أرض فلسطين أرض الإسراء والمعراج، أرض الرباط والجهاد، أرض المقدسات والنبوات، أرض المحشر والمنشر،اختار الله شعب فلسطين لمقارعة أعداء الله من إخوان القردة والخنازير الذين اغتصبوا أرضنا، ودنسوا مقدساتنا، واقتلعوا أشجارنا، ودمروا بيوتنا، وشردوا أهلنا، وقتلوا أطفالنا ونساءنا وشيوخنا فكانت انتفاضة الأقصى المباركة التي شارك فيها كافة الفصائل الفلسطينية المقاتلة وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية حماس، هذه الانتفاضة التي قدمت ما يزيد على أربعة آلاف شهيد وعلى رأسهم شيخ الأمة الإمام أحمد ياسين والدكتور القائد أسد فلسطين عبد العزيز الرنتيسي. لذا فإن الأمة إذا أرادت أن تحيا وتسترد عافيتها، وتحرر أرضها ومقدساتها، وتستأنف الحياة الإسلامية فلا خيار لها إلا خيار الجهاد والاستشهاد في سبيل الله، وفق منهاج الله سبحانه وتعالى وذلك لأسباب كثيرة من أهمها: أولاً: لقد أمرنا الله بالجهاد وارتضاه لنا طريقاً للعزة والكرمة والنصر والتمكين فليس للمؤمن أن يختار طريقاً غير طريق الله التي اختارها له، إلا إذا آثر الكفر على الإيمان آثر الخلود إلى الأرض على بذل النفس والمال في سبيل الله قال تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ } [البقرة:216]. وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ } [البقرة:183]. والغريب أن الأمة تُسلَّم بفرضية الصيام وتقيم الاحتفالات لرمضان ويحضر هذه الاحتفالات الشخصيات الرسمية والشعبية، أما الجهاد والاستشهاد { كتب عليكم القتال } فهم يخافون من هذه الآية إما لأنهم يؤثرون الدعة والراحة والسلامة - كما يتصورون – على القتال، وإما استجابة لأمريكا التي تعتبر المجاهدين إرهابيين. وآيات الجهاد كثيرة متناثرة بين دفتي المصحف تفيد وجوب الجهاد والاستشهاد في سبيل الله. وأما الأحاديث فهناك مئات الأحاديث التي تحض على الجهاد، وتأمر به وتحذر من تركه أو الغفلة عنه، نذكر بعضاً منها. قال صلى الله عليه وسلم: « واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف » رواه البخاري.. وقال صلى الله عليه وسلم: « والذي نفس محمد بيده لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدا ، ولكن لا أجد سعة فأحملهم، ولا يجدون سعة ويشق عليهم أن يتخلفوا عني، والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل » رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: « من لم يغز، أو يجهز غازياً، أو يخلف غازياً في أهله بخير، أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة » رواه أبو داود. وعليه فالمؤمن لا يجوز له إلا أن يكون واحداً من ثلاث: إما أن يكون غازياً في سبيل الله، وإما أن يخلف غازياً في أهله بالخير، وإما أن يجهز غازياً في سبيل الله، فإن لم يكن واحداً من هؤلاء فلينتظر قارعة تنزل بساحته قبل يوم القيامة. ثانياً: لأن الشهادة حياة .. حياة حقيقية لمعاني العزة والكرامة، حياة حقيقية لإنسانية وآدمية الإنسان، حياة وبعث جديد في النفوس حياة حقيقية في حماية الإنسان من أن يكون عرضة لأطماع وأحقاد الوحوش البشرية المجرمة والفرعونية الفاجرة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } [الأنفال:24]. فإذا كان الجهاد حياة حقيقية فإن تركه يترتب عليه العذاب والحياة القنك، وتحقيق الموت الحقيقي للبلاد والعباد، موت حقيقي لمعاني الحرية والعزة والكرامة، ولذا فإن البعض يظن أنه بالجهاد سيكون القتل وهو لا يدري أنه سيدفع ثمناً باهظاً في حالة الدعة والخلود إلى الأرض أكثر بكثير مما يدفعها في حال الجهاد: يقول الشهيد سيد قطب في ظلاله 3/1684: " إن للذل ضريبة كما أن للكرامة ضريبة. إن ضريبة الذل أفدح في كثير من الأحايين. وإن بعض النفوس الضعيفة ليخيل إليها أن للكرامة ضريبة باهظة لا تطاق، فتختار