هل تشرد كثيرًا أثناء قيادة السيارة؟ عليك بقراءة هذا المقال
هل سبق وأن غرقت في بحر أحلامك أثناء قيادة السيارة، واستيقظت على صوت أحدٍ يشتمك، أو صافرة سيارةٍ كدت أن تصدمها؟، وهل سبق أن شردت، ثم عدت لوعيك تمامًا قبل وقوع الفاجعة؟، مهما سيكون جوابك، أنصحك بقراءة هذا المقال .
أخذ العلماء على عاتقهم دراسة ظاهرة أحلام اليقظة الشائعة جدًا لدى سائقي العربات المختلفة، وهي ظاهرةٌ خطيرةٌ فعلًا، كما لاحظوا أنها تولد نشاطًا دماغيًا مميزًا، فدرس باحثون في الولايات المتحدة، ظاهرة (شرود الذهنmind wandering – ) لدى سائقين متطوعين، وذلك من خلال إخضاعهم لتجارب تضمنت محاكاةً لعملية القيادة الفعلية على آلة خاصة، وعندما تم وضعهم عشوائيًا ضمن آلة المحاكاة، أكد المتطوعون أنهم قد (سرحوا، أو شرد ذهنهم) خلال القيادة، لمدةٍ لا تقل عن %70 من وقت القيادة الكلي .
ومن خلال إجراء القياسات الكهربائية الفيزيولوجية، تمكن الباحثون من تحديد تغيراتٍ محددةٍ في أنماط النشاط الدماغي، عند حدوث الشرود الذهني، وإذا ما أعدنا سؤالك مرةً أخرى، هل أنت دائمًا منتبهٌ خلال القيادة ؟، وهل تكون كذلك خلال طريق العودة الممل تجاه منزلك بعد يوم عملٍ شاق؟، قد يكون من الصعب علينا أن نبقى منتبهين بالشكل الكافي خلال القيادة، ولاسيما في الطرق التي نسلكها يوميا، أو عندما نكون متعبين بعد العمل، ولا يخفى علينا أن عدم انتباه السائقين خلال القيادة يعد سببًا رئيسًا؛ لوقوع حوادث السير، والفواجع المرورية.
غالبًا ما تكون مصادر التشتيت، والإلهاء التي تجذب السائق خارجيةً، كالمكالمات الواردة أثناء القيادة، أو استخدام الهاتف المحمول لأي سببٍ كان، وقد درس العلماء على نطاقٍ واسع، دور مصادر الإلهاء السابقة في وقوع الحوادث المرورية.
ومن جهةٍ أخرى، تقع عدة حوادث سيرٍ، دون وجود عوامل إلهاء خارجيةٍ واضحةٍ، ويعد شرود الذهن أحد عوامل الإلهاء التي ما زالت تخضع لدراساتٍ كثيرة، فعندما يغرق السائق بأحلام اليقظة، فإنه يزيح بذلك انتباهه عن القيادة تجاه أفكارٍ أخرى تراوده.
ومن أجل الحفاظ على سلامتهم، لابد للسائقين أن يظلوا منتبهين، ومدركين لما يجري على مسار قيادتهم، كما يجب عليهم الاستعداد الدائم للاستجابة السريعة لأي حدثٍ طارئٍ قد يتعرضون له على الطريق، ولسوء الحظ فإن شرود الذهن يحول دون فعل ذلك.
وفي دراسة منشورةٍ في مجلة (حدود في علوم الأعصاب لدى الإنسان(frontiers in human neuroscience – ، بحث مجموعةٌ من العلماء الأمريكيين عن الكيفية التي يحدث بها الشرود الذهني المتكرر خلال محاكاة القيادة، وفيما إذا كانت التغييرات في أنماط الدماغ المرافقة له تعني شيئًا يمكن الاستفادة منه.
وفي ضوء عدة تجارب، طلب الباحثون من مجموعةٍ من المتطوعين، أن يستخدموا جهازًا لمحاكاة القيادة، وقد وُضع على رأسهم مستشعراتٌ كهروفيزيولوجية؛ لقياس نشاطهم الدماغي، ثم خضع المتطوعون للاختبار نفسه، لمدة خمسة أيام متتالية، إذ طُلب منهم قيادة عربةٍ – على جهاز المحاكاة -، لمدة عشرين دقيقة، وعلى طريقٍ سريعٍ، (يظهر أمامهم على شاشة المحاكاة) يتصف بالرتابة، وكان عليهم أن يقودوا بسرعةٍ ثابتةٍ.
وتوجب عليهم أن يذهبوا إلى العمل، ويعودوا إلى المنزل – على جهاز المحاكاة طبعًا- ،وقد طُلب منهم أن يؤدوا فحصًا كتابيًا، بين رحلة الذهاب والعودة؛ لإخضاع الدماغ لإجهادٍ يماثل إجهاد العمل، وخلال التجربة، عمد العلماء أيضًا، إلى إطلاق صافراتٍ خلال أوقاتٍ عشوائية من وقت القيادة، واستُخدِم جهاز الكمبيوتر؛ لمعرفة فيما إذا كان السائقون سارحي الذهن، خلال صدور صوت الصافرة؛ ولمعرفة فيما إذا كانوا مدركين لشرود ذهنهم أم لا.
