أدلة وجود الجن من الكتاب والسنة
عالم الجن
إنّ معنى الجن في اللُّغة هم "نوعٌ من العالَم سُمُّوا بذلك لاجْتِنانِهم عن الأَبصار، ولأَنّهم اسْتَجَنُّوا من الناس فلا يُرَوْن"،[١] وعالم الجن هو من العوالم الخفيّة عن بني البشر؛ إذ إنّهم يشتركون مع البشر بصفات عدّة منها؛ أنّهم يعيشون ويتكاثرون ويتّصفون بالعقل والإدراك والاختيار بين الخير والشر، ويختلفون عن البشر في أصل الخلق؛ فهم خُلِقوا من النّار، وخُلِقَ البشر من الطّين، كما هو معروف من خلال الأدلّة الكثيرة من الكتاب والسنّة،[٢] ويعود أصل الجن إلى الشيطان الأكبر واسمه "عزازيل"،[٣] وكان يتبع الملائكة باعتبار صورته لا باعتبار خلقته، ولكنّه رفض السجود لآدم وعصى ربّه، وللجنّ أنواع كثيرة سيقف هذا المقال على تفصيلها، وبيان أنواع الجن.[٢]
أدلة وجود الجن من الكتاب والسنة
وقبل الشّروع ببيان الأدلّة على وجود الجن من الكتاب والسنة، وبعد بيان أنواع الجن يبقى من مندوحة القول أن يُذكر أنّ للجن حياة خاصة تتشابه في خطوطها العريضة مع حياة باقي المخلوقات؛ فهم يتكاثرون ويتناسلون ويعيشون حياة قريبة من حياة البشر، ولكنّهم يختلفون في بعض الأمور، فمساكنهم مثلًا تكثُرُ في الخراب وأماكن النجاسات كالحمّامات وأماكن تجميع النّفايات؛ فلذلك قال صلّى الله عليه وسلّم: "إنَّ هذه الحُشوشَ مُحتضَرةٌ فإذا دخَلَها أحدُكم فلْيقُلْ: اللهمّ إنّي أعوذُ بك مِن الخُبُثِ والخبائثِ"،[٤] وكذلك فالجن يموتون ولكن لا يُعلَمُ عن أعمارهم شيئًا، ولكنّهم -لا شكّ- يموتون كما بقيّة المخلوقات؛ وذلك لعموم قوله تعالى في سورة الرحمن: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}،[٥] والله أعلم.[٦] وإنّه لا بأس بالوقوف على الأدلّة القاطعة على وجود عالم الجن لمن يُنكر ذلك، هذا وإنّ الإيمان بوجود الجن هو إيمانٌ بما جاء به القرآن الكريم والسنّة المكرّمة حول وجود هذا العالم، وفيما يأتي بيان بعض الدّلائل الشرعيّة على وجود عالم الجن من الكتاب والسنة:[٧]
أنواع الجن
بعد الوقوف على معنى الجن من حيث اللغة ينبغي الوقوف على أنواع الجن، حيث إنّ أنواع الجن تختلف من حيث كلّ جهة على حدة، فهناك أنواع للجن من حيث الشّكل والحركة، وهناك أنواع للجن من حيث الديانة، وفيما يأتي بيان تلك الأنواع بشكل مفصّل.[١٤]
أنواع الجن من حيث الشكل والحركة
والبداية مع أنواع الجن من حيث الشكل والحركة، وهم ثلاثة أنواع قد وردوا في الحديث الشريف الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "الجِنُّ ثَلاثةُ أصنافٍ: صِنفٌ لهم أجنِحةٌ يَطيرونَ في الهَواءِ، وصِنفٌ حَيَّاتٌ، وصِنفٌ يَحِلُّونَ ويَظعَنونَ"،[١٥] وفيما يأتي بيان تلك الأنواع تفصيلًا:[١٤]
أنواع الجن من حيث الديانة
وبعد الحديث عن أنواع الجن من حيث الشكل والحركة، يجدر بيان أنواع الجن من حيث الديانة، فالجن مثلهم مثل البشر يدينون بشريعة واضحة، فمنهم الكافر الذي عصى ربّه وسيُجازى بأفعاله، ومنهم المؤمن، وفيما يأتي بيان ذلك تفصيلًا:[١٤]
* إبليس وجنوده: وتحت هذا الصّنف يندرج كلّ أنواع الجن الكافر الذي تكون مهمّته الوحيدة هي إغواء بني آدم، فعن أبي موسى الأشعريّ -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: "إذا أصبَح إبليسُ بثَّ جنودَه فيقولُ: مَن أضَلَّ اليومَ مُسلِمًا ألبَسْتُه التَّاجَ، قال: فيخرُجُ هذا فيقولُ: لم أزَلْ به حتَّى طلَّق امرأتَه، فيقولُ: أوشَك أنْ يتزوَّجَ، ويجيءُ هذا فيقولُ: لم أزَلْ به حتَّى عَقَّ والدَيْهِ، فيقولُ: أوشَك أنْ يبَرَّ، ويجيءُ هذا فيقولُ: لم أزَلْ به حتَّى أشرَك، فيقولُ: أنتَ أنتَ، ويجيءُ فيقولُ: لم أزَلْ به حتَّى زنى، فيقولُ: أنتَ أنتَ، ويجيءُ هذا فيقولُ: لم أزَلْ به حتَّى قتَلَ، فيقولُ: أنتَ أنتَ، ويُلبِسُه التَّاجَ"،[١٧] وهؤلاء منهم شيطانٌ عاديٌّ، ومنهم المارد، ومنهم العفريت، وأقواهم العفريت، ثمّ المارد، ثمّ الشيطان العادي.
