عشر حالات كسوف غيرت العالم
على الرغم من أنه كان يسبب الذعر على اعتباره نذير شؤم، كسوف الشمس ساعد في صقل تاريخ البشرية وهنالك عدة حالات كسوف بصفة خاصة ساعدت الفلاسفة والعلماء على فهم أفضل للسماء وموقعنا الحقيقي في الكون.
وهنا العد التنازلي لأكثر 10 حالات كسوف ساهمت في تغيير العلم:
كسوف أوغاريت، سوريا 1223 ق.م
تعتبر عمليات مراقبة ورصد الكسوف التي تمت في بلاد ما بين النهرين منذ حوالي 3000 سنة مضت من بين أقدم التسجيلات الفلكية جنبًا إلى جنب مع الملاحظات الأخرى التي جمعها البابليون والآشوريون والحضارات الأخرى في الشرق الأوسط وهي أقدم السجلات العلمية من أي نوع على الإطلاق.
في ذلك الوقت اعتقد المنجمون أن الكسوف والمذنبات والأحداث السماوية الأخرى يمكن أن تؤثر على الأحداث الإنسانية هنا على الأرض وبشكل خاص مصائر الملوك والإمبراطوريات ولكن ملاحظاتهم التي قاموا بها من أجل التنجيم تمثل أيضًا أولى الخطوات المعروفة التي اتخذتها البشرية على طريق العلم الحديث.
إن أقدم رصد كسوف مسجل معروف في الشرق الأوسط تم اكتشافه في مدينة أوغاريت السورية في الأربعينات منقوشًا بالخط المسماري على لوح طيني.
ووفقًا لدراسة نشرت في دورية (Nature) عام 1989 يصف النص الكسوف الذي حدث في 5 آذار 1223 قبل الميلاد عندما كانت أوغاريت جزء من الامبراطورية الآشورية.
تشير الملاحظة التالية إلى أن النجوم والمريخ كانوا واضحين للعيان في الظلام الذي سببه الكسوف:
(في يوم القمر الجديد، في شهر هيار، وضعت الشمس للعار، وانخفضت في النهار، مع المريخ في الحضور.)
كسوف أنيانغ – Anyang، الصين 1302 ق.م
لسنوات عدة اعتقد أن لوح أوغاريت يصف كسوفًا في عام 1375 ق.م ما جعله أقدم رصد كسوف معروف.
لكن الآن وبعد أن عرفنا أن لوح أوغاريت يعود لعام 1223 ق.م يعتبر الرصد الذي حدث في مدينة أنيانغ وسط الصين أقدم تسجيل باقي لكسوف الشمس وهو محفور بالخط الصيني القديم على قطعة مسطحة من صدف السلحفاة، واحد من آلاف الآثار من العصر المعروف باسم (Oracle bones) أو عظام النبوءة حيث كان الاعتقاد السائد بأنها سحرية وتساعد على التنبؤ بالمستقبل.
أشارت المخطوطة إلى أن (ثلاثة من ألسنة اللهب أكلت الشمس، والنجوم الكبيرة أصبحت مرئية) ما فسره العلماء على أنه وصف لكسوف كلي مترافق مع ثلاث شرائط من الغاز حول الهالة الشمسية, والتي كانت مرئية فقط خلال الكسوف.
عام 1989 استخدم العلماء في مختبر ناسا للدفع النفاث (JPL) ملاحظات أنيانغ وملاحظات لخسوف القمر من نفس الفترة لتحديد التاريخ الدقيق لهذا الكسوف القديم على أنه 5 حزيران 1302 ق.م.
وبعد ذلك استخدم العلماء في المختبر هذه المعلومات في نموذج حاسوبي ليجدوا أن سرعة دوران الأرض قد انخفضت بحوالي 0.0047 ثانية منذ 1302 ق.م وفقًا لاحتكاك المد والجزر (قوة السحب على سطح الأرض الناتج عن جاذبية القمر والذي يؤثر على البروز أو الانتفاخ الخارجي لكوكبنا)
كسوف طاليس – Thales، الأناضول 585 ق.م
وفقًا للمؤرخ اليوناني القديم هيرودوت (Herodotus)، تنبأ الفيلسوف وعالم الفلك والرياضيات طاليس الملطي بكسوف الشمس الذي حدث في آسيا الصغرى في القرن السادس قبل الميلاد.
