التواصل واللغة
إن الأحاسيس والمشاعر
والأفكار تجري في دماغ كل إنسان , وهي طنينات حسية تحدث بشكل فردي داخل دماغه , ولا
يمكن أن يعلم بوجودها الآخرين , إلا إذا حدث ما يعلمهم بوجودها . إي حصول تواصل
معهم يتم بموجبه إعلامهم بها . بالإضافة إلى ضرورة وجود ما يشابهها لديهم , و إلا
يستحيل أن يتمثلوها و يتصورها وبالتالي يعرفوها .
لقد نشأ التواصل بين أدمغة
الكائنات الحية وتطور إلى أن أصبح على ما هو عليه الآن لدى الإنسان . فالحيوانات
وخاصةُ الثدييات التي تعيش جماعات , لديها طرق تنقل بواسطتها نواياها أو أفكارها
إلى رفاقها , فهي تستعمل الحركات والأصوات وتعابير الوجه والعينين لنقل ما يجري في
دماغها إلى أدمغة الآخرين . فالغزال عندما يشاهد الأسد متحفز لافترسه ويشاهد تعابير
وجهه وعينيه , ويقرأ نية الأسد لافترسه , يجري ويهرب بسرعة . واللبوة وكل أم ( لدى
الثدييات) تقرأ أو تعرف دوافع ونوايا طفلها من خلال تصرفاته فتعرف بعض ما يجول في
دماغه , وكذلك وليدها يعرف بالوراثة ويتعلم أن يتواصل مع أمه فيقرأ بعض ما يجول في
دماغها.
لقد استطاعت الحيوانات أن تتواصل مع بعضها ونقل بعض ما يجري في أدمغتها
إلى الآخرين . فقد تحقق نقل جزء مما يجري في أدمغتها إلى أدمغة غيرها بواسطة لغة
مؤلفة من رموز بصرية وصوتية وشمية .
والطفل بعد ولادته يتواصل مع أمه بإشارات
وتعبيرات وحركات وبواسطة الشم واللمس والنظر والسمع وباقي الحواس ، ثم يبدأ التواصل
اللغوي بالتشكل تدريجياً وبالاعتماد على التواصل الحسي , الذي هو أساس التواصل بين
الإنسان والواقع بكافة مجالاته . والتواصل الحسي يبقى الأساس في كل تواصل مباشر مع
الآخرين ، وهذا التواصل له عناصره وأسسه وآلياته وهي التي تقرر نتيجة التواصل .
فتأثير اللقاءات المباشرة بين البشر يختلف كثيراً عن تأثير اللقاءات غير المباشرة
مثل المراسلات والاتصالات الهاتفية ، فتعابير الوجه ونبرات وخصائص الكلام وطريقة
الرد كل منها تقرأ , والمعلومات المتضمنة في كل تواصل مباشر أوسع بكثير من أي لقاء
غير مباشر . وتأثيرات اللقاء المباشر لم تدرس بشكل كاف لأنها أوسع وأعم بكثير مما
يتوقع ، وتأثيرات اللقاء المباشر تختلف من مجتمع إلى آخر مع أن هناك أسساً مشتركة
عامة بين كافة أنواع المجتمعات . والتأثيرات الاجتماعية , الثقافة والعادات وغيرها
, ظلت تنتقل عبر آلاف السنين بالاتصال المباشر , بالتعابير والتصرفات والإيحاءات و
تعابير الوجه والعينين , مترافقة مع اللغة .
وقد تطورت اللغة لدينا نحن البشر
نحو التخصص والاختزال والتبسط إلى أن أصبحت إلى ما هي عليه لدينا الآن , لغة صوتية
أو بصرية محكية أو مقروءة , و بقي استخدام كافة أشكال التواصل الأخرى . وتم توحيد
الرموز والدلالات اللغوية لكي تسهل نقل ما يجري في العقل إلى الآخرين . فأصبحت
أحاسيس ومشاعر وأفكار الأخر مكشوفة بشكل كبير, وتحقق تواصل فعال لدى البشر
.
