كيف طورنا لقاحات كورونا بهذه السرعة القياسية؟

كيف طورنا لقاحات كورونا بهذه السرعة القياسية؟ Pfizer11

منحت منظمة الغذاء والدواء الأمريكية FDA الأسبوع الماضي تصريحًا طارئًا لاستخدام لقاح كوفيد-19 الذي أنتجته شركة فايزر-بيونتيك. وتعدّ الولايات المتحدة الأمريكية ثالث دولة بعد كندا والمملكة المتحدة تبدأ باستخدام لقاح كوفيد-19.

ولا يعد تطوير لقاح في أقل من سنة حدثًا بسيط الأهمية؛ إذ مثلما جعل الوباء ارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي أمرين طبيعيين، شجّع أيضًا التعاون بين الدول على تطوير لقاح وتوزيعه. لكن لا يكون اللقاح فعالًا إلّا إذا وافق الأشخاص على استخدامه، وتولّدت بعض الشكوك حول اللقاح بعد تطويره خلال وقت قياسي وتقود هذه الشكوك بعض الأشخاص إلى تجنب أخذ اللقاح.

كشفت دراسة أجريت في تشرين الأول في 19 دولة أنّ 71.5% فقط من الأشخاص في الدراسة مستعدون لأخذ اللقاح وفقط 61.4% سيأخذون اللقاح إذا أوصى أصحاب عملهم به.

ومن الطبيعي وجود بعض القلق حول فاعلية اللقاح وسلامته نظرًا إلى أن أسرع لقاح طُوّر -وهو لقاح النكاف- استغرق 4 سنين من العمل المتواصل.

يقول الدكتور سام سان مدير منظمة إنديميك: «الشفافية التامة هي أمر أساسي في تفنيد المعلومات المغلوطة والحفاظ على ثقة عامة الشعب في اللقاح».

الفيروسات التاجية الأخرى:

يعدّ فيروس كوفيد-19 عضوًا من عائلة الفيروسات التاجية التي تضم المئات من الفيروسات، منها فيروس الرشح والفيروس الذي سبّب جائحة المتلازمة التنفسية الحادة في عام 2002 والفيروس الذي سبّب متلازمة الشرق الأوسط التنفسية في عام 2012.

يقول الدكتور إريك ياغير: «يدرس العلماء الفيروسات التاجية منذ أكثر من 50 عامًا، أي لديهم معلومات سابقة عن بنية الفيروس وجينومه ودورة حياته. وبيّنت البحوث السابقة أهمية البروتين الشوكي S في ارتباط الفيروس واتحاده ودخوله إلى الخلية، واستُخدم هدفًا لتطوير اللقاحات والعلاج بالأجسام المضادة».

كيف طورنا لقاحات كورونا بهذه السرعة القياسية؟ What-y11

تعاون دوليّ:

يستغرق تطوير لقاح بالأحوال العادية من 10 إلى 15 سنة وذلك بسبب تعقيد عملية تطوير اللقاح.

يقول الدكتور مايكل باري وهو رئيس قسم الأمراض المعدية في جامعة ستامفورد: «تُدَرِّب اللقاحات جهاز المناعة على تذكر العامل الممرض دون أن نضطر إلى الإصابة به، ويحتوي اللقاح عادة على أجزاء مُضعّفَة أو معطلة من الفيروسات التي تحفّز بدورها رد فعل مناعي مشابه لرد الفعل الذي يتخذه جسم الإنسان عند إصابته بالفيروس فعلًا».

لكن في ظل وباء عالمي فالوقت رفاهية لا يمكن التنعم بها، لذلك سارع العلماء والباحثون إلى مشاركة أبحاثهم المتعلقة بفيروس كوفيد-19. يقول الدكتور ياغير: «استطاع الباحثون كشف التسلسل الجيني للفيروس في كانون الثاني 2020 بعد 10 أيام فقط من حالات ذات الرئة المسجلة في مدينة ووهان في الصين ويعود الفضل في ذلك إلى التقدم الهائل في دراسة التسلسل الجيني للفيروسات».

تمويل الأبحاث:

تمويل الأبحاث العلمية مكلف؛ إذ قدّرت دراسة أجريت في عام 2018 تكاليف تطوير لقاح وإجراء التجارب السريرية الأولية بقيمة تبلغ 31-68 مليون دولار، وإجراء تجارب أكبر لتحديد فاعلية اللقاح سيزيد من التكاليف السابقة. لهذا السبب فإن التمويل الحكومي للقطاع الخاص ضروري لتطوير لقاح كوفيد-19.

