ما عاصفة السيتوكين؟ ولماذا تتدهور حالة مرضى كوفيد-19 بسببها؟
يحدث مرض كوفيد-19 بسبب فيروس كورونا المستجد المعروف باسم سارس-كوف-2، ولكن سير المرض يختلف كثيرًا من شخص لآخر إذ إن بعض الأفراد المصابين بالفيروس لا يظهرون أي أعراض بينما يعاني آخرون أعراضًا شديدة قد تتطور إلى متلازمة الضائقة التنفسية الحادة ARDS. يتوضح عادة سير المرض عند المصابين بكوفيد-19 في الأسبوع الثاني من ظهور الأعراض، إذ يبدأ معظم الناس في التعافي بينما يجد البعض الآخر صعوبة متزايدة في التنفس وينتهي بهم المطاف في المستشفى.
افترض الباحثون أن أولئك الذين يعانون فشل الرئة هم أصحاب النظام المناعي مفرط النشاط، إذ يبدو أن عاصفة السيتوكين تشكل عاملًا أساسيًا في تحديد شدة الإصابة بكوفيد-19، وذلك مشابه لما يحدث عند الإصابة بالأنواع الأخرى من الفيروسات التاجية وخاصة فيروسات سارس SARS وميرس MERS.
في دراسة جديدة من كلية الطب بجامعة واشنطن في مستشفى سانت لويس بولاية ميزوري ومستشفى سانت جود لأبحاث الأطفال في مدينة ممفيس بولاية تينيسي، أشار الباحثون إلى أن الاستجابة المناعية الخارجة عن نطاق السيطرة ليست المشكلة الرئيسية لغالبية مرضى كوفيد -19 المقيمين في المشافي، إذ إن 4% فقط من المرضى في الدراسة كان لديهم مستويات عالية من الجزيئات المناعية أي ما يُعرف بعاصفة السيتوكين، أما البقية فقد لوحظ لديهم استجابة التهابية ولكن ليست على مستوى عالٍ بالنسبة لأشخاص يواجهون عدوى إنتانية، إذ كان مستوى الالتهاب لدى مرضى كوفيد-19 أقل منه عند مجموعة مماثلة من مرضى الإنفلونزا.
نُشرت نتائج الدراسة في 13 نوفمبر في مجلة التقدم العلمي Science Advances، وساعدت على فهم سبب تأثير الأدوية المضادة للالتهابات -مثل الديكساميثازون- في جزء صغير فقط من مرضى كوفيد-19 ذوي الإصابة الشديدة، وبذلك أظهرت نتائج الدراسة حاجتنا إلى مزيد من الأبحاث لتحديد أسباب فشل الجهاز التنفسي لدى مرضى كوفيد -19.
يقول المؤلف المشارك في الدراسة فيليب مود الحاصل على دكتوراة في الطب والأستاذ المساعد في طب الطوارئ الذي يتابع المرضى في مستشفى بارنز اليهودي: «أظهرت إحدى أولى الأوراق البحثية المنشورة في الصين حول المصابين بكوفيد-19 وجود مستويات عالية من السيتوكينات لدى المرضى في العناية المشددة، ونستطيع تسمية هذه الحالة بعاصفة السيتوكين. أردنا أن نفهم هذه العاصفة السيتوكينية أكثر، لذلك بدأنا في دراستها عند مرضانا لكننا تفاجأنا عندما لم نجدها إلا عند نسبة قليلة جدًا منهم، حتى عند الذين يعانون فشلًا في الجهاز التنفسي ويحتاجون إلى جهاز تنفس اصطناعي».
