مناعة القطيع: مشكلة علمية وأخلاقية
شهدت المعركة ضد جائحة كوفيد-19 إساءة فهم واسعة لمفهوم مناعة القطيع بتحريفه وتحويله إلى فكرة خطيرة للغاية، فمع بدء تلاعب البيت الأبيض بفكرة مناعة القطيع في الولايات المتحدة بواسطة العدوى بدلاً من اللقاح، حذر العلماء وخبراء الصحة العامة من هذه الفكرة بوصفها غير علمية، وغير أخلاقية أيضًا.
في أفضل الأحوال تُطبَّق مناعة القطيع باستخدام التطعيمات، فعندما تكتسب الغالبية العظمى من السكان حصانةً ضد مرض ما بفعل لقاح، فستنخفض نسبة إصابة الأقلية المتبقية من السكان بالعدوى، ومن المستبعد أن يساهم الأفراد الذين اكتسبوا المناعة في نقل المرض، وبهذا تنقطع سلاسل العدوى، فمثلًا إذا حصلت نسبة عالية من السكان على لقاح الإنفلونزا، فستنخفض فرص إصابة الأشخاص غير المحصنين بالمرض أيضًا.
ومع ذلك، أخذ الأمر منحًى مختلفًا قليلًا، فقد أصبح الهدف هو السماح بانتشار الفيروس بين السكان انتشارًا خاضعًا للسيطرة لعدم وجود لقاح فعّال حتى اللحظة، مع توفير الحماية للفئات الأضعف، مثل من يعانون ضعفًا في الجهاز المناعي، أما الأغلبية الباقية فمن المتوقع أن يواصلوا ممارسة حياتهم كالمعتاد، ما سيعرضهم للإصابة بالمرض.
تقول النظرية: ستنتقل العدوى إلى الكثير من الناس، لكنهم لن يصابوا إلا بعدوى خفيفة، وسيسمح لهم ذلك بتطوير أجسام مضادة للفيروس، ومن ثم اكتساب مناعة ضد المرض، ما يعني أن أكثر السكان سيمتلكون حصانةً ضد الفيروس، فيتوقف انتشار المرض.
استخدمت مجموعة من الدول الأوروبية هذا النهج بمستويات خطورة متفاوتة، لكن مثلت السويد الدولة الأكثر تنفيذًا للفكرة، فقد اختارت تطبيق الحد الأدنى من إجراءات الإغلاق، ولم تفرض استخدام الكمامات في الأماكن العامة، لكن ذلك لم ينجح، إذ شهدت السويد معدلات أعلى بكثير من الإصابة بفيروس كوفيد-19 والاستشفاء والوفاة مقارنةً بالدول المجاورة، وتوقعت السلطات الصحية في السويد أن نحو نصف سكان العاصمة ستوكهولم سيُصابون بالمرض ويكتسبون الأجسام المضادة بحلول مايو 2020، لكن لم تصدق توقعات السلطات، إذ بلغت النسبة 15% فقط.
غالبًا سيكون الوضع أسوأ في الولايات المتحدة، إذ يقدّر العلماء أن أقل من 10% من سكان الولايات المتحدة قد أصيبوا بالعدوى واكتسبوا أجسامًا مضادة، وأسوأ من ذلك عدم تيقن الباحثين من مدة بقاء الأجسام المضادة للفيروس، فلا يوجد ضمان للمناعة بعد الإصابة على المدى الطويل، إضافةً إلى ذلك يُعد تحديد الأشخاص المعرضين للخطر، الذين تنبغي حمايتهم أمرًا معقدًا، فماذا عن الشباب المصابين بداء السكري والبدانة والمدخنين؟
قدرت إحدى الدراسات أن نحو 30% من الأشخاص في بعض مناطق العالم قد يعانون بعض الظروف الصحية الأساسية التي تجعلهم عرضةً للإصابة بكوفيد-19، فهل تجب حماية كل هؤلاء الأشخاص أم نتركهم لمواجهة انتشار المرض؟
كتب عشرات الخبراء الطبيين وخبراء الصحة العامة حديثًا رسالةً في مجلة لانسيت الطبية يصفون هذا النوع من مناعة القطيع بأنه «مغالطة لا تدعمها الأدلة العلمية». وبصرف النظر عن التشكيك العلمي، تُعد مناعة القطيع أسلوبًا سيئ السمعة للتعامل مع تفشي مرض معين، فكما رأينا في كوفيد-19، لا يقتصر المرض الشديد على كبار السن والمرضى فقط، وإذا سُمح للفيروس بالانتشار بين السكان فإن عددًا كبيرًا من الأشخاص الأصحاء سيُصابون به، وقد يفقدون حياتهم جراء ذلك.
وصفت منظمة الصحة العالمية حديثًا محاولات الوصول إلى مناعة القطيع بتعريض الناس للفيروس بأنها «إشكالية علمية وأخلاقية»، وقال الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس المدير العام لمنظمة الصحة العالمية: «إن السماح بانتشار كوفيد-19 بين السكان بصرف النظر عن أعمارهم أو حالتهم الصحية سيؤدي إلى إصابات عديدة يمكن تجنبها، إلى جانب المعاناة والموت. لم يسبق في تاريخ الصحة العامة أن استُخدمت مناعة القطيع استراتيجيةً لمواجهة تفشي مرض معين ناهيك بالوباء! إنها مشكلة علمية وأخلاقية».
