الثقوب السوداء :
لو تأملنا اليوم في اكتشافات العلماء نلاحظ أنهم ومنذ أكثر من ربع قرن تقريباً يتحدثون عن مخلوقات غريبة لا تُرى، أطلقوا عليها اسم الثقوب السوداء، واعتبروها من أعظم الظواهر الكونية.
فكيف تتشكل هذه الثقوب؟ ولماذا لا ترى، ولماذا هي تجري بسرعة هائلة وتكنس كل ما تصادفه في طريقها؟ وهل يمكن أن نجد حديثاً واضحاً عن هذه المخلوقات في القرآن الكريم؟ لنتدبر هذه الحقائق العلمية الإيمانية ونسبح الله تعالى.
ظاهرة الثقب الأسود :
الثقب الأسود Black Holes كما يعرّفه علماء وكالة ناسا هو منطقة من المكان ضُغطت بشكل كبير فتجمعت فيها المادة بكثافة عالية جداً بشكل يمنع أي شيء من مغادرتها، حتى أشعة الضوء لا تستطيع الهروب من هذه المنطقة. ويتشكل الثقب الأسود عندما يبدأ أحد النجوم الكبيرة بالانهيار على نفسه نتيجة نفاد وقوده، ومع أن الثقب الأسود لا يُرى إلا أنه يمارس جاذبية فائقة على الأجسام من حوله. ولكن كيف بدأت قصة هذه المخلوقات المحيّرة؟
منذ عام 1790 اقترح بعض العلماء وجود نجوم مخفية في السماء، ثم في عام 1915 توقعت نظرية النسبية العامة لآينشتاين وجود هذه الأجسام في الفضاء وأثرها على الزمان والمكان، وأخيراً في عام 1967 تحدث الأمريكي جون ولير عن الثقوب السوداء كنتيجة لانهيار النجوم، وفي عام 1994 أثبت العلماء بواسطة مرصد هابل وجود جسم غير مرئي في مركز المجرة M87 ويلتف حوله الغاز في دوامة واضحة، وقد قدروا وزن هذا الجسم بثلاثة آلاف مليون ضعف وزن الشمس، ثم توالت الأدلة على وجود هذه الأجسام بواسطة الأشعة السينية.
إن أي نجم يبلغ وزنه عشرين ضعف وزن شمسنا يمكنه في نهاية حياته أن يتحول إلى ثقب أسود، وذلك بسبب حقل الجاذبية الكبير وبسبب كتلته الكبيرة، ولكن النجم إذا كان صغيراً ونفد وقوده فإن قوة الجاذبية وبسبب كتلته الصغيرة وغير الكافية لضغطه حتى يتحول إلى ثقب أسود، في هذه الحالة يتحول إلى قزم أبيض white dwarf أي نجم ميت.
يتميز الثقب الأسود بجاذبية فائقة، ولذلك فإن أي غاز قريب منه سينجذب إليه ويدور في دوامه عنيفة مولداً حرارة عالية نتيجة هذا الدوران مثل الإعصار السريع، هذه الحرارة تبث الأشعة السينية باستمرار، وهذه الأشعة يمكن للفلكيين التقاطها بسهولة بواسطة أجهزتهم، ولذلك يعلمون بأن هذه المنطقة تحوي ثقباً أسود.
لماذا لا تُرى؟ :
إن سرعة الهروب هي السرعة اللازمة للجسم لكي ينفلت من حقل الجاذبية المحيط به، وفي أرضنا نجد أن أي جسم حتى يتمكن من الخروج من نطاق الجاذبية الأرضية يجب أن يُقذف بسرعة أكبر من 11.2 كيلو متراً في الثانية الواحدة. وفي حالة الثقب الأسود تكون سرعة الهروب عالية جداً ولا يمكن لأي جسم تحقيقها، حتى الضوء الذي يتحرك بسرعة 300 ألف كيلو متر في الثانية لا يستطيع الهروب من جاذبية الثقب الأسود لأن سرعته غير كافيه لذلك. وهذا ما يجعل الثقب الأسود مختفياً لا يُرى.