* القرين: وهو شيطان من أنواع الجن الكافر، مهمّته تتلخّص في الاقتران بابن آدم منذ ولادته، ومحاولة إضلاله وإبعاده عن جادّة الصّواب، وتنتهي مهمّته بموت الإنسان المُقترن به، ولا يُعلَمُ أين يذهب بعد وفاة الإنسان، والإنسان المؤمن يستطيع التّغلّب على شياطينه إن من القرين وإن من غيره بقوّة إيمانه بالله سبحانه وتعالى، حيث يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "إنَّ المؤمنَ ليُنضي شياطينَه كما يُنضي أحدُكم بعيرَه في السَّفرِ.[١٨]
المراجع
1 . ↑ "تعريف و معنى الجن في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-02-2020. بتصرّف.
2 . ^ أ ب "عالم الجن والشياطين"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-02-2020. بتصرّف.
3 . ↑ "اسم إبليس قبل طرده من رحمة الله"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-02-2020. بتصرّف.
4 . ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن زيد بن أرقم، الصفحة أو الرقم: 1408، حديثٌ أخرجه ابن حبّان في صحيحه.
5 . ↑ سورة الرحمن، آية: 26.
6 . ↑ "حياة الجن ومساكنهم"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 19-02-2020. بتصرّف.
7 . ↑ "الدلائل على وجود عالم الجن"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-02-2020. بتصرّف.
8 . ↑ سورة الجن، آية: 1.
9 . ↑ سورة الأنعام، آية: 130.
10 . ↑ سورة الأعراف، آية: 38.
11 . ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2996، حديث صحيح.
12 . ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3860، حديث صحيح.
13 . ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2752، حديث صحيح.
14 . ^ أ ب ت "تعرّف على عالم الجن: أشكال الجن وأنواعهم"، www.ahlalhdeeth.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-02-2020. بتصرّف.
15 . ↑ رواه القسطلاني، في إرشاد الساري، عن أبي ثعلبة الخشني، الصفحة أو الرقم: 5/304، حديثٌ إسنادُهُ حَسَنٌ.
16 . ↑ رواه الهيثمي، في مجمع الزوائد، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 4-49، حديثٌ رجالُهُ رجالُ الصّحيح.
17 . ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم: 6189، حديثٌ أخرجه ابن حبّان في صحيحه.
18 . ↑ رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3586، حديثٌ إسناه حسن.
