وهاك بعض ما وقع في الطريق 1ـ روى البخاري عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال:أسرينا ليلتنا ومن الغد حتى قام قائم
الظهيرة وخلا الطريق، لا يمر فيه أحد، فرفعت لنا صخرة طويلة، لها ظل لم تأت عليها
الشمس، فنزلنا عنده، وسويت للنبي صلى الله عليه وسلم مكانًا بيدى، ينام عليه، وبسطت
عليه فروة، وقلت: نم يا رسول الله، وأنا أنفض لك ما حولك، فنام، وخرجت أنفض ما
حوله، فإذا أنا براع مقبل بغنمه إلى الصخرة، يريد منها مثل الذي أردنا، فقلت له:
لمن أنت يا غلام؟ فقال: لرجل من أهل المدينة أو مكة. قلت: أفي غنمك لبن؟
قال: نعم. قلت: أفتحلب؟ قال: نعم. فأخذ شاة، فقلت: انفض الضرع من
التراب والشعر والقَذَى، فحلب في قعب كُثْبة من لبن، ومعى إداوة حملتها للنبي صلى
الله عليه وسلم، يرتوى منها، يشرب ويتوضأ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فكرهت أن
أوقظه، فوافقته حين استيقظ، فصببت من الماء على اللبن حتى برد أسفله، فقلت: اشرب
يا رسول الله، فشرب حتى رضيت، ثم قال: (ألم يأن للرحيل؟) قلت: بلى،
قال: فارتحلنا.
2ـ وكان من دأب أبي بكر رضي الله عنه أنه كان ردفًا للنبى صلى الله عليه وسلم، وكان شيخًا يعرف، ونبى الله صلى الله عليه وسلم شاب لا يعرف، فيلقى الرجل أبا بكر فيقول: من هذا الرجل الذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرجل يهدينى الطريق، فيحسب الحاسب أنه يعنى به الطريق، وإنما يعنى سبيل الخير.
3ـ وفي اليوم الثاني أو الثالث مر بخيمتى أم
مَعْبَد الخزاعية، وكان موقعهما بالمُشَلَّل من ناحية قُدَيْد على بعد نحو 130 كيلو
مترًا من مكة، وكانت أم معبد امرأة برزة جلدة تحتبى بفناء الخيمة، ثم تطعم وتسقى من
مر بها، فسألاها: هل عندها شيء؟ فقالت: والله لو كان عندنا شيء ما أعوزكم،
القِرَى والشاء عازب، وكانت سَنَةٌ شَهْباء.
فنظر رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة، فقال: (ما هذه الشاة يا أم معبد؟)
قالت: شاة خلفها الجهد عن الغنم، فقال: (هل بها من لبن؟) قالت: هي أجهد
من ذلك. فقال: (أتأذنين لى أن أحلبها؟) قالت: نعم بأبي وأمي إن رأيت
بها حلبًا فاحلبها. فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ضرعها، وسمى الله
ودعا، فتَفَاجَّتْ عليه ودَرَّتْ، فدعا بإناء لها يَرْبِض الرهط، فحلب فيه حتى علته
الرغوة، فسقاها، فشربت حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا، ثم شرب، وحلب فيه ثانيًا،
حتى ملأ الإناء، ثم غادره عندها فارتحلوا.
فما لبثت أن جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافا يتساوكن هزلًا، فلما رأي اللبن عجب، فقال: من أين لك هذا؟ والشاة عازب، ولا حلوبة في البيت؟ فقالت: لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت، ومن حاله كذا وكذا، قال: أني والله أراه صاحب قريش الذي تطلبه، صِفِيه لى يا أم معبد، فوصفته بصفاته الكريمة وصفًا بديعًا كأن السامع ينظر إليه وهو أمامه ـ وسننقله في بيان صفاته صلى الله عليه وسلم في أواخر الكتاب ـ فقال أبو معبد: والله هذا صاحب قريش الذي ذكروا من أمره ما ذكروا، لقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلًا. وأصبح صوت بمكة عاليًا يسمعونه ولا يرون القائل: جزى الله رب العرش خير جزائه ** رفيقين حَلاَّ خيمــتى أم مَعْبـَــدِ هـمـا نزلا بالبِـــرِّ وارتحــلا بــه ** وأفلح من أمسى رفيق محمـــد فيا لقُصَىّ مــا زَوَى الله عنكــم ** به من فعال لا يُحَاذى وسُــؤْدُد لِيَهْنِ بني كعـب مكــان فَتاتِهـــم ** ومقعدُهــا للمؤمنـين بَمْرصَـــد سَلُوا أختكم عن شاتهـا وإنائـهـا ** فإنكم إن تسألوا الشـاة تَشْـهَـــد قالت أسماء: ما درينا أين توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل رجل من
الجن من أسفل مكة فأنشد هذه الأبيات، والناس يتبعونه ويسمعون صوته ولا يرونه حتى
خرج من أعلاها. قالت: فلما سمعنا قوله عرفنا حيث توجه رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وأن وجهه إلى المدينة.
