خطَّطت لقصف مصر بقنبلة ذرية ثم تراجعت لهذا السبب.. آخر أسرار حرب 1967 وخطة إسرائيل لحسمها
إنه ليس آخر سرٍّ من أسرار حرب عام 1967، التي يسميها العرب بالنكسة فقط، بل قد يكون أخطر أسرار هذه الحرب، وواحداً من أخطر أسرار الصراع العربي الإسرائيلي، إنها "خطة يوم القيامة".
فقد تم الكشف عن أن المسؤولين الإسرائيليين جهَّزوا قنبلةً نوويةً، ووضعوا خطةً لتفجيرها فوق جبلِِ بشبه جزيرة سيناء كتحذيرٍ للقوات المُسلَّحة المصرية وبقية القوات العربية الأخرى، وذلك وفقًا لما صرَّح به أحد من عملوا على تنظيم هذه الجهود في مقابلةِِ ستُنشَر الإثنين القادم، 5 يونيو/حزيران 2017، (ذكرى العدوان الإسرائيلي على الدول العربية)، وذلك حسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية السبت، 3 يونيو/حزيران 2017.
هذه الخطة السرية كشفها العميد الإسرائيلي المتقاعد إسحاق يعقوب قبل سنوات من موته في عام 2013، وقد أطلقَ عليها اسم "عملية يوم القيامة"، وكانت ستعتمد عليها إسرائيل في حال خشِيَت خسارة معركتها مع العرب عام 1967. إذ رأى المسؤولون الإسرائيليون أنَّ تفجيراً هائلاً كهذا مِن شأنه أن يدفع مصر والدول العربية المحيطة، كسوريا والعراق والأردن، إلى التراجع.
لماذا ألقي القبض عليه؟
وذكرت "هآرتس" أن العميد المتقاعد إسحاق يعقوب، الذي كان رئيسا لوحدة البحث والتطوير في الجيش الإسرائيلي خلال الحرب قد كشف عامي 1999 و 2000 للمؤرخ العسكري أفنير كوهين عن الخطة السرية التي أطلق عليها "عملية يوم الدين"، موضحاً أنها هدفت إلى إجبار الجيوش العربية على وقف تقدمها والارتداد على أعقابها.
وألقي القبض على يعقوب في عام 2001، وكان عمره حينها 75 عاماً، وذلك بتهمة تهديدِ أمن البلاد بالحديث عن البرنامج النووي إلى المراسل الإسرائيلي رونين بيرغمان، الذي خضعت أعماله للرقابة أيضاً، حسب نيويورك تايمز.
ونقل موقع عربي 21 عن صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أن حكومة ليفي إشكول قررت استخدام "سلاح يوم الدين" في حال تبين أنها يمكن أن تخسر الحرب.
وأشارت الصحيفة إلى أن كلا من القيادة السياسية وهيئة أركان الجيش الإسرائيلي قررا أن يتم بناء منشأة نووية على أحد الجبال في سيناء وتفجيرها من الجو، في حال تبيَّن أن الجيوش العربية توشك على تحقيق انتصار في الحرب.
وأشارت نيويورك تايمز إلى أن إسرائيل فازت بهذه الحرب بسرعة، فلم تلجأ إلى نقل القنبلة إلى سيناء أبداً. إلا أنَّ حديث يعقوب، الذي يُلقي ضوءاً جديداً على المعركة التي شكَّلت معالم الصراع في الشرق الأوسط الحديث، يكشف عن اهتمامِ إسرائيل المُبكِّر باستخدام ترسانتها النووية لحماية نفسِها.
ونقلت الصحيفة الأميركية عن أفنير كوهين، الباحث المتعمِّق في التاريخ النووي الإسرائيلي، والذي أجرى عدة مقابلات مع العميد المتقاعد: "هذا آخر سر مِن أسرار حرب 1967".
وشرح يعقوب، الذي أشرف على تطوير الأسلحة لصالح الجيش الإسرائيلي، تفاصيل الخطة لكوهين، وذلك خلال لقاءاتهما معاً عامي 1999 و2000، قبل سنواتِِ من وفاةِ يعقوب عام 2013 عن عمرٍ يناهز 87 عاماً، حسب نيويورك تايمز.
وقال يعقوب، وفقاً لنسخةٍ مِن مقابلةٍ مُسجَّلة: "الأمر كان طبيعيّاً جداً، لديك عدوٌّ يقول إنَّه سيُلقيكَ في البحر، وأنت تصدِّقه. كيف يمكنك إيقافه؟ لا بد إذن أن تُخيفَه، وإذا كان لديك ما تردعه به، فلتردعه"، على حد قوله.
