رغم أن العقاب تأخر بعض الوقت ، إلا أن “لعنة” العراق أصابت أخيرا بلير وبنفس الطريقة التي واجهها حليفه بوش من قبل مع اختلاف بسيط وهو أن أيرلندا كانت بطل الواقعة هذه المرة وليس منتظر الزيدي .
ففي 4 سبتمبر / أيلول ، وخلال احتفاله بالكتاب الذي ألفه بعنوان “رحلة” ويحكي فيه قصة حياته ، فوجيء رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير بمجموعة من المناهضين للحرب في أيرلندا وهم يقومون
بإلقاء البيض والأحذية عليه خلال زيارته لدبلن .
ووفقا لمصادر مطلعة في أيرلندا ، فإن بلير واجه استقبالا شعبيا غاضبا في العاصمة دبلن من قبل متظاهرين مناهضين للحرب رشقوه بالبيض والأحذية أثناء مرور موكبه ، كما رفعوا لافتات كتب عليها “ بلير كاذب
وقاتل ، ملايين الأشخاص ماتوا ، أرسلوه إلى السجن بتهمة ارتكاب جريمة إبادة ، كم
طفلا قتلت ؟ ، توني بلير مجرم حرب”.
وجرت أيضا مواجهات بين المتظاهرين والشرطة بسبب
محاولة بعض المحتجين دفع حاجز حديدي يفصلهم عن بلير لكي يقوموا بالهجوم عليه وهو
يدخل إحدى المكتبات للاحتفال بتوقيع نسخ من كتابه الجديد .
وكان المحتجون البالغ عددهم 200 شخص تجمعوا خارج ايسون وهي مكتبة في شارع أوكونيل الرئيسي في دبلن بانتظار وصول بلير وما أن شاهدوا موكبه إلا وسارعوا للهجوم عليه ووقعت اشتباكات بالأيدي مع الشرطة
أسفرت عن اعتقال حوالي عشرة من المحتجين الغاضبين .
كتاب بلير
وقال أحد المحتجين ويدعى ريتشارد بويد باريت في هذا الصدد :”جئنا إلى هنا لكي لنتحدث باسم ضحايا سياسات بلير وحروبه ، العدد الذي لا يحصى ، عشرات الآلاف من العراقيين والأفغان الذين قتلوا نتيجة للحروب
التي شنها والأكاذيب التي قالها للعالم وبالطبع الشعب الفلسطيني الذي ما زال يعاني
على يد إسرائيل وتوني بلير بصفته مبعوثا للشرق الأوسط لا يفعل شيئا لكبح جماح أو
معاقبة إسرائيل ، إنه في واقع الأمر يوفر غطاء لجرائم إسرائيل”.
واللافت للانتباه أن الانتقام من بلير
لم يقف عند ما سبق ، فمنذ قيامه بطرح كتابه بالأسواق في مطلع سبتمبر ، وعاصفة الغضب
لم تهدأ تجاه هذا الأمر ، حيث أكد المحللون أن الكتاب لم يحمل جديدا سوى تكرار
مواقف بلير وتصوراته لفترة حكمه وخاصة فيما يتعلق بتبرير مزاعمه حول غزو العراق ،
هذا فيما سارع بعض مناهضي الحرب إلى بدء حملة إليكترونية ضد الكتاب تطالب المكتبات
بتغيير طريقة عرضه ووضعه في قسم الجريمة .
ففي تقرير لها في 4 سبتمبر ، ذكرت
صحيفة “الديلي تليجراف” أن مئات الأشخاص أسسوا مجموعة على موقع التواصل الاجتماعي
على الإنترنت “فيسبوك ” تطالب بنقل كتاب بلير من قسم السير الذاتية وعرضه في قسم
الجريمة بالمكتبات بسبب دوره في غزو العراق .
ويبدو أن الاستجابة للدعوة لم تتأخر كثيرا ، حيث كشف بعض أصحاب المكتبات أنهم اكتشفوا نقل الكتاب إلى أقسام غريبة مثل قسم “قصص الأوهام” وقسم “الجريمة” ، بل إنه بمجرد طرح المجموعة على “فيسبوك ” انضم
إليها عشرات الأشخاص فورا وبعضهم من الشباب غير الناشطين سياسيا أصلا.
وبجانب ما سبق ، نقلت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” عن يوان بوث وهو “ممرض” من أوكسفورد عمره 24 عاما وأسهم في تأسيس المجموعة على فيسبوك القول :” لقد وجدت هذه الطريقة المناسبة للاحتجاج السلمي
ضد بلير ، لست ناشطا لكني فقط ناخب لا يزال مغتاظا من قدرته على الكذب على الشعب
البريطاني يوما بعد يوم والآن يكسب مالا من هذا الكذب أيضا”.
