منتديات القمر الثقافيه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات القمر الثقافيهدخول

descriptionالـيـوم عـاد Emptyالـيـوم عـاد

more_horiz
الـيـوم عـاد

بقلم: ميسون أسدي



*قال لي قبل يومين زوجي، بعد عودته من سفر طويل، أود ان أعلمك بشيء بالغ الأهمية، لكن بدون تعليق من جانبك على ما سيقال أتعديني بذلك؟

صمتَ وبقيتُ متلهفة لسماع ما سيقوله، لكنه بالمقابل صمتَ هو أيضا وانتظر ليفحص ردة فعلي، مضت هنيهات صغيرة، شعرت بها كساعات طويلة مملة ومميتة، لأنه لم يتكلم، كنا نجلس في المطبخ في ساعات المساء، هو يتناول طعامه بهدوء، وأنا أنظف الصحون وقد أدرت له ظهري، لم يرى ملامح وجهي المتلهفة لينطق بما لديه، لأنني على ثقة بأن ما سيقا ل بعد هذه السفرة الطويلة، لا بد وانه امر مهم جدا.

حرب باردة دارت بيننا للحظات. شعرت بنظراته تخترق ظهري، تفحصني وتفحص مدى شوقي لسماع ما سيقول، لكنه بقي صامتا، لم يقل شيئا، فقاومت حب الاستطلاع وحافظت على صمتي، وتصنعت عدم الرغبة بمعرفة ما سيقال، أحسست أنه يشعر بأنني متلهفة وأقاوم السؤال وحثه على الكلام، ماذا سيقول، بماذا سينطق بعد سفرته الطويلة! بدا يتلاعب بأعصابي بسكوته، وأنا مصممة بتصنع الهدوء واللامبالاة.

تنحنح وكسر حاجز مقاومتي وقال:

قررت أن احترمك.؟ سأحترمك من الآن وصاعدا!!، قررت ما قررت، من خلال سفرتي الطويلة، بعيدا عنك وعن الأولاد، وبعد تفكيرا ملي، عليّ أن أحترمك، شعرت بشوق وحنين لك وللأولاد، لا أعرف لماذا، ربما بسبب المشاكل التي حدثت معي خلال السفر، وقد وقفت الى جانبي خلال اتصالاتك ودعمتيني خلال وجودي في الخارج، سابقا لم أرى فيك إنسانة جديرة بالاحترام، الآن وبعد عودتي من السفر، ببساطة متناهية، سوف احترمك؟؟

سوف أحترمك.. سوف أحترمك... سوف أحترمك... كلمتان وقعتا كالصاعقة على أذني، طامة كبرى جمدت عروقي وأقشعر لها شعر بدني، شعرت بحاجة الى التقيؤ، كيف يتجرا على القول بأنه سيحترمني بعد عشرة أعوام على زواجنا. كيف يتجرأ أن يقول ما قال أمامي بلا وجل؟؟

أردت أن أصرخ في وجهه اللعين، أن أشتمه وأتفنن في ترتيب وانتقاء الشتائم اللاذعة، كما اعتدت حين أنهار أمامه بعد ان يهدني بإهماله، أردت أن أصيح والطمه بإحدى الصحون التي بين يدي، لكنني لا اجرؤ خوفا منه، لم انبس ببنت شفة، لم التفت، ولم أجيب، كبت صراخي وبقيت مكاني، وسكت جسدي عن التعبير وواصلت بتنظيف الصحون، أتحسسها بكلتا يدي بهدوء، وكأنها لوحة بين أنامل فنان غيور على عمله.

بقيت يداي تدور في حركات دائرية على ذات الصحن، لأهدئ من روعي، لم التفت إليه. بقيت هادئة متزنة وأنا التي أثور واقفز غضبا وتغلبني عواطفي بدلا من عقلي داخل جدران منزلي. احترمت وعدي الذي قطعته له بأن لا تكون عندي ردة فعل لما سيقوله، لن أثور، سأتفجر بصمت، قد وصل الى البيت قبل عدة ساعات فقط وبعد سفرة طويلة بعيدا عني وعن أبناءه الأربعة، لا أريد أن أعكر مزاجه، لقد كان على سفر طويل، فبدأت دوامة العراك مع نفسي ليومين طويلين جدا.لم انبس خلالهما ببنت شفة.

لم يفاجئني، قوله لي بأنه لم يحترمني سابقا، ، لقد كنت واعية مدركة لذلك، ما فاجئني، هو تعمده مع سبق الإصرار عدم احترامي في ما مضى، وقراره الآن بأن يبدأ احترامي.