وعلى الرغم من أن مسار الحرب دلَّل على أن الإسرائيليين قد بالغوا في مخاوفهم وقد حققت إسرائيل انتصاراً سريعاً فاجأ أكثر الإسرائيليين تفاؤلاً، فإن صحيفة هآرتس الإسرائيلية تشدد على أن هذا الكشف يدلل على المدى الذي يمكن أن تذهب إليه إسرائيل لمنع خسارتها أية حرب مع العالم العربي.
واعتبرت الصحيفة أن هذه الخطة تدلل على رهان إسرائيل على ترسانتها النووية في حسم الحروب والحيلولة دون انهيارها.
تفاصيل الخطة
بحسب الخطة، فإنه كان يفترض أن تقوم قوة من سلاح المظليين بمشاغلة الجيش المصري في سيناء، في الوقت الذي تقوم فيه مروحيتان ضخمتان بإنزال التجهيزات والمواد التي ستركب منها المنشأة النووية، وبعد ذلك تفجيرها، وفقاً لهآرتس.
ونقلت نيويورك تايمز عن يعقوب قوله، عندما ساد التوتر، في مايو/أيار عام 1967، بسبب قرار مصر بغلق مضيق تيران بين خليج العقبة والبحر الأحمر، كان هو في النصف الآخر من الكرة الأرضية يزور شركة راند في ولاية كاليفورنيا، واستُدعيَ فجأةً للعودة إلى إسرائيل. وفي ظل المؤشرات الواضحة على أنَّ الحرب باتت وشيكة الحدوث، يقول يعقوب إنَّه بادر بصياغة وترويج خطةٍ تهدف إلى تفجير سلاحٍ نووي في صحراء سيناء ذات الكثافة السكانية المنخفضة لاستعراض القوة.
وكان الموقع المُختار لتنفيذ الانفجار المقترح فوق قمة جبل يبعد مسافة 12 ميلاً عن معسكرٍ للجيش المصري في منطقة أبو عجيلة، وهو ملتقى طرق حيوي قاد فيه أرييل شارون، في 5 يونيو/حزيران 2017، القوات الإسرائيلية في معركةٍ ضد المصريين. (أصبح شارون لاحقاً رئيساً للوزراء وتوفي عام 2014).
وكانت الخطة، إذا فُعِّلت بأمرٍ من رئيس الوزراء ورئيس أركان الجيش، هي إرسال قوةٍ صغيرة من سلاح المظلات لإلهاء الجيش المصري في الصحراء حتى يتسنى لفريقٍ وضع التجهيزات اللازمة لتنفيذ الانفجار الذري. وكان مُخططاً أن تهبط طائرتان مروحيتان على الأرض لتوصيل السلاح النووي وإنشاء مركز قيادة في جدولٍ مائي أو وادي بالجبل. وإذا صدر أمرٌ بالتفجير، كان الوميض الساطع الذي يغشى الأعين، وسحابة الدخان، التي تشبه فطر عيش الغراب، سيصبح واضحاً لدرجة تجعل من السهل رؤيته عبر سيناء وصحراء النقب، وربما من مسافةٍ أبعد كالقاهرة، حسب زعمه.
معرفة حجم الخسائر البشرية التي كان من الممكن حدوثها حال تنفيذ الخطة أمرٌ مستحيلٌ، إذ يعتمد هذا على عوامل غير معروفة مثل حجم السلاح النووي، والكثافة السكانية في المنطقة، واتجاه الرياح يوم التفجير.
ووصف يعقوب قيامه برحلةٍ جوية استطلاعية على متن طائرةٍ مروحية مع إسرائيل دوستروفسكي، أول مدير عام لمفوضية الطاقة الذرية الإسرائيلية، وهي الذراع المدنية لبرنامج القنبلة. اضطُرَّت المروحية للعودة أدراجها بعد أن علم الطيارون أنَّ الطائرات الحربية المصرية تُقلع من مطاراتها، ربما لاعتراض طريقهم. ويتذكر يعقوب قائلاً: "لقد كنا قريبين للغاية. رأينا الجبل وشاهدنا مكاناً هناك، في أحد الوديان، يمكننا الاختباء فيه".
وقد اعترف مسؤولون أميركيون في مواقف مختلفةٍ بوجود البرنامج النووي الإسرائيلي، منهم الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر بعد سنواتِِ طويلة مِن تركه للمنصب، إلا أنَّهم لم يقدِّموا أية تفاصيل أخرى.
وعلى جانبٍ آخر، قال مُتحدِّثٌ باسم السفارة الإسرائيلية في واشنطن إنَّ الحكومةَ الإسرائيلية لن تُعلِّق على ما قاله يعقوب.
ولو استخدمت إسرائيل القنبلة النووية؛ كان ليصبحَ أول انفجارٍ نووي يُستَخدَم لأغراضٍ عسكريةِِ منذ هجمات الولايات المتحدة الأميركية على هيروشيما وناغازاكي قبل 22 عاماً من هذه الحرب.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تُطرَح فيها خطة كهذه، فقد درست الولايات المُتحدة خطةً مشابهة خلال مشروع مانهاتن السري لإنتاج الأسلحة النووية، إذ أجرى علماء المشروع نقاشاً ساخناً حول تفجير القنبلة بالقرب مِن اليابان في محاولةِِ لإرغام الإمبراطور هيروهيتو على الاستسلام في بداية الحرب، إلا أنَّ الجيش اعترضَ على الفكرة مُقتنعاً بأنَّ ذلك لن يكونَ كافياً لإنهاء الحرب.
شمشون يقتل نفسه
ووفقاً ليعقوب، أُطلِق على الخطة اسم "شمشون"، تيَمُّناً بشمشون، بطل الكتاب المقدس صاحب القوةِ الهائلة.
وسُمِّيَت استراتيجية الردع النووي الإسرائيلية "خيار شمشون" منذ زمنِِ طويل، لأنَّ شمشون، كما جاء في الكتاب المُقدَّس، أسقط سقف معبدِِ فلسطيني، مما أسفر عن مقتلِ أعدائه وهلاكه معهم. وقال يعقوب إنَّه كان يخشى أن تلجأ إسرائيل إلى تفجيرِ قنبلةِِ نوويةِ داخل الأراضي المصرية كملاذِِ أخير، فهذا الخيار لم يكن ليقضي على المصريين فقط، وإنما كان سيتسبب في مقتله هو وفرقته الخاصة أيضاً.
وكوهين، الذي تحدث معه العميد المتقاعد، وهو أستاذ بمعهد ميدلبري للدراسات الدولية في مونتيري بولاية كاليفورنيا الأميركية، وصاحب كتابيّ "Israel and the Bomb" و"The Worst-Kept Secret".
وتقول نيويورك تايمز عن كوهين، الذي وُلِد بإسرائيل وتلقَّى جزءاً مِن تعليمه بالولايات المتحدة، لقد دفع حدود الحوار العام نحو موضوعِِ تم إخفاؤه قسراً، وهو كيف أصبحَت إسرائيل قوةً نووية غير معترَف بها في ستينات القرن الماضي.
النشر في ذكرى النكسة
ويوم الإثنين القادم، 5 يونيو/حزيران 2017، سيقوم مشروع التاريخ الدولي للانتشار النووي، والتابع لمركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين بولاية واشنطن الأميركية، حيث كوهين زميلٌ للمعهد، بنشر سلسلة من الوثائق متعلِّقة بالخطة النووية على الإنترنت.
ويملك المشروعُ أرشيفاً رقمياً لأعماله يُعرَف باسم مجموعة أفنير كوهين. (وتدعو الميزانية المُقترَحة للرئيس ترامب إلى إلغاء كافة التمويلات الفيدرالية للمركز، والذي أسسه الكونغرس الأميركي إحياءً لذِكرى ويلسون، الرئيس السابق للولايات المتحدة الأميركية).
ويقول المؤرخ كوهين إنَّ علاقته مع يعقوب بدأت بعد نشر كتاب "Israel and the Bomb" عام 1998. حيث حاوره لساعاتٍ خلال صيف وخريف عام 1999 وبداية عام 2000، وكانت المحاورات دائماً باللغة العبرية، وغالباً وسط حي مانهاتن بمدينة نيويورك، حيث كان يعيش يعقوب.
وأشار التقرير إلى أنه في عام 1963، أصبح يعقوب، الذي كان عقيداً جديداً يحمل شهادات في الهندسة من معهد ماساتشوستس الأميركي للتكنولوجيا ومن جامعة تخنيون، والتي تعرف أيضاً باسم معهد إسرائيل للتكنولوجيا، كان ضابطاً رفيع المستوى ومسؤولاً عن الاتصال بين قوات الدفاع الإسرائيلية ووحدات الدفاع المدني، للاشتراك في تنفيذ مشاريع من بينها مشروع لصنع قنبلة ذرية.
ويقول يعقوب في الشريط المسجل: "كان الهدف هو خلق وضعٍ جديدٍ على الأرض، وضعٌ قد يُجبر القوى العظمى على التدخل، وضعٌ قد يُجبر المصريين على التوقف وقول: "لحظة، لم نعُد أنفسنا لمواجهة أمرٍ كهذا". كان الهدف هو تغيير المشهد.