فالإنسان الآن لم يعد يعي ذاته فقط , فهو يستطيع أن يتمثل وعي الآخر , ولم يعد
وحيداً , فقد تداخل وعيه الذاتي مع وعي الآخرين . فالحياة الاجتماعية التي يعيشها
ليست مشاركة مادية فقط , فهي مشاركة في الأحاسيس والمشاعر والأفكار والرغبات والوعي
أيضاً .
لكي يتواصل إنسان مع آخر بواسطة اللغة يجب أن يستعمل الكلمات أو
الدلالات التي تمثل نفس المعاني والأفكار الفكرية , فلن يستطيع عقل إنسان أن يدرك
أفكار عقل إنسان آخر إلا إذا استعملت واسطة تواصل ( لغة ) موحدة بين الاثنين, عندها
يمكن نقل ما يدركه أو ما يشعر به أو يفكر به أحدهما إلى الآخر.
إن آليات
التواصل بين البشر تشابه كافة آليات الإرسال و الاستقبال تماماَ , فهناك بنيات
لغوية تمثل البنيات الفكرية تقوم بنقل مضمون الأحاسيس والأفكار والمعاني من عقل
إنسان لآخر, وهذه تنقل على شكل أصوات أو رموز بصرية أو غيرها من وسائل الترميز,
وتحمل المعلومات من عقل إلى آخر.
ويجب أن تتطابق آليات أو دارات الإرسال مع
مثيلتها في الاستقبال ، لكي يتم نقل الرموز وبالتالي الأفكار والمعاني , فأنا لا
أستطيع نقل مفهوم أي إحساس إلى إنسان آخر إذا لم يكن لديه نفس الإحساس أو شبيه به ,
أي يجب وجود - بنية أو جهاز- إحساس لدى الإنسان الآخر تشابه بنية الإحساس الموجودة
لدي , لكي يستطيع استقبال ما أرسله له , وبالتالي يشعر بشبيه ما أشعر.
فالتواصل
البشري بكافة أشكاله يعتمد على الأحاسيس والأفكار المتشابهة بالدرجة الأولى , وعلى
البنيات الوسيطة المتشابهة - اللغة أو الرموز الموحدة - وعلى تشابه بنيتي الاستقبال
والإرسال , أي يجب تشابه بنية وآليات العقلين المتواصلين مثل أجهزة الراديو وكافة
أنواع أجهزة التواصل, والتواصل الإنساني طبعاَ أعقد بكثير من أي تواصل آخر .
"
قال برغسون:
هناك شيء واحد أمام الفيلسوف يستطيع أن يفعله , وهو أن يعين الآخرين
على الشعور بحدس مشابه لحدسه، وذلك بواسطة التشبيهات والخيالات والصور الموجهة
بالأفكار "
إذاَ فلكي ندرك ما أدركه وما شعر به أفلاطون أو أرسطو أو فيثاغورس...
وباقي الفلاسفة والمفكرين والعلماء, أو ما يقوله الأدباء والشعراء بشكل خاص , يجب
علينا أن نستخدم بنيات لغوية نبني بها الأفكار الخاصة بنا , تشابه البنيات الفكرية
التي توصلوا إليها وأعطتهم الإدراك والشعور ذاك , عندها يمكن بذلك أن ندرك ونشعر
بشبيه ما أدركوه وما شعروا به.
إن كل إنسان يجد أحاسيسه وأفكاره وحقائقه واضحة
وصحيحة ومدركة بسهولة , ولكن عندما ينقلها لإنسان آخر يجد في أغلب الأحيان عدم تقبل
أو تفهم أو إدراك لهذه الأفكار , وذلك بسبب اختلاف البنيات الفكرية أو اللغوية أو
طريقة المعالجة الفكرية التي استعملت من قبل الاثنين , بالإضافة إلى اختلاف الدوافع
والأهداف والمراجع بينهما .
