بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الردع النووي
هذا
المصطلح يتكون كما هو واضح من اسمه من شقين؛ الأول هو الردع والثاني هو
النووي.. ولكي نفهم المصطلح على بعضه لا بد من شرح كل كلمة بمفردها،
فالردع يعني وجود طرفين في حالة خصام أو عداء، كل منهما يخاف أو يتهيب من
الطرف الآخر بسبب قوته، أي باختصار يعمل له ألف حساب، ويعتقد كل طرف أنه
إذا أقدم على مواجهة الطرف الآخر فسوف تكون النتيجة تعرضه لهجوم مضاد.
وبالتالي لا يقع العدوان من أساسه، وهذا هو معنى الردع، أي أن كل طرف يردع
الطرف الآخر أو يخوف الطرف الآخر بسبب قوته التي لا يستخدمها بالفعل. وهو
أمر يحدث كثيرا في حياتنا اليومية خاصة إذا كانت هناك عائلتان تملكان من
القوة ما تجعل كلا منهما يتحاشى الدخول في مشكلات مع العائلة الأخرى، أما
إذا شعر طرف ما بأنه قوي والثاني ضعيف، ففي هذه الحالة سيتمكن القوي من
السيطرة على الضعيف وابتزازه، وفي حالة رفضه لذلك قد يلجأ إلى استخدام
القوة ضده. في هذه الحالة نحن لا نكون أمام ردع متبادل، وإنما هناك ردع من
الطرف القوي تجاه الطرف الضعيف وليس العكس (مثل خوف المواطن العادي من رجل
الشرطة وذلك خوفا من بطشه بالرغم من أنه لم يتخذ -أي الضابط- إجراء ضده،
ففي هذه الحالة يكون الضابط قد ردع هذا المواطن، أما المواطن فنظرا لأنه
يفتقد قوة مماثلة، فهو لا يستطيع ردع الضابط).
وما ينسحب على الأفراد ينسحب أيضا على علاقات
الدول ببعضها البعض، فالدول الكبرى لا تشن حربا ضد بعضها البعض لأن كلا
منها يعرف رد فعل الآخر، لذا فإن هذه الدول تردع بعضها البعض، وإذا فكرت
في إثبات قوتها فإنها تثبتها فقط تجاه الدول الضعيفة التي لا تجد من
يحميها، أما إذا أدركت أن هذه الدولة الضعيفة محمية من دولة كبرى فلا
تستطيع في هذه الحالة غزوها أو ابتزازها بسبب دعم الدولة الكبرى الأخرى
لهذه الدولة الضعيفة. وقد حدث هذا الردع في الفترة التي تلت الحرب
العالمية الثانية حيث صار هناك معسكران (المعسكر الغربي التي تقوده
الولايات المتحدة وحلفاؤها) في مواجهة المعسكر الشرقي (الذي يقوده الاتحاد
السوفيتي السابق) وقام كل طرف بإنشاء حلف دفاعي لمواجهة أي اعتداء تتعرض
له دولة عضو في هذا الحلف من دولة أخرى تابعة للحلف الآخر، فقامت واشنطن
بتأسيس حلف شمال الأطلنطي "الناتو" وفي المقابل أنشأت روسيا حلف وارسو
الذي انهار مع سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1990.
وعرفت الفترة الممتدة من 1945 وحتى 1990 باسم
الحرب الباردة، وهو مصطلح يحتوي كلمتين متناقضتين هما الحرب والبرود،
فالمعروف أن أجواء الحرب تكون ساخنة، لكن هذا البرود معناه أنه لم تقع حرب
بينهما من الأساس بسبب الردع الذي ازدادت أهميته مع ظهور القنبلة النووية
عام 1945 واستخدام الولايات المتحدة لها في حربها ضد اليابان عام 1945،
وما تلا ذلك من إعلان موسكو عن امتلاكها أيضا للسلاح النووي.
وهذا يدفعنا إلى تناول الجزء الثاني من المصطلح
وهو كلمة نووي، وتعني أن الردع يحدث بسبب امتلاك كل طرف للسلاح النووي،
ومعنى ذلك أن هناك أنواعا أخرى من الردع حسب نوع السلاح الذي يملكه هذا
الطرف أو ذاك.