عالم الجن
إنّ معنى الجن في اللُّغة هم "نوعٌ من العالَم سُمُّوا بذلك لاجْتِنانِهم عن الأَبصار، ولأَنّهم اسْتَجَنُّوا من الناس فلا يُرَوْن"،[١] وعالم الجن هو من العوالم الخفيّة عن بني البشر؛ إذ إنّهم يشتركون مع البشر بصفات عدّة منها؛ أنّهم يعيشون ويتكاثرون ويتّصفون بالعقل والإدراك والاختيار بين الخير والشر، ويختلفون عن البشر في أصل الخلق؛ فهم خُلِقوا من النّار، وخُلِقَ البشر من الطّين، كما هو معروف من خلال الأدلّة الكثيرة من الكتاب والسنّة،[٢] ويعود أصل الجن إلى الشيطان الأكبر واسمه "عزازيل"،[٣] وكان يتبع الملائكة باعتبار صورته لا باعتبار خلقته، ولكنّه رفض السجود لآدم وعصى ربّه، وللجنّ أنواع كثيرة سيقف هذا المقال على تفصيلها، وبيان أنواع الجن.[٢]
أدلة وجود الجن من الكتاب والسنة
وقبل الشّروع ببيان الأدلّة على وجود الجن من الكتاب والسنة، وبعد بيان أنواع الجن يبقى من مندوحة القول أن يُذكر أنّ للجن حياة خاصة تتشابه في خطوطها العريضة مع حياة باقي المخلوقات؛ فهم يتكاثرون ويتناسلون ويعيشون حياة قريبة من حياة البشر، ولكنّهم يختلفون في بعض الأمور، فمساكنهم مثلًا تكثُرُ في الخراب وأماكن النجاسات كالحمّامات وأماكن تجميع النّفايات؛ فلذلك قال صلّى الله عليه وسلّم: "إنَّ هذه الحُشوشَ مُحتضَرةٌ فإذا دخَلَها أحدُكم فلْيقُلْ: اللهمّ إنّي أعوذُ بك مِن الخُبُثِ والخبائثِ"،[٤] وكذلك فالجن يموتون ولكن لا يُعلَمُ عن أعمارهم شيئًا، ولكنّهم -لا شكّ- يموتون كما بقيّة المخلوقات؛ وذلك لعموم قوله تعالى في سورة الرحمن: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}،[٥] والله أعلم.[٦] وإنّه لا بأس بالوقوف على الأدلّة القاطعة على وجود عالم الجن لمن يُنكر ذلك، هذا وإنّ الإيمان بوجود الجن هو إيمانٌ بما جاء به القرآن الكريم والسنّة المكرّمة حول وجود هذا العالم، وفيما يأتي بيان بعض الدّلائل الشرعيّة على وجود عالم الجن من الكتاب والسنة:[٧]
- أدلّة القرآن الكريم: ممّا جاء في القرآن الكريم بخصوص وجود عالم الجنّ قوله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا}،[٨] وتحكي سورة الجن كذلك أخبار الجن وعالمهم الخاص وطريقة حياتهم وعقائدهم المختلفة، وإلى غير ذلك ممّا لا يتّسع المقام لذكره، وكذلك جاء ذكر الجن في سورة الأنعام في قوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ۚ قَالُوا شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنفُسِنَا ۖ وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ}،[٩] وهذه الآية تثبت وجود الرسل في الجن كما هم عند البشر، وتؤكّد بطريقة أو بأخرى وجود هذا العالم الخفي عن البشر، وكذلك من السور التي ذُكر فيها الجن سورة الأعراف؛ إذ يقول الله -تعالى- فيها: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ ۖ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ۖ حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ ۖ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ}،[١٠] وهذه الآيات طرف من آيات كثيرة قد ذُكِرَ فيها الجن في القرآن الكريم مع عالمهم وحياتهم الخاصّة.