درس الدكتور مود الاستجابة المناعية لعدوى الإنفلونزا قبل جائحة كوفيد-19، باستخدام عينات الدم المأخوذة من مرضى الإنفلونزا الذين يراجعون قسم الطوارئ في مستشفى بارنز اليهودي، ومع بداية انتشار كوفيد-19 في أواخر مارس وانشغال قسم الطوارئ كاملًا بالمصابين به تعاون مود مع المؤلف المشارك في الدراسة علي اللبيدي الحائز على الدكتوراة في الطب والأستاذ المساعد في علم الأمراض والمناعة والخبير في الإنفلونزا، ووجدوا أنه باستطاعتهم استخدام نفس النهج لدراسة كيفية انحراف الاستجابة المناعية في الحالات الشديدة من كوفيد -19.
حلّل الباحثون الخلايا والجزيئات المناعية في عينات الدم المأخوذة من 168 مصابًا بكوفيد-19 و26 مريض إنفلونزا و16 شخصًا سليمًا. سحبت العينات من مرضى الإنفلونزا في عامي 2019 و2020 ومن مرضى كوفيد-19 والأشخاص الأصحاء في عام 2020، وجمعت أيضًا معلومات حول تطور حالة كل مريض سواء شفي بسرعة أو احتاج إلى العناية المركزة أو التهوية الميكانيكية.
شمل فريق البحث إلى جانب مود والليبيدي كلًا من المؤلف المشارك بول توماس (حائز على دكتوراة في الطب) والمؤلف المشارك الأول جيريمي كروفورد (حائز على دكتوراة في الطب)، وكلاهما من مستشفى سانت جود، إضافة إلى باحثين آخرين أيضًا.
تماثلت تقريبًا أعداد الخلايا الالتهابية في دم مرضى كوفيد-19 ومرضى الإنفلونزا، لكن سبعة من مرضى كوفيد-19 (أي ما يعادل نسبة 4%) أظهروا علامات تشير إلى حدوث عاصفة السيتوكين، فقد كان لديهم مستويات عالية للغاية من السيتوكينات حتى عند مقارنتها بالمرضى الآخرين المصابين بأمراض شديدة.
لم يكن لدى غالبية مرضى كوفيد-19 الذين يعانون فشلًا تنفسيًا حادًا عاصفة سيتوكين، وكانت مستويات الالتهاب لديهم أقل منها لدى مرضى الإنفلونزا المماثلين بشدة المرض.
أظهرت التجارب السريرية أن بعض مرضى كوفيد-19 ذوي الإصابات الشديدة يتحسنون على الأدوية الستيرويدية (مثل الديكساميثازون) التي تقمع الآليات الالتهابية وتثبطها. حددت نسب المرضى الذين يستفيدون من الستيرويدات بما يتراوح بين 2% و9% في تحليل تجميعي للبيانات نشر في سبتمبر الماضي، وقد أكد مود أن نتائج التحليل تتفق مع نتائج هذه الدراسة.
وأضاف مود: «المرضى الذين يعانون عاصفة السيتوكين يشكلون 4% من إجمالي المرضى، وقد يكونون المستفيدين من الستيرويدات في تلك التجارب السريرية. أعتقد أن عملنا يساعد على فهم سبب تأثير الستيرويدات في نسبة قليلة من المرضى، لكن وفقًا لبياناتنا فإن معظم مرضى كوفيد -19 لا يعانون نقصًا في الستيرويدات، وبذلك فإن إعطاءهم كميات إضافية منها قد يشكل ضررًا عليهم».
ما السيتوكينات؟
السيتوكينات بروتينات سكرية صغيرة تنتجها أنواع مختلفة من الخلايا في جميع أنحاء الجسم، وتتحكم عند إطلاقها في مجموعة واسعة من الوظائف مثل عمليات تكاثر الخلايا وتمايزها وتنشيط الإفراز الغدي الذاتي ونظير الصماوي والصماوي، وكذلك تنظيم الاستجابات المناعية والالتهابية.
تشمل السيتوكينات التي درست على نطاق واسع كلًا من الإنترفيرونات والإنترلوكينات والكيموكينات وعوامل تحفيز المستعمرات CSFs والعامل المنخر للورم TNF.