أنواع الردع:
فهناك الردع التقليدي من خلال امتلاك كل طرف
للأسلحة التقليدية العادية واعتقاده بأنه في حالة دخوله الحرب ضد الطرف
الآخر، فقد يتعرض لرد فعل مدمر من هذا الطرف بحيث يخسر الجانبان، وهناك
الردع غير التقليدي من خلال امتلاك الأسلحة غير التقليدية (الكيماوية،
الجرثومية)، حيث يجعل أي دولة تفكر كثيرا قبل الاعتداء على الدولة التي
تملك هذا السلاح. ولعل هذا ما جعل الولايات المتحدة تفكر كثيرا قبل غزو
العراق خوفا من امتلاك صدام لهذه النوعية من الأسلحة، وعندما تبين لها عدم
امتلاكه لها، أصبح العراق –من وجهة نظر القيادة العسكرية الأمريكية- غير
قادر على الرد، أو بمعنى آخر لا يتحقق له ردع الولايات المتحدة، فحدث
الغزو.
أما الردع النووي deterrence Nuclea، فيتعلق
بامتلاك كل طرف سلاحا نوويا من ناحية والآليات اللازمة لضرب الطرف الآخر
به من ناحية ثانية (مثل الصواريخ بعيدة المدى أو قصيرة المدى أو ما غير
ذلك حسب قرب أو بعد الدولة العدو) ويكون الحديث عن هذا النوع من الردع في
حالة التلويح باستخدام السلاح النووي وسواء كان هذا الاستخدام جزئياً أم
كاملاً أم محدوداً أم شاملاً. ولا يشترط هذا النوع من الردع أو غيره تساوي
قدرات الطرفين بالتمام والكمال، وإنما يشترط أن تكون لدى الطرف الثاني
القدرة على تحمل الضربة الأولى من الطرف الأول حال وقوعها بالفعل، ثم
القدرة على توجيه ضربة انتقامية مدمره له ثانيا. لذا كان يتردد أيام الحرب
الباردة أن الولايات المتحدة من خلال امتلاكها السلاح النووي تستطيع تدمير
الاتحاد السوفيتي مرة واحدة، في حين يستطيع الأخير تدمير الولايات المتحدة
أربع مرات، وبالرغم من ذلك حدث التوازن النووي لأن عدد مرات التدمير غير
مهم، فالذي يملك مرة يتساوى مع الذي يملك التدمير عدة مرات.
الردع النووي والدفاع النووي:
بالرغم من أن الاتحاد السوفيتي كان مقتنعا بفكرة
الردع النووي، إلا أنه عمل على وضع استراتيجية دفاعية تقوم على إمكانية
الرد المباشر المحدود أو الشامل على أي هجوم محتمل من الطرف الآخر وهذا ما
يعرف باسم الدفاع النووي حيث الهدف منها كسب الحرب بالرغم من الدمار الذي
قد يصاحب ذلك، أما استراتيجية الردع فهي تقوم على منع الحرب أساسا.
ونظرا لهذا التوازن بين القوتين العظميين خاصة في
ظل الحرب الباردة، فقد برز مفهوم جديد في هذا الإطار هو مفهوم الجيوب
النووية ويعنى تسريب تكنولوجيا السلاح النووي إلى قوى إقليمية حليفة لهذا
المعسكر أو ذاك في مواقع حيوية للمعسكر الخصم، وقد تأكد هذا التوجه بدخول
العملاق الصيني في عضوية "النادي النووي"، وكان الهدف منه مواجهة نشر
السلاح النووي في أوروبا وفق رؤية الناتو الدفاعية، فنشأ ما يمكن تسميته
بالأحلاف النووية غير الرسمية، ويأتي في هذا الإطار السلاح النووي
الإسرائيلي، والهندي، والباكستاني، والكوري الشمالي، وقبلها جميعا
البريطاني والفرنسي.
والخلاصة أنه بالرغم من الآثار المدمرة للسلاح
النووي على البشر، بل وعلى المعمورة كلها، إلا أن مفهوم الردع النووي ساهم
في تجنيب العالم أية حروب ولو محدودة بين الدول الكبرى أو بين حلفائها حتى
لا يتطور الأمر إلى استخدام السلاح النووي، وهكذا شكل الردع طوق النجاة
للبشرية حتى الآن.