علمت علم اليقين ومن خلال عشرة أعوام من الزواج بأنه لم يكن لي الاحترام وهذا ما قتلني يوميا، وآذى مشاعري كل مساء، اعتقدت وعلقت عدم الاحترام على شماعة جهله لمشاعر المرأة التي هي زوجته، ربة بيته، أم أبناءه، والعاملة المعيلة بوظيفة كاملة خارج المنزل.

نعم، لم يهبني الاحترام الحقيقي أو الوهمي.تحدثت معه مئات المرات عن احتياجاتي كزوجة، ذهبت معه إلى ابعد الحدود ووضحت له ما هي احتياجات المرأة الجسدية والنفسية من الرجل.لكن عبثا، لم يكن هناك من مجيب، لعبت مع دور الأخصائية النفسية التي تبغي الولوج إلى فكره وتغييره، وكيفما كان يهرب مني ويقفل دائرة الحديث، أجد منفذا جديدا ودائرة جديدة لأخترقها لمواصلة الحديث. لم أكلُ ولم املُ، كنت دائمة التحليل والتنقيب عن الطرق البديلة لعلاج هذا الزوج الفاشل، وإذا لم يجد مفرا من مواجهتي، كان ينهي الحديث، ويخرج غاضبا ليهرب إلى إحدى أصدقائه أو إلى أقرب خمارة ويبقى بها حتى الفجر. فاندم وينتابني الشعور بالذنب لهروبه من البيت.احيانا، كان يخدعني ويخلق أسباب للشجار ليهرب الى اقرب خمارة ويبقى بها حتى الصباح.

اخبرته عشرات آلاف المرات بمدى تعاستي وإحزاني ووحدتي وحرماني من كتفي رجل أتكي عليه، يخاف علي كما يخاف الرجال على نساءهم. حدثته عن مدى خوفى من وحدة الليالي الطويلة، وكم احب ان أتعرى في الفراش خلال نومي ويكون بقربي لأشعر بحرارة جسده تلامس جسدي كم أنا خائفة، كم أنا وحيدة، أسهبت له عن ظلمتي النفسية القاتلة، ولم يأبه أبدا لمشاعري.

ما زلت شابة، في الثلاثينات من عمري وهناك أيام خلال الشهر لا أتابعها ولا أعرف متى تعتريني ولكنها توقظ مشاعر جياشة في جسدي وأبدأ بالتخبط والدوران حول نفسي ونار تأكل جسدي وتشعله، تطفئني ولا تنطفئ كم كنت تعيسة، عندما تفضحني مشاعر العطش الجسدي والنفسي الذي يظهر على جبيني! كنت أراه يختلس النظر إلي، يشم روائح جسدي ويتلذذ بها. يتلذذ بضعفي، وكان يحرمني ويعاقبني ولا يقترب مني.

كتبت له عن أحلامي وأمنياتي منه، لأسهل عليه تقديم يد المساعدة والعون لي، لكن عبث، بخل علي، والغباء بان على محياه وكان يجلس أمام المرناة يترنخ ساعات طويلة لا يرمش له جفن وهو مستمتع بمشاهدة فيلم تلو الآخر. او ينام ساعات طويلة متواصلة وتفوح رائحة جسده من عرق الخمول المنفر، ولا يأبه.

أقنعتني الأيام بان قلة احترامه، جموده وبلادته وعدم تلبية حاجياتي الجسدية والروحية، نابعة من غباءه كرجل، وهذا ما يستطيع تقديمه، هذا ما يعرفه، وفاقد الشيء لا يعطيه فهو نفسه نشأ في بيت لم تكن به حياة أسرية سعيدة خاصة بين والديه اللذان لم يكنا حبا أحداهما للأخر حتى أيامهم الأخيرة..

لكن، تعمده عدم الاحترام ومع سبق الإصرار لمدة عشرة أعوام، لا، هذا لم يكن بالحسبان، لقد فأتني ان يكون بهذه القسوة المقصودة، ولمن، للمرأة التي هي زوجته، واليوم جاء ليزف لي خبر نيته بأنه سيحترمني!!

أغلقت الباب على نفسي، ووقفت أمام مرآتي وصرخت عاليا:

أنا أعظم النساء وأجملهن، أم متفانية لأولادها، مخلصة لزوجها وبيتها، وامرأة عاملة وكادحة، لا فردية ولا الذاتية في قاموسي اليومي، لماذا لا أحظى بالاحترام من زوج أحببته وتزوجت. وأنا اعلم علم اليقين بأنه لم يحترمني، لم يمنحني حبا ورحمة لمدة عشرة أعوام، فقط لأنه يتهرب من المسؤولية تجاهي وتجاه أبنائي. زادت المسؤوليات الملقاة علينا وكثرت همومنا، ولأنه رجل ضعيف ولا يريد مشاطرتي هذه المسؤوليات، فهرب مني؟!!!!