وعلقت نيويورك تايمز قائلة إنه مِن المعروف منذ زمنٍ طويلٍ أنَّ إسرائيل تخشى على وجودها، ما جعلها تهرع إلى تجهيزِ أول قنبلةٍ نووية لها عشيّة الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967. غير أنَّ خطة إسرائيل لاستخدام القنبلة أثناء الحرب ظلَّت سرّاً فيما بعد، خاصةً في بلد يُحظَر فيه مناقشة الخطط النووية التي مر عليها نصفُ قرنٍ، وحيث تستمرُّ المخاوفُ الإسرائيلية من امتلاك إيران لسلاحٍ نوويٍّ في النهاية، مع أنَّها تقف في مواجهةِ قوى عالمية.
وألمحَ شيمون بيريز، الرئيس الإسرائيلي السابق الذي تُوفي العام الماضي، إلى وجود هذه الخطة في مذكراته. وأشارَ إلى اقتراحٍ لم يُذكَر اسمه، والذي "كان مِن شأنه أن يردعَ العرب ويمنعَ هذه الحرب".
ولفتت الصحيفة إلى أنه تزامناً مع وقت اندلاع حرب 1967، كانت القوى النووية الرئيسية في العالم تراقب تفعيل اتفاقية تُعرَف باسم الحظر الجزئي للتجارب النووية. وبهدف الحد من المخاطر الإشعاعية، كانت الاتفاقية تحظر كل تجارب تفجير الأسلحة النووية باستثناء التجارب التي تُجرى تحت سطح الأرض. وكانت إسرائيل تعتبر أنَّ تنفيذها لتفجيرٍ فوق سطح الأرض مؤشرٌ على مدى يأسها وفقدان صبرها.
كان يجب تفجيرها!
وعشية الحرب، قال يعقوب إنَّه كانت تملؤه نفس الشكوك التي أزعجت العلماء الأميركيين خلال مشروع مانهاتن. هل ستنفجر القنبلة؟ هل سينجو من الانفجار؟
لم تتح له الفرصة لاكتشاف هذا. إذ هزمت إسرائيل ذلك اليوم ثلاثة جيوش عربية، وحصلت على أراضٍ تبلغ مساحتها أربعة أضعاف حجمها الأصلي، وباتت أهم وأكبر قوة عسكرية في المنطقة باستخدام أسلحةٍ تقليدية، حسب نيويورك تايمز.
وعلى الرغم من هذا، استمر يعقوب في الضغط من أجل استعراض قوة إسرائيل الذرية، كي يصبح واضحاً للعيان المكانة الجديدة لدولتهم كقوةٍ نووية. لكن لم تبرح الفكرة مكانها.
الغريب أن العسكري المتقاعد يعقوب قال لكوهين: "ما زلتُ أعتقد حتى يومنا هذا إنَّه كان ينبغي علينا فعلها".
وخلال زيارةٍ لإسرائيل، بعد عامٍ من إخبار قصته لكوهين في مدينة نيويورك، حيث كان يعمل بالاستثمار بعد أن لعب دوراً هاماً في تأسيس الصناعة التقنية الإسرائيلية، أُلقي القبض على يعقوب بتهمة "التجسس"، والتي تصل عقوبتها إلى السجن مدى الحياة. وكانت الاتهامات المحددة الموجهة له غامضة، وخضع لمحاكمةٍ سرية.
وقال جاك تشين، أحد محاميه، لصحيفة نيويورك تايمز حينها: "نرى أنَّها قصةٌ حزينة للغاية لشخصٍ كرَّس حياته لخدمة أمن إسرائيل، وانتهى به المطاف للتورط في قصةٍ ضخمة أحدثت صدىً مبالغاً فيه وعرّضت سمعته، وعمله، وتاريخه، وكل شيءٍ للخطر".
واتَّضح أنَّ الاتهامات استندت إلى حواراته مع المراسل الإسرائيلي رونين بيرغمان وليس كوهين، إذ كانت روايته عن خطة 1967 سرية وتخضع لرقابة الجيش. وصدر الحكم على يعقوب بأنه مذنبٌ لإفشائه معلوماتٍ سرية دون تفويض، وكانت هذه هي أخف الاتهامات الموجهة له. وحُكِمَ عليه بالسجن لمدة عامين مع إيقاف التنفيذ.
وقال كوهين إنَّه استمر في مقابلة يعقوب بعد مرور وقتٍ طويل من المقابلات الصحفية والمحاكمة السرية. فعلى سبيل المثال، التقيا في مطعمٍ في تل أبيب عام 2009. وقال إنَّه وعد يعقوب بأنَّه سيجد الوقت والمكان المناسب لنشر قصته. ويقول الآن إنَّه في الذكرى الخمسين للحرب، وبعد وفاة يعقوب والعديد من شهود العيان منذ وقتٍ طويل، يبدو أنَّ هذا هو التوقيت المناسب.