المصدر
شهدت المعركة ضد جائحة كوفيد-19 إساءة فهم واسعة لمفهوم مناعة القطيع بتحريفه وتحويله إلى فكرة خطيرة للغاية، فمع بدء تلاعب البيت الأبيض بفكرة مناعة القطيع في الولايات المتحدة بواسطة العدوى بدلاً من اللقاح، حذر العلماء وخبراء الصحة العامة من هذه الفكرة بوصفها غير علمية، وغير أخلاقية أيضًا.
في أفضل الأحوال تُطبَّق مناعة القطيع باستخدام التطعيمات، فعندما تكتسب الغالبية العظمى من السكان حصانةً ضد مرض ما بفعل لقاح، فستنخفض نسبة إصابة الأقلية المتبقية من السكان بالعدوى، ومن المستبعد أن يساهم الأفراد الذين اكتسبوا المناعة في نقل المرض، وبهذا تنقطع سلاسل العدوى، فمثلًا إذا حصلت نسبة عالية من السكان على لقاح الإنفلونزا، فستنخفض فرص إصابة الأشخاص غير المحصنين بالمرض أيضًا.
ومع ذلك، أخذ الأمر منحًى مختلفًا قليلًا، فقد أصبح الهدف هو السماح بانتشار الفيروس بين السكان انتشارًا خاضعًا للسيطرة لعدم وجود لقاح فعّال حتى اللحظة، مع توفير الحماية للفئات الأضعف، مثل من يعانون ضعفًا في الجهاز المناعي، أما الأغلبية الباقية فمن المتوقع أن يواصلوا ممارسة حياتهم كالمعتاد، ما سيعرضهم للإصابة بالمرض.
تقول النظرية: ستنتقل العدوى إلى الكثير من الناس، لكنهم لن يصابوا إلا بعدوى خفيفة، وسيسمح لهم ذلك بتطوير أجسام مضادة للفيروس، ومن ثم اكتساب مناعة ضد المرض، ما يعني أن أكثر السكان سيمتلكون حصانةً ضد الفيروس، فيتوقف انتشار المرض.
استخدمت مجموعة من الدول الأوروبية هذا النهج بمستويات خطورة متفاوتة، لكن مثلت السويد الدولة الأكثر تنفيذًا للفكرة، فقد اختارت تطبيق الحد الأدنى من إجراءات الإغلاق، ولم تفرض استخدام الكمامات في الأماكن العامة، لكن ذلك لم ينجح، إذ شهدت السويد معدلات أعلى بكثير من الإصابة بفيروس كوفيد-19 والاستشفاء والوفاة مقارنةً بالدول المجاورة، وتوقعت السلطات الصحية في السويد أن نحو نصف سكان العاصمة ستوكهولم سيُصابون بالمرض ويكتسبون الأجسام المضادة بحلول مايو 2020، لكن لم تصدق توقعات السلطات، إذ بلغت النسبة 15% فقط.
غالبًا سيكون الوضع أسوأ في الولايات المتحدة، إذ يقدّر العلماء أن أقل من 10% من سكان الولايات المتحدة قد أصيبوا بالعدوى واكتسبوا أجسامًا مضادة، وأسوأ من ذلك عدم تيقن الباحثين من مدة بقاء الأجسام المضادة للفيروس، فلا يوجد ضمان للمناعة بعد الإصابة على المدى الطويل، إضافةً إلى ذلك يُعد تحديد الأشخاص المعرضين للخطر، الذين تنبغي حمايتهم أمرًا معقدًا، فماذا عن الشباب المصابين بداء السكري والبدانة والمدخنين؟
قدرت إحدى الدراسات أن نحو 30% من الأشخاص في بعض مناطق العالم قد يعانون بعض الظروف الصحية الأساسية التي تجعلهم عرضةً للإصابة بكوفيد-19، فهل تجب حماية كل هؤلاء الأشخاص أم نتركهم لمواجهة انتشار المرض؟
كتب عشرات الخبراء الطبيين وخبراء الصحة العامة حديثًا رسالةً في مجلة لانسيت الطبية يصفون هذا النوع من مناعة القطيع بأنه «مغالطة لا تدعمها الأدلة العلمية». وبصرف النظر عن التشكيك العلمي، تُعد مناعة القطيع أسلوبًا سيئ السمعة للتعامل مع تفشي مرض معين، فكما رأينا في كوفيد-19، لا يقتصر المرض الشديد على كبار السن والمرضى فقط، وإذا سُمح للفيروس بالانتشار بين السكان فإن عددًا كبيرًا من الأشخاص الأصحاء سيُصابون به، وقد يفقدون حياتهم جراء ذلك.
وصفت منظمة الصحة العالمية حديثًا محاولات الوصول إلى مناعة القطيع بتعريض الناس للفيروس بأنها «إشكالية علمية وأخلاقية»، وقال الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس المدير العام لمنظمة الصحة العالمية: «إن السماح بانتشار كوفيد-19 بين السكان بصرف النظر عن أعمارهم أو حالتهم الصحية سيؤدي إلى إصابات عديدة يمكن تجنبها، إلى جانب المعاناة والموت. لم يسبق في تاريخ الصحة العامة أن استُخدمت مناعة القطيع استراتيجيةً لمواجهة تفشي مرض معين ناهيك بالوباء! إنها مشكلة علمية وأخلاقية».
المصدر