الجراد في شرق أفريقيا: خطر يتربص بالبلدان العربية

الجراد في شرق أفريقيا: خطر يتربص بالبلدان العربية Annota10

ليس فيروس كورونا البلاء الوحيد الذي أصاب شرق أفريقيا، فوسط الجائحة العالمية يواجه سكان هذه المنطقة تهديدًا شديد الخطورة يتربَّص بحياتهم وسبل عيشهم، هو الجراد. بدأت هذه الحشرات النهمة بحشد نفسها منذ سنة 2019 بعد واحدة من أكثر السنوات المُسَجَّلة رطوبةً، مُستغِلِّةً الظروف الجوية التي سمحت لها بالتكاثر جيلًا بعد جيل.

يطير الجراد في أسراب يصل عددها إلى التريليونات مدمِّرًا في طريقه المحاصيل الزراعية والمراعي في واحدة من أسوأ هجمات الجراد التي حلَّت على المنطقة منذ عقود، إذ تغزو أسرابه المناطق الممتدة من كينيا إلى إثيوبيا واليمن وصولًا إلى أجزاء من شمال الهند.

ورغم قلق البعض المُبرَّر من المجاعة والتداعيات الاقتصادية لموجة الجراد هذه، يرى عالم الحشرات دينو مارتينز فيها إنذارًا وجوديًا تطلقه الطبيعة، إذ قال في مقابلة حديثة مع صحيفة هارفارد جازيت: «مع كل الرعب والدمار اللذين تجلبهما أسراب الجراد هذه، توجد رسالة أعمق بكثير مضمونها أننا نغيِّر البيئة».

يعمل مارتينز في مركز إمبالا للبحوث في شمال كينيا، ويرى أن التدهور البيئي المحلي والرعي الجائر (الإفراط في استهلاك المراعي بالرعي المكثّف) وإزالة الغابات وتوسع الصحاري كلها عوامل قد شكلت ظروفًا مثالية لتكاثر المزيد من الجراد.

الجراد في شرق أفريقيا: خطر يتربص بالبلدان العربية Locust10

ظهرت أولى أسراب الجراد الكبرى أواخر العام الماضي، بعد طقس دافئ ورطب غير معتاد وبلغت أعداد الجراد وقتها مئات المليارات. ثم حلَّ شهر أبريل فانطلق الجيل الثاني من الجراد في أعداد تجاوزت التريليونات، ومن المُتوقع أن يظهر الجيل الثالث في شهر يوليو بأعداد أضخم أيضًا.

يتابع مارتينز في مقابلته مع هارفارد جازيت: «إن التواجد بين أسراب الجراد -خاصة وهي تهم بالطيران- تجربة لا تُصدَّق، إذ يتغيّر لون هذه الحشرات كلما كبرت، فيكون مائلًا إلى الوردي في الحشرات الصغيرة ويتغيّر إلى الأصفر في الحشرات البالغة. وعندما تبدأ بالطيران حولك ترى الكثير من الأجنحة الوردية والصفراء وتشم رائحةً خفيفةً أشبه برائحة الجوز بسبب الجراد المتطاير والطيور التي تتغذى عليه».

يُكافَح الجراد في أيامنا هذه برش المبيدات الحشرية من الطائرات المروحية، لكن هذه الطريقة مضرة بصحة البشر والبيئة. يتسبب التغير المناخي بانقلاب أنماط الطقس وهطول المزيد من الأمطار في هذه المنطقة، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة كبيرة في أعداد الجراد.

يرى ريك أوفرسون الذي يعمل في المبادرة العالمية للجراد التابعة لجامعة ولاية أريزونا في مقابلة مع الإذاعة الوطنية العامة الأمريكية أن الحلول المُتَّبعة حاليًا في مكافحة الجراد محدودة وستؤدي في النهاية إلى إرهاق مُتَّبعيها.

وقال: «يصعُب الحفاظ على التمويل والإرادة السياسية وبناء المعرفة والقدرات مع كل دورات الازدهار والانهيار غير المتوقعة والمتعاقبة للجراد التي قد تستمر سنوات أو عقود. نحتاج دون شك إلى التصدي لهجمات الجراد الشرسة في الوقت الراهن، لكن أهم من هذا، اتخاذ خطوات صغيرة وثابتة للوصول إلى بنية تحتية قوية وصلبة قادرة على مكافحة هذا النوع من الآفات على المدى البعيد. إن انتظرنا انتهاء الموجة ثم نسينا الموضوع إلى حين حدوثه مرة أخرى سنجد أنفسنا في هذا الوضع إلى الأبد».

عولِج إلى الآن أكثر من نصف مليون هكتار من أراضي هذه المنطقة بالمبيدات الحشرية، وبحسب منظمة الأغذية والزراعة «الفاو» فإن هذه العملية قد أنقذت ما يكفي من المحاصيل لإمداد نحو 8 ملايين شخص بحاجتهم الأساسية من الحبوب.

لكن معالجة هذه المساحات الشاسعة من الأراضي بالمبيدات الحشرية تشكل خطرًا كبيرًا على التنوع الحيوي، لأن هذه المبيدات لا تؤثر في الجراد فقط بل قد تتسبب بالأذى للحيوانات الأخرى. ومع ازدياد قلق المزارعين وسعيهم الحثيث لحماية محاصيلهم فهم يميلون إلى الإفراط في استخدام المبيدات.

قال عالم الكيمياء البيئية من معهد ماكس بلانك في ألمانيا بيل هانسون لموقع بلومبيرغ إنه يخشى أن تتسبب المبيدات الحشرية في القضاء على حشرات أخرى ضرورية مثل النحل.

ومع استمرار تقويض الأمطار الغزيرة لجهود مكافحة الجراد، طلب المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة «الفاو» «تشو دونغ يو» مزيدًا من الوقت والتعاون قائلًا: «حققنا مكاسب كثيرة، لكن المعركة طويلة وأسراب الجراد آخذة بالانتشار في مناطق جديدة، لا نستطيع القول إننا انتصرنا بعد، لأن القضاء على هذا العدد الهائل والمتضاعف من الجراد في أشهر قليلة أمر نادر الحدوث».

وحذَّر تشو من العواقب الوخيمة التي قد تسببها موجة الجراد مع جائحة كوفيد-19 على الأمن الغذائي والمعيشي لسكان المنطقة.

تواجه الأرجنتين أيضًا في النصف الآخر من العالم موجةً منفصلةً من أسراب الجراد الهائلة، وتهدِّد هذه الأسراب دول الباراغواي والأوروغواي والبرازيل، ويرى العلماء أن لهذه الموجة علاقة بالتغير المناخي أيضًا.

المصدر