ماذا تعرف عن معتقل داخاو النازي ؟

ماذا تعرف عن معتقل داخاو النازي ؟  Dachau10

أُفتتح معتقل داخاو، أول معسكر إعتقال نازي في عام 1933، وذلك بعد فترة وجيزة من تولى أدولف هتلر منصب مستشار ألمانيا، وتقع مدينة داخاو في جنوب ألمانيا، وكانت تضم سجناء سياسيين في البداية، ومع ذلك، تطور الأمر في نهاية المطاف إلى معسكر الموت حيث توفي الآلاف من اليهود من سوء التغذية والمرض والإرهاق أو تم إعدامهم، وبالإضافة إلى اليهود، ضم معتقل داخاو سجناء المعسكر الذين كانوا أعضاء في مجموعات أخرى إعتبرها هتلر غير صالحة لألمانيا الجديدة، بما في ذلك الفنانين والمثقفين والمعاقين جسديا وعقليا والمثليين جنسياً .

ومع ظهور الحرب العالمية الثانية تم استخدام بعض سجناء داخاو القادرين على العمل كعبيد في صناعة الأسلحة والمواد الأخرى من أجل جهود الحرب في ألمانيا، وبالإضافة إلى ذلك، تعرض بعض محتجزي داخاو إلى تجارب طبية وحشية قام بها النازيون عليهم .


معسكر الإعتقال الأول لألمانيا النازية :

أصبح أدولف هتلر مستشارًا لألمانيا في 30 يناير 1933، وفي مارس من نفس العام، أفتتح أول محتشد إعتقال نازي في مدينة داخاو، خارج ميونيخ، وهي مدينة كبيرة في جنوب ألمانيا، وكان المخيم يضم السجناء السياسيين في البداية، وكانت أول مجموعة من المعتقلين تتألف أساسًا من الإشتراكيين والشيوعيين، وخدم فيه هيلمار فاكرلي وكان هو أول قائد له وهو كان مسؤول عن منظمة شبه عسكرية نازية قبل هذا المعتقل .

ومنذ البداية، تعرض المحتجزون في المعسكر لمعاملة قاسية، وفي 25 مايو 1933، تعرض سيباستيان نفزجر، وهو مدرس في ميونيخ، للضرب حتى الموت أثناء سجنه في داخاو، وإدعى مدراء قوات الأمن الخاصة الذين قاموا بإدارة المخيم أن نفزجر قد إنتحر، لكن تشريح الجثة كشف أنه من المحتمل أنه فقد حياته بسبب الإختناق أو الخنق .

والمدعي العام وقتها في ميونيخ أدان فاكرلي بتهمة القتل، ولكن هتلر قام بإقالة المدعي العام على الفور، وأصدر مرسوما ينص على أن داخاو وجميع معسكرات الإعتقال الأخرى لن تخضع للقانون الألماني لأنها تنطبق على المواطنين الألمان، وأن مسؤولي النظام هم الوحيدين الذين يديرون هذه المعسكرات ويوزعون العقوبة كما يرونها مناسبة .

وفي شهر يونيو، حل تيودور إيكل محل فاكرل كقائد معتقل داخاو، وأصدر على الفور مجموعة من القواعد للتشغيل اليومي للمخيم، وكان من المعتاد ضرب السجناء الضرب المبرح، وأولئك الذين خططوا للهروب أو تبنوا وجهات النظر السياسية كانوا يُعدمون على الفور، ولم يُسمح للسجناء الدفاع عن أنفسهم أو الإحتجاج على هذه العقوبات، وعملت أنظمة إيكي كمخطط عمل لجميع معسكرات الإعتقال في ألمانيا النازية .


توسيع داخاو في أواخر ثلاثينيات القرن العشرين :

في نوفمبر عام 1938، إُتخذت الإجراءات المحظورة ضد اليهود الألمان، التي تم تأسيسها منذ وصول هتلر إلى السلطة، وفي مساء 9 نوفمبر، تم حرق المعابد في ألمانيا والنمسا وتم تخريب المنازل اليهودية والمدارس والشركات، وألقي القبض على أكثر من 30،000 يهودي وإرسالهم إلى معتقل داخاو ومعسكرات الإعتقال الأخرى .

وفي خريف عام 1939، في بداية الحرب العالمية الثانية، تم نقل سجناء معتقل داخاو إلى بوخنفالد ومعسكرات الإعتقال في ماوتهاوزن وفلسينبيورغ، وتم استخدام داخاو كموقع تدريب لأعضاء "وافن إس إس"، وهي وحدة قتالية من النخبة، وساعدت قواتها أيضاً في إدارة معسكرات الإعتقال، وبحلول أوائل عام 1940، تم تحويل داخاو إلى معسكر إعتقال مرة أخرى، وكانت الأوضاع في المخيم وحشية ومكتظة، وقد صُمم المعسكر لإيواء حوالي 6000 معتقل، لكن المعتقلين استمروا في الزيادة، وبحلول عام 1944، كان هناك ما يقرب من 30 ألف سجين في المعسكر .

وفي نهاية المطاف توسع المعسكر الرئيسي ليشمل سلسلة من المعسكرات الفرعية، والتي تقع حول جنوب ألمانيا والنمسا، حيث تم استخدام السجناء القادرين على العمل في العمل للسخرة لتصنيع الأسلحة والمواد الأخرى لجهود ألمانيا في الحرب العالمية الثانية .