اتمنى ان ينال اعجابكم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الردع النووي
هذا
المصطلح يتكون كما هو واضح من اسمه من شقين؛ الأول هو الردع والثاني هو
النووي.. ولكي نفهم المصطلح على بعضه لا بد من شرح كل كلمة بمفردها،
فالردع يعني وجود طرفين في حالة خصام أو عداء، كل منهما يخاف أو يتهيب من
الطرف الآخر بسبب قوته، أي باختصار يعمل له ألف حساب، ويعتقد كل طرف أنه
إذا أقدم على مواجهة الطرف الآخر فسوف تكون النتيجة تعرضه لهجوم مضاد.
وبالتالي لا يقع العدوان من أساسه، وهذا هو معنى الردع، أي أن كل طرف يردع
الطرف الآخر أو يخوف الطرف الآخر بسبب قوته التي لا يستخدمها بالفعل. وهو
أمر يحدث كثيرا في حياتنا اليومية خاصة إذا كانت هناك عائلتان تملكان من
القوة ما تجعل كلا منهما يتحاشى الدخول في مشكلات مع العائلة الأخرى، أما
إذا شعر طرف ما بأنه قوي والثاني ضعيف، ففي هذه الحالة سيتمكن القوي من
السيطرة على الضعيف وابتزازه، وفي حالة رفضه لذلك قد يلجأ إلى استخدام
القوة ضده. في هذه الحالة نحن لا نكون أمام ردع متبادل، وإنما هناك ردع من
الطرف القوي تجاه الطرف الضعيف وليس العكس (مثل خوف المواطن العادي من رجل
الشرطة وذلك خوفا من بطشه بالرغم من أنه لم يتخذ -أي الضابط- إجراء ضده،
ففي هذه الحالة يكون الضابط قد ردع هذا المواطن، أما المواطن فنظرا لأنه
يفتقد قوة مماثلة، فهو لا يستطيع ردع الضابط).
وما ينسحب على الأفراد ينسحب أيضا على علاقات
الدول ببعضها البعض، فالدول الكبرى لا تشن حربا ضد بعضها البعض لأن كلا
منها يعرف رد فعل الآخر، لذا فإن هذه الدول تردع بعضها البعض، وإذا فكرت
في إثبات قوتها فإنها تثبتها فقط تجاه الدول الضعيفة التي لا تجد من
يحميها، أما إذا أدركت أن هذه الدولة الضعيفة محمية من دولة كبرى فلا
تستطيع في هذه الحالة غزوها أو ابتزازها بسبب دعم الدولة الكبرى الأخرى
لهذه الدولة الضعيفة. وقد حدث هذا الردع في الفترة التي تلت الحرب
العالمية الثانية حيث صار هناك معسكران (المعسكر الغربي التي تقوده
الولايات المتحدة وحلفاؤها) في مواجهة المعسكر الشرقي (الذي يقوده الاتحاد
السوفيتي السابق) وقام كل طرف بإنشاء حلف دفاعي لمواجهة أي اعتداء تتعرض
له دولة عضو في هذا الحلف من دولة أخرى تابعة للحلف الآخر، فقامت واشنطن
بتأسيس حلف شمال الأطلنطي "الناتو" وفي المقابل أنشأت روسيا حلف وارسو
الذي انهار مع سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1990.
وعرفت الفترة الممتدة من 1945 وحتى 1990 باسم
الحرب الباردة، وهو مصطلح يحتوي كلمتين متناقضتين هما الحرب والبرود،
فالمعروف أن أجواء الحرب تكون ساخنة، لكن هذا البرود معناه أنه لم تقع حرب
بينهما من الأساس بسبب الردع الذي ازدادت أهميته مع ظهور القنبلة النووية
عام 1945 واستخدام الولايات المتحدة لها في حربها ضد اليابان عام 1945،
وما تلا ذلك من إعلان موسكو عن امتلاكها أيضا للسلاح النووي.
وهذا يدفعنا إلى تناول الجزء الثاني من المصطلح
وهو كلمة نووي، وتعني أن الردع يحدث بسبب امتلاك كل طرف للسلاح النووي،
ومعنى ذلك أن هناك أنواعا أخرى من الردع حسب نوع السلاح الذي يملكه هذا
الطرف أو ذاك.
