لماذا تنتصر الحركات الاسلامية ؟
ان تلاوة القرآن الكريم تساعدنا في تذكر حقيقية بسيطة في الحياة وهي ان من الواجب لكي يحيا الناس في المجتمع حياة طيبة ان تتوفر العدالة والمساواة والشفقة والحنان. وتكمن في هذا المفهوم جذور الاسلام السياسي.
هناك مجتمعات وكيانات أخرى تجعل تطلعاتها في الحياة خاضعة لعلاقات السوق كما انها تخضع نفسها لتقلبات الاوضاع في السوق. لكن هذا يتناقض دائما مع حلم الانسان في بناء المجتمع البشري على اساس مبادئ المساواة والرحمة والحق. علما انه ليس ذلك الحق الذي يشكل الكذب نقيضه ، بل الحق الذي يعتبر الباطل نقيضه. وتخضع الى هذا الحقيقة جميع التطلعات في المجتمع ومنها السوق.
ان ما يضمن الحياة الكريمة للإنسان المساواة في المجتمع ، ليس مستوى المداخيل او الاستهلاك. والمساواة الاقتصادية في المجتمع هي التي تجعل الناس في صحة وعافية . وتظهر الدراسات ان الناس في المجتمعات التي يسود فيها عدم العدالة الاقتصادية بقدر كبير ، ومثاله في الولايات المتحدة ، يلاحظ لدى الناس مستوى قلق وعنف أكبر، وحالات أكثر من الحمل لدى القاصرات، وغالبا ما يعاني الناس من المرض ، وكذلك من السمنة والادمان على تناول الخمور. وتتميز المجتمعات التي يسودها الظلم بالغلو في الاستهلاك. علما ان مستوى الثقة الاجتماعية في بلدان كالولايات المتحدة يكون أدنى مما في اوروبا ، بينما لا يوجد أي رأسمال اجتماعي.
ويشعر الكثيرون في الحضارة الغربية بعدم الارتياح والخوف حين يغدو هذا النموذج الغربي الديكارتي موضع شك مجددا. وليس من العسير ايجاد سمات هذا الخوف – فهو يتجلى في ظاهرة الاسلاموفوبيا العادية على صعيد الحياة اليومية ، وفي النظريات العلمية الزائفة حول "صدام الحضارات". أما في الصور الفوتوغرافية فيتجسد في المظاهرات ضد بناء المساجد في هولندا.
ان الحركة الاسلامية لا تتشكل على هامش الحضارة. انها تجند الانصار بين افراد تلقوا التعليم الغربي واصابتهم خيبة أمل بالمادية والفردية في الحضارة الغربية. وتغدو فكرة الأمة التقليدية فكرة ثورية لأنها تعني التحول من النموذج الغربي ، الذي تشكل حول النزعة الفردية. كما انها تعتبر معيار النجاح رفاهية المجتمع بأسره ، وليس بعض الافراد المحظوظين والنموذجيين.
والحركة الاسلامية تطرح مجددا مسألة قديمة تكمن في أساس الفلسفة الاسلامية وكذلك الفلسفة الغربية. فقبل 200 عام بدا للغرب ان الخلاف القديم بينهما قد تمت تسويته لصالح النزعة الفردية و" الانانية المعقولة".ويشعر الكثير ممن يعيشون في الحضارة الغربية بعدم الارتياح والخوف حين يصبح هذا النموذج الغربي الديكارتي موضع شك مجددا ومجددا.وليس من العسير جدا ايجاد سمات هذا الخوف – فهو يظهر في الاسلاموفوبيا على الصعيد اليومي والنظريات العلمية الزائفة حول " صدام الحضارات" . والزعم بأن الغرب أكتسب مع ديكارت الحقيقة الموضوعية عبر العلم والتكنولوجيا. وان الطريق الغربي هو الطريق الصائب الوحيد لأنه "جعلنا" اغنياء وأقوياء. أما هم (اي المسلمون وغيرهم وجميع من لا ينتمون "إلينا") فهم عاجزون عن بلوغ ذلك. لكن لا يوجد لديهم خيار و"أنهم " سيضطرون الى الانصياع الى " الحق" الغربي.