وقالت (كاريل بالدوين Carryl baldwin -) من جامعة جورج ماسون، إحدى العلماء المشاركين في التجربة: “خلال تجربة محاكاة القيادة، شرد السائقون كثيرًا،- بعضهم كان شارد الذهن لمدةٍ تزيد عن 70%من زمن القيادة الكلي!”، وأضافت: “قد كان السائقون معرضين للشرود بشكلٍ أكبر خلال رحلة العودة بعد العمل، أي: بعد إخضاعهم للاختبار الكتابي المرهق، وقد كانوا مدركين لشرودهم خلال 65% من الوقت فقط!”.
ويأتي سؤال، – مما سبق- ماذا نستنتج من الدراسة السابقة؟، هل الشرود الذهني خطير؟، وفي حال الإيجاب، هل نستطيع توقيفه؟، تقول كاريل في هذا الصدد: “قد يكون شرود الذهن جزءًا أساسيًا من وجودنا البشري، ولا نستطيع تجنبه، وقد يكون أيضًا طريقةً؛ لإعادة تنظيم عقلنا بعد يومٍ حافلٍ بالعمل”، وتختم بقولها: “ما لا نعرفه حتى الآن هو مدى خطورة الشرود الذهني خلال القيادة، إذ نحتاج مزيدًا من الأبحاث؛ لتحديد ذلك”.
وأخيرًا، ومن أجل الحفاظ على سلامتنا، نجد أمامنا خيارًا جيدًا، وهو أن نبدأ بالاعتماد على أنظمة التنقل المستقلة، كالتي توجد في السيارات ذاتية القيادة، التي تتيح للناس الشرود كما يحلو لهم عندما يكون ذلك آمنًا، كما تدفعهم إلى التركيز على القيادة، والابتعاد عن الشرود، عندما يتعرضون لمواقف حرجةٍ لا يمكن لنظام التنقل الآلي التعامل معها.
وفي الختام، عزيزي القارئ، دع أحلامك الوردية جانبًا، وركز ما استطعت خلال قيادة سيارتك، وإن لم تستطع، فلا تقلق؛ لأن هذه طبيعة البشر.
رافقتكم السلامة .
المصدر
هل سبق وأن غرقت في بحر أحلامك أثناء قيادة السيارة، واستيقظت على صوت أحدٍ يشتمك، أو صافرة سيارةٍ كدت أن تصدمها؟، وهل سبق أن شردت، ثم عدت لوعيك تمامًا قبل وقوع الفاجعة؟، مهما سيكون جوابك، أنصحك بقراءة هذا المقال .
أخذ العلماء على عاتقهم دراسة ظاهرة أحلام اليقظة الشائعة جدًا لدى سائقي العربات المختلفة، وهي ظاهرةٌ خطيرةٌ فعلًا، كما لاحظوا أنها تولد نشاطًا دماغيًا مميزًا، فدرس باحثون في الولايات المتحدة، ظاهرة (شرود الذهنmind wandering – ) لدى سائقين متطوعين، وذلك من خلال إخضاعهم لتجارب تضمنت محاكاةً لعملية القيادة الفعلية على آلة خاصة، وعندما تم وضعهم عشوائيًا ضمن آلة المحاكاة، أكد المتطوعون أنهم قد (سرحوا، أو شرد ذهنهم) خلال القيادة، لمدةٍ لا تقل عن %70 من وقت القيادة الكلي .
ومن خلال إجراء القياسات الكهربائية الفيزيولوجية، تمكن الباحثون من تحديد تغيراتٍ محددةٍ في أنماط النشاط الدماغي، عند حدوث الشرود الذهني، وإذا ما أعدنا سؤالك مرةً أخرى، هل أنت دائمًا منتبهٌ خلال القيادة ؟، وهل تكون كذلك خلال طريق العودة الممل تجاه منزلك بعد يوم عملٍ شاق؟، قد يكون من الصعب علينا أن نبقى منتبهين بالشكل الكافي خلال القيادة، ولاسيما في الطرق التي نسلكها يوميا، أو عندما نكون متعبين بعد العمل، ولا يخفى علينا أن عدم انتباه السائقين خلال القيادة يعد سببًا رئيسًا؛ لوقوع حوادث السير، والفواجع المرورية.
غالبًا ما تكون مصادر التشتيت، والإلهاء التي تجذب السائق خارجيةً، كالمكالمات الواردة أثناء القيادة، أو استخدام الهاتف المحمول لأي سببٍ كان، وقد درس العلماء على نطاقٍ واسع، دور مصادر الإلهاء السابقة في وقوع الحوادث المرورية.