وبينما هنالك شك كبير بخصوص هذا الادعاء، قام علماء الفلك الحاليين ببعض الحسابات، وإن كان ما قاله هيرودوت صحيحًا فهو كسوف جزئي حدث في الشرق الأوسط في 5 أيار 585 ق.م.
وذكر هيرودوت أنه تمت رؤية الكسوف خلال معركة بجانب نهر هاليس – Halys أو ما يعرف الآن باسم (قيزيل إرماك) في الأناضول بين الميديين – Medes والليديين – Lydians في معركة عرفت لاحقًا باسم (معركة الكسوف).
أشار كاتب الخيال العلمي إسحاق عظيموف – Isaac Asimov إلى أن هذه المعركة ولهذا السبب تعتبر أقدم حدث في التاريخ يرتبط بتاريخ محدد في وقت يشير مؤرخي العلم إلى أن ذلك كان أول تنبؤ علمي بأي نوع من الظواهر أو على الأقل أول تنبؤ حدث فعلًا.
يقول مؤيدو طاليس بأنه تنبأ بحدث مشابه باستخدام دورة ساروس – Saros Cycle وهي دورة من 18 سنة تقريبًا حيث يتكرر الكسوف والخسوف بشكل دقيق نوعًا ما.
أقدم دليل على استعمال دورة ساروس أتى من بابل حوالي عام 500 ق.م، ولكن من الممكن أنه تم استخدامها قبل ذلك، ومن الممكن أيضًا أن طاليس سافر إلى بابل ليتعلمها.
كسوف أنكساغوراس – Anaxagoras، اليونان 478 ق.م.
وفقًا للمؤرخ اليوناني فلوطرخس أو بلوتارخُس – Plutrach وكتّاب قدماء آخرين، كان الفيلسوف أنكساغوراس أول من أدرك أن سبب الكسوف هو حجب ظل القمر لضوء الشمس بدلًا من أن يكون نوع من التحولات في الشمس نفسها.
ولكن التفاصيل حول كيفية معرفته بذلك تبقى مجهولة لكن المؤرخين الحاليين يجادلون إمكانية استخدامه لوصف الصيادين والبحارة اليونانيين في ميناء أثينا بيرايوس ليتعلم أن الكسوف كان مرئيًا فقط في نطاق محدد وبأنه مر بسرعة عبر هذه المنطقة من الغرب إلى الشرق.
قام علماء الفلك الحاليون ببعض الحسابات ليجدوا أن كسوفًا حدث في أثينا حيث كان يعيش أنكساغوراس في 17 شباط 478 ق.م والذي من الممكن أن يكون الكسوف الذي قاده لهذه النتيجة.
ويقال أنه على أساس ملاحظاته عن الكسوف استطاع تقدير حجمي الشمس والقمر، وحسب تقديراته فالقمر بحجم شبه جزيرة بيلوبونيز – Peloponnese في اليونان والشمس تبلغ ضعف حجم القمر عدة مرات.
كسوف هيبارخوس – Hipparchus، اليونان ومصر 189 ق.م
وفقًا لعالم الفلك اليوناني المصري كلاوديوس بطليموس – Claudius Ptolemy فإن عالم الفلك هيبارخوس أو (أبرخش) كان أول من حسب المسافة بين الأرض والقمر باستخدام ملاحظاته لكسوف ظهر في الإسكندرية في مصر وشمالها بحوالي 620 ميل أو حوالي 1000 كيلومتر في منطقة هيليسبونت في اليونان.
ويعتقد علماء الفلك في عصرنا أنه الكسوف الذي حدث في 14 آذار 189 ق.م.
هيبارخوس كرس حياته للرصد وكتب مجموعة ملاحظات حول 20 كسوف وخسوف خلال حياته وبعد أن لاحظ أن كسوفًا كليًا تم رصده في مضيق هيليسبونت ولكنه كان كسوفًا جزئيًا في الإسكندرية، استطاع أن يحسب المسافة نحو القمر مع الأخذ بالاعتبار المسافة من سطح الأرض من المدينتين.
وبتقدير المسافة بين الإسكندرية ومضيق هيليسبونت، حسب هيبارخوس مسافة بعد القمر عن الأرض حوالي 268000 ميل (429000 كيلومتر) وهو تخمين أكبر بحوالي 11% من المسافة الحقيقية التي قاسها علماء الفلك في عصرنا.
كسوف هالي إنكلترا 1715 ميلادي.