ان الحركة الاسلامية هي محاولة لتشكيل الوعي الجديد في زماننا الذي تتغير مسلماته الأساسية. والثورة الاسلامية مثل أية ثورة حقيقية هي أكثر من سياسة. والوعي الجديد ينبثق من أعماق التقاليد الفكرية الاسلامية التي تطرح مفهوما مغايرا تماما لمعيشة الانسان ، وتساعد على تجنب وهيمنة نمط التفكير الديكارتي الصارم.وهذا لا يعني البتة ان الوعي الجديد سيبقى ضمن إطار المجتمع الاسلامي ، ولن يغدو عالميا ، مثل الماركسية التي حملت الى الحضارة الغربية التقليد الفلسفي الرسولي" المسيحاني" للعالم ، أو الفرويدية التي أغنت الحضارة الغربية بالتقليد الكهنوتي لتغيير الذات. ولا ريب في ان افكار المساواة والعدالة الاجتماعية والمساعدة المتبادلة موجودة في كثير من الثقافات والايديولجيات ومنها الثقافة الغربية. واليوم تؤمن الحركة الاسلامية بالذات بهذه المبادئ وتبني سياستها على اساسها. ونحن نرى في كل يوم أمثلة على ذلك. ففي صحيفة اليوم نرى خبرين جاء في احدهما ان المستشارة الالمانية انجيلا ميركل تعلن ان المساعدة لا تكون بدون المبادلة بالمثل. ولو ان عدم المبادلة بالمثل هو بحد ذاته مساعدة ، اما الامور الاخرى فلها تسميات مختلفة. والخبر الآخر ان الاسلاميين في شمال مالي أخرجوا من مناطقهم حلفاءهم السابقين – من الانفصاليين الطوارق العلمانيين. ويكمن سبب النزاع في ان فصائل الطوارق التي أعلنت استقلال اراضيها في جنوب غرب الصحراء الكبرى مارست النهب والاغتصاب ، ولهذا لم تستطع كسب ثقة الاهالي ، اما الاسلاميون المسلحون فقد فرضوا القانون والنظام.
ان اثورة الاسلامية قد مهدت الطريق لتوه الى أكتشاف الوعي الذاتي الجديد. ولا يشترط ان تسود النزعة الاسلامية حتما بعد الرأسمالية ، ففي كافة الاحوال ان الاشتراكية ستسود بعد الرأسمالية. ان الحركة الاسلامية تتسم بالعديد من العيوب الصارخة والجلية للعيان ، والتي يعتبر بعضها احيانا جوهر الاسلام. لكن الاسلام السياسي يعرض على المسلمين ( وعلى الغربيين أيضا) امكانية تجاوز مثل هذه النقائص الصارخة والمميزة ايضا للرأسمالية المادية والنزعة الأنانية. وهذا الأمر يقلق الافئدة ويستثير العقول في سوقنا الحرة اللبرالية الجديدة حيث تقطع اشجار الغابات فتتطاير شظاياها ، بينما يستنشق الانسان الهواء بإرتياح ، وحيث تغدو الحياة أفضا وأكثر مسرة. وهذا يعطي الأمل في انه لن تسود قرون الهمجية المظلمة بعد زوال الرأسمالية.
بقلم : ميخائيل دورفمان
ان تلاوة القرآن الكريم تساعدنا في تذكر حقيقية بسيطة في الحياة وهي ان من الواجب لكي يحيا الناس في المجتمع حياة طيبة ان تتوفر العدالة والمساواة والشفقة والحنان. وتكمن في هذا المفهوم جذور الاسلام السياسي.
هناك مجتمعات وكيانات أخرى تجعل تطلعاتها في الحياة خاضعة لعلاقات السوق كما انها تخضع نفسها لتقلبات الاوضاع في السوق. لكن هذا يتناقض دائما مع حلم الانسان في بناء المجتمع البشري على اساس مبادئ المساواة والرحمة والحق. علما انه ليس ذلك الحق الذي يشكل الكذب نقيضه ، بل الحق الذي يعتبر الباطل نقيضه. وتخضع الى هذا الحقيقة جميع التطلعات في المجتمع ومنها السوق.
ان ما يضمن الحياة الكريمة للإنسان المساواة في المجتمع ، ليس مستوى المداخيل او الاستهلاك. والمساواة الاقتصادية في المجتمع هي التي تجعل الناس في صحة وعافية . وتظهر الدراسات ان الناس في المجتمعات التي يسود فيها عدم العدالة الاقتصادية بقدر كبير ، ومثاله في الولايات المتحدة ، يلاحظ لدى الناس مستوى قلق وعنف أكبر، وحالات أكثر من الحمل لدى القاصرات، وغالبا ما يعاني الناس من المرض ، وكذلك من السمنة والادمان على تناول الخمور. وتتميز المجتمعات التي يسودها الظلم بالغلو في الاستهلاك. علما ان مستوى الثقة الاجتماعية في بلدان كالولايات المتحدة يكون أدنى مما في اوروبا ، بينما لا يوجد أي رأسمال اجتماعي.
ويشعر الكثيرون في الحضارة الغربية بعدم الارتياح والخوف حين يغدو هذا النموذج الغربي الديكارتي موضع شك مجددا. وليس من العسير ايجاد سمات هذا الخوف – فهو يتجلى في ظاهرة الاسلاموفوبيا العادية على صعيد الحياة اليومية ، وفي النظريات العلمية الزائفة حول "صدام الحضارات". أما في الصور الفوتوغرافية فيتجسد في المظاهرات ضد بناء المساجد في هولندا.
