بغداد: حذاء
الزيدي يقوده إلى السجن 3 سنوات
وسط إجراءات أمنية مشددة وانتشار أمني واسع، أصدرت المحكمة الجنائية
المركزية أمس، حكمها بحق الصحافي العراقي منتظر الزيدي، الذي رشق الرئيس الأميركي
السابق جورج بوش، بحذائه خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء العراقي نوري
المالكي، في بغداد، بالسجن لمدة ثلاث سنوات، وهو ما أثار موجة من الانتقادات من قبل
هيئة الدفاع، التي شككت باستقلالية المحكمة، واتهمتها بأنها أخذت توجيها من لجنة
أميركية دخلت على المحكمة منذ الصباح، وأن الحكم كان مبيتا، وهو الأمر الذي سيدفعهم
إلى رفع خمس دعاوى ضد مجلس القضاء الأعلى، ومجلس الوزراء، ووزارة الدفاع، وخطة أمن
بغداد، وأيضا وزارة الخارجية.
بعض أفراد عائلة
الصحافي منتظر الزيدي الذي رشق الرئيس الأميركي السابق جورج بوش بحذائه أثناء
سماعهم حكم المحكمة عليه بالسجن 3 سنوات أمس (إ.ب.أ)
وبعد اعتقال دام ثلاثة أشهر
تقريبا، منذ الواقعة في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أصبح الزيدي أول صحافي في
تاريخ العراق يعاقب بالسجن بتهمة الاعتداء على رئيس دولة أجنبية خلال زيارته
للعراق. وقال رئيس منظمة حقوق الإنسان خالد العزي، لـ«الشرق الأوسط»، بعد إعلان
الحكم بحق منتظر الزيدي، «إن هيئة الدفاع دخلت لقاعة المحكمة في الساعة 8.20، وبعد
عشر دقائق دخل عدد من الأميركيين ونظروا بداخل صالة المحكمة، بعدها هموا بالصعود
لبناية المحكمة، التي هي عبارة عن بناية فيها إداريات المحكمة وغرف القضاة
والموظفون وغيرها، ثم اجتمعوا بالقضاة فترة نصف ساعة، بعدها اجتمع القضاة الثلاثة
في غرفة القاضي الثاني بليغ حمدي، والقاضي الأول عبد الأمير الركابي، ونحن كهيئة
دفاع صعدنا لغرفة القاضي الأول من أجل السماح لأخ منتظر بمقابلته، لكننا لم نجد
القاضي، وعلمنا أنه في غرفة القاضي الثاني للمداولة، التي استمرت ما يقرب من
الساعتين متواصلة».
وأضاف قائلا:
«إننا دخلنا مرة ثانية لقاعة المحكمة، وفي الساعة الـ11 إلا الثلث، اكتمل الحضور
وبقي حضور منتظر، الذي دخل في الساعة الـ11، وسلم على الحضور، وحضر أحد الأشخاص
إلينا، وأبلغنا أن منتظر يسلم على الجميع بما فيهم أهله، وطلب مني أن أبلغكم بعدم
القيام بأي فعل، كالتصفيق أثناء دخوله أو ترديد الهتافات، وقال منتظر طلب ذلك
بنفسه، وأنا أبلغكم، وأنا أتوقع أنها لعبة مفبركة، قامت بها بعض
الجهات».
وبين أنه، وبعد دخول منتظر،
بدأ القاضي بترديد الحكم دون الاستماع لأي جهة، مثل الادعاء أو الدفاع أو المتهم،
وهنا قاطعه المحامي طارق حرب، الذي كلف بالدفاع عن منتظر، وأخبر القاضي بأنه يجب
الاستماع للجهات الأخرى، وبدأ حرب بسرد نصوص وقوانين بينها قانون مكافحة الإرهاب،
والمعاهدة العربية والدولية، ونصوص قوانين دولية وعراقية، وهنا قاطعه القاضي وطلب
منه أن يقدم هذا الدفاع لمحكمة التمييز، لأن الحكم سيصدر، وهذا ما دعا طارق حرب إلى
الخروج من القاعة، وكانت تبدو عليه حالة انفعال شديدة. وقدم الادعاء العام ورقته،
التي كانت تتجه نحو مراعاة الضغوط النفسية، التي سيطرت على أفعال منتظر، وبعدها
قدمت هيئة الدفاع ورقتها، وسردت فيها جميع التفاصيل منذ بداية المحاكمات، وبعدها
سئل منتظر، هل لديك شيء لتقوله؟ فرد عليه الأخير: عندي ثقة بالقضاء العراقي، وأن
الحكم سيكون منصفا، بعدها طلب القاضي بخروج الجميع لأجل المداولة، وبعد مدة نصف
ساعة عادت الجلسة، وتم نطق الحكم بالسجن ثلاث سنوات، وبشكل سريع، حتى لم يكن الجميع