طور عالم الفلك الألماني يوهانس كيبلر – Johannes Kepler الفهم العلمي الحديث للكسوف في كتاباته في عامي 1604 و 1605 ولكنه مات عام 1630 قبل أن يقوم بأي توقعات مؤثرة.
ولذلك فإن أول التكهنات العلمية لكسوف في التاريخ تذهب للفلكي الإنكليزي إدموند هالي – Edmund Halley والذي اكتشف أيضًا المذنب المشهور الذي ارتبط باسمه.
عام 1705 تنبأ هالي بأن كسوفًا سيحدث وسيغطي معظم إنكلترا في 3 أيار من نفس السنة بناء على نظرية الجاذبية الكونية التي تم تطويرها من قبل صديقه السيد إسحق نيوتن.
ونشر هالي خريطة لمسار الكسوف المتوقع وسأل الفلكيين والمراقبين أن يقوموا بملاحظاتهم الخاصة للحدث.
راقب هالي الكسوف بنفسه والذي كان كسوفًا حلقيًا من مبنى الجمعية الملكية في لندن في صباح يوم صافٍ على غير العادة في المدينة: (قبل أن تختفي الشمس بالكامل بثوانٍ قليلة أظهرت نفسها كحلقة مضيئة، تقريبا الجزء العاشر من قطر القمر كان مضيئًا)
خلال الكسوف، قام هالي ببعض الحسابات اليدوية وكانت نسبة الخطأ لديه حوالي 4 دقائق و18 ميل (30 كيلومتر) في المسافة فقط.
خرز بيلي – Baily’s Beads، اسكتلندا 1836 ميلادي.
سجلت ملاحظات هالي أيضًا وللمرة الأولى عام 1715 ظاهرة عرفت لاحقًا باسم خرز بيلي وهي نقاط الضوء التي تظهر حول قرص القمر المظلم فور اختفاء الشمس خلفه.
وقد اكتشف هالي السبب الصحيح خلف هذه الظاهرة: (الوديان بين التلال على طول الحافة المرئية للقمر أصبحت مغمورة بالضوء للحظة بينما تغرق القمم في الظلام)، التي لا يمكن أن تظهر إلا بسبب التباين في سطح القمر حيث توجد بعض الأجزاء المرتفعة بالقرب من القطب الجنوبي للقمر والتي تم اعتراض جزء منها بواسطة هذا الخيط الخفيف جدًا من الضوء.
وتمت ملاحظة نفس الظاهرة من قبل عالم الفلك الإنكليزي فرانسيس بيلي – Francis Baily أثناء كسوف حلقي في إسكتلندا عام 1836 وعلى الرغم من أن هالي سجل نفس المشهد قبله بـ 100 سنة تقريبًا بات يعرف هذا الأثر باسم خرز بيلي.
الخاتم الماسي هو أثر مرتبط ظهر في كسوف عام 2009 في اليابان وهو التوهج النهائي من الضوء الذي ينظر إليه عندما تتبقى خرزة واحدة فقط.
شمال أوروبا 1851 ميلادي
الكسوف الكلي الذي غطى شمال أوروبا في 28 تموز 1851 سجل عددًا من الأرقام أو الأحداث لأول مرة حيث كان أول كسوف كموضوع لبعثة عالمية من الجمعية الفلكية الملكية البريطانية (RAS) وعلماء فلك من عدة بلدان أوروبية أخرى، وحمل أولى الملاحظات للغلاف الجوي العلوي للشمس أو الكروموسفير – Chromosphere والتي قام بها الفلكي الإنكليزي جورج إيري – George Airy عضو البعثة البريطانية في السويد.
اعتقد إيري في البداية أنه رأى جبالًا متوهجة على سطح الشمس لكن أدرك العلماء لاحقًا أنه كان يرى بروز للغاز المشع – Spicules وهي (تدفق غاز شعاعي صغير نسبيًا ولا يستمر طويلًا في الغلاف الجوي الخارجي للشمس) تعطي للكروموسفير مظهر مسنن.
وهنالك تقرير آخر عن الكسوف كتبه عضو من البعثة البريطانية في النرويج جون كروش آدمز – John Crouch Adams والذي قام قبل سنوات قليلة من الكسوف بحساب مدار نبتون بناء على الانحرافات في مدار يورانوس.