ان الحركة الاسلامية لا تتشكل على هامش الحضارة. انها تجند الانصار بين افراد تلقوا التعليم الغربي واصابتهم خيبة أمل بالمادية والفردية في الحضارة الغربية. وتغدو فكرة الأمة التقليدية فكرة ثورية لأنها تعني التحول من النموذج الغربي ، الذي تشكل حول النزعة الفردية. كما انها تعتبر معيار النجاح رفاهية المجتمع بأسره ، وليس بعض الافراد المحظوظين والنموذجيين.
والحركة الاسلامية تطرح مجددا مسألة قديمة تكمن في أساس الفلسفة الاسلامية وكذلك الفلسفة الغربية. فقبل 200 عام بدا للغرب ان الخلاف القديم بينهما قد تمت تسويته لصالح النزعة الفردية و" الانانية المعقولة".ويشعر الكثير ممن يعيشون في الحضارة الغربية بعدم الارتياح والخوف حين يصبح هذا النموذج الغربي الديكارتي موضع شك مجددا ومجددا.وليس من العسير جدا ايجاد سمات هذا الخوف – فهو يظهر في الاسلاموفوبيا على الصعيد اليومي والنظريات العلمية الزائفة حول " صدام الحضارات" . والزعم بأن الغرب أكتسب مع ديكارت الحقيقة الموضوعية عبر العلم والتكنولوجيا. وان الطريق الغربي هو الطريق الصائب الوحيد لأنه "جعلنا" اغنياء وأقوياء. أما هم (اي المسلمون وغيرهم وجميع من لا ينتمون "إلينا") فهم عاجزون عن بلوغ ذلك. لكن لا يوجد لديهم خيار و"أنهم " سيضطرون الى الانصياع الى " الحق" الغربي.
ان الحركة الاسلامية هي محاولة لتشكيل الوعي الجديد في زماننا الذي تتغير مسلماته الأساسية. والثورة الاسلامية مثل أية ثورة حقيقية هي أكثر من سياسة. والوعي الجديد ينبثق من أعماق التقاليد الفكرية الاسلامية التي تطرح مفهوما مغايرا تماما لمعيشة الانسان ، وتساعد على تجنب وهيمنة نمط التفكير الديكارتي الصارم.وهذا لا يعني البتة ان الوعي الجديد سيبقى ضمن إطار المجتمع الاسلامي ، ولن يغدو عالميا ، مثل الماركسية التي حملت الى الحضارة الغربية التقليد الفلسفي الرسولي" المسيحاني" للعالم ، أو الفرويدية التي أغنت الحضارة الغربية بالتقليد الكهنوتي لتغيير الذات. ولا ريب في ان افكار المساواة والعدالة الاجتماعية والمساعدة المتبادلة موجودة في كثير من الثقافات والايديولجيات ومنها الثقافة الغربية. واليوم تؤمن الحركة الاسلامية بالذات بهذه المبادئ وتبني سياستها على اساسها. ونحن نرى في كل يوم أمثلة على ذلك. ففي صحيفة اليوم نرى خبرين جاء في احدهما ان المستشارة الالمانية انجيلا ميركل تعلن ان المساعدة لا تكون بدون المبادلة بالمثل. ولو ان عدم المبادلة بالمثل هو بحد ذاته مساعدة ، اما الامور الاخرى فلها تسميات مختلفة. والخبر الآخر ان الاسلاميين في شمال مالي أخرجوا من مناطقهم حلفاءهم السابقين – من الانفصاليين الطوارق العلمانيين. ويكمن سبب النزاع في ان فصائل الطوارق التي أعلنت استقلال اراضيها في جنوب غرب الصحراء الكبرى مارست النهب والاغتصاب ، ولهذا لم تستطع كسب ثقة الاهالي ، اما الاسلاميون المسلحون فقد فرضوا القانون والنظام.
ان اثورة الاسلامية قد مهدت الطريق لتوه الى أكتشاف الوعي الذاتي الجديد. ولا يشترط ان تسود النزعة الاسلامية حتما بعد الرأسمالية ، ففي كافة الاحوال ان الاشتراكية ستسود بعد الرأسمالية. ان الحركة الاسلامية تتسم بالعديد من العيوب الصارخة والجلية للعيان ، والتي يعتبر بعضها احيانا جوهر الاسلام. لكن الاسلام السياسي يعرض على المسلمين ( وعلى الغربيين أيضا) امكانية تجاوز مثل هذه النقائص الصارخة والمميزة ايضا للرأسمالية المادية والنزعة الأنانية. وهذا الأمر يقلق الافئدة ويستثير العقول في سوقنا الحرة اللبرالية الجديدة حيث تقطع اشجار الغابات فتتطاير شظاياها ، بينما يستنشق الانسان الهواء بإرتياح ، وحيث تغدو الحياة أفضا وأكثر مسرة. وهذا يعطي الأمل في انه لن تسود قرون الهمجية المظلمة بعد زوال الرأسمالية.
بقلم : ميخائيل دورفمان