ما عاصفة السيتوكين؟
أول استخدام موثق لمصطلح عاصفة السيتوكين (قد يسمى أيضًا فرط سيتوكين الدم) ظهر في مقال عام 1993 يناقش رفض الجسم للأعضاء المزروعة (داء الطعم ضد المضيف)، ومنذ عام 2000 أشير إلى عواصف السيتوكين في الكثير من الأمراض المعدية، ولذلك يشيع استخدام استخدام هذا المصطلح لوصف استجابة التهابية لا يستطيع الجهاز المناعي السيطرة عليها.
يبدأ الالتهاب الحاد عمومًا بخمسة أعراض رئيسية هي الاحمرار والوذمة والحرارة والألم وفقدان الوظيفة.
بغض النظر عن موقع حدوث الالتهاب فإن زيادة تدفق الدم إلى مكان الالتهاب عادة ما تتبع هذه الأعراض، وذلك للسماح لبروتينات البلازما والكريات البيض بالوصول إلى موقع الإصابة. ومع أن هذه الاستجابة الخلوية مفيدة للدفاع عن الجسم ضد الإنتانات فإنها غالبًا ما تؤثر سلبًا في وظيفة العضو في موقع الالتهاب.
قد تتفاقم تلك الاستجابة الالتهابية الطبيعية وتتطور إلى عاصفة السيتوكين التي تتميز بإنتاج السيتوكينات الالتهابية المختلفة بمعدل أعلى بكثير من اللازم، ويؤدي هذا الإنتاج المفرط للسيتوكينات إلى حدوث تلقيم راجع إيجابي على الخلايا المناعية الأخرى يسبب تدفق المزيد منها إلى موقع الإصابة، الأمر الذي قد ينتج عنه أذية الأعضاء.
متلازمة الضائقة التنفسية الحادة ARDS واحدة من أبرز الحالات السريرية المرتبطة بعواصف السيتوكين، وتعد السبب المباشر لعدد كبير من وفيات السارس –كوف -2.
ما متلازمة الضائقة التنفسية الحادة ARDS؟
تبدأ الإمراضية بالأذية الالتهابية للغشاء السنخي الشعري فتزداد نفاذية الأوعية الدموية المحيطية في الرئتين.
مع ارتفاع نفاذية الأوعية الدموية ستسحب سوائل الوذمة الالتهابية الغنية بالبروتين إلى الرئتين، ما يؤدي في النهاية إلى قصور في الجهاز التنفسي.
تعد المتلازمة التنفسية الحادة الحالة السريرية المميزة الناتجة عن مقاومة الجهاز المناعي لسارس-كوف-2، والأمر مماثل في سارس-كوف وميرس-كوف.
قد تحدث المتلازمة الحادة أيضًا في حالات أخرى مختلفة عن الإصابة بتلك الفيروسات، مثل ذات الرئة والإنتان والتهاب البنكرياس وعمليات نقل الدم، وتشخص عند ارتشاح الرئتين بالسوائل وظهور نقص حاد في الأكسجة، ويصل معدل الوفيات عندها إلى نحو 40%.
عاصفة السيتوكين في كوفيد-19
كشفت الدراسات الحديثة وجود مستويات عالية من السيتوكينات المحرضة على الالتهاب عند المرضى المصابين بكوفيد-19، وتشمل الكيموكينات والإنترفيرون IFN-g وكلًا من الإنترلوكينات IL-1B وIL-6 وIL-2.
اكتشفت العلاقة بين عاصفة السيتوكين وكوفيد-19 عندما لاحظ الأطباء أن لدى المرضى في وحدة العناية المشددة مستويات أعلى من CXCL10 وCCL 2 وTNF-a مقارنةً بمرضى كوفيد-19 الذين عانوا أعراضًا أقل حدة ولم يحتاجوا إلى القبول في وحدة العناية المشددة.