كتب إيري في دراسة حول الكسوف: إن مظهر الهالة وهي تشع بضوء بارد لا مثيل له على الأرض ترك انطباعًا لا يمكن نسيانه في عقلي وإحساس لا إرادي بالوحدة والقلق، بعض صناع التبن الذين كانوا يضحكون ويتحدثون عن عملهم بشكل مرح في المراحل الأولى من الكسوف، جلسوا في مجموعة بجانب التلسكوب، يراقبون ما الذي يحظى بهذا الاهتمام العظيم، ويحافظون على هدوء عميق، كان هنالك غراب قريب مني بدت عليه الحيرة والارتباك، ينعق ويطير إلى الأمام وإلى الخلف قرب الأرض بأسلوب متردد.
نتج أيضًا عن حدث عام 1851 أول صورة فوتوغرافية لكسوف الشمس والتي التقطها يوليوس بيركوسكي – Julius Berkowski في المرصد الملكي في كونيغسبرغ – Konigsberg في بروسيا، والآن كالينينغراد – Kaliningrad في روسيا.
اكتشاف الهيليوم 1868 ميلادي.
هذه الصورة من ناسا تظهر موجات الضوء فوق البنفسجي من الشمس والتي تتسبب بها ذرات الهيليوم الهائجة.
في 16 آب 1868 قام الفلكي الفرنسي جولز جانسين – Jules Janssen بالتقاط صور لطيف الشمس أثناء كسوف في مدينة جونتور – Guntur شرقي الهند.
بينما كان يتم تحليل الصورة باستخدام علم التحليل الطيفي المكتشف حديثًا في ذلك الوقت لاحظ جانسين وجود خط مضيء في الجزء الأصفر من طيف الشمس ما أشار إلى وجود غاز مجهول في الغلاف الجوي للشمس بالإضافة للهيدروجين المعروف.
في البداية اعتقد جانسين أن هذا الخط يسببه عنصر الصوديوم ولكن في غضون أشهر من اكتشافه وجد الفلكي الإنكليزي نورمان لوكير – Norman Lockyer نفس الخط في طيف ضوء النهار العادي وأشار إلى أنه من غير الممكن أن يطابق أي عنصر معروف، وأطلق اسم (هيليوم) على العنصر الجديد اقتباسًا من اسم آلهة الشمس اليونانية هيليوس – Helios.
على الرغم من وفرته في النجوم لكن الهيليوم نادر هنا على الأرض، يتميز بأنه مشع أكثر من بقية العناصر ويهرب بسهولة نحو طبقات الجو العليا ومنها إلى الفضاء.
بقي الهيليوم مجهولًا بالنسبة للعلماء على الأرض حتى 30 سنة بعد اكتشافه في الشمس، إلى أن اكتشف الكيميائي الاسكتلندي ويليام رامسي – William Ramsey رواسب من الغاز داخل جزء من خام اليورانيوم نتيجة للتآكل الإشعاعي لعناصر أثقل.
كسوف أينشتاين، إفريقيا وأميركا الجنوبية 1919 ميلادي.
طور أينشتاين نظريته عن النسبية بين عامي 1907 و 1915 واقترح التنبؤ المذهل بأن الضوء يتأثر بالجاذبية وكنتيجة لذلك فإن أشعة الضوء التي تمر بالقرب من جسم ضخم في الفضاء ستنكسر أو تنحني.
لكن الإثبات الأول لنظرية أينشتاين لم يأتي حتى عام 1919 بعد الملاحظات للكسوف الذي حدث في أفريقيا وأميركا الجنوبية.
سافر عالما الفلك البريطانيان آرثر إدينغتون – Arthur Eddington وفرانك واتسون دايسون – Frank Watson Dyson إلى جزيرة برينسيبي – Principe قبالة الساحل الغربي لإفريقيا من أجل هذا الحدث.
وتجهز العالمان للكسوف عبر الحساب الدقيق لمواقع نجوم عنقود هايادس – Hyades في كوكبة الثور.
مسلحين بالموقع الحقيقي لهايادس، التقط العالمان صورًا للنجوم عندما كان الكسوف في ذروته وأظهرت هذه الصور أن الضوء القادم من نجوم هايادس انحنى بالفعل بينما يمر بالقرب من الشمس ما نتج عنه ظهور هذه النجوم في مواقع مختلفة قليلًا عن مواقعها الأصلية، تمامًا كما تنبأ أينشتاين.
وبعض الملاحظات لحالات كسوف لاحقة، كالكسوف الذي حدث في إفريقيا والمحيط الهندي وأستراليا عام 1922 ساعدت في تأكيد ملاحظات إدينغتون ونظرية أينشتاين عن الجاذبية والضوء.
