العزلة الإجبارية لمكافحة فيروس كورونا: صراع بين حقوق الإنسان والصحة العامة
يعتبر العزل أهم استراتيجية لاحتواء فيروس كورونا المستجد، لكن يصادفنا سؤال قانوني مهم حول ما إذا كان العزل- سواءً في المنزل أو في المستشفى- إجباريًا، وما هي العواقب المترتبة على من يرفض الامتثال لتدابير العزل؟
قُدّم جواب صارم في إنجلترا في العاشر من شهر فبراير/شباط الماضي، حين استحدثت الحكومة قانونًا جديدًا لكبح تفشي فيروس كورونا، ويسمح تشريع الطوارئ هذا حاليًا بالاحتجاز القانوني لأي شخص يُشتبه بنحو معقول بأنه يشكل خطرًا على إصابة غيره بالمرض.
يمكن احتجاز الأشخاص لغرض الكشف عن الفيروس، بما في ذلك جمع المعلومات الشخصية الصحية والعينات البيولوجية، وعزلهم عن الآخرين، ويصدر الإذن بالاحتجاز من قبل وزير الصحة أو أحد مسؤولي الصحة في الحكومة لمدة تتراوح بين 24 ساعة و 14 يومًا، مع إمكانية التمديد لمتابعة عملية المراقبة.
وفي خطوة غير مسبوقة، يستحدث هذا القانون أيضًا جرائم جنائية جديدة لمن لا يمتثل من المواطنين لأوامر الاحتجاز، كفراره من مكان العزل أو الإدلاء بمعلومات كاذبة أو مضللة أو عرقلة أداء مسؤولي الصحة العامة لواجباتهم، ويسمح للشرطة اليوم باستخدام القوة -في حدود المعقول- لتطبيق هذه القواعد لصالح السلامة العامة.
يتعين على المواطنين بموجب هذا القانون تزويد الدولة بعينات بيولوجية متى طُلب منهم ذلك.
قاسٍ وعدواني
وتجدر الإشارة إلى نقاط هامة تتعلق بإجراءات الاحتجاز والعزل، أولًا، ليست إنجلترا الدولة الوحيدة التي اعتمدت هذه التدابير، فقد طُبّقت إجراءات مماثلة في كل من الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، وأستراليا.
ثانيًا، يُنظر لهذه الإجراءات كتدابير وقائية، ففي المقام الأول يُشجَّع الناس على الامتثال طوعًا لكل توصيات الصحة العامة.
ثالثًا، استخدام هذه الصلاحيات منوط بمدى ضرورتها وتناسبها مع مخاطر انتقال الفيروس وانتشاره في مختلف أنحاء البلاد، وهذا يعني أنه عندما ينخفض خطر التفشي رسميًا، أو بالمقابل، يرتفع انتشار الفيروس ليطال أعدادًا كبيرةً جدًا من الناس، فإن هذه الإجراءات والصلاحيات تصبح غير ضرورية وزائدة عن اللزوم.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن أي إجراءات أو صلاحيات تحتجز الناس بشكل إجباري وتجبرهم على مشاركة معلومات صحية هي في الحقيقة تتعارض مع أبسط حقوق الإنسان: الحق في الحرية والحق في الخصوصية.
لا تعتبر أي من هذه الإجراءات ثابتة أو حاسمة، ما يعني أن هناك استثناءات قانونية معترفًا بها، وتشمل منع انتشار الأمراض المعدية وحماية الصحة العامة، وفي حال تعارض أي من إجراءات الدولة مع هذه الحقوق، لا بد من ممارستها -أي الإجراءات- بشكل صارم وموافق للقانون بشفافية وبشكل مناسب لتحقيق أهداف هذه القوانين، من حق الخاضع لهذه القيود الطعن في قرار احتجازه.
من حيث المبدأ، تحترم القوانين الجديدة في إنجلترا هذه الشروط، فعند التطبيق العملي، يجب أن يتبع استخدام القيود شرطين: أولًا، يجب أن ترتكز ممارسة الإجراءات على أحدث وأفضل الأدلة العلمية المتوفرة، وهذا يتطلب تعاونًا خاصًا ووثيقًا مع مختصي وخبراء الصحة العامة داخل الدولة وخارجها من أجل فهم العوامل بشكل تام ودقيق مثل فترة حضانة الفيروس، المخاطر المعروفة لانتقاله، وكيفية النجاح في إدارة عملية العلاج من الفيروس نفسه.
ثانيًا، يجب احترام حقوق ورفاهية الأشخاص المحتجزين، ويشمل ذلك الحفاظ على خطوط تواصل واضحة، والاستماع إلى هواجس هؤلاء الناس، ودائما تفضيل أقل التدابير تقييدًا للسيطرة على خطر انتقال العدوى، ويعني ذلك أيضًا إدراك أن المحتجزين معرضون بطبيعتهم للخطر، ليس فقط من الناحية الطبية، بل أيضًا من ناحية التداعيات الاجتماعية والعاطفية الناتجة عن تصنيفهم كخطر محتمل على الصحة العامة.
وقد أتاحت الحكومة إجرائات هي بطبيعتها من بين أكثر التدابير قسوةً وعدوانيةً يمكن أن تتخذها دولة بحق مواطنيها. ومن المهم أن يوازن أولئك الذين يمارسون الإجراءات الإلزامية بشكل حساس ودقيق بين مصالح الأغلبية وحقوق الأقلية.
ما سيحدث بعد ذلك حول إدارة الدولة لموضوع فيروس كورونا أمر بالغ الأهمية، سواء لاحتواء وباء ضار، أو لوضع معايير طويلة الأمد لحقوق الإنسان في مجال الصحة العامة.
