بروتين مناعي يمنع عدوى كوفيد-19 الشديدة

بروتين مناعي يمنع عدوى كوفيد-19 الشديدة F0070210

الوقت عامل مهم في معركة النظام المناعي ضد الفيروسات، خاصة في الحالات الشديدة والمميتة من مرض كوفيد-19. إذ تقترح العديد من الدراسات التي أُجريَت على الاستجابة المناعية لفيروس كورونا المستجد سارس-كوف-2 أن عامل الوقت مهم جدًا في علاج مُحتمَل للمرض يعتمد على مجموعة من البروتينات يُطلَق عليها اسم الإنترفيرون.

إذ تكبح هذه البروتينات المناعية عملية نسخ الفيروس لنفسه في مراحل المرض المبكرة. لكن يرى بعض العلماء أن الوجود النشِط لهذه البروتينات في مراحل لاحقة يفاقم الالتهاب وقد يتسبب بوضع مرضى كوفيد-19 على أجهزة التنفس الاصطناعي للحفاظ على حياتهم.

يصف اختصاصي المناعة من معهد كوريا المتقدم للعلوم والتكنولوجيا إيوي-تشول شين بروتينات الإنترفيرون بأنها: «سلاح ذو حدين».

درس الباحثون هذين الحدين، فعندما كان شين يجري أبحاثه على التهاب الكبد الفيروسي سي منذ نحو عقد من الزمن، كانت بروتينات الإنترفيرون تُستخدَم علاجًا معياريًا لكن الفحوصات التي أُجريَت على بعض المصابين اقترحت وقف تطبيق العلاج.

بروتين مناعي يمنع عدوى كوفيد-19 الشديدة Oio10
نموذج جزيئي ثلاثي الأبعاد للإنترفيرون ألفا الذي تنتجه كريات الدم البيضاء وله دور في الاستجابة المناعية الفطرية ضد العدوى الفيروسية.

إذ وجد الباحثون في باريس على سبيل المثال أن الأعداد الكبيرة من هذه البروتينات قد تؤدي إلى مرض يُعرَف باسم مرض الإنترفيرون عند الأطفال. إذن فلبروتينات الإنترفيرون تأثيرات سلبية وإيجابية. ولو استطاع العلماء تحديد التوقيت المناسب لاستخدامها والكمية الصحيحة منها لأصبح لها دور مضمون وحاسم في علاج مرض كوفيد-19.

حلّل الباحثون في باريس عينات دم مأخوذة من 50 شخصًا مصابًا بدرجات متفاوتة من كوفيد-19 و18 عينة دموية أُخِذت من أشخاص أصحاء للمقارنة. تبيّن أن المرضى الذين عانوا حالات شديدة من الإصابة كان لديهم عدد أقل من الخلايا اللمفاوية. استخدم الباحثون بعض التقنيات لتحليل النشاط الجيني واسع النطاق وقياس بروتينات محددة، وقد برز نوعان من النتائج: النوع الأول عانى فيه المصابون بحالات متأخرة من كوفيد-19 استجابات التهابية حادة مقارنة بالمصابين بحالات أخف من المرض ورافق ذلك انخفاض ملحوظ في بروتينات الإنترفيرون، أما النوع الثاني من النتائج فقد لوحظ عند الحالات شديدة التأخر من المرض فقد كان عوز الإنترفيرون أشد عند المرضى الذين توفوا مقارنة بأولئك الذين استقرت حالتهم، بحسب تقرير نشره فريق البحث في مجلة Science.

استخدم شين وزملاؤه في دراسة جديدة أخرى، تسلسل الحمض النووي الريبوزي أحادي الخلية لتحليل النشاط الجيني في الخلايا المناعية، وحللوا عينات دم أُخذت من 8 مرضى بكوفيد-19 حالاتهم متوسطة أو خطيرة و4 متبرعين أصحاء و5 مصابين بحالات شديدة من الإنفلونزا، وجمعوا أكثر من 59,000 خلية.

استخدم الباحثون خوارزميات الحاسوب لمقارنة الحمض النووي الريبوزي في الخلايا المنفردة، وتوقّعوا أن تتوزع أنماط النتائج بحسب نوع الخلية؛ أي أن تتشابه الخلايا التائية في الشكل -وهي الخلايا اللمفاوية المسؤولة عن الاستجابة المناعية والقضاء على مسببات الأمراض التي تغزو الجسم- سواء كانت من مرضى كوفيد-19 أو من مرضى الإنفلونزا، لكن بدلًا من ذلك تشابهت الخلايا بحسب المرض، فلم تشبه الخلايا التائية المأخوذة من مرضى كوفيد-19 الخلايا التائية المأخوذة من مرضى الإنفلونزا، بل كان شكلها أقرب إلى خلايا كوفيد-19 البائية بحسب شين.

دفعت هذه الملاحظات المثيرة شين وفريقه للبحث عن جزيئات قد تعمل وسيطًا مشتركًا يؤثر في مختلف الخلايا المناعية. وبمقارنة مرتسمات النشاط الجيني لاحظ الباحثون في البداية وجود اختلاف بين الخلايا المناعية المأخوذة من مرضى كوفيد-19 وخلايا مرضى الإنفلونزا، إذ أظهرت الخلايا المأخوذة من مرضى الإنفلونزا نشاطًا أعلى للجينات التي تنظم عملها بروتينات الإنترفيرون، بينما سادت الجينات الالتهابية المأخوذة مما يُسمى «عامل نخر الورم TNF» و«الإنترلوكين-1-بيتا» في الخلايا المأخوذة من مرضى كوفيد-19، ثم قارنوا بين عينات الحالات المتوسطة والخطيرة من كوفيد-19 وركزوا على مجموعة محددة من الخلايا المناعية تُسمى خلايا الوحيدات.