المصدر
على الرغم من أنه كان يسبب الذعر على اعتباره نذير شؤم، كسوف الشمس ساعد في صقل تاريخ البشرية وهنالك عدة حالات كسوف بصفة خاصة ساعدت الفلاسفة والعلماء على فهم أفضل للسماء وموقعنا الحقيقي في الكون.
وهنا العد التنازلي لأكثر 10 حالات كسوف ساهمت في تغيير العلم:
كسوف أوغاريت، سوريا 1223 ق.م
تعتبر عمليات مراقبة ورصد الكسوف التي تمت في بلاد ما بين النهرين منذ حوالي 3000 سنة مضت من بين أقدم التسجيلات الفلكية جنبًا إلى جنب مع الملاحظات الأخرى التي جمعها البابليون والآشوريون والحضارات الأخرى في الشرق الأوسط وهي أقدم السجلات العلمية من أي نوع على الإطلاق.
في ذلك الوقت اعتقد المنجمون أن الكسوف والمذنبات والأحداث السماوية الأخرى يمكن أن تؤثر على الأحداث الإنسانية هنا على الأرض وبشكل خاص مصائر الملوك والإمبراطوريات ولكن ملاحظاتهم التي قاموا بها من أجل التنجيم تمثل أيضًا أولى الخطوات المعروفة التي اتخذتها البشرية على طريق العلم الحديث.
إن أقدم رصد كسوف مسجل معروف في الشرق الأوسط تم اكتشافه في مدينة أوغاريت السورية في الأربعينات منقوشًا بالخط المسماري على لوح طيني.
ووفقًا لدراسة نشرت في دورية (Nature) عام 1989 يصف النص الكسوف الذي حدث في 5 آذار 1223 قبل الميلاد عندما كانت أوغاريت جزء من الامبراطورية الآشورية.
تشير الملاحظة التالية إلى أن النجوم والمريخ كانوا واضحين للعيان في الظلام الذي سببه الكسوف:
(في يوم القمر الجديد، في شهر هيار، وضعت الشمس للعار، وانخفضت في النهار، مع المريخ في الحضور.)
كسوف أنيانغ – Anyang، الصين 1302 ق.م
لسنوات عدة اعتقد أن لوح أوغاريت يصف كسوفًا في عام 1375 ق.م ما جعله أقدم رصد كسوف معروف.
لكن الآن وبعد أن عرفنا أن لوح أوغاريت يعود لعام 1223 ق.م يعتبر الرصد الذي حدث في مدينة أنيانغ وسط الصين أقدم تسجيل باقي لكسوف الشمس وهو محفور بالخط الصيني القديم على قطعة مسطحة من صدف السلحفاة، واحد من آلاف الآثار من العصر المعروف باسم (Oracle bones) أو عظام النبوءة حيث كان الاعتقاد السائد بأنها سحرية وتساعد على التنبؤ بالمستقبل.
أشارت المخطوطة إلى أن (ثلاثة من ألسنة اللهب أكلت الشمس، والنجوم الكبيرة أصبحت مرئية) ما فسره العلماء على أنه وصف لكسوف كلي مترافق مع ثلاث شرائط من الغاز حول الهالة الشمسية, والتي كانت مرئية فقط خلال الكسوف.
عام 1989 استخدم العلماء في مختبر ناسا للدفع النفاث (JPL) ملاحظات أنيانغ وملاحظات لخسوف القمر من نفس الفترة لتحديد التاريخ الدقيق لهذا الكسوف القديم على أنه 5 حزيران 1302 ق.م.
وبعد ذلك استخدم العلماء في المختبر هذه المعلومات في نموذج حاسوبي ليجدوا أن سرعة دوران الأرض قد انخفضت بحوالي 0.0047 ثانية منذ 1302 ق.م وفقًا لاحتكاك المد والجزر (قوة السحب على سطح الأرض الناتج عن جاذبية القمر والذي يؤثر على البروز أو الانتفاخ الخارجي لكوكبنا)
كسوف طاليس – Thales، الأناضول 585 ق.م
وفقًا للمؤرخ اليوناني القديم هيرودوت (Herodotus)، تنبأ الفيلسوف وعالم الفلك والرياضيات طاليس الملطي بكسوف الشمس الذي حدث في آسيا الصغرى في القرن السادس قبل الميلاد.
