تعد كثافات بوز-آينشتاين أحد أسخن المجالات
في الفيزياء التجريبية.
تخيل أنك تمكنت من تقليص نفسك حتى صرت بحجم جزيء
كبير, وأنك تراقب حركة الذرات في غاز ما. قد تبدو لك الذرات مثل كرات زجاجية صغيرة
غير قابلة للكسر تقفز أمامك هنا وهناك في فضاء خال تقريبا, ويرتد بعضها عن بعض
باستمرار. ربما تومئ برأسك إدراكا منك للمشهد من خلال معرفتك بأوصاف "الغاز الكامل"
في المدرسة الثانوية أو الجامعة. أما الآن فإنك تلاحظ أن الكرات تتطاير هنا وهناك
باهتياج أقل شدة مما كانت عليه حين خروجك من الصورة المنمنة. إذا لا بد من عملية ما
تبرد الغازز كل ما يحدث في البداية أن الكرات تفقد شيئا من سرعتها وتصبح أقل تباعدا
بعضها عن بعض, فكثافة الغاز تتزايد أثناء تبرّده. ولكن فيما بعد, وعلى العكس مما
تتوقع, ترى أن الكرات نفسها تتغير, فيكبر حجم أبطئها حركةً آلاف المرات ولا يعود
سطحها واضحا بعد أن كان صقيلا كالمرآة. وتمر هذه الذرات الشبيهة بالأخيلة إحداها من
خلال الأخرى أحيانا من دون أن تنحرف, في حين ترتد في أحيان أخرى كما لو أن شيئا
قاسيا في داخلها يتصادم.
وبالقرب من مركز النقطة تتراكب اثنتان من أبطأ تلك
الذرات وأكثرها غيامة cloudies , فتبدوان كأنهما تندمجان معا لتشكيل كرية كبيرة.
ويمتص هذا الشكل الإهليلجي ذرات أخرى واحدة فواحدة أو اثنتين معا أو حتى اثننتي
عشرة معا, وفي مفاجأة مروِّعة لا يتبقى سوى كتلة ضخمة لا تتحرك. فماذا حدث لجميع
الذرات المفردة, وما هذا الجسم الغامض؟
إنه كينونة كمومية تدعى كُثافة
بوز-آينشتاين Bose-Einstein condensate (BEC). وهي أكثر أشكال الغاز برودة في
الكون. وعلى الرغم من أن الذرات لا تزال موجودة في داخله, وهي التي تشكله, فإنها
فقدت شخصيتها الفردية.
إن الميكانيك الكمومي يحكم العالم. وفي معظم الأحيان
تكون المعالم الغريبة للميكانيك الكمومي مختبئة خلف واجهة من الفيزياء الكلاسيكية.
فنحسب أن الواجهة هي جوهر الواقع, ومنها يأتي فهمنا البديهي لكيفية عمل الأشياء:
فللأجسام موواضع وحركات وهويات محددة وسلوكها يوصف بصورة صارمة تحكمها قوانين
تحديدية.
إن لب الميكانيك الكمومي نفسه, على العكس من ذلك, يتحدى الحدس
العادي. فمواضع وحركات الجسيمات هي من حيث الأساس ملتبسة وغير قابلة للتحديد
وتحكمها الاحتمالات. حتى إن الفكرة بأن للأجسام هويات متمايزة تتغير جذريا في حالة
الجسيمات الكمومية. إن كُثافة بوز-آينشتاين هي كمية من المادة تتبع في سلوكها واحدا
من أنقى الأشكال الكمومية المعروفة.
إضافة إلى ذلك فالكُثافات ضخمة – أكبر
بـ 100000مرة من أكبر الذرات العادية, بل هي أكبر من الخاليا البشرية- لدرجة أن
بإمكان الفيزيائيين أن يشاهدوا السلوك الكمومي للكُثافة بطرق لا يمكن تصورها
عادة. وكما يؤكد (L.S. رولستون) من المعهد القومي للمعايير والتقانة (NIST) في
غيثرزيبرغ بمريلاند "فإن صورة كُثافات بوز-آينشتاين الغازية التي نعرضها هي صورة
حقيقية للدوال الموجية الكمومية – إننا بالفعل نستطيع أن نرى الميكانيك الكمومي وهو
يعمل".
