صناعة الدواء: إبداع وإتقان

صناعة الدواء: إبداع وإتقان 41777710

كل الكائنات تمرض، وعندما يمرض الإنسان فهو يلجأ للدواء.كان الناس في العصور القديمة يستشفون بأي شيء، ابتداءاً من حرق الجمجمة و ضرب الرأس لطرد الأرواح الشريرة ، وليس انتهاء بخلطات الأعشاب التي كثير منها شعوذه والقليل منها كان مبنياً على مبدأ التجربة والخطأ.

صناعة الدواء: إبداع وإتقان Pic-1

ومنذ بدأت الأدوية الحديثة بالظهور، وضعت قواعد صارمة تحكم الصناعة الدوائية، هدفها الأسمى هو الحفاظ على صحة وسلام الإنسان بأقل مخاطر ممكنة.

الطريق الطويل:

صناعة الدواء: إبداع وإتقان Pic-2

الادوية المتداولة حالياً قطعت شوطاً كبيراً و طويلاً اخذ ما يقارب 15-20 سنة , حتى سمح باستخدامها.
فالنفرض أننا نريد أن نخترع دواءاً لعلاج داء القرحة، والتي هي مرض ينتج بسبب زيادة افراز حمض الهيدروكلوريك في المعدة بشكل مستمر، فبالتالي نحتاج لدواء يمنع المعدة من افراز هذا الحمض، إذا نحن لدينا هدف هو الخلايا المسؤولة عن افراز هذا الحمض. تحال هذه الفكرة لفريق من الصيادلة المتخصصين الكيمياء الطبية Medicinal chemistry حتى يقوموا بالبحث عن المركب الملائم ليكون دواء، تسمى هذه المرحلة مرحلة الإستكشاف، ويقوم من خلالها هؤلاء الصيادلة بمسح آلاف مؤلفة من المركبات التي لربما تحمل بعض الخصائص الكيميائة التي يحتاجها الدواء المنشود، بعد انتهاء المسح يخلص العلماء لعدد من المرشحين، يتم اجراء اختبارات محاكاة باستخدام برمجيات على الحاسوب لمعرفة أي من هؤلاء المرشحين هو الأقدر على اصابة الهدف ومنع الخلايا من افراز الحمض، بعدها يأخذ العلماء -على سبيل المثال- أفضل 3 مركبات ويبدأون بتجربتها على أنسجة معزولة للمعده (يتم الحصول عليها إما من حيوانات أو عن طريق الخلايا الجذعية) فإن أثبتوا فاعليتهم يبدأون بتجربة هذه المركبات الثلاثة على الحيوانات ، ويبدأون بقياس فاعلية الدواء و نسبة الإمتصاص و الزمن اللازم حتى يصل الدواء لأعلى فاعلية له  و الأعراض الجانبية و مقدار الجرعة الآمنة ومقدار الجرعة المميته إلى آخره من قياسات. هذه العملية لوحدها تستغرق ما لا يقل عن 5 سنوات وفي نهايتها نكون قد حصلنا على مركب واحد قدم أفضل نتائج.
بعد هذا كله نبدأ بتجربة الدواء على الإنسان ، نبدأ بمجموعة صغيرة (1-10) ثم تكبر رويداً رويداً حسب معطيات المرحلة السابقة إلى أن تصل إلى 10 آلاف شخص. وهذه الدراسات على البشر تأخذ على الأقل  5 سنوات أخرى.

صناعة الدواء: إبداع وإتقان Pic-3

بعدما نتأكد من أن الدواء آمن على البشر ويقوم بالأثر المطلوب بالشكل المطلوب  وأننا قد أحصينا كل شيء يقوم به الدواء داخل الجسم من لحظة دخوله للحظة خروجه ، نتقدم بكل هذا الكلام في الأعلى إلى…
مؤسسة الغذاء و الدواء FDA
 
صناعة الدواء: إبداع وإتقان Pic-4

قد تكونوا قد سمعتم بهذا الإسم سابقا في نشرات الأخبار، لكن ما هي ال FDA ؟
مؤسسة الغذاء والدواء تعنى بسلامة الغذاء والدواء -كما يوحي اسمها- فهي تقوم بفحص جميع المواد الغذائية و الأدوية التي يتم استيرادها أو انتاجها على أرض الدولة واعطاء موافقات بإدخالها ،واصدار تعليمات النقل و التخزين وغيرها. أشهرها مؤسسة الغذاء و الدواء الأمريكية.

صناعة الدواء: إبداع وإتقان Pic-5-720x974
وكان الأردن أول دولة عربية قام بانشاء مؤسسة الغذاء و الدواء في الوطن العربي.
فكما أسلفنا يقدم المصنع كل الأبحاث و المعلومات الموثقة التي قام بها على الدواء  للغذاء و الدواء FDAحيث تقوم بدراستها بتعمق شديد و اعطاء توصيات إما بالسماح للمصنع بالبدء بتصنيع الدواء و ارساله للسوق أو بالقيام بالمزيد من الدراسات ( مثلا لم يتم دراسة تأثير الدواء بالشكل الكاف على مرضى السكري)
فالنفترض أنه وبعد عناء شديد حصل دواؤنا على الموافقة من الغذاء و الدواء  FDA ننتقل إلى مرحلة أخرى وهي التصنيع
 
أسس التصنيع الجيد GMP

صناعة الدواء: إبداع وإتقان Pic-6

لا يكفي أن نقرر أننا سنصنع الدواء، فاختيار الشكل الصيدلاني المناسب ضروري لإعطاء الأثر العلاجي المطلوب، ولكل شكل صيدلاني اختباراته المعقدة لتضمن وصول دواء ذو كفاءة عالية للمريض، فمثلاً توضع الحبوب في هذا الجهاز  حتى نقيس مدى قوتها وتحملها للصدمات.
وهذا واحد من العدي من الإختبارات الصارمة التي تجرى على المنتج النهائي للتأكد من جودته العالية ، فهنا إما أن يكون المنتج ذو جودة عالية مطابق لمواصفات دستور الأدوية وإما أنه سيرفض ولن يصل السوق.

صناعة الدواء: إبداع وإتقان Pic-7-720x479
كما توجب أسس التصنيع الجيد على المصنع الإلتزام بقواعد و معايير لهيكلته و تنظيمه حتى على مستوى مخطط المبنى؛ ابتداءا من تقسيم الحجرات ونظام التهوية المعقد ولباس الأفراد وتعقيم الآلات و ليس انتهاءا بغرف معقمة أكثر من غرف العمليات نفسها يكلف تجهيز الواحدة منها مئات الملايين من الدولارات.
ومن الأسرار التي سأبوح لكم بها في النهاية هو أن تاريخ الإنتهاء المكتوب على عبوة الدواء (وفقط الدواء) يعني أن الدواء فقد 10% من فاعليته وبقي 90% ، فنحن الصيادلة لا نقبل أن يتناول المريض دواءاً فاعليته أقل من 90%.