الجنرال بريكليس والعصر الذهبي الأثيني

الجنرال بريكليس والعصر الذهبي الأثيني  Pericl10

إزدهر العصر الذهبي للثقافة الأثينية تحت قيادة الجنرال بريكليس الذي عاش في الفترة من 495-429 قبل الميلاد، وكان بريكليس جنرال لامع، خطيب، راع للفنون والسياسي، وهو أول مواطن من أثينا الديمقراطية، وذلك وفقا لمؤرخ ثوسيديديس، وإستطاع بريكليس أن يحول تحالفات مدينته إلى إمبراطورية واكتسب معبد الأكروبوليس الخاص به مع البارثينون الشهير، كما أن سياساته وإستراتيجياته مهدت الطريق لحرب البيلوبونيز المدمرة، التي كان من شأنها أن تشرك كل اليونان في العقود التالية لوفاته.

بريكليس والإرتفاع إلى السلطة :

ولد بريكليس في واحدة من العائلات الرائدة في أثينا، وكان والده بطلا للحرب الفارسية وكانت والدته تنتمي إلى عائلة قوية ثقافيا، ونشأ بريكليس وسط الكثير من الفنانين والفلاسفة، وشمل أصدقائه بروتاجوراس وزينو والفيلسوف الأثيني الرائد اناكاجوراس، وكان هو صاحب الرعاية المالية لمسرحية في عام 472 قبل الميلاد، وألهم بريكليس ثروة الزعيم المستقبلي والذوق الفني والذكاء السياسي، وأعربت المسرحية الخاصة به عن دعمها للزعيم الشعبي الثائر في أثينا.

تظهر جميع التماثيل والصور الباقية لبريكليس وهو يرتدي خوذة فكانت هي رمزه الشرعي كجنرال أثيني، وكانت تغطى رأسه الضخم، وقد أطلق عليه الشعراء المعاصرون اسم "شينو سيلفوس"، "رأس البصل البحري"، وبين 463 و461 عمل بريكليس علي مقاضاة ونفي سيمون في نهاية المطاف بزعم خيانة أثينا وبرز كزعيم للحزب الديمقراطي في أثينا، وفي عام 454 قاد بريكليس حملة عسكرية ناجحة في كورنث ورعى إنشاء مستعمرات أثينية في تراقيا وعلى ساحل البحر الأسود، وفي عام 443 انتخب كإستراتيجي "واحد من كبار الجنرالات في أثينا"، وهو المنصب الذي شغله لبقية حياته.

بريكليس والعصر الذهبي الأثيني :

عادة ما يرجع تاريخ العصر الذهبي للثقافة الأثينية من عام 449 إلى 431 قبل الميلاد، وهي سنوات السلام النسبي بين الحروب الفارسية والحروب البيلوبونيسية، وبعد الغزو الفارسي الثاني لليونان في عام 479، شكلت أثينا وحلفاؤها في جميع أنحاء بحر إيجه رابطة ديلان، وهو تحالف عسكري يركز على التهديد الفارسي، وبعد الهجوم الأثيني الفاشل على الفرس في مصر في 454، دفع زعماء أثينا لنقل خزانة الجامعة من ديلوس إلى أثينا، وبعد ثلاث سنوات، فرض مرسوم نقود الأوزان والقيود الأثينية في جميع أنحاء أثينا وبحلول الوقت الذي تم فيه إنتخاب بريكليس، كان في طريقه إلى أن ينشئ إمبراطورية أثينا.

وخلال عامي 440 و 430 قام بريكليس بالإستفادة من الخزينة لتمويل المشاريع الثقافية الشاسعة في أثينا، وأبرزها سلسلة من الهياكل على هضبة أكروبوليس في أعلى المدينة، وتم بناء هذه الهياكل من الرخام الأبيض على أعلى مستويات الجماليات والهندسة والرياضيات، وتم تزيينها بالتماثيل المعقدة والأفاريز المنحوتة من أعظم النحاتين في العصر.

كانت ابتكارات بريكليس الإجتماعية مهمة بنفس القدر لهذا العصر، وقد عمل على إضفاء طابع ديمقراطي على الفنون الجميلة عن طريق دعم القبول المسرحي للمواطنين الأفقر ومكّن المشاركة المدنية من خلال تقديم الأجور لواجبات هيئة المحلفين وغيرها من الخدمة المدنية، وحافظ بريكليس على صداقات وثيقة مع العقول الرائدة في وقته، وكان الكاتب المسرحي سوفوكليس والنحات فيدياس من بين أصدقائه، وكانت حبيبة بريكليس تدعي أسباسيا وهي واحدة من أشهر النساء في اليونان القديمة، درست الخطابة للفيلسوف الشاب سقراط، حتي بريكليس نفسه كان خطيبًا رئيسيًا، وكانت إحتفالاته وخطاباته تحتفل بعظمة أثينا الديمقراطية في ذروتها.

الحرب البيلوبونيسية وموت بريكليس :

كما نمت أثينا في السلطة تحت بريكليس، شعرت أيضا سبارتا بالكثير من التهديدات وبدأت في طلب تنازلات من الأثينيين، ورفض بريكليس، وفي 431 قبل الميلاد، دفع الصراع بين أثينا وحليف سبارتا، كورنث، الملك المتقشف أرشيداموس الثاني لغزو أتيكا بالقرب من أثينا، واعتمد بريكليس إستراتيجية أعطت الأثينيين ميزة كقوة بحرية عن طريق إخلاء ريف العلية لحرمان الجيوش المتفوقة من أي شخص للقتال.

ومع جمع جميع أفراده داخل أسوار أثينا، كان بريكليس حراً في شن هجمات إنتهازية بحرية على حلفاء سبارتا، وهذه الإستراتيجية المكلفة مالياً عملت بشكل جيد خلال سنوات الحرب الأولى، لكن الطاعون ضرب السكان الأثينيين المركّزين، وأخذ حياة كثيرين واثارة السخط، وتم إقالة بريكليس لفترة وجيزة في عام 430، ولكن بعد فشل جهود الأثينيين للتفاوض مع سبارتا، سرعان ما أعيد إلى منصبه.

في 429 توفي ولدي بريكليس الشرعيين من الطاعون، وبعد بضعة أشهر، إستسلم بريكليس للموت، وكانت هذه الواقعة كارثية لأثينا وسرعان ما تم التخلي عن إستراتيجياته، وكان القادة الذين تبعوا ذلك يفتقرون إلى بصيرة بريكليس وصبره، ولكن لم يكن مجد اليونان القديمة بعيدًا عن النهاية، فولد أفلاطون بعد عام من موت بريكليس، أما عن العصر الذهبي فقد ذهب بعيدا.