لقد تم إنتاج كُثافات بوز – آينشتاين الغازية للمرة الأولى في
المختبر عام 1995, أي بعد 70 عاما من تنبؤ آينشتاين بالظاهرة استنادا إلى عمل
الفيزيائي الهندي (N.S. بوز).
يُحدث التجريبيون هذه الكُثافات في مصايد
الذرات – وهي تركيبات من حزم ليزرية وحقول مغنطيسية تحتجز سحابة ممددةdilute جدا
من الذرات وتبردها داخل حجرة خوائية. ويصف الفيزيائي الذري البارز (D. كلبنر) من
معهد ماساتشوستس للتقانة إحداث هذه الكُثافات بأنه "أكثر التطورات إثارة في مجال
الفيزياء الذرية منذ اختراع الليزر".
ظلت مجموعات بحث في مختلف أنحاء العالم
تعمل بصورة نشطة مدة خمس سنوات, بعضها برئاسة حائزين لجائزة نوبل وبعضها الآخر
برئاسة مرشحسن للحصول عليها, بغية استكشاف العالم الغريب الذي فتحه ذلك التقدم
المفاجئ. فوكزوا الكُثافات وحثوها بوساطة الحزم الليزرية, وهزهزوا المصايد التي
تحتجزها وشاهدوا كيف أن االغاز وثب وتحرك بعننف واهتز وفق الطرق الكمومية
المتوقعة.
وتُجسد الكُثافات, إضافة إلى كونها نظما كمومية نموذجية, مزيجا
غريبا من عدة حقول واسعة في افيزياء: الفيزياء الذرية (الذرات المفردة) والبصريات
الكمومية (الحزم الليزرية وتآثراتها) وفيزياء الأجسام العديدة (التجمعات المادية
التي تشكل الأجسام الصلبة والسوائل والغازات, بما في ذلك عالم الإلكترونات التي
تسري في المعادن وأشباه الموصلات, وهو مجال أساسي من وجهة النظر التتقانية). ولا
تعتمد دراسة الكُثافات على جميع هذه الحقول فحسب, وإنما تُسهم بشكل مباشر في فهمنا
للقوانين الأساية التي تحكمها.
في الفيزياء التجريبية.
تخيل أنك تمكنت من تقليص نفسك حتى صرت بحجم جزيء
كبير, وأنك تراقب حركة الذرات في غاز ما. قد تبدو لك الذرات مثل كرات زجاجية صغيرة
غير قابلة للكسر تقفز أمامك هنا وهناك في فضاء خال تقريبا, ويرتد بعضها عن بعض
باستمرار. ربما تومئ برأسك إدراكا منك للمشهد من خلال معرفتك بأوصاف "الغاز الكامل"
في المدرسة الثانوية أو الجامعة. أما الآن فإنك تلاحظ أن الكرات تتطاير هنا وهناك
باهتياج أقل شدة مما كانت عليه حين خروجك من الصورة المنمنة. إذا لا بد من عملية ما
تبرد الغازز كل ما يحدث في البداية أن الكرات تفقد شيئا من سرعتها وتصبح أقل تباعدا
بعضها عن بعض, فكثافة الغاز تتزايد أثناء تبرّده. ولكن فيما بعد, وعلى العكس مما
تتوقع, ترى أن الكرات نفسها تتغير, فيكبر حجم أبطئها حركةً آلاف المرات ولا يعود
سطحها واضحا بعد أن كان صقيلا كالمرآة. وتمر هذه الذرات الشبيهة بالأخيلة إحداها من
خلال الأخرى أحيانا من دون أن تنحرف, في حين ترتد في أحيان أخرى كما لو أن شيئا
قاسيا في داخلها يتصادم.
وبالقرب من مركز النقطة تتراكب اثنتان من أبطأ تلك
الذرات وأكثرها غيامة cloudies , فتبدوان كأنهما تندمجان معا لتشكيل كرية كبيرة.
ويمتص هذا الشكل الإهليلجي ذرات أخرى واحدة فواحدة أو اثنتين معا أو حتى اثننتي
عشرة معا, وفي مفاجأة مروِّعة لا يتبقى سوى كتلة ضخمة لا تتحرك. فماذا حدث لجميع
الذرات المفردة, وما هذا الجسم الغامض؟
إنه كينونة كمومية تدعى كُثافة
بوز-آينشتاين Bose-Einstein condensate (BEC). وهي أكثر أشكال الغاز برودة في
الكون. وعلى الرغم من أن الذرات لا تزال موجودة في داخله, وهي التي تشكله, فإنها
فقدت شخصيتها الفردية.