وكان بلير البالغ من العمر 57 عاما ردد في مذكراته التي عرضها في كتاب “رحلة” والتي تغطي فترة توليه منصب رئيس الوزراء من 1997 إلى 2007 المزاعم ذاتها حول غزو العراق حيث أصر على صواب قراره بإشراك بلاده في الحرب ، قائلا : “الوقوف ساكنين كان سيشكل خطرا أكبر على أمن بريطانيا من
القضاء على نظام صدام حسين”.
وواصل استفزازه في هذا الصدد بمحاولة تبرير بحر الدماء في العراق بعد الغزو ، زاعما أنه لم يأخذ في الحسبان دور القاعدة أو إيران في العراق أثناء التخطيط لغزوه حيث لم يتوقف سفك الدماء بعد هزيمة نظام
صدام حسين .
وأقر بلير أيضا بأنه لم يكن يتوقع “الكابوس” الذي تكشف في العراق
بعد الإطاحة بنظام صدام حسين ، معربا عن أسفه الشديد للقتلى الذين سقطوا في الحرب على العراق .
شهادة بولر
بوش وبلير
ورغم أن ما سبق يعتبر محاولة جديدة لتجميل صورته ، إلا أن الشهادات التي تم الإدلاء بها أمام لجنة التحقيق البريطانية في حرب العراق تدين بلير تماما .
فقد أعلنت البارونة إليبحيله زا مانينجهام بولر التي تولت رئاسة جهاز الأمن الداخلي البريطاني “إم آي 5″ من 2002 وحتى 2007 أن الحرب في أفغانستان والعراق زادت بشكل كبير من التهديدات “الإرهابية”
ضد بريطانيا.
وأضافت بولر في شهادتها أمام لجنة التحقيق في حرب العراق في 20
يوليو الماضي ” غزو العراق عام 2003 ساهم أيضاً في نشر أفكار التطرف بين جيل من
الشباب بمن فيهم مواطنو المملكة المتحدة ولم نتفاجىء حين تورط رعايا بريطانيون في
تفجيرات لندن عام 2005″.
وتابعت أن غزو العراق أنتج قوة دفع جديدة للناس المستعدين للانخراط في “الإرهاب” واعترفت بأن المعلومات الاستخباراتية عن تهديد العراق لم تكن كافية لتبرير الغزو ونصحت المسئولين البريطانيين قبل عام من
الحرب بأن التهديد الذي شكله العراق ضد المملكة المتحدة كان محدوداً
للغاية.
ووصفت بولر أيضا المعلومات الاستخباراتية عن تهديد أسلحة العراق بأنها “مجزأة” ، قائلة :”إذا كنت ستذهب للحرب تحتاج لأن تكون لديك أسباب قوية لتبريرها”.
كما بددت بولر المخاوف التي أثارتها حكومة توني بلير آنذاك بأن العراق تحت حكم صدام حسين كان يمتلك أسلحة دمار شامل ويستعد لاستخدامها.
واستشهدت بمذكرة قال فيها جهاز الأمن الداخلي البريطاني إنه لم يطلع على معلومات استخباراتية مقنعة بأن النظام العراقي أقام تعاونا مفيدا مع عناصر القاعدة بشأن الأسلحة الكيماوية والبيولوجية.
ونفت بولر أيضا المزاعم بأن صدام متورط في هجمات 11 أيلول/ سبتمبر عام 2001 على الولايات المتحدة ، قائلة :” لم يكن هناك أي معلومات استخباراتية موثوق بها تظهر أن العراق متورط في التخطيط لهجمات 11
أيلول/ سبتمبر”.
واللافت للانتباه أن شهادة البارونة بولر لم تختلف عما ذهبت
إليه الإفادات الأخرى أمام لجنة التحقيق في حرب العراق والتي استمعت فقط خلال
الفترة من 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2009 إلى الثامن من آذار/مارس 2010 لشهادات أكثر
من 80 شخصا من كبار المسئولين السياسيين والعسكريين والأمنيين البريطانيين والأجانب .
والخلاصة أن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير والرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الإبن شنا حربا غير شرعية ضد العراق ورغم أنهما أفلتا حتى الآن من المحاكمة إلا أن ضربهما بالحذاء يرجح أنهما لن
يفلتا من العقاب مهما طال الوقت ، فجرائم الحرب لاتسقط بالتقادم .
صور الاحتجاجات ضد بلير في أيرلندا