إنه ليس آخر سرٍّ من أسرار حرب عام 1967، التي يسميها العرب بالنكسة فقط، بل قد يكون أخطر أسرار هذه الحرب، وواحداً من أخطر أسرار الصراع العربي الإسرائيلي، إنها "خطة يوم القيامة".
فقد تم الكشف عن أن المسؤولين الإسرائيليين جهَّزوا قنبلةً نوويةً، ووضعوا خطةً لتفجيرها فوق جبلِِ بشبه جزيرة سيناء كتحذيرٍ للقوات المُسلَّحة المصرية وبقية القوات العربية الأخرى، وذلك وفقًا لما صرَّح به أحد من عملوا على تنظيم هذه الجهود في مقابلةِِ ستُنشَر الإثنين القادم، 5 يونيو/حزيران 2017، (ذكرى العدوان الإسرائيلي على الدول العربية)، وذلك حسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية السبت، 3 يونيو/حزيران 2017.
هذه الخطة السرية كشفها العميد الإسرائيلي المتقاعد إسحاق يعقوب قبل سنوات من موته في عام 2013، وقد أطلقَ عليها اسم "عملية يوم القيامة"، وكانت ستعتمد عليها إسرائيل في حال خشِيَت خسارة معركتها مع العرب عام 1967. إذ رأى المسؤولون الإسرائيليون أنَّ تفجيراً هائلاً كهذا مِن شأنه أن يدفع مصر والدول العربية المحيطة، كسوريا والعراق والأردن، إلى التراجع.
لماذا ألقي القبض عليه؟
وذكرت "هآرتس" أن العميد المتقاعد إسحاق يعقوب، الذي كان رئيسا لوحدة البحث والتطوير في الجيش الإسرائيلي خلال الحرب قد كشف عامي 1999 و 2000 للمؤرخ العسكري أفنير كوهين عن الخطة السرية التي أطلق عليها "عملية يوم الدين"، موضحاً أنها هدفت إلى إجبار الجيوش العربية على وقف تقدمها والارتداد على أعقابها.
وألقي القبض على يعقوب في عام 2001، وكان عمره حينها 75 عاماً، وذلك بتهمة تهديدِ أمن البلاد بالحديث عن البرنامج النووي إلى المراسل الإسرائيلي رونين بيرغمان، الذي خضعت أعماله للرقابة أيضاً، حسب نيويورك تايمز.
ونقل موقع عربي 21 عن صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أن حكومة ليفي إشكول قررت استخدام "سلاح يوم الدين" في حال تبين أنها يمكن أن تخسر الحرب.
وأشارت الصحيفة إلى أن كلا من القيادة السياسية وهيئة أركان الجيش الإسرائيلي قررا أن يتم بناء منشأة نووية على أحد الجبال في سيناء وتفجيرها من الجو، في حال تبيَّن أن الجيوش العربية توشك على تحقيق انتصار في الحرب.
وأشارت نيويورك تايمز إلى أن إسرائيل فازت بهذه الحرب بسرعة، فلم تلجأ إلى نقل القنبلة إلى سيناء أبداً. إلا أنَّ حديث يعقوب، الذي يُلقي ضوءاً جديداً على المعركة التي شكَّلت معالم الصراع في الشرق الأوسط الحديث، يكشف عن اهتمامِ إسرائيل المُبكِّر باستخدام ترسانتها النووية لحماية نفسِها.
ونقلت الصحيفة الأميركية عن أفنير كوهين، الباحث المتعمِّق في التاريخ النووي الإسرائيلي، والذي أجرى عدة مقابلات مع العميد المتقاعد: "هذا آخر سر مِن أسرار حرب 1967".
وشرح يعقوب، الذي أشرف على تطوير الأسلحة لصالح الجيش الإسرائيلي، تفاصيل الخطة لكوهين، وذلك خلال لقاءاتهما معاً عامي 1999 و2000، قبل سنواتِِ من وفاةِ يعقوب عام 2013 عن عمرٍ يناهز 87 عاماً، حسب نيويورك تايمز.
وقال يعقوب، وفقاً لنسخةٍ مِن مقابلةٍ مُسجَّلة: "الأمر كان طبيعيّاً جداً، لديك عدوٌّ يقول إنَّه سيُلقيكَ في البحر، وأنت تصدِّقه. كيف يمكنك إيقافه؟ لا بد إذن أن تُخيفَه، وإذا كان لديك ما تردعه به، فلتردعه"، على حد قوله.