إن الميكانيك الكمومي يحكم العالم. وفي معظم الأحيان
تكون المعالم الغريبة للميكانيك الكمومي مختبئة خلف واجهة من الفيزياء الكلاسيكية.
فنحسب أن الواجهة هي جوهر الواقع, ومنها يأتي فهمنا البديهي لكيفية عمل الأشياء:
فللأجسام موواضع وحركات وهويات محددة وسلوكها يوصف بصورة صارمة تحكمها قوانين
تحديدية.
إن لب الميكانيك الكمومي نفسه, على العكس من ذلك, يتحدى الحدس
العادي. فمواضع وحركات الجسيمات هي من حيث الأساس ملتبسة وغير قابلة للتحديد
وتحكمها الاحتمالات. حتى إن الفكرة بأن للأجسام هويات متمايزة تتغير جذريا في حالة
الجسيمات الكمومية. إن كُثافة بوز-آينشتاين هي كمية من المادة تتبع في سلوكها واحدا
من أنقى الأشكال الكمومية المعروفة.
إضافة إلى ذلك فالكُثافات ضخمة – أكبر
بـ 100000مرة من أكبر الذرات العادية, بل هي أكبر من الخاليا البشرية- لدرجة أن
بإمكان الفيزيائيين أن يشاهدوا السلوك الكمومي للكُثافة بطرق لا يمكن تصورها
عادة. وكما يؤكد (L.S. رولستون) من المعهد القومي للمعايير والتقانة (NIST) في
غيثرزيبرغ بمريلاند "فإن صورة كُثافات بوز-آينشتاين الغازية التي نعرضها هي صورة
حقيقية للدوال الموجية الكمومية – إننا بالفعل نستطيع أن نرى الميكانيك الكمومي وهو
يعمل".
لقد تم إنتاج كُثافات بوز – آينشتاين الغازية للمرة الأولى في
المختبر عام 1995, أي بعد 70 عاما من تنبؤ آينشتاين بالظاهرة استنادا إلى عمل
الفيزيائي الهندي (N.S. بوز).
يُحدث التجريبيون هذه الكُثافات في مصايد
الذرات – وهي تركيبات من حزم ليزرية وحقول مغنطيسية تحتجز سحابة ممددةdilute جدا
من الذرات وتبردها داخل حجرة خوائية. ويصف الفيزيائي الذري البارز (D. كلبنر) من
معهد ماساتشوستس للتقانة إحداث هذه الكُثافات بأنه "أكثر التطورات إثارة في مجال
الفيزياء الذرية منذ اختراع الليزر".
ظلت مجموعات بحث في مختلف أنحاء العالم
تعمل بصورة نشطة مدة خمس سنوات, بعضها برئاسة حائزين لجائزة نوبل وبعضها الآخر
برئاسة مرشحسن للحصول عليها, بغية استكشاف العالم الغريب الذي فتحه ذلك التقدم
المفاجئ. فوكزوا الكُثافات وحثوها بوساطة الحزم الليزرية, وهزهزوا المصايد التي
تحتجزها وشاهدوا كيف أن االغاز وثب وتحرك بعننف واهتز وفق الطرق الكمومية
المتوقعة.
وتُجسد الكُثافات, إضافة إلى كونها نظما كمومية نموذجية, مزيجا
غريبا من عدة حقول واسعة في افيزياء: الفيزياء الذرية (الذرات المفردة) والبصريات
الكمومية (الحزم الليزرية وتآثراتها) وفيزياء الأجسام العديدة (التجمعات المادية
التي تشكل الأجسام الصلبة والسوائل والغازات, بما في ذلك عالم الإلكترونات التي
تسري في المعادن وأشباه الموصلات, وهو مجال أساسي من وجهة النظر التتقانية). ولا
تعتمد دراسة الكُثافات على جميع هذه الحقول فحسب, وإنما تُسهم بشكل مباشر في فهمنا
للقوانين الأساية التي تحكمها.