ومن جهةٍ أخرى، تقع عدة حوادث سيرٍ، دون وجود عوامل إلهاء خارجيةٍ واضحةٍ، ويعد شرود الذهن أحد عوامل الإلهاء التي ما زالت تخضع لدراساتٍ كثيرة، فعندما يغرق السائق بأحلام اليقظة، فإنه يزيح بذلك انتباهه عن القيادة تجاه أفكارٍ أخرى تراوده.
ومن أجل الحفاظ على سلامتهم، لابد للسائقين أن يظلوا منتبهين، ومدركين لما يجري على مسار قيادتهم، كما يجب عليهم الاستعداد الدائم للاستجابة السريعة لأي حدثٍ طارئٍ قد يتعرضون له على الطريق، ولسوء الحظ فإن شرود الذهن يحول دون فعل ذلك.
وفي دراسة منشورةٍ في مجلة (حدود في علوم الأعصاب لدى الإنسان(frontiers in human neuroscience – ، بحث مجموعةٌ من العلماء الأمريكيين عن الكيفية التي يحدث بها الشرود الذهني المتكرر خلال محاكاة القيادة، وفيما إذا كانت التغييرات في أنماط الدماغ المرافقة له تعني شيئًا يمكن الاستفادة منه.
وفي ضوء عدة تجارب، طلب الباحثون من مجموعةٍ من المتطوعين، أن يستخدموا جهازًا لمحاكاة القيادة، وقد وُضع على رأسهم مستشعراتٌ كهروفيزيولوجية؛ لقياس نشاطهم الدماغي، ثم خضع المتطوعون للاختبار نفسه، لمدة خمسة أيام متتالية، إذ طُلب منهم قيادة عربةٍ – على جهاز المحاكاة -، لمدة عشرين دقيقة، وعلى طريقٍ سريعٍ، (يظهر أمامهم على شاشة المحاكاة) يتصف بالرتابة، وكان عليهم أن يقودوا بسرعةٍ ثابتةٍ.
وتوجب عليهم أن يذهبوا إلى العمل، ويعودوا إلى المنزل – على جهاز المحاكاة طبعًا- ،وقد طُلب منهم أن يؤدوا فحصًا كتابيًا، بين رحلة الذهاب والعودة؛ لإخضاع الدماغ لإجهادٍ يماثل إجهاد العمل، وخلال التجربة، عمد العلماء أيضًا، إلى إطلاق صافراتٍ خلال أوقاتٍ عشوائية من وقت القيادة، واستُخدِم جهاز الكمبيوتر؛ لمعرفة فيما إذا كان السائقون سارحي الذهن، خلال صدور صوت الصافرة؛ ولمعرفة فيما إذا كانوا مدركين لشرود ذهنهم أم لا.
وقالت (كاريل بالدوين Carryl baldwin -) من جامعة جورج ماسون، إحدى العلماء المشاركين في التجربة: “خلال تجربة محاكاة القيادة، شرد السائقون كثيرًا،- بعضهم كان شارد الذهن لمدةٍ تزيد عن 70%من زمن القيادة الكلي!”، وأضافت: “قد كان السائقون معرضين للشرود بشكلٍ أكبر خلال رحلة العودة بعد العمل، أي: بعد إخضاعهم للاختبار الكتابي المرهق، وقد كانوا مدركين لشرودهم خلال 65% من الوقت فقط!”.
ويأتي سؤال، – مما سبق- ماذا نستنتج من الدراسة السابقة؟، هل الشرود الذهني خطير؟، وفي حال الإيجاب، هل نستطيع توقيفه؟، تقول كاريل في هذا الصدد: “قد يكون شرود الذهن جزءًا أساسيًا من وجودنا البشري، ولا نستطيع تجنبه، وقد يكون أيضًا طريقةً؛ لإعادة تنظيم عقلنا بعد يومٍ حافلٍ بالعمل”، وتختم بقولها: “ما لا نعرفه حتى الآن هو مدى خطورة الشرود الذهني خلال القيادة، إذ نحتاج مزيدًا من الأبحاث؛ لتحديد ذلك”.
وأخيرًا، ومن أجل الحفاظ على سلامتنا، نجد أمامنا خيارًا جيدًا، وهو أن نبدأ بالاعتماد على أنظمة التنقل المستقلة، كالتي توجد في السيارات ذاتية القيادة، التي تتيح للناس الشرود كما يحلو لهم عندما يكون ذلك آمنًا، كما تدفعهم إلى التركيز على القيادة، والابتعاد عن الشرود، عندما يتعرضون لمواقف حرجةٍ لا يمكن لنظام التنقل الآلي التعامل معها.
وفي الختام، عزيزي القارئ، دع أحلامك الوردية جانبًا، وركز ما استطعت خلال قيادة سيارتك، وإن لم تستطع، فلا تقلق؛ لأن هذه طبيعة البشر.
رافقتكم السلامة .
المصدر