ينكسر قلب الصائم، وتذلّ نفسه لربه، وتزداد رحمته وشفقته، وأحقّ الناس برحمة الصائم وبِرّه وصلته هم أقاربه وأرحامه.
ورمضان
يذكر المسلم بأن له أقاربَ وأصهاراً وأرحاماً؛ فيزورهم ويصلهم، ويبرهم
ويتودد إليهم. قال سبحانه وتعالى: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ
أَن تُفْسِدُوا فِي الأرضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ
الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ »
(محمد: من الآية22-23).
قطيعة الرحم من أعظم الذنوب، وأفظع الخطايا، وأجلّ الرّزايا.
وصلة الرحم من أحسن الحسنات، ومن أكبر الأعمال الصالحات.
يقول أحد الحكماء وهو يذكر تعامله مع أقاربه وموقفه من عشيرته:
* وإن الذي بيني وبين بني أبي – وبين بني عمي لمختلف جدا
* فإن أكلوا لحمي وفَرْتُ لحومَهمْ – وإن هدموا مجدي بنيتُ لهم مجدا
* ولا أحمل الحقد القديم عليهم – وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا.
صحّ
عنه ـ عليه الصلاة السلام ـ أنه قال: «لا يدخل الجنةَ قاطعُ رحم». كيف
يدخل الجنة وقد قطع ما أمره الله به أن يوصل. وقد صحّ عنه ـ عليه الصلاة
والسلام ـ أنه قال: «لما خلقت الرحم تعلقت بالعرش، فقالت: هذا مقام العائذ
بك من القطيعة، قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى،
قال: فذلك لك».
وصحّ عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه قال: «ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها».
وصحّ
عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن رجلاً قال له: «يا رسول الله! إنّ لي
قرابةً أصِلُهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، فقال ـ عليه الصلاة
والسلام: إن كنت كما تقول فكأنما تسفّهم الملّ، ولا يزال معك من الله
ظهير». ومعنى تسفهم المل أي: تؤكلهم الرماد الحار.
كان
أقارب الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ إلا القليل من أشد الناس عداوةً له،
أخرجوه من داره، طاردوه، شرّدوه، آذَوْه، حاربوه، فلمّا نصره الله عليهم
عفا عنهم عفواً ما سمع الناس بمثله.
صلة الرحم: تزيد في العمر، وتبارك فيه، وتزكّيه، ويكثر بها الأجر، وتتضاعف بها المثوبة.
صلة الرحمن: عنوان على كمال الإيمان وخشية الرحمن وامتثال القرآن.
صلة الرحم: تقي مصارعَ السوء وخزيَ الدنيا والآخرة وسوءَ المنقلَب.
يروى في الأثر «إن الله أمرني أن أصِلَ مَن قطعني، وأن أعفوَ عمّن ظلمني، وأن أعطي مَن حرمني».
ومِن
أعظم الصلات وأرفع القربات برُّ الوالدين، والحنوّ عليهما وإكرامهما،
والدعاء لهما، وطاعتهما في طاعة الله عزّ وجلّ، قال تعالى: « وَقَضَى
رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ
كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل
لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ
الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً»
(الإسراء الآيتان 23-24) جاء رجل إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
فقال: «يا رسول الله! مَن أحقّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمّك، قال ثم مَن؟
قال: أمّك، قال ثم مَن؟ قال: أمّك، قال: ثم مَن؟ قال: أبوك».
ابنٌ عاقّ ظلم أباه، واستهان به، وجحد معروفه، وأنكر جميله، فبكى الأب وأنشد يقول:
* غذوتُك مولوداً وعلْتُك يافعاً – تعلى بما أجري عليك وتنهلُ
* إذا ليلةٌ ضاقتْك بالسّقم لم أبتْ – لسقمك إلا شاكياً أتململُ
* كأنّي أنا الملدوغ دونَك بالذي – لُدغتَ به دوني فعينايَ تَهملُ
* فلمّا بلغتَ السنّ والغايةَ الّتي – إليها مدى ما فيك كنت أؤمّلُ
* جعلتَ جزائي غلظةً وفظاظةً – كأنّك أنتَ المنعم المتفضّلُ.
لعل
الصيام أعظم مدرسة للبرّ والصلة؛ فهو معين الأخلاق، ورافد الرحمة وحبل
المودّة، مَن صام رقّتْ روحه، وصفتْ نفسه، وجاشتْ مشاعره، ولانتْ عريكته،
لعلّنا أن نعود في هذا الشهر إلى أقاربنا؛ فنتحفهم بالزيارة والبذل
والأُنس والدعاء والصلة. والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
اللهمّ فقّهْنا في الدين، وثبّتنا على سنة إمام المتقين، واهدِنا سواء السبيل.