ومثل الحال في الكثير من الفيروسات الأخرى وخاصة سارس-كوف وميرس-كوف والإنفلونزا، عدّ الأطباء عاصفة السيتوكين علامة تحذيرية للدلالة على تزايد شدة المرض، إذ تسبب عاصفة السيتوكين في كوفيد-19 عند عدم معالجتها أذية في الجهاز المناعي لا تقتصر فقط على حدوث المتلازمة التنفسية الحادة في كثير من الحالات بل قد تسبب أيضًا مزيدًا من التلف في الأنسجة على نطاق واسع ما يؤدي إلى فشل الأعضاء والموت.
علاج عاصفة السيتوكين في كوفيد-19
كشفت الأبحاث الحديثة وجود فترة حرجة تمتد نحو 5-7 أيام بين وقت تشخيص كوفيد-19 وحدوث متلازمة فشل الأعضاء المتعدد MODS، ويميل نحو 80% من المرضى إلى التحسن بعد هذه الفترة بينما سيعاني 20% منهم التهابًا رئويًا حادًا ونحو 2% منهم لن يتمكنوا من الصمود وسوف يموتون.
تدرس مجموعة كبيرة من العلاجات المضادة للالتهابات لعلاج عاصفة السيتوكين في كوفيد-19، وذلك للحد مباشرة من الآثار الضارة التي قد تحدثها عاصفة السيتوكين في المرضى الذين ثبتت إصابتهم بكوفيد-19، وقد أوصى الباحثون بإعطاء العلاج المناعي فورًا في وقت تشخيص عاصفة السيتوكين.
تتضمن بعض استراتيجيات العلاج المناعي المُقترحة إبطال مفعول الأجسام المضادة التي نستطيع الحصول عليها من بلازما المرضى المتعافين من عدوى كوفيد-19، إضافة إلى استخدام مثبطات IFN ومثبطات الفوسفوليبيد المؤكسد OxPL ومضادات مستقبلات فوسفات السفينغوليبيدات S1P1.
مازلنا بحاجة إلى المزيد من الدراسات السريرية للوصول إلى تقييم شامل لقدرة هذه الخيارات العلاجية على تثبيط عاصفة السيتوكين التي يسببها كوفيد-19.
المصادر: 1 2
يحدث مرض كوفيد-19 بسبب فيروس كورونا المستجد المعروف باسم سارس-كوف-2، ولكن سير المرض يختلف كثيرًا من شخص لآخر إذ إن بعض الأفراد المصابين بالفيروس لا يظهرون أي أعراض بينما يعاني آخرون أعراضًا شديدة قد تتطور إلى متلازمة الضائقة التنفسية الحادة ARDS. يتوضح عادة سير المرض عند المصابين بكوفيد-19 في الأسبوع الثاني من ظهور الأعراض، إذ يبدأ معظم الناس في التعافي بينما يجد البعض الآخر صعوبة متزايدة في التنفس وينتهي بهم المطاف في المستشفى.
افترض الباحثون أن أولئك الذين يعانون فشل الرئة هم أصحاب النظام المناعي مفرط النشاط، إذ يبدو أن عاصفة السيتوكين تشكل عاملًا أساسيًا في تحديد شدة الإصابة بكوفيد-19، وذلك مشابه لما يحدث عند الإصابة بالأنواع الأخرى من الفيروسات التاجية وخاصة فيروسات سارس SARS وميرس MERS.
في دراسة جديدة من كلية الطب بجامعة واشنطن في مستشفى سانت لويس بولاية ميزوري ومستشفى سانت جود لأبحاث الأطفال في مدينة ممفيس بولاية تينيسي، أشار الباحثون إلى أن الاستجابة المناعية الخارجة عن نطاق السيطرة ليست المشكلة الرئيسية لغالبية مرضى كوفيد -19 المقيمين في المشافي، إذ إن 4% فقط من المرضى في الدراسة كان لديهم مستويات عالية من الجزيئات المناعية أي ما يُعرف بعاصفة السيتوكين، أما البقية فقد لوحظ لديهم استجابة التهابية ولكن ليست على مستوى عالٍ بالنسبة لأشخاص يواجهون عدوى إنتانية، إذ كان مستوى الالتهاب لدى مرضى كوفيد-19 أقل منه عند مجموعة مماثلة من مرضى الإنفلونزا.