وعلى الرغم من أن مسار الحرب دلَّل على أن الإسرائيليين قد بالغوا في مخاوفهم وقد حققت إسرائيل انتصاراً سريعاً فاجأ أكثر الإسرائيليين تفاؤلاً، فإن صحيفة هآرتس الإسرائيلية تشدد على أن هذا الكشف يدلل على المدى الذي يمكن أن تذهب إليه إسرائيل لمنع خسارتها أية حرب مع العالم العربي.
واعتبرت الصحيفة أن هذه الخطة تدلل على رهان إسرائيل على ترسانتها النووية في حسم الحروب والحيلولة دون انهيارها.
تفاصيل الخطة
بحسب الخطة، فإنه كان يفترض أن تقوم قوة من سلاح المظليين بمشاغلة الجيش المصري في سيناء، في الوقت الذي تقوم فيه مروحيتان ضخمتان بإنزال التجهيزات والمواد التي ستركب منها المنشأة النووية، وبعد ذلك تفجيرها، وفقاً لهآرتس.
ونقلت نيويورك تايمز عن يعقوب قوله، عندما ساد التوتر، في مايو/أيار عام 1967، بسبب قرار مصر بغلق مضيق تيران بين خليج العقبة والبحر الأحمر، كان هو في النصف الآخر من الكرة الأرضية يزور شركة راند في ولاية كاليفورنيا، واستُدعيَ فجأةً للعودة إلى إسرائيل. وفي ظل المؤشرات الواضحة على أنَّ الحرب باتت وشيكة الحدوث، يقول يعقوب إنَّه بادر بصياغة وترويج خطةٍ تهدف إلى تفجير سلاحٍ نووي في صحراء سيناء ذات الكثافة السكانية المنخفضة لاستعراض القوة.
وكان الموقع المُختار لتنفيذ الانفجار المقترح فوق قمة جبل يبعد مسافة 12 ميلاً عن معسكرٍ للجيش المصري في منطقة أبو عجيلة، وهو ملتقى طرق حيوي قاد فيه أرييل شارون، في 5 يونيو/حزيران 2017، القوات الإسرائيلية في معركةٍ ضد المصريين. (أصبح شارون لاحقاً رئيساً للوزراء وتوفي عام 2014).
وكانت الخطة، إذا فُعِّلت بأمرٍ من رئيس الوزراء ورئيس أركان الجيش، هي إرسال قوةٍ صغيرة من سلاح المظلات لإلهاء الجيش المصري في الصحراء حتى يتسنى لفريقٍ وضع التجهيزات اللازمة لتنفيذ الانفجار الذري. وكان مُخططاً أن تهبط طائرتان مروحيتان على الأرض لتوصيل السلاح النووي وإنشاء مركز قيادة في جدولٍ مائي أو وادي بالجبل. وإذا صدر أمرٌ بالتفجير، كان الوميض الساطع الذي يغشى الأعين، وسحابة الدخان، التي تشبه فطر عيش الغراب، سيصبح واضحاً لدرجة تجعل من السهل رؤيته عبر سيناء وصحراء النقب، وربما من مسافةٍ أبعد كالقاهرة، حسب زعمه.
معرفة حجم الخسائر البشرية التي كان من الممكن حدوثها حال تنفيذ الخطة أمرٌ مستحيلٌ، إذ يعتمد هذا على عوامل غير معروفة مثل حجم السلاح النووي، والكثافة السكانية في المنطقة، واتجاه الرياح يوم التفجير.
ووصف يعقوب قيامه برحلةٍ جوية استطلاعية على متن طائرةٍ مروحية مع إسرائيل دوستروفسكي، أول مدير عام لمفوضية الطاقة الذرية الإسرائيلية، وهي الذراع المدنية لبرنامج القنبلة. اضطُرَّت المروحية للعودة أدراجها بعد أن علم الطيارون أنَّ الطائرات الحربية المصرية تُقلع من مطاراتها، ربما لاعتراض طريقهم. ويتذكر يعقوب قائلاً: "لقد كنا قريبين للغاية. رأينا الجبل وشاهدنا مكاناً هناك، في أحد الوديان، يمكننا الاختباء فيه".
وقد اعترف مسؤولون أميركيون في مواقف مختلفةٍ بوجود البرنامج النووي الإسرائيلي، منهم الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر بعد سنواتِِ طويلة مِن تركه للمنصب، إلا أنَّهم لم يقدِّموا أية تفاصيل أخرى.
وعلى جانبٍ آخر، قال مُتحدِّثٌ باسم السفارة الإسرائيلية في واشنطن إنَّ الحكومةَ الإسرائيلية لن تُعلِّق على ما قاله يعقوب.
