ماذا يحدث وقت الاحتضار؟
نرى في حياتنا مَن هم على فراش الموت، وأحباءهم جالسين جوارهم يهمسون في آذانهم كلمات مطمئنة إلى أن تعلن أجهزة المستشفى رحيلهم. لا نعلم حقيقةً ما يحدث في اللحظات الأخيرة من حياتنا، لكن الحدس بداخلنا يدفعنا إلى الحديث إلى أحبائنا في تلك اللحظات، حتى إن كانوا لا يستجيبون لما نقول؛ ظنًا منا أنهم يشعرون بنا وبما نقول. وتوضح الدراسات الأخيرة في علم الأعصاب أن حدسنا قد يكون صحيحًا.
يمر المرء بحالة من عدم الاستجابة للبيئة المحيطة في ساعاته الأخيرة -في حالة الموت الطبيعي المتوقع كما في حالة كبار السن-. في تقارير عن قصص أولئك الذين كانوا أقرب ما يكون من الموت، قيل إنهم كانوا يسمعون ضوضاء غير عادية، أو يسمعون إعلان وفاتهم.
استطاع علماء الأعصاب بجامعة كولومبيا البريطانية، لأول مرة، إثبات قدرة المحتضرين على سماعنا حتى وإن كانوا في حالة عدم الاستجابة للبيئة المحيطة بإجراء تخطيط كهربية الدماغ (EEG)، خلال دراسة نشرت في شهر يونيو الفائت في مجلة Scientific Reports، قاست الدراسة النشاط الكهربي لأدمغة المصابين في مستشفى سان جون، قبل وبعد دخولهم في مرحلة عدم الاستجابة، وقيس أيضًا النشاط الكهربي لأدمغة مجموعة من شباب أصحاء وصغار السن فيما يعرف بالمجموعة المرجعية -مجموعة تُستخدم ضمن التجارب للمقارنة-، ووُجد أن الاستجابة السمعيّة في أدمغة المحتضرين هي ذاتها في أدمغة الشباب الأصحاء، ما يدل على أن أدمغة المحتضرين تستجيب للمؤثرات الصوتية حتى في حالات فقدان الوعي.
وصف العديد ممن كانوا على حافة الموت تجربتهم ما بين شعورٍ بالرهبة وآخر بالنعيم، بالإضافة إلى الشعور بنفور بسبب
عودتهم إلى أجسامهم مرة أخرى عندما يعودون إلى الوعي، وقد استضاف كاتب المقال طبيبة المخ والأعصاب الدكتورة
جيل بولت تايلور التي مرّت بهذه التجربة خلال إصابتها بالسكتة الدماغية، التي وصفتها في كتابها
My Stroke Of Insight.
والأمر لا يتعلق بالوعي، إذ كنت واعية طوال تلك التجربة، الأمر يتعلق فقط بالقدرة على إدراك الواقع المحيط، ففي مراحل معينة فقط كنت أستطيع أن أستحضر تفاصيلًا عن العالم المحيط بي، أو أدرك أنه موجود أصلًا
ونستنتج أن حاسة السمع هي آخر الحواس وجودًا قبل الموت، وأن رعب الاحتضار قد يُستبدل بشعور ممتع، وقد يكون هذا عاملًا مساعدًا لجلب الطمأنينة في أثناء الاحتضار. ربما سيخفف حضور كلماتك المريحة في الساعات الأخيرة -سواء بحضورك شخصيًا أو افتراضيًا- على المحتضرين أحبائك. وتقول الدكتور إليزابيث بلوندون: «بما أن حاسة السمع هي آخر الحواس التي يفقدها الإنسان، فعلينا أن نظل جوار أحبتنا المحتضرين وأن نتحدث إليهم أطول وقت ممكن».
المصدر
نرى في حياتنا مَن هم على فراش الموت، وأحباءهم جالسين جوارهم يهمسون في آذانهم كلمات مطمئنة إلى أن تعلن أجهزة المستشفى رحيلهم. لا نعلم حقيقةً ما يحدث في اللحظات الأخيرة من حياتنا، لكن الحدس بداخلنا يدفعنا إلى الحديث إلى أحبائنا في تلك اللحظات، حتى إن كانوا لا يستجيبون لما نقول؛ ظنًا منا أنهم يشعرون بنا وبما نقول. وتوضح الدراسات الأخيرة في علم الأعصاب أن حدسنا قد يكون صحيحًا.
يمر المرء بحالة من عدم الاستجابة للبيئة المحيطة في ساعاته الأخيرة -في حالة الموت الطبيعي المتوقع كما في حالة كبار السن-. في تقارير عن قصص أولئك الذين كانوا أقرب ما يكون من الموت، قيل إنهم كانوا يسمعون ضوضاء غير عادية، أو يسمعون إعلان وفاتهم.