وبينما هنالك شك كبير بخصوص هذا الادعاء، قام علماء الفلك الحاليين ببعض الحسابات، وإن كان ما قاله هيرودوت صحيحًا فهو كسوف جزئي حدث في الشرق الأوسط في 5 أيار 585 ق.م.
وذكر هيرودوت أنه تمت رؤية الكسوف خلال معركة بجانب نهر هاليس – Halys أو ما يعرف الآن باسم (قيزيل إرماك) في الأناضول بين الميديين – Medes والليديين – Lydians في معركة عرفت لاحقًا باسم (معركة الكسوف).
أشار كاتب الخيال العلمي إسحاق عظيموف – Isaac Asimov إلى أن هذه المعركة ولهذا السبب تعتبر أقدم حدث في التاريخ يرتبط بتاريخ محدد في وقت يشير مؤرخي العلم إلى أن ذلك كان أول تنبؤ علمي بأي نوع من الظواهر أو على الأقل أول تنبؤ حدث فعلًا.
يقول مؤيدو طاليس بأنه تنبأ بحدث مشابه باستخدام دورة ساروس – Saros Cycle وهي دورة من 18 سنة تقريبًا حيث يتكرر الكسوف والخسوف بشكل دقيق نوعًا ما.
أقدم دليل على استعمال دورة ساروس أتى من بابل حوالي عام 500 ق.م، ولكن من الممكن أنه تم استخدامها قبل ذلك، ومن الممكن أيضًا أن طاليس سافر إلى بابل ليتعلمها.
كسوف أنكساغوراس – Anaxagoras، اليونان 478 ق.م.
وفقًا للمؤرخ اليوناني فلوطرخس أو بلوتارخُس – Plutrach وكتّاب قدماء آخرين، كان الفيلسوف أنكساغوراس أول من أدرك أن سبب الكسوف هو حجب ظل القمر لضوء الشمس بدلًا من أن يكون نوع من التحولات في الشمس نفسها.
ولكن التفاصيل حول كيفية معرفته بذلك تبقى مجهولة لكن المؤرخين الحاليين يجادلون إمكانية استخدامه لوصف الصيادين والبحارة اليونانيين في ميناء أثينا بيرايوس ليتعلم أن الكسوف كان مرئيًا فقط في نطاق محدد وبأنه مر بسرعة عبر هذه المنطقة من الغرب إلى الشرق.
قام علماء الفلك الحاليون ببعض الحسابات ليجدوا أن كسوفًا حدث في أثينا حيث كان يعيش أنكساغوراس في 17 شباط 478 ق.م والذي من الممكن أن يكون الكسوف الذي قاده لهذه النتيجة.
ويقال أنه على أساس ملاحظاته عن الكسوف استطاع تقدير حجمي الشمس والقمر، وحسب تقديراته فالقمر بحجم شبه جزيرة بيلوبونيز – Peloponnese في اليونان والشمس تبلغ ضعف حجم القمر عدة مرات.
كسوف هيبارخوس – Hipparchus، اليونان ومصر 189 ق.م
وفقًا لعالم الفلك اليوناني المصري كلاوديوس بطليموس – Claudius Ptolemy فإن عالم الفلك هيبارخوس أو (أبرخش) كان أول من حسب المسافة بين الأرض والقمر باستخدام ملاحظاته لكسوف ظهر في الإسكندرية في مصر وشمالها بحوالي 620 ميل أو حوالي 1000 كيلومتر في منطقة هيليسبونت في اليونان.
ويعتقد علماء الفلك في عصرنا أنه الكسوف الذي حدث في 14 آذار 189 ق.م.
هيبارخوس كرس حياته للرصد وكتب مجموعة ملاحظات حول 20 كسوف وخسوف خلال حياته وبعد أن لاحظ أن كسوفًا كليًا تم رصده في مضيق هيليسبونت ولكنه كان كسوفًا جزئيًا في الإسكندرية، استطاع أن يحسب المسافة نحو القمر مع الأخذ بالاعتبار المسافة من سطح الأرض من المدينتين.
وبتقدير المسافة بين الإسكندرية ومضيق هيليسبونت، حسب هيبارخوس مسافة بعد القمر عن الأرض حوالي 268000 ميل (429000 كيلومتر) وهو تخمين أكبر بحوالي 11% من المسافة الحقيقية التي قاسها علماء الفلك في عصرنا.
كسوف هالي إنكلترا 1715 ميلادي.