ولكي نتخيل عظمة هذه المخلوقات فإن أحد العلماء أجرى قياساً لوزن الثقب الأسود فوجد أن ملعقة من الشاي لو قمنا بأخذ حفنة قليلة من هذا الثقب الأسود بحجم ملعقة الشاي سيكون وزنها أكثر من أربع مائة ألف مليون طن ، كذلك وجد العلماء ثقوباً سوداء كتلتها أكبر بعشرة آلاف مرة من كتلة الشمس، وقد تصل كتلة الثقب الأسود إلى أكثر من ألف مليون كتلة الشمس.
القرآن يتحدث عن الثقوب السوداء بوضوح :
يخبرنا علماء الغرب اليوم حقيقة علمية وهي أن الثقوب السوداء تسير وتجري وتكنس كل ما تصادفه في طريقها، وقد جاء في إحدى الدراسات حديثاً عن الثقوب السوداء ما نصه:
الثقوب السوداء تخلق قوة جاذبية هائلة تعمل مثل مكنسة كونية لا تُرى، وعندما تتحرك تبتلع كل ما تصادفه في طريقها، حتى الضوء لا يستطيع الهروب منها.
وفي هذه الجملة نجد أن الكاتب اختصر حقيقة هذه الثقوب في ثلاثة أشياء:
1- هذه الأجسام لا تُرى: invisible
2- جاذبيتها فائقة تعمل مثل المكنسة: vacuum cleaner
3- تسير وتتحرك باستمرار: moves
وربما نعجب إذا علمنا أن هذا النص المنشور في عام 2006 قد جاء بشكل أكثر بلاغة ووضوحاً في كتاب منذ القرن السابع الميلادي، فقد اختصر القرآن كل ما قاله العلماء عن الثقوب السوداء بثلاث كلمات فقط.
يقول تعالى: (فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ) [التكوير: 15-16]
ونحن في هذا النص أمام ثلاث حقائق عن مخلوقات أقسم الله بها وهي:
1- الْخُنَّسِ : أي التي تختفي ولا تُرى أبداً، وقد سمِّي الشيطان بالخناس لأنه لا يُرى من قبل بني آدم. وهذا ما يعبر عنه العلماء بكلمة invisible أي غير مرئي.
2- الْجَوَارِ: أي التي تجري وتتحرك بسرعات كبيرة. وهذا ما يعبر عنه العلماء بكلمة move أي تتحرك.
3- الْكُنَّسِ: أي التي تكنس وتبتلع كل ما تصادفه في طريقها. وهذا ما يعبر عنه العلماء بكلمة vacuum cleaner أي مكنسة.
ماذا يعني ذلك؟ :
منذ القرن السابع الميلادي لم يكن أحد على وجه الأرض يتصور أن في السماء نجوماً تجري وتكنسُ وتجذب إليها كل ما تصادفه في طريقها، ولم يكن أحد يتوقع وجود هذه النجوم مع العلم أنها لا تُرى أبداً، ولكن القرآن العظيم كتاب رب العالمين حدثنا عن هذه المخلوقات بدقة علمية مذهلة، وبالتالي نستنتج أن القرآن يسبق العلماء في الحديث عن الحقائق الكونية، وأن هذه المخلوقات ما هي إلا آية تشهد على قدرة الخالق في كونه.
قال تعالى عن كتابه الكريم: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء: 82]
المراجع :
1- www.hubblesite.org, Black Holes.
2- Hawking, Stephen. A Brief History of Time, Bantam Publishing, 1996.
3- At the heart of every galaxy lurks a black hole, astronomers believe, www.chron.com, Jan. 14, 1997.
4- No Escape: The Truth About Black Holes, www.amazing-space.stsci.edu
5- Boslough, John. Stephen Hawking's Universe. Morrow Publishing, 1985.
6- Hawking, Stephen. A Brief History of Time. Bantam Publishing, 1996.
7- Novikov, Igor. Black Holes and the Universe. Cambridge University Press, 1995.
8- Black Holes: The Deadliest Force in the Universe,www.abcnews.go.com, Aug. 28, 2006.
9- Black Hole, www.nasa.gov