ظاهرة الوقوف على الاطلال في العصر الجاهلي

ظاهرة الوقوف على الاطلال في العصر الجاهلي O_aiai10

الوقوف على الأطلال في العصر الجاهلي

انتشرت ظاهرة الوقوف على أطلال المحبوب أو المحبوبة في العصر الجاهلي بصورة ملفتة للنظر، حتى أنها أصبحت محطّ أنظار الأدباء والخبراء في ميادين الأدب، وخصوصًا في ميدان الشعر والشعراء، وتتلخص ظاهرة الوقوف على الأطلال بأن الشخص المُحب يذهب لزيارة المكان الذي كان يمثل موقع اللقاء أو مسكن أو موطن أو قبيلة المحبوب باستمرار، وتذكّر ما كان في الماضي بينهما من ذكريات ومحبة وأحاديث، حتى أن بعض المفسرين كانوا يرون في الوقوف على الأطلال على أنه أحد الطقوس الدينية الجاهلية، وأن هذا هو السبب الذي يقف وراء وضع الشعراء موقف الوقوف على الأطلال في مقدمة قصائدهم في العصر الجاهلي وفي تلك الفترة، كما أنه يعد السر الذي يقف وراء ثبات هؤلاء الشعراء على هذا المنهج، إذ كانت قصائدهم تتميّز بوجود ما يُعرف بالمقدمة الطللية التي كانت بمثابة المقدمة الموسيقية للسمفونيات في الموسيقى عمومًا، ويعد الشاعر المعروف أمرؤ القيس من أول الشعراء الذين استخدموا الشعر في الوقوف على الأطلال، إلا أن هذه المعلومة ما زالت غير مثبتة ولا يمكن الجزم بها، إذ أن امرؤ القيس كان قد ذكر في إحدى قصائده أن الشاعر القدير ابن خذام كان قد وقف على الأطلال من قبل امرؤ القيس، وربما يكون غيره من الشعراء قد سبقوا امرؤ القيس في الوقوف على الأطلال، كما يمكن أن يكون الوقوف على الأطلال في صورة الزمان وليس فقط المكان، إذ استخدم هذا الأسلوب الشاعر المعروف غازي القصيبي في قصيدته يومان.[١]

خصائص ظاهرة الوقوف على الأطلال

يعد الشعر العربي ديوان العرب، إذ أنه ارتحل واستمر مع العرب حتى قبل وصول الدين الإسلامي الحنيف إليهم، واستمر حتى هذا اليوم، وقد شرح بين أبياته ظروف العرب وطبيعة حياتهم الإنسانية منذ قديم الزمان، حيث يمثل الشعر منذ القديم التراث الإنساني لهم والذي يعد بالغ العظمة والأهمية، كنتاج لما في العقول الناضجة والرشيدة، والأفكار التي تتميز بالسداد، والعواطف الصادقة والنبيلة والفياضة، ولعل هذه هي الأسباب التي تقف وراء ثباته واستمراريته حتى هذا اليوم.[٢] ومن خصائص شعر الوقوف على الأطلال:[٣]

  • الدعوة إلى البكاء: إذ أن بين الأطلال والبكاء علاقة وطيدة؛ لأن في البكاء حزن واسترجاع لذكريات الفترات الماضية، فيكون في الوقوف على الأطلال دعوة إلى البكاء، ومن أشهر من استخدم هذه الطريقة هو الشاعر العظيم امرؤ القيس.

  • أنسنة المكان: أي تشبيه الأماكن بالإنسان من حيث الأحاسيس، بالإضافة إلى السعي نحو مخاطبة الحجارة والجمادات: إذ يضاف إلى الأماكن معانٍ ذات صبغة وجدانية، إضافة إلى بعض الصفات الإنسانية، حتى أن المكان يصبح بمثابة شخص له مكونات البشر من لحم ودم وأحاسيس، فيطرح السؤال على الأحجار مثلاً، وينتظر للحصول على الإجابة.

بدايات وأسباب هذه الظاهرة

توجد العديد من الأسباب التي تقف وراء انتشار ظاهرة الوقوف على الأطلال في الشعر، نذكر منها:[١]

  • الحنين الكبير الذي يجتاح صاحبه المُحب، والذي يبلغ مداه عند وجوده في ديار المحبوب، بعد أن يكون المحبوب قد غادر تلك الأماكن، إذ أن الوقوف في أو أمام تلك الأماكن دون وجود المحبوب فيها، ويشعل في قلب المُحب المفارق لمحبوبه مشاعر الحنين الجيّاشة والقوية، وخاصة في البيئة العربية الصحراوية التي كانت تجبر الناس على الترحال من مكان لآخر بحثًا عن الماء والعشب، ومن الجدير بالذكر أن مكان اجتماع الناس عند غدير الماء كان يسمى بالخليط، إذ يبدأ الشعور بالاشتياق لدى بعض الشعراء بعد أن يُغادر الناس الخليط، ومنهم ابن الغدير وجرير والشاعر بن حري.