طور عالم الفلك الألماني يوهانس كيبلر – Johannes Kepler الفهم العلمي الحديث للكسوف في كتاباته في عامي 1604 و 1605 ولكنه مات عام 1630 قبل أن يقوم بأي توقعات مؤثرة.
ولذلك فإن أول التكهنات العلمية لكسوف في التاريخ تذهب للفلكي الإنكليزي إدموند هالي – Edmund Halley والذي اكتشف أيضًا المذنب المشهور الذي ارتبط باسمه.
عام 1705 تنبأ هالي بأن كسوفًا سيحدث وسيغطي معظم إنكلترا في 3 أيار من نفس السنة بناء على نظرية الجاذبية الكونية التي تم تطويرها من قبل صديقه السيد إسحق نيوتن.
ونشر هالي خريطة لمسار الكسوف المتوقع وسأل الفلكيين والمراقبين أن يقوموا بملاحظاتهم الخاصة للحدث.
راقب هالي الكسوف بنفسه والذي كان كسوفًا حلقيًا من مبنى الجمعية الملكية في لندن في صباح يوم صافٍ على غير العادة في المدينة: (قبل أن تختفي الشمس بالكامل بثوانٍ قليلة أظهرت نفسها كحلقة مضيئة، تقريبا الجزء العاشر من قطر القمر كان مضيئًا)
خلال الكسوف، قام هالي ببعض الحسابات اليدوية وكانت نسبة الخطأ لديه حوالي 4 دقائق و18 ميل (30 كيلومتر) في المسافة فقط.
خرز بيلي – Baily’s Beads، اسكتلندا 1836 ميلادي.
سجلت ملاحظات هالي أيضًا وللمرة الأولى عام 1715 ظاهرة عرفت لاحقًا باسم خرز بيلي وهي نقاط الضوء التي تظهر حول قرص القمر المظلم فور اختفاء الشمس خلفه.
وقد اكتشف هالي السبب الصحيح خلف هذه الظاهرة: (الوديان بين التلال على طول الحافة المرئية للقمر أصبحت مغمورة بالضوء للحظة بينما تغرق القمم في الظلام)، التي لا يمكن أن تظهر إلا بسبب التباين في سطح القمر حيث توجد بعض الأجزاء المرتفعة بالقرب من القطب الجنوبي للقمر والتي تم اعتراض جزء منها بواسطة هذا الخيط الخفيف جدًا من الضوء.
وتمت ملاحظة نفس الظاهرة من قبل عالم الفلك الإنكليزي فرانسيس بيلي – Francis Baily أثناء كسوف حلقي في إسكتلندا عام 1836 وعلى الرغم من أن هالي سجل نفس المشهد قبله بـ 100 سنة تقريبًا بات يعرف هذا الأثر باسم خرز بيلي.
الخاتم الماسي هو أثر مرتبط ظهر في كسوف عام 2009 في اليابان وهو التوهج النهائي من الضوء الذي ينظر إليه عندما تتبقى خرزة واحدة فقط.
شمال أوروبا 1851 ميلادي
الكسوف الكلي الذي غطى شمال أوروبا في 28 تموز 1851 سجل عددًا من الأرقام أو الأحداث لأول مرة حيث كان أول كسوف كموضوع لبعثة عالمية من الجمعية الفلكية الملكية البريطانية (RAS) وعلماء فلك من عدة بلدان أوروبية أخرى، وحمل أولى الملاحظات للغلاف الجوي العلوي للشمس أو الكروموسفير – Chromosphere والتي قام بها الفلكي الإنكليزي جورج إيري – George Airy عضو البعثة البريطانية في السويد.
اعتقد إيري في البداية أنه رأى جبالًا متوهجة على سطح الشمس لكن أدرك العلماء لاحقًا أنه كان يرى بروز للغاز المشع – Spicules وهي (تدفق غاز شعاعي صغير نسبيًا ولا يستمر طويلًا في الغلاف الجوي الخارجي للشمس) تعطي للكروموسفير مظهر مسنن.
وهنالك تقرير آخر عن الكسوف كتبه عضو من البعثة البريطانية في النرويج جون كروش آدمز – John Crouch Adams والذي قام قبل سنوات قليلة من الكسوف بحساب مدار نبتون بناء على الانحرافات في مدار يورانوس.