محتجزي معتقل داخاو :

قبل الحرب العالمية الثانية، إعتقد هتلر أن تقييد الأنشطة اليومية لليهود في ألمانيا والدول التي ضمها النازيون لن يحل ما أعتبره "مشكلته اليهودية"، ولم يتمكن من وقف أعمال العنف ضد اليهود وبدلا من ذلك، قرر المستشار النازي أن الحل الوحيد هو القضاء على كل يهودي أوروبي، وكما كان من المقرر أن يتم القضاء على أعضاء أي مجموعة إعتبرها هتلر غير مؤهلة للإقامة في ألمانيا الجديدة .

وكان من بينهم فنانين ومثقفين ومفكرين مستقلين آخرين، وأيضا الشيوعيين وغيرهم ممن كانوا يعارضون أيديولوجياً الحزب النازي والمثليون جنسياً وغيرهم ممن يُنظر إليهم على أنهم منحرفون جنسياً والغجر والمعاقين جسديا وذهنيا، وأي شخص آخر يعتبر نجسا عرقيا أو جسديا، وبين عامي 1941 و 1944، تم إرسال عدة آلاف من السجناء المرضى والمعاقين من معتقل داخاو إلى مركز "القتل الرحيم" النازي في هارتهايم، النمسا، حيث تم إعدامهم عن طريق تعرضهم لغاز قاتل .

كما تم سجن عدة آلاف من رجال الدين الكاثوليك في معتقل داخاو أحدهما كان "تيتوس براند سما" وهو رجل دين كرملي، وفيلسوف، وكاتب، ومعلم ومؤرخ، بالإضافة إلى أنه مناهض للنازية، ووصل براندسما إلى معتقل داخاو في يونيو 1942، وتوفي في الشهر التالي بعد إعطائه حقنة قاتلة، وفي عام 1985، تم تطهيره من قبل البابا يوحنا بولس الثاني، وبعده وصل ميخائيل كوزال، وهو كاهن بولندي، إلى معتقل داخاو في عام 1941، وعلى مدار عامين، كان يقوم بوعز السجناء في المعتقل، وفي يناير 1943، قٌضى علي كوزال بحقنة قاتلة أيضا .


الموت والتجارب الطبية في معتقل داخاو :

على مدى سنوات عمله، من 1933 إلى 1945، مات الآلاف من سجناء معتقل داخاو بسبب المرض وسوء التغذية والإفراط في العمل، وتم إعدام آلاف آخرين بسبب مخالفة قوانين المخيم، وإبتداء من عام 1941 ، تم إرسال الآلاف من أسرى الحرب السوفيت إلى داخاو ثم أطلقوا النار عليهم حتى الموت .

وفي عام 1942، بدأ بناء محرقة في معتقل داخاو ،وهي محرقة كانت تتكون في النهاية من أربعة أفران كبيرة تستخدم لحرق الجثث، وساعدتهم مع تطبيق "الحل النهائي" لهتلر في عام 1942 للقضاء نهائياً على جميع اليهود الأوروبيين، وتم نقل الآلاف من محتجزي معتقل داخاو إلى معسكرات الإبادة النازية في بولندا، حيث ماتوا في غرف الغاز .

كما استخدم النازيون سجناء معتقل داخاو في التجارب الطبية الوحشية، فعلى سبيل المثال، تم إلزام السجناء بأن يتعرضوا لسلسلة من الإختبارات لتحديد جدوى إحياء الأفراد الذين يغطون بالمياه المتجمدة، ولساعات في كل مرة، تم غمر السجناء بالقوة في صهاريج مملوءة بماء جليدي، وتوفي بعض السجناء خلال هذه العملية .


تحرير معتقل داخاو :

في أبريل 1945، قبيل تحرير معتقل داخاو من قبل قوات الحلفاء، أمرت قوات الأمن الخاصة نحو 7000 سجين بالشروع في مسيرة الموت لمدة ستة أيام إلى تيجرنسي، الواقعة في الجنوب، وأولئك الذين لم يتمكنوا من الحفاظ على سرعة ثابتة في السير كانوا يطلق عليهم حراس قوات الأمن الخاصة النيران، والسجناء الآخرون ماتوا من الجوع أو الإرهاق البدني .

وفي 29 أبريل 1945، دخل الجيش الأمريكي إلى معتقل داخاو، حيث عثر على الآلاف من السجناء المرضى في الغالب، كما اكتشف الجنود الأمريكيون عدة عشرات من عربات القطار محملة بجثث متعفنة، وفي هذه الأثناء، تم إطلاق سراح أولئك الذين نجوا من مسيرة الموت من قبل الأمريكيين في 2 مايو .

وخلال الفترة التي خدم فيها داخاو كواحد من معسكرات الإعتقال ومعسكرات الموت، تم تصنيف أكثر من 200 ألف سجين مر عبر بواباته، وهناك عدد لا يقدر، يصل إلى الآلاف، لم يتم تسجيله أبداً، مما يجعل من المستحيل معرفة عدد الأشخاص الذين تم سجنهم في معتقل داخاو وكم مات منهم هناك .