- أدلّة السنّة النبويّة: وممّا جاء في السنة النبويّة الشّريفة ما يؤكّد -كذلك- للمسلم وجود عالم الجن الذين قد ينكر وجودهم من لا يؤمن إلّا بما أثبته العلم، مع العلم أنّ الغيبيّات لا يثبتها العلم، ولكن يُؤمَنُ بها وإن لم تُرَ بالعين المُجرّدة أو المُسلَّحة، ففي الحديث الشريف تروي أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: "خُلِقَتِ المَلائِكَةُ مِن نُورٍ، وخُلِقَ الجانُّ مِن مارِجٍ مِن نارٍ، وخُلِقَ آدَمُ ممَّا وُصِفَ لَكُمْ"،[١١] وهذا الحديث يؤكّد وجود الجن بدليل أنّهم قد خُلقوا، ولكنّ طبيعة خلقهم تختلف عن البشر؛ لاختلاف الأصل في الخلق، وأيضًا ممّا يؤكّد وجود عالم الجن حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي يروي فيه أبو هريرة أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- طلب منه يومًا أن يأتيه بأحجار يستنفض بها، وطلب من أبي هريرة ألّا يأتيه بعظم أو روثة، فسأله أبو هريرة رضي الله عنه: ما بَالُ العَظْمِ والرَّوْثَةِ؟ قالَ: "هُما مِن طَعَامِ الجِنِّ، وإنَّه أتَانِي وفْدُ جِنِّ نَصِيبِينَ، ونِعْمَ الجِنُّ، فَسَأَلُونِي الزَّادَ، فَدَعَوْتُ اللَّهَ لهمْ ألّا يَمُرُّوا بعَظْمٍ، ولَا برَوْثَةٍ إلَّا وجَدُوا عَلَيْهَا طَعَامًا"،[١٢] وكذلك في الحديث الشريف يقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ الجنّ يتراحمون فيما بينهم مثلهم مثل البشر وباقي المخلوقات؛ فيقول صلّى الله عليه وسلّم: "إنَّ لِلَّهِ مِئَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ منها رَحْمَةً وَاحِدَةً بيْنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ، فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا تَعْطِفُ الوَحْشُ علَى وَلَدِهَا، وَأَخَّرَ اللَّهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَومَ القِيَامَةِ"،[١٣] وغير هذه الأحاديث كثير ممّا يؤكّد بما لا شكّ فيه أنّ الجن يعيشون ولكنّ البشر لا يرَونَهم، والله -تعالى- أعلى وأعلم.
أنواع الجن
بعد الوقوف على معنى الجن من حيث اللغة ينبغي الوقوف على أنواع الجن، حيث إنّ أنواع الجن تختلف من حيث كلّ جهة على حدة، فهناك أنواع للجن من حيث الشّكل والحركة، وهناك أنواع للجن من حيث الديانة، وفيما يأتي بيان تلك الأنواع بشكل مفصّل.[١٤]
أنواع الجن من حيث الشكل والحركة
والبداية مع أنواع الجن من حيث الشكل والحركة، وهم ثلاثة أنواع قد وردوا في الحديث الشريف الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "الجِنُّ ثَلاثةُ أصنافٍ: صِنفٌ لهم أجنِحةٌ يَطيرونَ في الهَواءِ، وصِنفٌ حَيَّاتٌ، وصِنفٌ يَحِلُّونَ ويَظعَنونَ"،[١٥] وفيما يأتي بيان تلك الأنواع تفصيلًا:[١٤]
- الجن الطيّار: وهذا الصّنف من أنواع الجن لديه أجنحة يطير بها، وعلى الأرجح أنّ هذا النّوع هو الذي كان يسترق السّمع في السماوات؛ فله سرعة كبيرة يمتاز بها عن بقيّة أنواع الجن، وهو شرسٌ بطبعه، ويستطيع اختراق جسد الإنسان بسهولة عن طريق المسّ أو السّحر كما يقول الراقي محمد العناني في كتابه "القول المبين في السحر والمس والعين والجن والقرين": "ويستطيع هذا النوع من أنواع الجن أن يحتمل جلسات الرقية الطويلة إلى حد كبير، وهذا النوع هو أصعب أنواع الجن".
- نوع الحيّات والكلاب: يقول ابن عبّاس في الحديث الذي يرويه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "الحيَّاتُ مسْخُ الجنِّ كما مُسِخَتِ القِرَدَةُ والخنازيرُ من بني إسرائيلَ"،[١٦] ويعني الحديث أنّ هناك صنف ونوع من أنواع الجن قد مُسِخوا إلى حيّات وكلاب، فهذا الجن يتشكّل على صورة كلب أو حيّة أو أشكال أخرى؛ كالقطط والبشر العُصاة، وهم أقلّ شراسة من النوع الأول من أنواع الجن وهم الجن الطيار، ولكنّهم شرسون وينبغي الحذر منهم بتحصين النفس بالقرآن والأدعية.
- نوعٌ يحلّون ويظعنون: وهذا النوع هو النوع الأقلّ شراسة وضررًا على الإنسان، وهو أقلّ قدرة على اختراق جسم الإنسان؛ نظرًا لكثافة جسمه العالية.