نُشرت نتائج الدراسة في 13 نوفمبر في مجلة التقدم العلمي Science Advances، وساعدت على فهم سبب تأثير الأدوية المضادة للالتهابات -مثل الديكساميثازون- في جزء صغير فقط من مرضى كوفيد-19 ذوي الإصابة الشديدة، وبذلك أظهرت نتائج الدراسة حاجتنا إلى مزيد من الأبحاث لتحديد أسباب فشل الجهاز التنفسي لدى مرضى كوفيد -19.
يقول المؤلف المشارك في الدراسة فيليب مود الحاصل على دكتوراة في الطب والأستاذ المساعد في طب الطوارئ الذي يتابع المرضى في مستشفى بارنز اليهودي: «أظهرت إحدى أولى الأوراق البحثية المنشورة في الصين حول المصابين بكوفيد-19 وجود مستويات عالية من السيتوكينات لدى المرضى في العناية المشددة، ونستطيع تسمية هذه الحالة بعاصفة السيتوكين. أردنا أن نفهم هذه العاصفة السيتوكينية أكثر، لذلك بدأنا في دراستها عند مرضانا لكننا تفاجأنا عندما لم نجدها إلا عند نسبة قليلة جدًا منهم، حتى عند الذين يعانون فشلًا في الجهاز التنفسي ويحتاجون إلى جهاز تنفس اصطناعي».
درس الدكتور مود الاستجابة المناعية لعدوى الإنفلونزا قبل جائحة كوفيد-19، باستخدام عينات الدم المأخوذة من مرضى الإنفلونزا الذين يراجعون قسم الطوارئ في مستشفى بارنز اليهودي، ومع بداية انتشار كوفيد-19 في أواخر مارس وانشغال قسم الطوارئ كاملًا بالمصابين به تعاون مود مع المؤلف المشارك في الدراسة علي اللبيدي الحائز على الدكتوراة في الطب والأستاذ المساعد في علم الأمراض والمناعة والخبير في الإنفلونزا، ووجدوا أنه باستطاعتهم استخدام نفس النهج لدراسة كيفية انحراف الاستجابة المناعية في الحالات الشديدة من كوفيد -19.
حلّل الباحثون الخلايا والجزيئات المناعية في عينات الدم المأخوذة من 168 مصابًا بكوفيد-19 و26 مريض إنفلونزا و16 شخصًا سليمًا. سحبت العينات من مرضى الإنفلونزا في عامي 2019 و2020 ومن مرضى كوفيد-19 والأشخاص الأصحاء في عام 2020، وجمعت أيضًا معلومات حول تطور حالة كل مريض سواء شفي بسرعة أو احتاج إلى العناية المركزة أو التهوية الميكانيكية.
شمل فريق البحث إلى جانب مود والليبيدي كلًا من المؤلف المشارك بول توماس (حائز على دكتوراة في الطب) والمؤلف المشارك الأول جيريمي كروفورد (حائز على دكتوراة في الطب)، وكلاهما من مستشفى سانت جود، إضافة إلى باحثين آخرين أيضًا.
تماثلت تقريبًا أعداد الخلايا الالتهابية في دم مرضى كوفيد-19 ومرضى الإنفلونزا، لكن سبعة من مرضى كوفيد-19 (أي ما يعادل نسبة 4%) أظهروا علامات تشير إلى حدوث عاصفة السيتوكين، فقد كان لديهم مستويات عالية للغاية من السيتوكينات حتى عند مقارنتها بالمرضى الآخرين المصابين بأمراض شديدة.
لم يكن لدى غالبية مرضى كوفيد-19 الذين يعانون فشلًا تنفسيًا حادًا عاصفة سيتوكين، وكانت مستويات الالتهاب لديهم أقل منها لدى مرضى الإنفلونزا المماثلين بشدة المرض.