استطاع علماء الأعصاب بجامعة كولومبيا البريطانية، لأول مرة، إثبات قدرة المحتضرين على سماعنا حتى وإن كانوا في حالة عدم الاستجابة للبيئة المحيطة بإجراء تخطيط كهربية الدماغ (EEG)، خلال دراسة نشرت في شهر يونيو الفائت في مجلة Scientific Reports، قاست الدراسة النشاط الكهربي لأدمغة المصابين في مستشفى سان جون، قبل وبعد دخولهم في مرحلة عدم الاستجابة، وقيس أيضًا النشاط الكهربي لأدمغة مجموعة من شباب أصحاء وصغار السن فيما يعرف بالمجموعة المرجعية -مجموعة تُستخدم ضمن التجارب للمقارنة-، ووُجد أن الاستجابة السمعيّة في أدمغة المحتضرين هي ذاتها في أدمغة الشباب الأصحاء، ما يدل على أن أدمغة المحتضرين تستجيب للمؤثرات الصوتية حتى في حالات فقدان الوعي.
وصف العديد ممن كانوا على حافة الموت تجربتهم ما بين شعورٍ بالرهبة وآخر بالنعيم، بالإضافة إلى الشعور بنفور بسبب
عودتهم إلى أجسامهم مرة أخرى عندما يعودون إلى الوعي، وقد استضاف كاتب المقال طبيبة المخ والأعصاب الدكتورة
جيل بولت تايلور التي مرّت بهذه التجربة خلال إصابتها بالسكتة الدماغية، التي وصفتها في كتابها
My Stroke Of Insight.
- تايلور: لقد كان الفصّ الأيمن من دماغي يترنح ما بين الوعي وفقدانه، في حين كان الفصّ الأيسر يعاني من نزيف حاد نمى بوتيرة هائلة خلال الساعات الأربع هذه. وبوصولي إلى المستشفى، كان النزيف بحجم قبضة اليد. كنت في حالة ابتهاج ممتعة طوال النهار، وبعدها استطعت أن أعود للواقع لطلب المساعدة، كانت حالةً من الإدراك والجهل بالواقع المحيط بك.
والأمر لا يتعلق بالوعي، إذ كنت واعية طوال تلك التجربة، الأمر يتعلق فقط بالقدرة على إدراك الواقع المحيط، ففي مراحل معينة فقط كنت أستطيع أن أستحضر تفاصيلًا عن العالم المحيط بي، أو أدرك أنه موجود أصلًا
- المُضيف: ألم تشعري بالخوف حينها؟
- تايلور: لم أشعر بالخوف قط؛ كان الفص الأيمن في حالة من السعادة، والفص الآخر مشغولًا بمحاولة اكتشاف طريقة لإنقاذي مما أنا فيه.
- المضيف: كيف غيرت تلك السكتة الدماغية من نظرتك للحياة؟ أو إذا صحّ السؤال، هل غيرت أصلًا من نظرتك للحياة؟
- تايلور: بالطبع، حين أصبحت -رغم أنني كنت في كامل وعيي- منفصلةً تمامًا عن العالم، علمت أنني لست محور الكون، وأن الحياة لا ترتكز عليَّ “أنا وفقط أنا”. تغيّرت نظرتي للحياة من كونها مرتكزةً عليّ، إلى كوني جزء من الجنس البشري، ولديّ دوري الخاص في هذا الكيان، وأنني في حالة تقدم دائمة. لقد تغيرت تلك النظرة السطحية للعالم وعلاقتي به، وأصبحت أكثر انفتاحًا وتقبلًا لتلك الاحتمالات حول ما أنا عليه، والأصلح والأنسب بالنسبة لي.
- المضيف: أصحيح أن ما مررت به من تجارب مهنية وشخصية، عزز اعتقادك بأن الذات الحقيقية أو الفص الأيمن هو نصف الدماغ الذي يصمد حتى عند الموت؟
- تايلور: أؤمن وبشدة أن الذات الحقيقية هي التي تظهر خلال الرمق الأخير ونحن نجلس على فراش الموت، حينها نلقي بعيدًا بتجاربنا وكل ما يتعلق بالعالم الخارجي، فلم يعد لهم أي أهمية، ما يهم في لحظات كهذه هو ماهيتنا بوصفنا بشرًا، وما فعلناه في حياتنا لمساعدة الآخرين، الأمر أشبه بيوم الحساب، لكنه لا يتعدى كونه حسابًا منّا لأنفسنا. أما أولئك حبيسي الأحكام السطحية لم يتمهلوا كفاية للتفكير في جوهرنا بمثابة جنس بشري وما يمكن أن نكون عليه عند ترابطنا مع بعضنا.
ونستنتج أن حاسة السمع هي آخر الحواس وجودًا قبل الموت، وأن رعب الاحتضار قد يُستبدل بشعور ممتع، وقد يكون هذا عاملًا مساعدًا لجلب الطمأنينة في أثناء الاحتضار. ربما سيخفف حضور كلماتك المريحة في الساعات الأخيرة -سواء بحضورك شخصيًا أو افتراضيًا- على المحتضرين أحبائك. وتقول الدكتور إليزابيث بلوندون: «بما أن حاسة السمع هي آخر الحواس التي يفقدها الإنسان، فعلينا أن نظل جوار أحبتنا المحتضرين وأن نتحدث إليهم أطول وقت ممكن».
المصدر