  • بالإضافة إلى ما كان يحدث من بُعد عن ديار المحبوب والاشتياق الشديد لها في حياة الغربة أو حتى وفاة المحبوب، إذ أن الشعر في هذه الحالة يمتزج مع مشاعر الألم والحزن والشوق الشديد لدى الشاعر، وبالتالي فإن ذلك أحدث الكثير من الانعكاسات لدى الشعراء، وأهم هذه الانعكاسات أن الشعراء في العصر الجاهلي كانوا يبدؤون قصائدهم وأشعارهم بالوقوف على الأطلال، بل والبكاء على الديار، والشعور بالاستطراد إلى وصف هذه الديار الخالية من المحبوب حتى أصبحت هذه الظاهرة وكأنها قاعدة فنية فريدة، لم يشابههم فيها أي عصر من العصور السابقة أو اللاحقة، والتي نادرًا ما كانوا يخرجون عنها في قصائدهم.

وبصورة عامة، تُمثّل ظاهرة الوقوف على الأطلال كمقدمة شعرية ظاهرة فنية بالغة الجمال والتفرد، إذ أنها أضفت على الشعر العربي الجاهلي رونقًا ورهافًة في الحس لدى كل من الشعر والشعراء، بالإضافة إلى الجمالية البالغة في القصائد، إذ أن أكثر النقاد أصبحوا يتفقون على أن الوقوف على الأطلال واحدة من أكثر الأعمال المميزة التي قام بها شعراء العصر الجاهلي حتى باتت تمثل منبع الجمال في قصائدهم.[١]

شعراء الأطلال في العصر الجاهلي

ومن الشعراء المعروفين والمشهورين لظاهرة الوقوف على الأطلال في العصر الجاهلي، الشاعر أمرؤ القيس، والشاعر طرفة بن العبد، والشاعر عمرو بن كلثوم التغلبي، والشاعر زهير بن أبي سلمى، والشاعر لبيد بن ربيعة العامري، والشاعر المعروف عنترة بن شداد، وأخيرًا نذكر هنا الشاعر الحارث بن حلزة اليشكري، إذ أن كل قصيدة ومعلقة لديهم كانت تتحدث حول موضوع مختلف عن الآخرين، إلا أنهم اشتركوا جميعاً بأن أعمالهم الشعرية جميعها كانت تحتوي على مقدمة طللية، أي أنها كانت تحتوي على الوقوف على الأطلال، عدا الشاعر عمرو بن كلثوم التغلبي، فمثلًا كان الشاعر أمرؤ القيس في معلقته ومقدمته الطللية المكونة من ستة أبيات كان قد طلب من رفيقيه أن يتوقفا حينما شاهد ما آلت إليه ديار محبوبته من خراب، وما أصبح فيها من حيوانات غير مستأنسة ومخلفاتها حتى قام صحبه بمواساته والتخفيف عنه، فقال لهم إنه يجد في البكاء راحة، والشاعر طرفة بن العبد في معلقته التي تطرق فيها إلى الحديث حول الأطلال، والموسم الذي حان فيه ارتحال محبوبته في بيتين اثنين في معلقته حتى توقف الشعراء عن متابعة مسيرهم، وسعوا في محاولاتهم نحو تشجيعه لإكمال المسير معهم وعلى الصبر والتحمل والجلد، فتحدث حول موكب المسير الذي وصفه بأنه ضخم، وكم كان مسرعًا وهو يحث الخطى حتى يخرج من الوديان التي تذكره بحبيبته التي رحلت من مفازات الوديان والصحارى.[٢][٤]

المراجع

1 . ^ أ ب ت فيليب حداد ، "ظاهرة الوقوف على الأطلال"، kfarbou-magazine، اطّلع عليه بتاريخ 24/10/2019. بتصرّف.

2 . ^ أ ب عبد المجيد عبد الحميد، "أطلال المُعلقات... الوقوف شعرياً على رَسمٍ دَرَس! "، alittihad، اطّلع عليه بتاريخ 24/102019. بتصرّف.

3 . ↑ "الأطلال في شعر المعلقات"، alrai، 17/1/2014، اطّلع عليه بتاريخ 24/10/2019. بتصرّف.

4 . ↑ "ملامح الوقوف على الأطلال في الشعر الجاهلي"، aladibnewspaper، اطّلع عليه بتاريخ 3-11-2019. بتصرّف.