إن الأحاسيس والمشاعر
والأفكار تجري في دماغ كل إنسان , وهي طنينات حسية تحدث بشكل فردي داخل دماغه , ولا
يمكن أن يعلم بوجودها الآخرين , إلا إذا حدث ما يعلمهم بوجودها . إي حصول تواصل
معهم يتم بموجبه إعلامهم بها . بالإضافة إلى ضرورة وجود ما يشابهها لديهم , و إلا
يستحيل أن يتمثلوها و يتصورها وبالتالي يعرفوها .
لقد نشأ التواصل بين أدمغة
الكائنات الحية وتطور إلى أن أصبح على ما هو عليه الآن لدى الإنسان . فالحيوانات
وخاصةُ الثدييات التي تعيش جماعات , لديها طرق تنقل بواسطتها نواياها أو أفكارها
إلى رفاقها , فهي تستعمل الحركات والأصوات وتعابير الوجه والعينين لنقل ما يجري في
دماغها إلى أدمغة الآخرين . فالغزال عندما يشاهد الأسد متحفز لافترسه ويشاهد تعابير
وجهه وعينيه , ويقرأ نية الأسد لافترسه , يجري ويهرب بسرعة . واللبوة وكل أم ( لدى
الثدييات) تقرأ أو تعرف دوافع ونوايا طفلها من خلال تصرفاته فتعرف بعض ما يجول في
دماغه , وكذلك وليدها يعرف بالوراثة ويتعلم أن يتواصل مع أمه فيقرأ بعض ما يجول في
دماغها.
لقد استطاعت الحيوانات أن تتواصل مع بعضها ونقل بعض ما يجري في أدمغتها
إلى الآخرين . فقد تحقق نقل جزء مما يجري في أدمغتها إلى أدمغة غيرها بواسطة لغة
مؤلفة من رموز بصرية وصوتية وشمية .
والطفل بعد ولادته يتواصل مع أمه بإشارات
وتعبيرات وحركات وبواسطة الشم واللمس والنظر والسمع وباقي الحواس ، ثم يبدأ التواصل
اللغوي بالتشكل تدريجياً وبالاعتماد على التواصل الحسي , الذي هو أساس التواصل بين
الإنسان والواقع بكافة مجالاته . والتواصل الحسي يبقى الأساس في كل تواصل مباشر مع
الآخرين ، وهذا التواصل له عناصره وأسسه وآلياته وهي التي تقرر نتيجة التواصل .
فتأثير اللقاءات المباشرة بين البشر يختلف كثيراً عن تأثير اللقاءات غير المباشرة
مثل المراسلات والاتصالات الهاتفية ، فتعابير الوجه ونبرات وخصائص الكلام وطريقة
الرد كل منها تقرأ , والمعلومات المتضمنة في كل تواصل مباشر أوسع بكثير من أي لقاء
غير مباشر . وتأثيرات اللقاء المباشر لم تدرس بشكل كاف لأنها أوسع وأعم بكثير مما
يتوقع ، وتأثيرات اللقاء المباشر تختلف من مجتمع إلى آخر مع أن هناك أسساً مشتركة
عامة بين كافة أنواع المجتمعات . والتأثيرات الاجتماعية , الثقافة والعادات وغيرها
, ظلت تنتقل عبر آلاف السنين بالاتصال المباشر , بالتعابير والتصرفات والإيحاءات و
تعابير الوجه والعينين , مترافقة مع اللغة .
وقد تطورت اللغة لدينا نحن البشر
نحو التخصص والاختزال والتبسط إلى أن أصبحت إلى ما هي عليه لدينا الآن , لغة صوتية
أو بصرية محكية أو مقروءة , و بقي استخدام كافة أشكال التواصل الأخرى . وتم توحيد
الرموز والدلالات اللغوية لكي تسهل نقل ما يجري في العقل إلى الآخرين . فأصبحت
أحاسيس ومشاعر وأفكار الأخر مكشوفة بشكل كبير, وتحقق تواصل فعال لدى البشر
.
