قال الإمام أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله (790) في مقاصده الشافية (4 / 180 - 181):
(( غير أن هاهنا قاعدة يجب التنبيه عليها في الكلام على هذا النظم، وما ارتكب صاحبه
فيه وفي غيره، وذلك أن المعتمد في القياس عند واضعيه الأولين إنما هو اتباع صلب كلام
العرب وما هو الأكثر فيه؛ فنظروا إلى ما كثر مثلا كثرة مسترسلة الاستعمال فضبطوه
ضبطا ينقاس ويتكلم بمثله لأنه من صريح كلامهم، وما وجدوه من ذلك لم يكثر كثرة
توازي تلك الكثرة ولم يشع في الاستعمال نظروا: هل له من معارض في قياس كلامهم أم
لا؟ فما لم يكن له معارض أجروا فيه القياس أيضا، لأنهم علموا أن العرب لو استعملت
مثله لكان على هذا القياس، كما قالوا في النسب إلى فعولة: فَعَليّ، ولم يذكروا منه في
السماع إلا شنئيا في شنوءة، فقاسوا عليه أمثاله لعدم المعارض له، فصار بمثابة الكلي
الذي لم يوجد من جزئياته إلا واحد كشمس وقمر، وكذلك إذا تكافأ السماعان في الكثرة
بحيث يصح القياس على كل واحد منهما وإن كانا متعارضين في الظاهر لأن ذلك راجع
إلى جواز الوجهين كلغة الحجازيين وبني تميم في إعمال (ما) وإهمالها، والتقديم والتأخير
في المبتدأ مع الخبر، والفاعل مع المفعول، وغير ذلك، فليس في الحقيقة بتعارض، لا
سيما إن كانا في لغتين مفترقتين، فإن اللغات المفترقة ألسنة متباينة، وقياسات مستقلة، فلا
تعارض فيها البتة، وإن قلَّت إحداهما بالإضافة إلى الأخرى، إلا أن تضعف جدا فلها
حكمها، وأما الوجهان في اللغة الواحدة فحكمهما ما ذكر، وما كان له معارض توقفوا في
القياس عليه، ووقفوه على محله، إذا كان المعارض له مقيسا، وذلك كدخول (أن) في
خبر (كاد) تشبيها بعسى، لو أعملنا نحن القياس في إدخالها لانحرفت لنا قاعدة عدم
إدخالها، مع أنه الشائع في السماع. وهذا كله مبين في الأصول )).
(( غير أن هاهنا قاعدة يجب التنبيه عليها في الكلام على هذا النظم، وما ارتكب صاحبه
فيه وفي غيره، وذلك أن المعتمد في القياس عند واضعيه الأولين إنما هو اتباع صلب كلام
العرب وما هو الأكثر فيه؛ فنظروا إلى ما كثر مثلا كثرة مسترسلة الاستعمال فضبطوه
ضبطا ينقاس ويتكلم بمثله لأنه من صريح كلامهم، وما وجدوه من ذلك لم يكثر كثرة
توازي تلك الكثرة ولم يشع في الاستعمال نظروا: هل له من معارض في قياس كلامهم أم
لا؟ فما لم يكن له معارض أجروا فيه القياس أيضا، لأنهم علموا أن العرب لو استعملت
مثله لكان على هذا القياس، كما قالوا في النسب إلى فعولة: فَعَليّ، ولم يذكروا منه في
السماع إلا شنئيا في شنوءة، فقاسوا عليه أمثاله لعدم المعارض له، فصار بمثابة الكلي
الذي لم يوجد من جزئياته إلا واحد كشمس وقمر، وكذلك إذا تكافأ السماعان في الكثرة
بحيث يصح القياس على كل واحد منهما وإن كانا متعارضين في الظاهر لأن ذلك راجع
إلى جواز الوجهين كلغة الحجازيين وبني تميم في إعمال (ما) وإهمالها، والتقديم والتأخير
في المبتدأ مع الخبر، والفاعل مع المفعول، وغير ذلك، فليس في الحقيقة بتعارض، لا
سيما إن كانا في لغتين مفترقتين، فإن اللغات المفترقة ألسنة متباينة، وقياسات مستقلة، فلا
تعارض فيها البتة، وإن قلَّت إحداهما بالإضافة إلى الأخرى، إلا أن تضعف جدا فلها
حكمها، وأما الوجهان في اللغة الواحدة فحكمهما ما ذكر، وما كان له معارض توقفوا في
القياس عليه، ووقفوه على محله، إذا كان المعارض له مقيسا، وذلك كدخول (أن) في
خبر (كاد) تشبيها بعسى، لو أعملنا نحن القياس في إدخالها لانحرفت لنا قاعدة عدم
إدخالها، مع أنه الشائع في السماع. وهذا كله مبين في الأصول )).