أنواع الردع:
فهناك الردع التقليدي من خلال امتلاك كل طرف
للأسلحة التقليدية العادية واعتقاده بأنه في حالة دخوله الحرب ضد الطرف
الآخر، فقد يتعرض لرد فعل مدمر من هذا الطرف بحيث يخسر الجانبان، وهناك
الردع غير التقليدي من خلال امتلاك الأسلحة غير التقليدية (الكيماوية،
الجرثومية)، حيث يجعل أي دولة تفكر كثيرا قبل الاعتداء على الدولة التي
تملك هذا السلاح. ولعل هذا ما جعل الولايات المتحدة تفكر كثيرا قبل غزو
العراق خوفا من امتلاك صدام لهذه النوعية من الأسلحة، وعندما تبين لها عدم
امتلاكه لها، أصبح العراق –من وجهة نظر القيادة العسكرية الأمريكية- غير
قادر على الرد، أو بمعنى آخر لا يتحقق له ردع الولايات المتحدة، فحدث
الغزو.
أما الردع النووي deterrence Nuclea، فيتعلق
بامتلاك كل طرف سلاحا نوويا من ناحية والآليات اللازمة لضرب الطرف الآخر
به من ناحية ثانية (مثل الصواريخ بعيدة المدى أو قصيرة المدى أو ما غير
ذلك حسب قرب أو بعد الدولة العدو) ويكون الحديث عن هذا النوع من الردع في
حالة التلويح باستخدام السلاح النووي وسواء كان هذا الاستخدام جزئياً أم
كاملاً أم محدوداً أم شاملاً. ولا يشترط هذا النوع من الردع أو غيره تساوي
قدرات الطرفين بالتمام والكمال، وإنما يشترط أن تكون لدى الطرف الثاني
القدرة على تحمل الضربة الأولى من الطرف الأول حال وقوعها بالفعل، ثم
القدرة على توجيه ضربة انتقامية مدمره له ثانيا. لذا كان يتردد أيام الحرب
الباردة أن الولايات المتحدة من خلال امتلاكها السلاح النووي تستطيع تدمير
الاتحاد السوفيتي مرة واحدة، في حين يستطيع الأخير تدمير الولايات المتحدة
أربع مرات، وبالرغم من ذلك حدث التوازن النووي لأن عدد مرات التدمير غير
مهم، فالذي يملك مرة يتساوى مع الذي يملك التدمير عدة مرات.
الردع النووي والدفاع النووي:
بالرغم من أن الاتحاد السوفيتي كان مقتنعا بفكرة
الردع النووي، إلا أنه عمل على وضع استراتيجية دفاعية تقوم على إمكانية
الرد المباشر المحدود أو الشامل على أي هجوم محتمل من الطرف الآخر وهذا ما
يعرف باسم الدفاع النووي حيث الهدف منها كسب الحرب بالرغم من الدمار الذي
قد يصاحب ذلك، أما استراتيجية الردع فهي تقوم على منع الحرب أساسا.
ونظرا لهذا التوازن بين القوتين العظميين خاصة في
ظل الحرب الباردة، فقد برز مفهوم جديد في هذا الإطار هو مفهوم الجيوب
النووية ويعنى تسريب تكنولوجيا السلاح النووي إلى قوى إقليمية حليفة لهذا
المعسكر أو ذاك في مواقع حيوية للمعسكر الخصم، وقد تأكد هذا التوجه بدخول
العملاق الصيني في عضوية "النادي النووي"، وكان الهدف منه مواجهة نشر
السلاح النووي في أوروبا وفق رؤية الناتو الدفاعية، فنشأ ما يمكن تسميته
بالأحلاف النووية غير الرسمية، ويأتي في هذا الإطار السلاح النووي
الإسرائيلي، والهندي، والباكستاني، والكوري الشمالي، وقبلها جميعا
البريطاني والفرنسي.
والخلاصة أنه بالرغم من الآثار المدمرة للسلاح
النووي على البشر، بل وعلى المعمورة كلها، إلا أن مفهوم الردع النووي ساهم
في تجنيب العالم أية حروب ولو محدودة بين الدول الكبرى أو بين حلفائها حتى
لا يتطور الأمر إلى استخدام السلاح النووي، وهكذا شكل الردع طوق النجاة
للبشرية حتى الآن.
اتمنى ان ينال اعجابكم