كتب إيري في دراسة حول الكسوف: إن مظهر الهالة وهي تشع بضوء بارد لا مثيل له على الأرض ترك انطباعًا لا يمكن نسيانه في عقلي وإحساس لا إرادي بالوحدة والقلق، بعض صناع التبن الذين كانوا يضحكون ويتحدثون عن عملهم بشكل مرح في المراحل الأولى من الكسوف، جلسوا في مجموعة بجانب التلسكوب، يراقبون ما الذي يحظى بهذا الاهتمام العظيم، ويحافظون على هدوء عميق، كان هنالك غراب قريب مني بدت عليه الحيرة والارتباك، ينعق ويطير إلى الأمام وإلى الخلف قرب الأرض بأسلوب متردد.
نتج أيضًا عن حدث عام 1851 أول صورة فوتوغرافية لكسوف الشمس والتي التقطها يوليوس بيركوسكي – Julius Berkowski في المرصد الملكي في كونيغسبرغ – Konigsberg في بروسيا، والآن كالينينغراد – Kaliningrad في روسيا.
اكتشاف الهيليوم 1868 ميلادي.
هذه الصورة من ناسا تظهر موجات الضوء فوق البنفسجي من الشمس والتي تتسبب بها ذرات الهيليوم الهائجة.
في 16 آب 1868 قام الفلكي الفرنسي جولز جانسين – Jules Janssen بالتقاط صور لطيف الشمس أثناء كسوف في مدينة جونتور – Guntur شرقي الهند.
بينما كان يتم تحليل الصورة باستخدام علم التحليل الطيفي المكتشف حديثًا في ذلك الوقت لاحظ جانسين وجود خط مضيء في الجزء الأصفر من طيف الشمس ما أشار إلى وجود غاز مجهول في الغلاف الجوي للشمس بالإضافة للهيدروجين المعروف.
في البداية اعتقد جانسين أن هذا الخط يسببه عنصر الصوديوم ولكن في غضون أشهر من اكتشافه وجد الفلكي الإنكليزي نورمان لوكير – Norman Lockyer نفس الخط في طيف ضوء النهار العادي وأشار إلى أنه من غير الممكن أن يطابق أي عنصر معروف، وأطلق اسم (هيليوم) على العنصر الجديد اقتباسًا من اسم آلهة الشمس اليونانية هيليوس – Helios.
على الرغم من وفرته في النجوم لكن الهيليوم نادر هنا على الأرض، يتميز بأنه مشع أكثر من بقية العناصر ويهرب بسهولة نحو طبقات الجو العليا ومنها إلى الفضاء.
بقي الهيليوم مجهولًا بالنسبة للعلماء على الأرض حتى 30 سنة بعد اكتشافه في الشمس، إلى أن اكتشف الكيميائي الاسكتلندي ويليام رامسي – William Ramsey رواسب من الغاز داخل جزء من خام اليورانيوم نتيجة للتآكل الإشعاعي لعناصر أثقل.
كسوف أينشتاين، إفريقيا وأميركا الجنوبية 1919 ميلادي.
طور أينشتاين نظريته عن النسبية بين عامي 1907 و 1915 واقترح التنبؤ المذهل بأن الضوء يتأثر بالجاذبية وكنتيجة لذلك فإن أشعة الضوء التي تمر بالقرب من جسم ضخم في الفضاء ستنكسر أو تنحني.
لكن الإثبات الأول لنظرية أينشتاين لم يأتي حتى عام 1919 بعد الملاحظات للكسوف الذي حدث في أفريقيا وأميركا الجنوبية.
سافر عالما الفلك البريطانيان آرثر إدينغتون – Arthur Eddington وفرانك واتسون دايسون – Frank Watson Dyson إلى جزيرة برينسيبي – Principe قبالة الساحل الغربي لإفريقيا من أجل هذا الحدث.
وتجهز العالمان للكسوف عبر الحساب الدقيق لمواقع نجوم عنقود هايادس – Hyades في كوكبة الثور.
مسلحين بالموقع الحقيقي لهايادس، التقط العالمان صورًا للنجوم عندما كان الكسوف في ذروته وأظهرت هذه الصور أن الضوء القادم من نجوم هايادس انحنى بالفعل بينما يمر بالقرب من الشمس ما نتج عنه ظهور هذه النجوم في مواقع مختلفة قليلًا عن مواقعها الأصلية، تمامًا كما تنبأ أينشتاين.
وبعض الملاحظات لحالات كسوف لاحقة، كالكسوف الذي حدث في إفريقيا والمحيط الهندي وأستراليا عام 1922 ساعدت في تأكيد ملاحظات إدينغتون ونظرية أينشتاين عن الجاذبية والضوء.
المصدر