تعاونت عدة مؤسسات منها مؤسسة الصحة الوطنية ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة الأمريكية على تطوير 300 مليون جرعة من اللقاح وتصنيعها وتوزيعها في مطلع 2021. وموّلت المفوضية الأوروبية عدة لقاحات محتملة وتعاونت مع مؤسسات أخرى لجمع 8 مليارات دولار لأبحاث كوفيد-19. كذلك الأمر فيما يخص قسم اللقاح في المملكة المتحدة وهو مساهم فعال في الكثير من الأبحاث المتعلقة باللقاح، إذ ساهم أحد مستلمي التمويل منه في تطوير لقاح أوكسفورد/أسترا زينيكا. وكان أول لقاح تُنشَر نتائج مراجعة الأقران Peer review الخاصة بفاعليته من المرحلة الثالثة من التجارب.

تقنية الحمض النووي الريبي المرسال mRNA:

بدأت الكثير من الدول باستخدام لقاح شركة فايزر/بيونتيك وهو أول لقاح يستخدم تقنية الحمض النووي الريبي المرسال يطبَق على البشر خارج التجارب السريرية. أما الشركة التي تعمل على لقاح يستند إلى الحمض النووي الريبي المرسال فهي موديرنا التي تتعاون مع مؤسسة الصحة الوطنية وكلا الشركتين تُعدان رائدتين في تقنية الحمض النووي الريبي المرسال.

يقول الدكتور توماس كينيون المدير السابق لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها: «لقد عملت مؤسسة الصحة الوطنية على تقنية الحمض النووي الريبي المرسال منذ وقت طويل. فاللقاحات المعتمدة على الحمض النووي الريبي المرسال تقدّم البروتينات S الخاصة بالفيروس إلى خلايا جسمنا التي تستخدم المعلومات المخزنة في الحمض النووي لصنع بروتينات S ويعمل الجهاز المناعي للجسم على التعرف على هذه البروتينات والتحضير لأي إصابة مستقبلية بالفيروس. وحين الإصابة بالفيروس يهاجم الجهاز المناعي البروتينات السطحية للفيروس ويعطلها».

مخاوف حول اللقاح الذي يستخدم تقنية الحمض النووي الريبي المرسال:

توجد مخاوف حول احتمالية الإصابة بفيروس كوفيد-19 عند تناول اللقاح رغم أن حدوث ذلك غير ممكن! فاللقاح يحتوي على الحمض النووي الريبي المرسال الخاص بالبروتينات السطحية فقط، لا كامل الفيروس. والمخاوف الأخرى تتضمن حدوث طفرات للفيروس لكن هذا لا يدعو للخوف لأنه ما من دليل على أن الطفرات ستكون كافية للتأثير في فاعلية اللقاح، إضافةً إلى ذلك، يعمل الباحثون دائمًا على دراسة أي تغيّرات مهمة في السلاسل الجديدة للفيروس.

يتحدث البعض عن أن المناعة الطبيعية المكتسبة بعد الإصابة أكثر فاعلية من اللقاح لكن هذا ليس صحيحًا، إذ يمنح اللقاح مناعة فاعلة دون الخطر المرافق للإصابة بالفيروس.

تعليمات صارمة تحكم التجارب السريرية:

تركز المرحلة الأولى من التجارب السريرية على سلامة اللقاح، إذ تعطى جرعات متزايدة من اللقاح لأشخاص أصحاء لتحديد الآثار الجانبية وتحمّل اللقاح.

وتستهدف المرحلة الثانية أشخاصًا أكثر وقد تستقبل مشاركين يعانون أمراضًا مثل السكري أو السرطان أو السمنة. وتستقبل التجارب أيضًا أشخاصًا من خلفيات مختلفة، وتهدف هذه المرحلة إلى متابعة فاعلية اللقاح وكيفية تأثيره في جهاز المناعة.

وتقوم المرحلة الثالثة على تجربة اللقاح على آلاف الأشخاص لتحديد مدى فاعلية اللقاح في منع الإصابات الجديدة بالمرض.

لكن، يمكن دمج هذه المراحل معًا مع الحفاظ على المعايير الأخلاقية والعلمية والإحصائية ذاتها، ومن أهم العوامل التي ساهمت في تسريع عملية تطوير اللقاح هي الاهتمام الكبير من الأشخاص باللقاح ما ساهم في إيجاد أعداد كبيرة من المتطوعين بسرعة بالإضافة إلى زيادة عدد المنشآت التي تفحص اللقاح وتجربه.

مراقبة سلامة اللقاح:

يقول الدكتور كينيون: «سنستمر بجمع المعلومات المتعلقة بسلامة المتطوعين مدة سنتين بعد أخذ اللقاح حتى بعد إعطاء الإذن الطارئ لاستخدام اللقاح، وسنجري ذلك عبر تطبيق تتواصل عبره مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها مع المتطوعين للسؤال عن أية أعراض جديدة قد تظهر بعد أخذ اللقاح».

المصدر