فالإنسان الآن لم يعد يعي ذاته فقط , فهو يستطيع أن يتمثل وعي الآخر , ولم يعد
وحيداً , فقد تداخل وعيه الذاتي مع وعي الآخرين . فالحياة الاجتماعية التي يعيشها
ليست مشاركة مادية فقط , فهي مشاركة في الأحاسيس والمشاعر والأفكار والرغبات والوعي
أيضاً .
لكي يتواصل إنسان مع آخر بواسطة اللغة يجب أن يستعمل الكلمات أو
الدلالات التي تمثل نفس المعاني والأفكار الفكرية , فلن يستطيع عقل إنسان أن يدرك
أفكار عقل إنسان آخر إلا إذا استعملت واسطة تواصل ( لغة ) موحدة بين الاثنين, عندها
يمكن نقل ما يدركه أو ما يشعر به أو يفكر به أحدهما إلى الآخر.
إن آليات
التواصل بين البشر تشابه كافة آليات الإرسال و الاستقبال تماماَ , فهناك بنيات
لغوية تمثل البنيات الفكرية تقوم بنقل مضمون الأحاسيس والأفكار والمعاني من عقل
إنسان لآخر, وهذه تنقل على شكل أصوات أو رموز بصرية أو غيرها من وسائل الترميز,
وتحمل المعلومات من عقل إلى آخر.
ويجب أن تتطابق آليات أو دارات الإرسال مع
مثيلتها في الاستقبال ، لكي يتم نقل الرموز وبالتالي الأفكار والمعاني , فأنا لا
أستطيع نقل مفهوم أي إحساس إلى إنسان آخر إذا لم يكن لديه نفس الإحساس أو شبيه به ,
أي يجب وجود - بنية أو جهاز- إحساس لدى الإنسان الآخر تشابه بنية الإحساس الموجودة
لدي , لكي يستطيع استقبال ما أرسله له , وبالتالي يشعر بشبيه ما أشعر.
فالتواصل
البشري بكافة أشكاله يعتمد على الأحاسيس والأفكار المتشابهة بالدرجة الأولى , وعلى
البنيات الوسيطة المتشابهة - اللغة أو الرموز الموحدة - وعلى تشابه بنيتي الاستقبال
والإرسال , أي يجب تشابه بنية وآليات العقلين المتواصلين مثل أجهزة الراديو وكافة
أنواع أجهزة التواصل, والتواصل الإنساني طبعاَ أعقد بكثير من أي تواصل آخر .
"
قال برغسون:
هناك شيء واحد أمام الفيلسوف يستطيع أن يفعله , وهو أن يعين الآخرين
على الشعور بحدس مشابه لحدسه، وذلك بواسطة التشبيهات والخيالات والصور الموجهة
بالأفكار "
إذاَ فلكي ندرك ما أدركه وما شعر به أفلاطون أو أرسطو أو فيثاغورس...
وباقي الفلاسفة والمفكرين والعلماء, أو ما يقوله الأدباء والشعراء بشكل خاص , يجب
علينا أن نستخدم بنيات لغوية نبني بها الأفكار الخاصة بنا , تشابه البنيات الفكرية
التي توصلوا إليها وأعطتهم الإدراك والشعور ذاك , عندها يمكن بذلك أن ندرك ونشعر
بشبيه ما أدركوه وما شعروا به.
إن كل إنسان يجد أحاسيسه وأفكاره وحقائقه واضحة
وصحيحة ومدركة بسهولة , ولكن عندما ينقلها لإنسان آخر يجد في أغلب الأحيان عدم تقبل
أو تفهم أو إدراك لهذه الأفكار , وذلك بسبب اختلاف البنيات الفكرية أو اللغوية أو
طريقة المعالجة الفكرية التي استعملت من قبل الاثنين , بالإضافة إلى اختلاف الدوافع
والأهداف والمراجع بينهما .