أنواع الجن من حيث الديانة
وبعد الحديث عن أنواع الجن من حيث الشكل والحركة، يجدر بيان أنواع الجن من حيث الديانة، فالجن مثلهم مثل البشر يدينون بشريعة واضحة، فمنهم الكافر الذي عصى ربّه وسيُجازى بأفعاله، ومنهم المؤمن، وفيما يأتي بيان ذلك تفصيلًا:[١٤]
- الجن الكافر: وهم نوعان:
* إبليس وجنوده: وتحت هذا الصّنف يندرج كلّ أنواع الجن الكافر الذي تكون مهمّته الوحيدة هي إغواء بني آدم، فعن أبي موسى الأشعريّ -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: "إذا أصبَح إبليسُ بثَّ جنودَه فيقولُ: مَن أضَلَّ اليومَ مُسلِمًا ألبَسْتُه التَّاجَ، قال: فيخرُجُ هذا فيقولُ: لم أزَلْ به حتَّى طلَّق امرأتَه، فيقولُ: أوشَك أنْ يتزوَّجَ، ويجيءُ هذا فيقولُ: لم أزَلْ به حتَّى عَقَّ والدَيْهِ، فيقولُ: أوشَك أنْ يبَرَّ، ويجيءُ هذا فيقولُ: لم أزَلْ به حتَّى أشرَك، فيقولُ: أنتَ أنتَ، ويجيءُ فيقولُ: لم أزَلْ به حتَّى زنى، فيقولُ: أنتَ أنتَ، ويجيءُ هذا فيقولُ: لم أزَلْ به حتَّى قتَلَ، فيقولُ: أنتَ أنتَ، ويُلبِسُه التَّاجَ"،[١٧] وهؤلاء منهم شيطانٌ عاديٌّ، ومنهم المارد، ومنهم العفريت، وأقواهم العفريت، ثمّ المارد، ثمّ الشيطان العادي.
* القرين: وهو شيطان من أنواع الجن الكافر، مهمّته تتلخّص في الاقتران بابن آدم منذ ولادته، ومحاولة إضلاله وإبعاده عن جادّة الصّواب، وتنتهي مهمّته بموت الإنسان المُقترن به، ولا يُعلَمُ أين يذهب بعد وفاة الإنسان، والإنسان المؤمن يستطيع التّغلّب على شياطينه إن من القرين وإن من غيره بقوّة إيمانه بالله سبحانه وتعالى، حيث يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "إنَّ المؤمنَ ليُنضي شياطينَه كما يُنضي أحدُكم بعيرَه في السَّفرِ.[١٨]
- الجن المسلم: والنوع الآخر من أنواع الجن هو الجن المسلم، وهذا النوع يؤمن بالله -تعالى- وبرسوله، ولهذا النوع من أنواع الجن حياة تختلف عن الجن الكافر؛ فهم لا يسكنون مساكنهم النجسة، ولا يؤذون البشر، ويُصلّون ويصومون ويحجّون ويعتمرون ويقرؤون القرآن وإلى غير ذلك من العبادات المكلّفين بها حالهم حال الإنسان المسلم، والله -تعالى- أعلم.
المراجع
1 . ↑ "تعريف و معنى الجن في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-02-2020. بتصرّف.
2 . ^ أ ب "عالم الجن والشياطين"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-02-2020. بتصرّف.
3 . ↑ "اسم إبليس قبل طرده من رحمة الله"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-02-2020. بتصرّف.
4 . ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن زيد بن أرقم، الصفحة أو الرقم: 1408، حديثٌ أخرجه ابن حبّان في صحيحه.
5 . ↑ سورة الرحمن، آية: 26.
6 . ↑ "حياة الجن ومساكنهم"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 19-02-2020. بتصرّف.
7 . ↑ "الدلائل على وجود عالم الجن"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-02-2020. بتصرّف.
8 . ↑ سورة الجن، آية: 1.
9 . ↑ سورة الأنعام، آية: 130.
10 . ↑ سورة الأعراف، آية: 38.
11 . ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2996، حديث صحيح.
12 . ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3860، حديث صحيح.
13 . ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2752، حديث صحيح.
14 . ^ أ ب ت "تعرّف على عالم الجن: أشكال الجن وأنواعهم"، www.ahlalhdeeth.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-02-2020. بتصرّف.
15 . ↑ رواه القسطلاني، في إرشاد الساري، عن أبي ثعلبة الخشني، الصفحة أو الرقم: 5/304، حديثٌ إسنادُهُ حَسَنٌ.
16 . ↑ رواه الهيثمي، في مجمع الزوائد، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 4-49، حديثٌ رجالُهُ رجالُ الصّحيح.
17 . ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم: 6189، حديثٌ أخرجه ابن حبّان في صحيحه.
18 . ↑ رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3586، حديثٌ إسناه حسن.