الذل والمهانة هرباً من هذه التكاليف الثقال، فتعيش عيشة تافهة رخيصة، مفرغة قلقة تخاف من ظلها، وتفرق من صداها، يحسبون كل صيحة عليهم، ولتجدنهم أحرص الناس على حياة هؤلاء الأذلاء يودون ضريبة أفدح من تكاليف الكرامة، إنهم يؤدون ضريبة الذل كاملة، يؤدونها من نفوسهم ويؤدونها من أقدارهم، ويؤدونها من سمعتهم ويؤدونها من اطمئنانهم، وكثيراً ما يودونها من دمائهم وأموالهم وهم لا يشعرون". والشهادة حياة الخلود والنعيم في الجنان قبل يوم القيامة وبعدها قال تعالى : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } [آل عمران:169]. ثالثاً: الجهاد طريق لتحقيق السلام الحقيقي في الأرض، وأي طريق غير ذلك فهو كذب وافتراء، وكل من يتنكب طريق الجهاد، فإنه لا يريد للسلام أن تقوم له قائمة، بل إنه يطيل عمر الباطل والطغيان ويكرس مفهوم سلام الباطل سواءً علم أم لم يعلم. وهذا ما نلمسه اليوم من طغيان الباطل متمثلاً في أمريكا التي تمعن في قتل المسلمين باسم الحرية والديمقراطية والسلام، كما هو الآن في العراق، وفي أفغانستان وفي فلسطين، فالباطل لا يمكن أن يرضى عن أهل الحق إلا بأحد خيارين لا ثالث لهما. إما أن يرتد الحق عن حقه ليدخل في دينهم ومذهبهم الباطل كما قال تعالى: { وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } [البقرة:120]. وإما التشريد والقتل والاستئصال من الوجود كما قال تعالى: { وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [البقرة:217]. فالباطل الذي لا يملك الميزان الثابت العادل لا يمكن أن يكون مؤهلاً لتحقيق السلام العادل في الأرض، فسلامهم غدر وحرب وقتال وتشريد، وهضم للحقوق والحريات. أما الذي يحمل القانون العادل الثابت وهو حكم الله الذي لا يتغير ولا يتبدل، كل الناس أمامه سواء الضعيف والقوي، السيد والسود، الغالب والمغلوب، الجندي والقائد، لا يخضع لمزاج حاكم أو مسؤول، ولا يخضع لنزوات الشعوب المنتصرة، بل الجميع أمام القانون سواء يلتزم به المسلمون حكاماً ومحكومين قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ } [المائدة:1] { وأوفوا بعهد الله } [النحل:91]. يروى أن أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه كان قد صالح نصارى الروم على مدينة دمشق وكان خالد بن الوليد لم يعلم بصلح وعهد أبي عبيدة مع نصارى الروم ... فافتتح دمشق عنوة من جهة الباب الشرقي للمدينة، ولما ذكر النصارى ذلك لعبيدة رد إليهم المدينة بكاملها وفاء بالعهد وبالكلمة التي أعطاها لهم. قال صلى الله عليه وسلم: « من أمَّن رجلاً على دمه فقتله فأنا برئ من القاتل وإن كان المقتول كافراً » أخرجه النسائي. وقوله صلى الله عليه وسلم: « من قتل نفساً معاهدة بغير حلِّها حرَّم الله عليه الجنة أن يشم ريحها » رواه النسائي. رابعاً: بالجهاد يتم تحقيق الغايات الكبرى للإسلام وذلك بنشر مبادئ الإسلام وإخراج الناس من عبادة العباد إلى عباد الله، ومن ضيق الدنيا على سعة الدنيا والآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ولا يتم ذلك إلا بإزالة العقبات التي تعترض طريق الدعوة إلى الله عز وجل إلا بإزالة الطواغيت في الأرض الذين يحولون دون تطبيق شرع الله، ويمنعون بكل قوة أن يصل القرآن إلى سدَّة الحكم. لأجل ذلك نجد أن القرآن الكريم أنزله الله وهو الحق المطلق وأنزل معه الحديد ليحمي به هذا الحق ويسهل له مهمته في الوجود قال تعالى: { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } [الحديد:5]. فالحق بلا قوة تحميه سهل المنال، سهل أن تنتهك حرماته، وسيكون عرضة للسخرية والاستهانة من مارق أو معاند. ورحم الله عثمان رضي الله عنه حين قال: " إن الله ليزع - أي يردع - بالسلطان مالا يزع بالقرآن". د. أحمد محمد بحر أحد قادة حركة المقاومة الإسلامية في غزة | ||