تمهيد
بعث
الرسل عليهم الصلاة والسلام ليذكّروا بآيات الله وليعلّموا الناس وليزكّوا الأنفس،
فالتعليم والتذكير والتزكية هي أهم مهمات الرسل، انظر مصداق ذلك في دعوة إبراهيم
لذريته:
{رَبَّنَا
وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ}[البقرة: 129].
وانظر
الاستجابة لهذه الدعوة والمنّة على هذه الأمة في قوله تعالى:
{كَمَا
أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ
وَيُعَلِّمُكُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا
تَعْلَمُونَ}[البقرة: 151].
ولقد
قال موسى لفرعون:
{فَقُلْهَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ
فَتَخْشَى}
[النازعات: 18-19].
وقال
تعالى:
{وَسَيُجَنَّبُهَا
الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى}
[الليل: 17-18].
وقال:
{قَدْأَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}[الشمس: 9-10].
فتزكية
النفس من مهمات الرسل، وهي هدف للمتقين، وعليها مدار النجاة عند الله عز
وجل.
والتزكية
في اللغة تأتي على معان: منها التطهير، ومنها النمو وهي كذلك في الاصطلاح، فزكاة
النفس تطهيرها من أمراض وآفات، وتحققها بمقامات، وتخلقها بأسماء
وصفات.
فالتزكية
في النهاية: تطهرٌ وتحقق وتخلق، ولذلك وسائله المشروعة، وماهيتها وثمراتها الشرعية،
ويظهر آثار ذلك على السلوك، في التعامل مع الله عز وجل ومع الخلق، وفي ضبط الجوارح
وفقاً لأوامر الله.
* *
*
إن
تزكية القلوب والنفوس: إنما تكون بالعبادات فإذا أُدِّيت العبادة على كمال وتمام
فعندئذ يتحقق القلب بمعان تكون النفس بها مزكاة، ويكون لذلك آثاره وثمراته على
الجوارح كلها كاللسان والعين والأذن وبقية الأعضاء، وأظهر ثمرات النفس المزكاة حسن
الأدب والمعاملة مع الله والناس: مع الله قياماً بحقوقه بما في ذلك بذل النفس
جهاداً في سبيله، ومع الناس على حسب الدائرة وعلى مقتضى المقام وعلى ضوء التكليف
الرباني.
* *
*
وإذن
فالتزكية لها وسائل من مثل الصلاة والإِنفاق والصوم والحج والذكر والفكر وتلاوة
القرآن والتأمل والمحاسبة وتذكر الموت، إذا أُديت هذه على كمالها
وتمامها.
ومن
آثار ذلك أن يتحقق القلب بالتوحيد، والإِخلاص، والصبر، والشكر، والخوف، والرجاء،
والحلم، والصدق مع الله، والمحبة له، ويتخلى عما يقابل ذلك من رياء، وعجب، وغرور،
وغضب للنفس، أو للشيطان، وبذلك تصبح النفس مزكاة فتظهر ثمرات ذلك في ضبط الجوارح
على أمر الله في العلاقة مع الأسرة والجوار والمجتمع والناس.
{أَلَمْ
تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍأَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ
بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم:
24-25].
* *
*
إنّ
المربين في عصرنا يواجهون حالات خطيرة:
فالقلب
قسا، وأمراضه من حسد وعجب أصبحت متفشية، وحسن التعامل ضعف، والجهاد والأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر لا بد أن تتأثر بذلك، لذلك كان لا بد للذين يسعون إلى تجديد
الإِسلام أن يفكروا في إحياء المعاني القلبية للعبادات، وفي تحلية النفس بأخلاق
العبودية، وتخليتها من النزعات الحيوانية والشيطانية.
وإذا
كان الأثر المباشر لموت القلوب فقدان المعاني القلبية الإِيمانية: من صبر وشكر وخوف
من الله... وهي أشياء لا بد منها لصلاح الحياة، وإذ كان من الآثار المباشرة لهذا
الموت وجود الحسد والعجب والغرور وهي أشياء خطيرة جداً على الحياة، فلقد أصبح
التركيز على هذه المعاني واجباً على الذين يريدون إصلاح الحياة الفردية
والجماعية.
* *
*