إذا احتجت يوما
ما إلى السفر من لندن إلى نيويورك وكنت في عجلة من أمرك فستجد وسيلة فعالة تلبي لك
هذا الاحتياج، شريطة أن تتحمل نفقتها، وهي طائرة من طراز خاص اسمه«كونكورد» تعبر
المحيط الأطلسي في أقل من أربع ساعات، وذلك ببساطة لأنها تسير في الجو بأسرع من
سرعة الصوت!
اتفقت الحكومتان البريطانية والإنجليزية عام 1962 على تطوير طائرة
تطير بأسرع من سرعة الصوت بالتعاون بينهما، وبالفعل تم صنع أول طائرتين من هذا
النوع وتجريبهما عام 1969، ومنذ ذلك الحين تم إنتاج 20 طائرة من ذلك الطراز الذي
أطلق عليه اسم كونكورد.
ولقد حاولت كل من الحكومتين الأمريكية والسوفييتية
تطوير طائرات شبيهة ولكن تلك المحاولات انتهت بالتراجع إما لضخامة النفقات المطلوبة
على الجانب الأمريكي أو لوقوع حوادث بسبب أخطاء بشرية على الجانب السوفييتي، وقد
بقيت بعض هذه الطائرات السوفييتية بعد تعديلها إلى الآن ولكنها تستخدم في خدمات
البريدالجوي، كما وضعت بعضها في متاحف، بينما خصصت إحداها لمشروع روسي أمريكي
مشترك، وبقيت طائرات الكونكورد منفردة بسفر الركاب بأسرع من سرعة الصوت حتى أوقفت
مؤقتا عن الخدمة لإجراء تعديلات عليها إثر حادث أدى إلى انفجار إحداها ومصرع جميع
من كانوا عليها.
الفرق بين الكونكورد والطائرات الأخرى
تطير طائرات
الكونكورد أسرع وأعلى من سائر الطائرات، فعلى سبيل المثال بينما تبلغ سرعة طائرات
الجامبو/بوينج 747 حولي 900 كم/ساعة (ماخ 84 ،0) وارتفاع طيرانها 35 ألف قدم فإن
الكونكورد تطير بسرعة 2172 كم/ساعة (ماخ 2) على ارتفاع60 ألف قدم.
ولأن
الكونكورد تطير بسرعة تزيد عن سرعة الصوت فإنها تختلف عن باقي الطائرات في عدة
خصائص، أولها من حيث انسيابية جسم الطائرة حيث تحتاج إلى شكل ديناميكي خاص كي تواجه
مقاومة الهواء الشديدة عند تلك السرعات العالية، وذلك يتحقق عن طريق اتخاذ جسمها
شكل دبوس رفيع ومدبب وأجنحة مثلثة مائلة إلى الخلف وذيل رأسي ومقدمة مدببة قابلة
للتحريك إلى أسفل وقت الإقلاع والهبوط ليتمكن الطيارمن رؤية الممر و إلى أعلى وقت
الطيران لتحسين انسيابية جسم الطائرة.
أما الفرق الثاني فهو متعلق بالمحركات
حيث تثبت محركات الكونكورد بشكل مباشر في الأجنحة لتلافي استخدام أية أجزاء موصلة
من شأنها التحطم عند السرعات العالية، كما إن المحركات مزودة بتجهيزات خاصة
لاستغلال العادم الناتج عن الاحتراق الأولي في دورة احتراق ثانية بخلطه مع مزيد من
الوقود الجديد لزيادة كفاءة المحركات وقوتها.
وعلى جانب آخر فإن الكونكورد
تتميز عن سائر الطائرات بوجود خزانات أكثر وأكبر للوقود حيث ان محركاتها الأربعة
تحرق كماً هائلاً من وقود الكيروسين يبلغ أكثر من 25 ألف لتر لكل ساعة طيران، غير
أن خزانات الوقود تؤدي غرضا مهما آخر وهو المحافظة على اتزان الطائرة حيث ينتقل
مركز رفع الطائرة عند السرعات العالية عن مركز ثقلها وحينذاك يتم تحريك كميات من
الوقود بين خزانات إضافية خاصة في مقدمة الطائرة ومؤخرتها لمعادلة ذلك الأثر، وتعاد
تلك الكميات عند انخفاض السرعة استعدادا للهبوط لإعادة الوضع إلى أصله، وأخيرا يبقى
الفرق في طلاء جسم الطائرة، حيث إن الكونكورد تتعرض عند السرعات العالية إلى ارتفاع
كبير جدا في درجة حرارة جسمها نتيجة لازدياد الاحتكاك بجزيئات الهواء، ولذلك فإنها
تطلى بمواد خاصة تتميز بخواص عاكسة أقوى من تلك التي في الطائرات الأخرى، كما إن
جسم الطائرة نفسه يصنع من معدن خاص يتميز بقدرة أكبر على تحمل الحرارة ومقاومة
الإجهاد الناتج عن تضخم جسم الطائرةالناتج بدوره عن ارتفاع درجة حرارتها.
السفر
على الكونكورد
تتسع الكونكورد لمائة راكب، ويتكون طاقمها من الطيار ومساعده
ومهندس طيران إضافة إلى ستة مضيفين، وعند الإقلاع يشعر الراكب بقوة تدفعه إلى الخلف
نتيجة لانطلاق الطائرة من السكون إلى سرعة 362 كم/ساعة في 30 ثانية فقط، وسريعا ما
تبلغ الطائرة ارتفاعها الأقصى وتخترق سرعتها حاجز الصوت، ويستطيع المسافرون معرفة
سرعتها في جميع الأوقات من خلال لوحة عرض خاصة مثبتة أمامهم، كما يتمتعون برؤية
منحنى الكرة الأرضية وألوان الطبقة الأولى من الغلاف الجوي حيث يبلغ ارتفاع الطائرة
الحد الفاصل بين طبقتيه.
وكما ذكرنا فلا تستغرق الرحلة سوى ثلاث ساعات ونصف،
ويصل المسافر الذي يبدأرحلته من لندن في العاشرة والنصف صباحا إلى نيويورك في
التاسعة والنصف صباحا، أي قبل موعد إقلاعه بساعة، ولا يعني ذلك بالطبع تقهقرا زمنيا
ولكنه راجع إلى فروق التوقيت وقصر زمن الرحلة!