ولو استخدمت إسرائيل القنبلة النووية؛ كان ليصبحَ أول انفجارٍ نووي يُستَخدَم لأغراضٍ عسكريةِِ منذ هجمات الولايات المتحدة الأميركية على هيروشيما وناغازاكي قبل 22 عاماً من هذه الحرب.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تُطرَح فيها خطة كهذه، فقد درست الولايات المُتحدة خطةً مشابهة خلال مشروع مانهاتن السري لإنتاج الأسلحة النووية، إذ أجرى علماء المشروع نقاشاً ساخناً حول تفجير القنبلة بالقرب مِن اليابان في محاولةِِ لإرغام الإمبراطور هيروهيتو على الاستسلام في بداية الحرب، إلا أنَّ الجيش اعترضَ على الفكرة مُقتنعاً بأنَّ ذلك لن يكونَ كافياً لإنهاء الحرب.
شمشون يقتل نفسه
ووفقاً ليعقوب، أُطلِق على الخطة اسم "شمشون"، تيَمُّناً بشمشون، بطل الكتاب المقدس صاحب القوةِ الهائلة.
وسُمِّيَت استراتيجية الردع النووي الإسرائيلية "خيار شمشون" منذ زمنِِ طويل، لأنَّ شمشون، كما جاء في الكتاب المُقدَّس، أسقط سقف معبدِِ فلسطيني، مما أسفر عن مقتلِ أعدائه وهلاكه معهم. وقال يعقوب إنَّه كان يخشى أن تلجأ إسرائيل إلى تفجيرِ قنبلةِِ نوويةِ داخل الأراضي المصرية كملاذِِ أخير، فهذا الخيار لم يكن ليقضي على المصريين فقط، وإنما كان سيتسبب في مقتله هو وفرقته الخاصة أيضاً.
وكوهين، الذي تحدث معه العميد المتقاعد، وهو أستاذ بمعهد ميدلبري للدراسات الدولية في مونتيري بولاية كاليفورنيا الأميركية، وصاحب كتابيّ "Israel and the Bomb" و"The Worst-Kept Secret".
وتقول نيويورك تايمز عن كوهين، الذي وُلِد بإسرائيل وتلقَّى جزءاً مِن تعليمه بالولايات المتحدة، لقد دفع حدود الحوار العام نحو موضوعِِ تم إخفاؤه قسراً، وهو كيف أصبحَت إسرائيل قوةً نووية غير معترَف بها في ستينات القرن الماضي.
النشر في ذكرى النكسة
ويوم الإثنين القادم، 5 يونيو/حزيران 2017، سيقوم مشروع التاريخ الدولي للانتشار النووي، والتابع لمركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين بولاية واشنطن الأميركية، حيث كوهين زميلٌ للمعهد، بنشر سلسلة من الوثائق متعلِّقة بالخطة النووية على الإنترنت.
ويملك المشروعُ أرشيفاً رقمياً لأعماله يُعرَف باسم مجموعة أفنير كوهين. (وتدعو الميزانية المُقترَحة للرئيس ترامب إلى إلغاء كافة التمويلات الفيدرالية للمركز، والذي أسسه الكونغرس الأميركي إحياءً لذِكرى ويلسون، الرئيس السابق للولايات المتحدة الأميركية).
ويقول المؤرخ كوهين إنَّ علاقته مع يعقوب بدأت بعد نشر كتاب "Israel and the Bomb" عام 1998. حيث حاوره لساعاتٍ خلال صيف وخريف عام 1999 وبداية عام 2000، وكانت المحاورات دائماً باللغة العبرية، وغالباً وسط حي مانهاتن بمدينة نيويورك، حيث كان يعيش يعقوب.
وأشار التقرير إلى أنه في عام 1963، أصبح يعقوب، الذي كان عقيداً جديداً يحمل شهادات في الهندسة من معهد ماساتشوستس الأميركي للتكنولوجيا ومن جامعة تخنيون، والتي تعرف أيضاً باسم معهد إسرائيل للتكنولوجيا، كان ضابطاً رفيع المستوى ومسؤولاً عن الاتصال بين قوات الدفاع الإسرائيلية ووحدات الدفاع المدني، للاشتراك في تنفيذ مشاريع من بينها مشروع لصنع قنبلة ذرية.
ويقول يعقوب في الشريط المسجل: "كان الهدف هو خلق وضعٍ جديدٍ على الأرض، وضعٌ قد يُجبر القوى العظمى على التدخل، وضعٌ قد يُجبر المصريين على التوقف وقول: "لحظة، لم نعُد أنفسنا لمواجهة أمرٍ كهذا". كان الهدف هو تغيير المشهد.