لعنته ولعنت نفسي معه مرارا وتكرارا، حين تذكرت كم مرة وهنت.. سجدت له ورجوته بان يحبني ويحترمني، أن يضحك علي ببعض الكلمات الحلوة التي ترضي غرور أنوثتي، أن يلمس شعري أو يمسد خدي بلمسة خفيفة لأشعر بالرضى، أن يعاشرني لان جسدي له حق عليه، أن يعاملني بلطف وحنان أمام الآخرين ليرضي غروري!

كم مرة كتبت ودونت له ما أريد..! كم مرة.. كم مرة.. وكم هي المرات التي انتكست بها وخيب املي؟؟

اليوم عاد، وصرح بما صرح من أهوائه لي، ، فهذا الزوج الذي اعتبرته غبيا، لم يعد غبيا، بل يخطط ومع سبق الإصرار والتعمد، لن أستطيع بعد اليوم أن اعلق عدم احترامه على شماعة الغباء. أصبحت مهانة حتى العظم.

انقطعت عن الحياة مدة يومين واظبت فيهما على العمل خارج وداخل البيت ومع الأولاد وقمت بوظائفي المنزلية كالمعتاد بدون روح تنبض لهذه الحياة وقد أخافني عمق هدوئي وسكينتي لأنها تنذر بعاصفة هوجاء، خلال هذين اليومين كنت كما يبدو ما زلنا نحتفل بعودته الى الديار سالما غانما، وكنت قد أعددت عشاءا فخما احتفاء بعودته، انهكني التعب والعرق يتصبب من جبيني، جلسنا قرب المائدة وكأن شيئ لم يكن، سكب لنفسه كوبا من الماء ارتشفه رشفة واحدة بدون انقطاع وأنا انظر اليه مرهقة وظمآنة، وفجأة سئلت نفسي:

لماذا لم يملأ لي أولا كوب ماء؟ احتراما لجهدي بإعداد العشاء الشهي للعائلة.. ماذا لو ملأ كوبا له وكوب لي؟ فهذا ابسط تعابير الاحترام بين رجل وامرأة!

كان كوب الماء الذي ارتشفه دفعة واحدة، القشة التي كسرت ظهر الجمل، جن جنوني، قمت بجنون المللم المواعين والصحون عن المائدة وسكبت ما حضرته من الطعام في سلة المهملات، وثارت ثائرتي وصرخت بأعلى صوتي:

هل قررتَ ان تكن لي الاحترام المتعمد الان.. بعد عشرة أعوام من الزواج! عشر سنوات من عمري مضت تعمدت بها أهانتي.. عشرة أعوام تركتني وحيدة، كل مساء؟؟ ملعون أنت يا ما يسمى زوجي، وملعون سفرك الطويل الذي حثك اليوم على احترامي. عشرة أعوام ولت، تضامنت بها مع غباءك أيها الشرير اللئيم.

بدأت أصرخ واصرخ وأتلذذ بصياغة الشتائم، تارة اصرخ وتارة اصفع وجهي، صرخت صراخا متواصلا متألما مخيفا، ودخلت في هستريا، ذهل مني، جفل من صراخي، أقترب مني وشد بكلتا يديه وبكامل قوته حول رقبتي ورماني أرضا بلا حراك، سكت صراخي ونفذت شتائمي، خوفا منه، وخوفا من كلتا اليدين القويتين، شعرت برجولته لأول مرة حول عنقي صمت صراخي، وانتصر ثانية عليّ بقوته، ولكن بعد اليوم.... لن ارجوه ابدا، أن يحترمني.

descriptionالـيـوم عـاد Emptyرد: الـيـوم عـاد

more_horiz
موضوع مميز
مشكووور على جهودك

descriptionالـيـوم عـاد Emptyرد: الـيـوم عـاد

more_horiz
مشكووور على هذا العمل الرائع وبارك الله فيك

descriptionالـيـوم عـاد Emptyرد: الـيـوم عـاد

more_horiz
يسلمو ايديك عالموضوووووووووووووع

descriptionالـيـوم عـاد Emptyرد: الـيـوم عـاد

more_horiz
شكراً لك اخي الكريم وبارك الله بك
موضوع رائع

descriptionالـيـوم عـاد Emptyرد: الـيـوم عـاد

more_horiz
مشكووووووور على هذا الموضوع

descriptionالـيـوم عـاد Emptyرد: الـيـوم عـاد

more_horiz
مشكووور على جهودك المميزه

descriptionالـيـوم عـاد Emptyرد: الـيـوم عـاد

more_horiz
شكراً لك على موضوعك القيّم والهادف

وبارك الله بك

descriptionالـيـوم عـاد Emptyرد: الـيـوم عـاد

more_horiz
مشكووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووور
بارك الله بيك
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد