وطن في منفى الذاكرة

وطن في منفى الذاكرة Unnamed-1

جاءني سراً يقتحم خلوتي .. عاشقاً مضى على غيابه عامين وشهور ..
جاءني وقد أعياه الألم , وتأكلت قدماه من الحفاة .. ممزق الثياب .. غريباً كالسحاب .. عارٍ من كل شيء يستر عورته ..
تمسكت بي صرامتي , وتشبثتُ كرامتي , فالعار لأنثى تركها عشيقها لحظة حاجتها لحضوره  ..
جلس خالي الوفاض , باكياً بانكسار أمامي , وهو يعلم حق اليقين أني ضعيفةٌ أمام دمع الرجال ..
بلعت ماتبقى لدي من ريق وأشحت عيناي عنه ليقطع لساني الصمت المزعج بيننا ويسأله بفضول :
- لماذا عدت ؟
بنبرة شاحبة لا تليق بمن أحببت يوماً : ماعاد لي أحباء ..
- انتظرتك طويلاً .. أحببتك فوق العمر بدهور , وبادلتني هجراً وظلماً وعناداً ..
يقاطعني بعنف : لكني مازلت أحبك ..
أضحك كمنتشي بكأسٍ في ليلة فاتنة : تحبني ؟ .. تحبني ؟ أيستطيع حبك أن يعيد رشدي إلى ماكان عليه قبل عامين ونيف ؟
أيستطيع حبك أن يزيل الفصام من شخصيتي عندما أراك تتألم فيزداد عذابي , وإذا ما أنصت إلى ليلك الكئيب أشفقت عليك وألنت عليك جذعي ؟
يسترجع أنفاساً من زمانٍ مضى ليسكبها على جرحه وجرحي ويتنهد بدم أحمر : ألا تشتاقين ؟
- أشتاق إليك في اليوم ثلاثين عاماً وبضعة أيام , شوقي إليك أزهق حياتي .. أشتاقك فتنتك , صباحك , مساءك , عنادك .. أشتاق إقامتي فيك ..
يضحك بثغر طفل : إذاً عودي .. عودي كما كنتي , أسكني أوردتي وضخي الدم فيها من جديد ..
- ليتني أستطيع , لكني خلعت الأنثى القديمة من كانت ترى في نيرانك جنان , وفي تلوثك أوكسجين , وفي عزائك فرح ..
اعذرني , لكنك عدت للمرأة الخطأ في زمن الحروب .. عدت في وقتٍ بدأت فيه برسم أحلامي بعيداً عن خريطتك .. عدت ومشاعر مضطربةٌ تنتابني كل ساعة تجاهك , فحيناً أظمأ عطشى لحنانك , وحيناً أثور من الغضب إذا لمحت اسمك في ذاكرتي ..
عدت إلي وعاصفةٌ من الذكريات تجتاحني , تقتلع رأسي من حاضري وتبقيه في ماضيك الجميل هنا , فأغدو كحمامةٍ يتيمةٍ أقتلعوا عشها من شجرةٍ ذات جذور .. تائهة .. ضائعة .. لا هوية لي ..
أتركني قليلاً عليّ أستعيد صوابي وجنوني الأول بك , يامن كنتُ ألبسه في وجهي تفاخراً بين العامة .. وأصبحتُ اليوم أخشى ذكر اسمه ..