وجدوا في حالات الإصابة الشديدة أن خلايا الدفاع الأولى هذه يزيد نشاطها في الجينات المحفَّزة بالإنترفيرون إضافةً إلى الجينات الالتهابية التي يفعّلها كل من عامل نخر الورم والإنترلوكين-1-بيتا، بينما اقتصرت عينات الحالات المتوسطة من كوفيد-19 على جينات مفعَّلة بعامل نخر الأورام والإنترلوكين-1-بيتا فقط.

يبدو للوهلة الأولى وجود تناقض بين نتائج الدراستين الكورية والفرنسية. فبحسب الدراسة الفرنسية توجد استجابة إنترفيرون أقل في الحالات الشديدة من كوفيد-19 بينما توصلت الدراسة الكورية -التي أجراها شين وزملاؤه- إلى أن الإنترفيرون يصبح أكثر نشاطًا في حالات كوفيد-19 الشديدة. وقد يكون سبب الاختلاف بين الدراستين التقنيات المُستَخدَمة والتوقيت. فقد حلل الباحثون الفرنسيون الحمض النووي الريبوزي الموجود في عينات تحتوي خليطًا من الخلايا المناعية، في حين درس الفريق الكوري الجنوبي تسلسل الحمض النووي الريبوزي في خلايا منفردة ولاحظوا اختلافات الإنترفيرون في خلايا الوحيدات.

يفسر شين ذلك بأن خلايا الوحيدات لم تزد نسبتها عن 10% من مجموع خلايا يساوي بدوره 10% من خلايا الدم البيضاء، وقد تكون الخلايا الأخرى الموجودة في العينات التي حللها العلماء الفرنسيون قد حجبت إشارة خلايا الوحيدات.

من ناحيةٍ أخرى، تنتج العديد من الخلايا المناعية الإنترفيرون، ويُفتَرض أنها تتأثر بالبروتينات. لكن دراسة الفريق الكوري ركزت فقط على تأثير الإنترفيرون في خلايا الوحيدات. يقول بينجامين تيريير رئيس فريق البحث الفرنسي: «هل يؤثر تغيير خلية صغيرة واحدة في نظام المناعة كله؟ إن التنبؤ بذلك صعب حقًا».

يقول رودراغودا شانابانفار عالم المناعة الفيروسية في مركز علوم الصحة بجامعة تينيسي ولم يكن من المشاركين في الدراستين الجديدتين: «استجابة الإنترفيرون معقدة بعض الشيء، فهي تحمي الجسم من العدوى بتثبيط عملية نسخ الفيروس لنفسه، لكن الفيروسات ذكية فلديها الكثير من البروتينات القادرة على إيقاف استجابة الإنترفيرون المبكرة» ومن بروتينات الدفاع التي يستخدمها فيروس سارس-كوف-2 بروتين فيروسي يسمى Nsp1، يسبب وقف إنتاج الخلية المضيفة للجزيئات المناعية ومن ضمنها الإنترفيرون، بحسب تقرير نشره باحثون من ميونيخ في مجلة Science في 17 يوليو.

حلّل شانابانفار في دراسة سابقة بالتعاون مع سانلي بيرلمان من جامعة آيوا نماذج أُخِذت من فئران لفيروسات كورونا المسببة للمتلازمة التنفسية الحادة الشديدة سارس، ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية ميرس.

يقول شانابانفار: «أظهرت الدراسة أنه عندما تبدأ استجابة الإنترفيرون قبل وصول عملية نسخ الفيروس إلى ذروتها تصبح لدى المريض مناعة تحميه من الفيروس، لكن إن تمكّنت الفيروسات من تثبيط الدفاعات المضادة للفيروس تصبح استجابة الإنترفيرون المتأخرة مسببة للمرض لأنها تستدعي كميات كبيرة من خلايا الوحيدات التي تفرز كميات كبيرة من الجزيئات الالتهابية وتسبب تلفًا في الأنسجة، المفتاح في ذلك هو توقيت إفراز الإنترفيرون بالنسبة لعملية نسخ الفيروس».

تشير النتائج العلاجية إلى أن للإنترفيرون دورًا مهمًا في المراحل الأولى من العدوى. تقول مريم مراد مديرة معهد علم المناعة الدقيقة في مدرسة طب ماونت سيناي: «عند إعطاء الإنترفيرون مبكرًا نزيد من الاستجابة المضادة للفيروسات ونحصل على أعلى استفادة من الإنترفيرون، لكن إعطاءه لمريض كوفيد-19 مصاب بالالتهاب يزيد حالته سوءًا».

حمت قطرات الإنترفيرون الأنفية -في دراسة صينية لم تُنشَر بعد- أفراد الطواقم الطبية المعرضين لخطر الإصابة بالعدوى في أثناء علاجهم مصابي كوفيد-19.

وتشير بيانات مُبكِّرة لم تُنشَر أيضًا لمرضى كوفيد-19 المُعالَجين في مستشفيات المملكة المتحدة إلى أن استنشاق المرضى للإنترفيرون مباشرة في الرئتين قد قصَّر مدة بقائهم في المستشفى وزاد من نسب شفائهم. وتختبر تجربة مُعشّاة في إيران أيضًا دور البروتينات في تعزيز نظام علاجي يستهدف الحالات المتوسطة والمتأخرة لمرضى كوفيد-19.

المصدر