أظهرت التجارب السريرية أن بعض مرضى كوفيد-19 ذوي الإصابات الشديدة يتحسنون على الأدوية الستيرويدية (مثل الديكساميثازون) التي تقمع الآليات الالتهابية وتثبطها. حددت نسب المرضى الذين يستفيدون من الستيرويدات بما يتراوح بين 2% و9% في تحليل تجميعي للبيانات نشر في سبتمبر الماضي، وقد أكد مود أن نتائج التحليل تتفق مع نتائج هذه الدراسة.
وأضاف مود: «المرضى الذين يعانون عاصفة السيتوكين يشكلون 4% من إجمالي المرضى، وقد يكونون المستفيدين من الستيرويدات في تلك التجارب السريرية. أعتقد أن عملنا يساعد على فهم سبب تأثير الستيرويدات في نسبة قليلة من المرضى، لكن وفقًا لبياناتنا فإن معظم مرضى كوفيد -19 لا يعانون نقصًا في الستيرويدات، وبذلك فإن إعطاءهم كميات إضافية منها قد يشكل ضررًا عليهم».
ما السيتوكينات؟
السيتوكينات بروتينات سكرية صغيرة تنتجها أنواع مختلفة من الخلايا في جميع أنحاء الجسم، وتتحكم عند إطلاقها في مجموعة واسعة من الوظائف مثل عمليات تكاثر الخلايا وتمايزها وتنشيط الإفراز الغدي الذاتي ونظير الصماوي والصماوي، وكذلك تنظيم الاستجابات المناعية والالتهابية.
تشمل السيتوكينات التي درست على نطاق واسع كلًا من الإنترفيرونات والإنترلوكينات والكيموكينات وعوامل تحفيز المستعمرات CSFs والعامل المنخر للورم TNF.
ما عاصفة السيتوكين؟
أول استخدام موثق لمصطلح عاصفة السيتوكين (قد يسمى أيضًا فرط سيتوكين الدم) ظهر في مقال عام 1993 يناقش رفض الجسم للأعضاء المزروعة (داء الطعم ضد المضيف)، ومنذ عام 2000 أشير إلى عواصف السيتوكين في الكثير من الأمراض المعدية، ولذلك يشيع استخدام استخدام هذا المصطلح لوصف استجابة التهابية لا يستطيع الجهاز المناعي السيطرة عليها.
يبدأ الالتهاب الحاد عمومًا بخمسة أعراض رئيسية هي الاحمرار والوذمة والحرارة والألم وفقدان الوظيفة.
بغض النظر عن موقع حدوث الالتهاب فإن زيادة تدفق الدم إلى مكان الالتهاب عادة ما تتبع هذه الأعراض، وذلك للسماح لبروتينات البلازما والكريات البيض بالوصول إلى موقع الإصابة. ومع أن هذه الاستجابة الخلوية مفيدة للدفاع عن الجسم ضد الإنتانات فإنها غالبًا ما تؤثر سلبًا في وظيفة العضو في موقع الالتهاب.
قد تتفاقم تلك الاستجابة الالتهابية الطبيعية وتتطور إلى عاصفة السيتوكين التي تتميز بإنتاج السيتوكينات الالتهابية المختلفة بمعدل أعلى بكثير من اللازم، ويؤدي هذا الإنتاج المفرط للسيتوكينات إلى حدوث تلقيم راجع إيجابي على الخلايا المناعية الأخرى يسبب تدفق المزيد منها إلى موقع الإصابة، الأمر الذي قد ينتج عنه أذية الأعضاء.
متلازمة الضائقة التنفسية الحادة ARDS واحدة من أبرز الحالات السريرية المرتبطة بعواصف السيتوكين، وتعد السبب المباشر لعدد كبير من وفيات السارس –كوف -2.
ما متلازمة الضائقة التنفسية الحادة ARDS؟
تبدأ الإمراضية بالأذية الالتهابية للغشاء السنخي الشعري فتزداد نفاذية الأوعية الدموية المحيطية في الرئتين.