4ـ وتبعهما في الطريق سُرَاقة بن مالك. قال سراقة: بينما أنا جالس في مجلس من
مجالس قومى بني مُدْلج، أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس، فقال: يا سراقة،
أني رأيت آنفًا أسْوِدَة بالساحل، أراها محمدًا وأصحابه. قال سراقة: فعرفت أنهم
هم، فقلت له: إنهم ليسوا بهم، ولكنك رأيت فلانًا وفلانًا انطلقوا بأعيننا، ثم
لبثت في المجلس ساعة، ثم قمت فدخلت، فأمرت جاريتى أن تخرج فرسى، وهي من وراء
أكَمَة، فتحبسها عَلَىَّ، وأخذت رمحى، فخرجت به من ظهر البيت، فخَطَطْتُ بزُجِّهِ
الأرض، وخَفَضْتُ عاليه، حتى أتيت فرسى فركبتها، فرَفَعْتُها تُقَرِّب بى حتى دنوت
منهم، فعَثَرَتْ بى فرسى فخررت عنها، فقمت، فأهويت يدى إلى كنانتى، فاستخرجت منها
الأزلام، فاستقسمت بها، أضُرُّهُمْ أم لا؟ فخرج الذي أكره،
فركبت فرسي ـ
وعصيت الأزلام ـ تُقَرّبُ بي، حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ
وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات ـ سَاخَتْ يدا فرسى في الأرض حتى بلغتا
الركبتين، فخررت عنها، ثم زجرتها فنهضت، فلم تَكَدْ تخرج يديها، فلما استوت قائمة
إذا لأثر يديها غبار ساطع في السماء مثل الدخان، فاستقسمت بالأزلام، فخرج الذي
أكره، فناديتهم بالأمان، فوقفوا، فركبت فرسى حتى جئتهم، ووقع في نفسى حين لقيت ما
لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمْرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: إن
قومك قد جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد
والمتاع فلم يَرْزَأني، ولم يسألأني إلا أن قال: (أَخْفِ عنا)، فسألته أن
يكتب لى كتاب أمْنٍ، فأمر عامر بن فُهَيْرة، فكتب لى في رقعة من أدم، ثم مضى رسول
الله صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية عن أبي بكر قال: ارتحلنا والقوم
يطلبوننا، فلم يدركنا منهم أحد غير سراقة بن مالك بن جُعْشُم، على فرس له، فقلت:
هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله،
فقال:
{لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا} [التوبة:40].
ورجع سراقة فوجد
الناس في الطلب فجعل يقول: قد استبرأت لكم الخبر، قد كفيتم ما ها هنا. وكان أول
النهار جاهدًا عليهما، وآخره حارسًا لهما.
5 ـ وفي الطريق لقى النبي صلى الله عليه وسلم بُريْدَة بن الحُصَيْب الأسلمى ومعه نحو ثمانين بيتًا، فأسلم وأسلموا، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء
الآخرة فصلوا خلفه، وأقام بريدة بأرض قومه حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه
وسلم بعد أُحُد.
وعن عبد الله بن بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يتفاءل ولا يتطير، فركب بريدة في سبعين راكبًا من أهل بيته من بني سهم، فلقى النبي
صلى الله عليه وسلم، فقال له: (ممن أنت؟) قال: من أسلم، فقال: لأبي
بكر: سلمنا، ثم قال: (مِنْ بني مَنْ؟) قال: من بني سهم. قال:
(خرج سهمك)
6ـ ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي أوْس تميم بن حَجَر أو بأبي تميم أوس بن حجر الأسلمى، بقحداوات بين الجُحْفَة وهَرْشَى ـ بالعرج ـ وكان قد أبطأ عليه بعض ظهره، فكان هو وأبو بكر على جمل واحد، فحمله أوس على فحل من إبله، وبعث معهما غلامًا له اسمه مسعود، وقال: اسلك بهما حيث تعلم من محارم الطريق ولا تفارقهما، فسلك بهما الطريق حتى أدخلهما المدينة، ثم رد رسول الله صلى الله عليه وسلم مسعودًا إلى سيده، وأمره أن يأمر أوسًا أن يسم إبله في أعناقها قيد الفرس، وهو حلقتان، ومد بينهما مدًا، فهي سمتهم. ولما أتى المشركون يوم أحد أرسل أوس غلامه مسعود بن هُنَيْدَة من العَرْج على قدميه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بهم. ذكره ابن مَاكُولا عن الطبرى، وقد أسلم بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان يسكن العرج. 7ـ وفي الطريق ـ في بطن رِئْم ـ لقى رسول الله صلى
الله عليه وسلم ال.......ر، وهو في ركب من المسلمين، كانوا تجارًا قافلين من الشام،
فكسا ال.......ر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثيابًا بياضًا.