وعلقت نيويورك تايمز قائلة إنه مِن المعروف منذ زمنٍ طويلٍ أنَّ إسرائيل تخشى على وجودها، ما جعلها تهرع إلى تجهيزِ أول قنبلةٍ نووية لها عشيّة الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967. غير أنَّ خطة إسرائيل لاستخدام القنبلة أثناء الحرب ظلَّت سرّاً فيما بعد، خاصةً في بلد يُحظَر فيه مناقشة الخطط النووية التي مر عليها نصفُ قرنٍ، وحيث تستمرُّ المخاوفُ الإسرائيلية من امتلاك إيران لسلاحٍ نوويٍّ في النهاية، مع أنَّها تقف في مواجهةِ قوى عالمية.
وألمحَ شيمون بيريز، الرئيس الإسرائيلي السابق الذي تُوفي العام الماضي، إلى وجود هذه الخطة في مذكراته. وأشارَ إلى اقتراحٍ لم يُذكَر اسمه، والذي "كان مِن شأنه أن يردعَ العرب ويمنعَ هذه الحرب".
ولفتت الصحيفة إلى أنه تزامناً مع وقت اندلاع حرب 1967، كانت القوى النووية الرئيسية في العالم تراقب تفعيل اتفاقية تُعرَف باسم الحظر الجزئي للتجارب النووية. وبهدف الحد من المخاطر الإشعاعية، كانت الاتفاقية تحظر كل تجارب تفجير الأسلحة النووية باستثناء التجارب التي تُجرى تحت سطح الأرض. وكانت إسرائيل تعتبر أنَّ تنفيذها لتفجيرٍ فوق سطح الأرض مؤشرٌ على مدى يأسها وفقدان صبرها.
كان يجب تفجيرها!
وعشية الحرب، قال يعقوب إنَّه كانت تملؤه نفس الشكوك التي أزعجت العلماء الأميركيين خلال مشروع مانهاتن. هل ستنفجر القنبلة؟ هل سينجو من الانفجار؟
لم تتح له الفرصة لاكتشاف هذا. إذ هزمت إسرائيل ذلك اليوم ثلاثة جيوش عربية، وحصلت على أراضٍ تبلغ مساحتها أربعة أضعاف حجمها الأصلي، وباتت أهم وأكبر قوة عسكرية في المنطقة باستخدام أسلحةٍ تقليدية، حسب نيويورك تايمز.
وعلى الرغم من هذا، استمر يعقوب في الضغط من أجل استعراض قوة إسرائيل الذرية، كي يصبح واضحاً للعيان المكانة الجديدة لدولتهم كقوةٍ نووية. لكن لم تبرح الفكرة مكانها.
الغريب أن العسكري المتقاعد يعقوب قال لكوهين: "ما زلتُ أعتقد حتى يومنا هذا إنَّه كان ينبغي علينا فعلها".
وخلال زيارةٍ لإسرائيل، بعد عامٍ من إخبار قصته لكوهين في مدينة نيويورك، حيث كان يعمل بالاستثمار بعد أن لعب دوراً هاماً في تأسيس الصناعة التقنية الإسرائيلية، أُلقي القبض على يعقوب بتهمة "التجسس"، والتي تصل عقوبتها إلى السجن مدى الحياة. وكانت الاتهامات المحددة الموجهة له غامضة، وخضع لمحاكمةٍ سرية.
وقال جاك تشين، أحد محاميه، لصحيفة نيويورك تايمز حينها: "نرى أنَّها قصةٌ حزينة للغاية لشخصٍ كرَّس حياته لخدمة أمن إسرائيل، وانتهى به المطاف للتورط في قصةٍ ضخمة أحدثت صدىً مبالغاً فيه وعرّضت سمعته، وعمله، وتاريخه، وكل شيءٍ للخطر".
واتَّضح أنَّ الاتهامات استندت إلى حواراته مع المراسل الإسرائيلي رونين بيرغمان وليس كوهين، إذ كانت روايته عن خطة 1967 سرية وتخضع لرقابة الجيش. وصدر الحكم على يعقوب بأنه مذنبٌ لإفشائه معلوماتٍ سرية دون تفويض، وكانت هذه هي أخف الاتهامات الموجهة له. وحُكِمَ عليه بالسجن لمدة عامين مع إيقاف التنفيذ.
وقال كوهين إنَّه استمر في مقابلة يعقوب بعد مرور وقتٍ طويل من المقابلات الصحفية والمحاكمة السرية. فعلى سبيل المثال، التقيا في مطعمٍ في تل أبيب عام 2009. وقال إنَّه وعد يعقوب بأنَّه سيجد الوقت والمكان المناسب لنشر قصته. ويقول الآن إنَّه في الذكرى الخمسين للحرب، وبعد وفاة يعقوب والعديد من شهود العيان منذ وقتٍ طويل، يبدو أنَّ هذا هو التوقيت المناسب.