علم المناعة ، كيف تحيا و تترك غيرك يعيش ؟

علم المناعة ، كيف تحيا و تترك غيرك يعيش ؟ Vb10

تتمثل المهمة الأساسية لجهاز المناعة في تمييز الأنسجة الخاصة بالجسم ذاته ومابين العوامل المُمْرِضة التي تغزو هذا الجسم.

ومن أجل تفعيل قدرته المدمرة تجاه الأهداف المناسبة، يجب على جهاز المناعة أن يكون قادرًا على التمييز بين ماهو صديق للجسم وماهو عدو له، مما يشكل تحديًا خاصًا للخلايا المناعية التي ترتبط مع البطانة الظهارية للأمعاء.

إذ أن هذه الخلايا تكون معرضة للبكتيريا الطبيعية المتواجدة في الأمعاء والتي تلعب دورًا هامًا من الناحية الفسيولوجية.

وبالتالي يجب أن يُمنع جهاز المناعة بطريقة أو بأخرى من مهاجمة هذه البكتيريا على الرغم من أنها لا تقع ضمن فئة “الأنسجة الخاصة بالجسم”.

لقد سمح التعاون الألماني-الإيطالي في مجال الأبحاث بالكشف عن إحدى الآليات أن تساعد في الحفاظ على هذا التوازن ضمن الأمعاء.

هذا المشروع هو بقيادة البروفيسور توماس بروكر Thomas Brocker مدير معهد علم المناعة في جامعة LMU في ألمانيا.

إن الخلايا التي يطلق عليها اسم الخلايا الشُجيرية (dendritic cells or DCs) تلعب دورًا رئيسيًا في الحفاظ على هذا التوازن الحيوي.

إذ تملك الخلايا الشُجيرية مهمتين فيسيولوجيتين متميزتين، فعند الإصابة بالعدوى فإن هذه الخلايا تعتبر ضرورية لتفعيل الاستجابة المناعية، ولكنها تشارك أيضًا في تعزيز ظاهرة التحمل المناعي، أي أنها قادرة على تثبيط الاستجابة المناعية.

وضمن هذا السياق، فإن الخلايا الشُجيرية تتصرف كخلايا محاربة وكدبلوماسية في الوقت ذاته!

إذ أنها تُحفز الخلايا التي يطلق عليها اسم الخلايا التائية المُنظِّمة والمُحفِّزة والتي تُعرف اختصارًا بـ (iTregs) والتي تتحكم بتطور عملية التحمل المناعي وتمنع عملية تفعيل الجهاز المناعي.

ومن أجل تفعيل عملية التحمل المناعي ضد ميكروفلورا الأمعاء، تقوم الخلايا الشُجيرية الموجودة في ظهارة الأمعاء بالتعرف على البروتينات البكتيرية وتحييدها ومن ثم تهاجر إلى العقد اللمفاوية المرتبطة بالأمعاء.

وفي طريق هجرتها، يتم تحويل البروتينات البكتيرية إلى قطع صغيرة. بعد ذلك تُعرض هذه القطع على سطح الخلايا الشُجيرية بالمشاركة مع بروتينات رابطة معينة والتي تتعرف عليها الخلايا التائية المُنظِّمة.

إن هذا التفاعل يوجه خلايا iTregs لكي تثبط الاستجابة المناعية ضد البروتينات التي تتكون من هذه القطع.

يقول البروفيسور بروكر: «نعتقد أن خلايا iTregs تعتبر نوعية تجاه البروتينات التي تنتجها بكتيريا الأمعاء الطبيعية».

إن الخلايا الشُجيرية – وخاصة تلك التي تحمل بروتين يعرف باسم CD103+ على سطحها – تهاجر إلى العقد اللمفاوية قادمة من ظهارة الأمعاء، وهي بذلك تُبقي الجهاز المناعي محدّثًا باستمرار فيما يخص تركيب ميكروفلورا الأمعاء.

لقد أراد الباحثون معرفة كيفية تحفيز ظاهرة التحمل في الحالات الطارئة.

وقد بدأوا بالتعرف على جزيئة إشارة معروفة على نطاق واسع وهي CD40 واعتبرت بمثابة زر الإنذار.

إن جزيئة الـ CD40 عبارة عن مستقبل ثاني يوجد على سطوح الخلايا الشُجيرية، ولكن التفاعل ما بين الـ CD40 والخلايا التائية التي ترتبط معها يؤدي إلى تحويل الخلايا الشُجيرية الدبلوماسية إلى خلايا محاربة بهدف إطلاق الاستجابة المناعية عوضًا عن تثبيطها.

وقد أظهر الباحثون آثار عملية التحول تلك باستخدام نموذج حيواني. لدى الفئران التي نُشطت فيها عملية التحويل لجزيئات CD40 بشكل دائم، أُصيبت بالتهاب قولون حاد ولكنها لم تظهر أي أعراض أخرى.

ولا تزال تلك الخلايا الشُجيرية قادرة على الهجرة من ظهارة الأمعاء إلى العقد اللمفاوية.

ولكن بمجرد وصولها، تخضع لعملية الموت الخلوي المبرمج (apoptosis) وبالتالي تصبح غير قادرة على إنذار الخلايا التائية المُنظِّمة لضمان الحفاظ على عملية التحمل المناعي للبروتينات المشتقة من ميكروفلورا الأمعاء.

وكنتيجة لذلك، يتم تفعيل استجابة مناعية عامة، وتهاجر الخلايا اللمفاوية التائية إلى ظهارة الأمعاء حيث تعمل على تحريض حدوث الالتهاب.

وفي حال عولجت هذه الفئران بالمضادات الحيوية التي تسبب القضاء على البكتيريا الطبيعية الموجودة في الأمعاء، فإن الالتهاب ينحسر وتعيش هذه الفئران.

ويستنتج بروكر قائلا: «تظهر هذه النتائج أن التفاعل ما بين الخلايا الشجيرية الحاوية على CD103 ومابين الخلايا التائية المنظمة يعتبر أمرًا أساسيًا في الحفاظ على التوازن المناعي الصحيح ضمن الأمعاء».

ويخطط بروكر مع زملائه بهدف توضيح فيما إذا كانت الخلايا التائية المنظمة المبرمجة بطريقة صحيحة تعتبر نوعية تجاه الأنواع المختلفة للبكتيريا المعوية كما تقترح الدراسة الحالية.

المصطلحات:

1- الميكروفلورا (microflora) أو ما يعرف بـ (gut flora or gut microbiota): هي مجموعة معقدة
من الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش في الجهاز الهضمي للإنسان والحيوانات الأخرى بما في ذلك الحشرات.

المصدر الأول

المصدر الثاني