قد دخلوا القاعة. واتهم العزي، الجهاز القضائي بأنهم أصدروا قرارا ليس عراقيا، بل
بتوجيه أميركي، مشيرا إلى أن «الهيئة ستقيم خمس دعاوى ضد كل من وزير
الدفاع،
إضافة
لمنصبه، ومجلس القضاء الأعلى، وآمر لواء بغداد، والأمانة العامة لمجلس الوزراء،
وأيضا وزارة الخارجية العراقية، كما وافقت المحكمة الدولية في بروكسل على استضافتنا
هناك، ووافقت على الاستماع لدعوانا، وفتح قضية دولية بحق الحكومة العراقية
والقائمين على تعذيب منتظر الزيدي، أما وزير الدفاع فاتهمناه بوجود أدلة ومستندات
تؤكد وتثبت قيام لواء بغداد بتعذيب أكثر من 700 شخص، وفيها شكاوى من المعنيين
وبإشراف آمر لواء بغداد، وتهمة القضاء الأعلى دارت باتجاه يسيء لسمعة القضاء
العراقي، الذي كنا نعول عليه كثيرا وعلى نزاهته، لكن اليوم اثبتوا عكس ذلك، فالذي
يقتل العراقيين بدم بارد يحاكم بشكل مخفف، يراعون الحالة النفسية
السيئة،
ومنتظر يحاكم دون مراعاة
لأي آثار نفسية ترتبت عليها الحادثة، المحكمة ترفض الاستماع لهذا الأمر، فيجب أن
نخاطب القوانين القاسية في العراق، فالذي يضرب شخصا بقطعة شيكولاته أو طلقة أو حذاء
يحاكم بالحكم نفسه». وأخيرا اتهم العزي قناة البغدادية، التي يعمل لصالحها الزيدي،
بأنها «تواطأت مع هذا الحكم، وكانت جزءا من اللعبة التي أدت إلى صدور هذا الحكم،
وأتوقع وجود مساومة بين القناة وجهة أخرى، وقبلت الأولى المساومة مقابل أمور ستكشف
لاحقا». ضرغام الزيدي، أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن إجراءات المحاكمة أمس، غير طبيعية،
بدءا من بداية دخول المحكمة، فكان الحرس الذي يحيط بالمحكمة غير طبيعي، وملامح
وجوههم بعيدة عن ملامح العراقيين، بعضهم ملتحي والبعض الأخر يخفي وجهه، وكانت
المعاملة غير طبيعية معنا كعائلة، وفور افتتاح الجلسة أعلن القاضي أن الزيارة
للرئيس بوش كانت رسمية، وبعدها بدأت إجراءات القرار، وكان القرار جاهزا مسبقا، ولم
يتركوا منتظر يتحدث براحته، ولم يتوقع صدور مرسوم أو قرار رئاسي للإفراج أو العفو
عنه،
لأنهم
حكموا على الحرية العراقية أمس. هيئة الدفاع أعلنت عن نيتها تمييز الحكم الصادر من
قبل المحكمة الجنائية العليا، التي حكمت بالسجن لمدة ثلاث سنوات على الزيدي. وكانت
المحكمة قد قررت، في جلسة سابقة عقدت في التاسع عشر من فبراير (شباط) الماضي، تأجيل
المحاكمة إلى الثاني عشر من مارس (آذار) الحالي، للتأكد مما إذا كانت زيارة جورج
بوش تلك إلى بغداد زيارة رسمية أم غير رسمية.
ومن جانبها، وصفت نائبة
عراقية مقربة من رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، قرار المحكمة بأنه «صدمة
كبيرة».
وقالت النائبة زينب الكناني،
عضو الكتلة الصدرية في البرلمان العراقي، لـ(د.ب.أ): «لقد حضرت وقائع جلسة محاكمة
الصحافي منتظر الزيدي، وجلسة النطق بالأحكام النهائية، وقد صدمت بقرار المحكمة، لأن
هذا القرار جاء منافيا لواقع الحال، ورفض الرأي العام العراقي والعربي والدولي
المتعاطف مع الزيدي، فضلا عن أنه عكس أن القضاء العراقي مسيس».
ويعمل الزيدي (28 عاما)،
لحساب محطة تلفزيون «البغدادية»، التي يملكها رجل الأعمال العراقي عوف حسين، وتبث
برامجها من القاهرة، وسبق أن خطفته جماعات مسلحة عام 2007، وتم الإفراج عنه بعد
ثلاثة أيام من دفع فدية، وهو يتيم الأبوين، ومن عائلة فقيرة.
وواجه الزيدي، تهمة
«الاعتداء على رئيس دولة أجنبية»، التي تصل عقوبتها القصوى إلى السجن لمدة 15
عاما.