المصدر
يعتبر العزل أهم استراتيجية لاحتواء فيروس كورونا المستجد، لكن يصادفنا سؤال قانوني مهم حول ما إذا كان العزل- سواءً في المنزل أو في المستشفى- إجباريًا، وما هي العواقب المترتبة على من يرفض الامتثال لتدابير العزل؟
قُدّم جواب صارم في إنجلترا في العاشر من شهر فبراير/شباط الماضي، حين استحدثت الحكومة قانونًا جديدًا لكبح تفشي فيروس كورونا، ويسمح تشريع الطوارئ هذا حاليًا بالاحتجاز القانوني لأي شخص يُشتبه بنحو معقول بأنه يشكل خطرًا على إصابة غيره بالمرض.
يمكن احتجاز الأشخاص لغرض الكشف عن الفيروس، بما في ذلك جمع المعلومات الشخصية الصحية والعينات البيولوجية، وعزلهم عن الآخرين، ويصدر الإذن بالاحتجاز من قبل وزير الصحة أو أحد مسؤولي الصحة في الحكومة لمدة تتراوح بين 24 ساعة و 14 يومًا، مع إمكانية التمديد لمتابعة عملية المراقبة.
وفي خطوة غير مسبوقة، يستحدث هذا القانون أيضًا جرائم جنائية جديدة لمن لا يمتثل من المواطنين لأوامر الاحتجاز، كفراره من مكان العزل أو الإدلاء بمعلومات كاذبة أو مضللة أو عرقلة أداء مسؤولي الصحة العامة لواجباتهم، ويسمح للشرطة اليوم باستخدام القوة -في حدود المعقول- لتطبيق هذه القواعد لصالح السلامة العامة.
يتعين على المواطنين بموجب هذا القانون تزويد الدولة بعينات بيولوجية متى طُلب منهم ذلك.
قاسٍ وعدواني
وتجدر الإشارة إلى نقاط هامة تتعلق بإجراءات الاحتجاز والعزل، أولًا، ليست إنجلترا الدولة الوحيدة التي اعتمدت هذه التدابير، فقد طُبّقت إجراءات مماثلة في كل من الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، وأستراليا.
ثانيًا، يُنظر لهذه الإجراءات كتدابير وقائية، ففي المقام الأول يُشجَّع الناس على الامتثال طوعًا لكل توصيات الصحة العامة.
ثالثًا، استخدام هذه الصلاحيات منوط بمدى ضرورتها وتناسبها مع مخاطر انتقال الفيروس وانتشاره في مختلف أنحاء البلاد، وهذا يعني أنه عندما ينخفض خطر التفشي رسميًا، أو بالمقابل، يرتفع انتشار الفيروس ليطال أعدادًا كبيرةً جدًا من الناس، فإن هذه الإجراءات والصلاحيات تصبح غير ضرورية وزائدة عن اللزوم.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن أي إجراءات أو صلاحيات تحتجز الناس بشكل إجباري وتجبرهم على مشاركة معلومات صحية هي في الحقيقة تتعارض مع أبسط حقوق الإنسان: الحق في الحرية والحق في الخصوصية.
لا تعتبر أي من هذه الإجراءات ثابتة أو حاسمة، ما يعني أن هناك استثناءات قانونية معترفًا بها، وتشمل منع انتشار الأمراض المعدية وحماية الصحة العامة، وفي حال تعارض أي من إجراءات الدولة مع هذه الحقوق، لا بد من ممارستها -أي الإجراءات- بشكل صارم وموافق للقانون بشفافية وبشكل مناسب لتحقيق أهداف هذه القوانين، من حق الخاضع لهذه القيود الطعن في قرار احتجازه.
من حيث المبدأ، تحترم القوانين الجديدة في إنجلترا هذه الشروط، فعند التطبيق العملي، يجب أن يتبع استخدام القيود شرطين: أولًا، يجب أن ترتكز ممارسة الإجراءات على أحدث وأفضل الأدلة العلمية المتوفرة، وهذا يتطلب تعاونًا خاصًا ووثيقًا مع مختصي وخبراء الصحة العامة داخل الدولة وخارجها من أجل فهم العوامل بشكل تام ودقيق مثل فترة حضانة الفيروس، المخاطر المعروفة لانتقاله، وكيفية النجاح في إدارة عملية العلاج من الفيروس نفسه.
ثانيًا، يجب احترام حقوق ورفاهية الأشخاص المحتجزين، ويشمل ذلك الحفاظ على خطوط تواصل واضحة، والاستماع إلى هواجس هؤلاء الناس، ودائما تفضيل أقل التدابير تقييدًا للسيطرة على خطر انتقال العدوى، ويعني ذلك أيضًا إدراك أن المحتجزين معرضون بطبيعتهم للخطر، ليس فقط من الناحية الطبية، بل أيضًا من ناحية التداعيات الاجتماعية والعاطفية الناتجة عن تصنيفهم كخطر محتمل على الصحة العامة.
وقد أتاحت الحكومة إجرائات هي بطبيعتها من بين أكثر التدابير قسوةً وعدوانيةً يمكن أن تتخذها دولة بحق مواطنيها. ومن المهم أن يوازن أولئك الذين يمارسون الإجراءات الإلزامية بشكل حساس ودقيق بين مصالح الأغلبية وحقوق الأقلية.
ما سيحدث بعد ذلك حول إدارة الدولة لموضوع فيروس كورونا أمر بالغ الأهمية، سواء لاحتواء وباء ضار، أو لوضع معايير طويلة الأمد لحقوق الإنسان في مجال الصحة العامة.
المصدر