات الكلام سلاحًا للرد على الفتيات الأخريات.
ولكن من أين جاءت هذه الأيديولوجية المنتشرة حول أساليب التحدث بين الرجال والنساء والفتيات والفتيان؟ ولماذا نصر على هذا التصور لكلام المرأة رغم أن الأبحاث أشارت إلى أنه أبعد ما يكون عن الدقة؟
حسنًا، لماذا لا نعد إلى البداية؟
ثرثرة النساء المملة، وحديث الرجال المهم
إن ارتباط النساء بالحديث الممل يمتد إلى الفلاسفة الرومانيين واليونانيين الأوائل الذين كانت كتاباتهم تثني على الرجال وتذكر سلبيات النساء، فعلى سبيل المثال يقول أرسطو إن النساء يتحدثن زورًا ويتشككن كثيرًا، هذا مجرد مثال على الأساطير المحيطة بحديث المرأة، وقد قيل منذ وقت طويل أن أصوات النساء لا تنتمي للمجالات العامة.
يعتقد الكاتب اليوناني بلوتارخ أن تمثال سلحفاة أفروديت يوضح أن مكان المرأة الحقيقي في المنزل ويجب أن تصمت عندما تكون خارجه. ما يثير الدهشة أنه استطاع الحصول على كل هذه المعلومات من تمثال سلحفاة، ولكنه لم يتخذ هذا الرأي بمفرده، فقد كان الاعتقاد السائد عند الجميع أن الخطابة مجال للرجال لا النساء.
تقول عالمة اللغة جنيفر كوتس في كتابها «المرأة والرجل واللغة» إن المرأة كانت تعد فاضلة ومن أولئك المقدرين أصحاب المكانة الاجتماعية المهيمنة وإنها طبقًا لأرسطو يجب ألّا تشارك في المجالات العامة.
كان يُنظر إلى المرأة التي تتحدث في مواضيع خارج المجال المنزلي على أنها تتصرف خارج حدود الأنوثة وأنها تخل بالنظام الاجتماعي، فعلى سبيل المثال وبّخ القنصل الروماني كاتو الماترونات (النساء الرومانيات المتزوجات من رجال رومانيين) اللاتي تجرأن وعبرن لأزواج نساء أخريات عن قلقهن، بعبارة أخرى: أزعجي زوجك ولكن لا تزعجي رجالًا آخرين!
حديث المرأة خلال العصور الوسطى
استمر التعامل مع حديث المرأة على أنه غير جدير بالثقة ومشكوك به أخلاقيًا خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر، وقد حذرت الكتابات من خطر ألسنة النساء الكاذبة وتعود حكايات الزوجات العجوزات إلى التحذيرات القديمة من ميل المرأة إلى سرد أحاديث كاذبة.
ونرى العواقب التي تواجه أصوات النساء خارج المجالات المنزلية بعد قرن أو اثنين من ذلك التاريخ. تستكشف ساندرا دارسلي في كتاب يتحدث عن التقاطع العام بين الحديث العام والجنس والطبقات خلال القرون الوسطى كيف نمت الفرصة للفلاحين بعد الموت الأسود (الطاعون) بسبب الفراغ الاقتصادي والاجتماعي الذي سببه عدد القتلى الهائل في كسب مراكز اجتماعية، وقد أدى ذلك إلى زيادة الاضطرابات السياسية ضد نظام الحكم المحلي والضرائب الباهظة، وكان يُنظر إلى النساء اللاتي يعبرن عن مظالمهن على أنهن يعطلن النظام الاجتماعي.
بمراجعة سجلات القضاء في هذه الفترة وجدت باردسلي أن النساء تشكل غالبية قضايا التوبيخ والتشهير.
حتى كلمة «النميمة» أخذت شعور التحقير لأنها ارتبطت بقوة بحديث المرأة. وأصبح يشير إلى الكلام الافترائي للمرأة.
بالانتقال إلى القرن 18 والقرن 19، شوه حديث المرأة في المجالات العامة تزامنًا مع تطور مفهوم سلامة اللغة.
رغم أنه كان من المتوقع أن تكون النساء ذوات المكانة الاجتماعية نماذج للخطاب السليم فإنهن كُن يُعبن على ضعف اللغة في أحيان كثيرة.
حديث المرأة في العصر الحديث
وصولًا إلى عصر الخطاب الحديث، ما تزال أصوات النساء خارج المجالات المنزلية تواجه صعوبات في الاستماع إليها وخاصةً في المجالات التي يهيمن عليها الذكور.
ويبدو أننا ما زلنا نتمسك بفكرة أن أفكار المرأة تافهة ومن الأفضل أن يُترك الخطاب العام للرجال، وجدت الأبحاث التي أجراها العلماء ميرا ودايفيد سادكر ونانسي زيتلمان أن الأولاد يتحدثون أغلب الوقت في الصف الدراسي على عكس الفتيات وبالمثل تبين أن الرجال يهيمنون على المحادثات في الواقع بينما تساهم النساء بدرجة أقل.
مع ذلك اسأل الناس: أي الجنسين أكثر ثرثرة؟ سيقولون بلا شك: النساء. أفاد المدرسون في هذه الدراسة أن البنات في الصفوف المدرسية يتكلمن أكثر من البنين، رغم أن المدرسين في الواقع أعطوا البنين وقتًا أطول للحديث بينما كانوا يقطعون حديث الفتيات ولا يمكنوهن من الحديث ويعاملون كلامهن على أنه غير مرحب به.
وهذا يشير إلى أن معتقداتنا حول خطاب المرأة تخلق عقبات حقيقية أمام مساهمة المرأة في المجالات المهنية والتعليمية، وتشير عالمة اللغة ديبورا تانن إلى أن النساء أكثر تحفظًا في الحديث في المجالات التي يهيمن عليها الرجال، وهذا قد يؤثر في قدرتها التنافسية. وتبين البحوث التي أجرتها عالمة النفس فيكتوريا بريسكول أن المؤسسات تشجع الرجال على الكلام ولكنها تبعد النساء عن الكلام.
لذا بصفتنا آباءً وأزواجًا يجب أن نعطي بناتنا وزوجاتنا مجالًا للتحدث ونستمع لما يقلنه. ومع تزايد عدد النساء في المناصب الاقتصادية والسياسية، تتاح لنا الآن الفرصة لوضع أصواتهن في الحسبان وفهم قيمة حديثهن أكثر من ذي قبل.
المصدر