مع ارتفاع نفاذية الأوعية الدموية ستسحب سوائل الوذمة الالتهابية الغنية بالبروتين إلى الرئتين، ما يؤدي في النهاية إلى قصور في الجهاز التنفسي.
تعد المتلازمة التنفسية الحادة الحالة السريرية المميزة الناتجة عن مقاومة الجهاز المناعي لسارس-كوف-2، والأمر مماثل في سارس-كوف وميرس-كوف.
قد تحدث المتلازمة الحادة أيضًا في حالات أخرى مختلفة عن الإصابة بتلك الفيروسات، مثل ذات الرئة والإنتان والتهاب البنكرياس وعمليات نقل الدم، وتشخص عند ارتشاح الرئتين بالسوائل وظهور نقص حاد في الأكسجة، ويصل معدل الوفيات عندها إلى نحو 40%.
عاصفة السيتوكين في كوفيد-19
كشفت الدراسات الحديثة وجود مستويات عالية من السيتوكينات المحرضة على الالتهاب عند المرضى المصابين بكوفيد-19، وتشمل الكيموكينات والإنترفيرون IFN-g وكلًا من الإنترلوكينات IL-1B وIL-6 وIL-2.
اكتشفت العلاقة بين عاصفة السيتوكين وكوفيد-19 عندما لاحظ الأطباء أن لدى المرضى في وحدة العناية المشددة مستويات أعلى من CXCL10 وCCL 2 وTNF-a مقارنةً بمرضى كوفيد-19 الذين عانوا أعراضًا أقل حدة ولم يحتاجوا إلى القبول في وحدة العناية المشددة.
ومثل الحال في الكثير من الفيروسات الأخرى وخاصة سارس-كوف وميرس-كوف والإنفلونزا، عدّ الأطباء عاصفة السيتوكين علامة تحذيرية للدلالة على تزايد شدة المرض، إذ تسبب عاصفة السيتوكين في كوفيد-19 عند عدم معالجتها أذية في الجهاز المناعي لا تقتصر فقط على حدوث المتلازمة التنفسية الحادة في كثير من الحالات بل قد تسبب أيضًا مزيدًا من التلف في الأنسجة على نطاق واسع ما يؤدي إلى فشل الأعضاء والموت.
علاج عاصفة السيتوكين في كوفيد-19
كشفت الأبحاث الحديثة وجود فترة حرجة تمتد نحو 5-7 أيام بين وقت تشخيص كوفيد-19 وحدوث متلازمة فشل الأعضاء المتعدد MODS، ويميل نحو 80% من المرضى إلى التحسن بعد هذه الفترة بينما سيعاني 20% منهم التهابًا رئويًا حادًا ونحو 2% منهم لن يتمكنوا من الصمود وسوف يموتون.
تدرس مجموعة كبيرة من العلاجات المضادة للالتهابات لعلاج عاصفة السيتوكين في كوفيد-19، وذلك للحد مباشرة من الآثار الضارة التي قد تحدثها عاصفة السيتوكين في المرضى الذين ثبتت إصابتهم بكوفيد-19، وقد أوصى الباحثون بإعطاء العلاج المناعي فورًا في وقت تشخيص عاصفة السيتوكين.
تتضمن بعض استراتيجيات العلاج المناعي المُقترحة إبطال مفعول الأجسام المضادة التي نستطيع الحصول عليها من بلازما المرضى المتعافين من عدوى كوفيد-19، إضافة إلى استخدام مثبطات IFN ومثبطات الفوسفوليبيد المؤكسد OxPL ومضادات مستقبلات فوسفات السفينغوليبيدات S1P1.
مازلنا بحاجة إلى المزيد من الدراسات السريرية للوصول إلى تقييم شامل لقدرة هذه الخيارات العلاجية على تثبيط عاصفة السيتوكين التي يسببها كوفيد-19.
المصادر: 1 2