هل للمناخ دور في ظهور فيروس كورونا المستجد؟

هل للمناخ دور في ظهور فيروس كورونا المستجد؟ 66-asp10

لعل أهم الدروس المستفادة من حرائق العام الماضي بسبب التغير المناخي، والجائحة التي تعصف بكوكبنا اليوم هو قوة ترابطنا جميعًا مع بعضنا وبيئتنا؛ ظهرت حديثًا أوائل الإشارات التي قد تربط بين تغير المناخ وسبب تفشي الجائحة: الخفافيش، التي تتمتع بقدرة سيئة السمعة على التعايش مع الفيروسات التي تدمر الحيوانات الأخرى، إذ تمثل أجهزتها المناعية فائقة القوة نعمةً عظيمةً لها، ما سمح لهذه الثدييات الطائرة بالانتشار والنمو في جميع أنحاء العالم، ومن ثم نقل هذه الفيروسات معها أينما ذهبت، لتغدو هذه النعمة نقمةً علينا جميعًا.

نوهت دراسة جديدة بالتغيرات الحاصلة في ظل ارتفاع درجة حرارة المناخ التصاعدي منذ القرن الماضي، إذ أدت زيادة ضوء الشمس وثاني أكسيد الكربون وتغيرات هطول الأمطار إلى تحويل الأراضي الشجرية الاستوائية في جنوب الصين إلى مساحات من السافانا والغابات تُعد الموطن الرئيسي للخفافيش، ما أسهم بدوره في انتقال أكثر من 40 نوعًا جديدًا من الخفافيش.

قال عالم الحيوان روبرت بير من جامعة كامبريدج: «قد يمثل فهم آلية تحول التوزيع العالمي لأنواع الخفافيش نتيجة تغير المناخ خطوةً مهمةً في إعادة بناء تصورنا عن سبب تفشي كوفيد-19».

للبحث في هذه الفرضيات، استخدم بير وزملاؤه بيانات عالمية عن الغطاء النباتي ودرجة الحرارة ومعدلات هطول الأمطار والغطاء السحابي ومتطلبات الغطاء النباتي لأنواع الخفافيش في العالم لإنشاء خارطة تبين توزعها في أوائل القرن العشرين، ثم قارنوا نتائجهم بتوزع الأنواع الحالية من الخفافيش.

أوضح بير قائلًا: «نظرًا إلى تغير الموائل بسبب تغير المناخ، تركت الأنواع بعض المناطق وانتقلت إلى مناطق أخرى -آخذةً معها فيروساتها»، وأضاف: «لم يبدل هذا التغير المناخي المناطق التي توجد بها الفيروسات فقط، بل فتح الباب غالبًا أمام تفاعلات جديدة بين الحيوانات والفيروسات، ما تسبب في انتقال المزيد من الفيروسات الضارة أو تطورها».

هل للمناخ دور في ظهور فيروس كورونا المستجد؟ P-1-9010

يُذكر أن ثلاثةً من كل أربعة أمراض معدية تصنف أمراضًا حيوانية المصدر، أي تأتي من الحيوانات لتصيبنا، وتشكل فيروسات كورونا أكثر من ثلث فيروسات الخفافيش المتسلسلة. عُثر على الركائز التي انطلقت منها جائحة السارس عام 2002 داخل خفافيش في كهف واحد فقط، والآن تُعدّ أجسادها المشتبه به الأبرز في عملية تخمير سلائف فيروس سارس-كوف-2.

يحمل 40 نوعًا من الخفافيش التي هاجرت منذ وقت قريب نسبيًا إلى مقاطعة يونان الصينية أكثر من 100 نوع من فيروسات كورونا، وتشير الأدلة الجينية إلى أن سلف سارس-كوف-2 يأتي من المنطقة نفسها.

لا تصيبنا معظم هذه الفيروسات التاجية بالعدوى، لكن آراء معينة تُحمّل بعض أنواع الخفافيش مسؤولية نشر الفوضى بيننا، مع أن هذه الحيوانات تؤدي أدوارًا مهمة في أنظمتنا البيئية، إذ يعتمد ما لا يقل عن 500 نوع من النباتات على التلقيح عبر الخفافيش مثل الموز والمانجو، بينما تعتمد نباتات أخرى على فضلاتها، وتحافظ بعض الأنواع على التوازن البيئي عبر التهام الحشرات بما في ذلك البعوض الضار الذي ينشر المرض.

لكن تدخل البشر المستمر في الموائل الطبيعية المتبقية، عبر عمليات عدة -مثل إزالة الغابات التي تؤدي أيضًا إلى تغير المناخ- يزيد من اختلاطنا بهذه الحيوانات ومن ثم فرصنا للإصابة بالفيروسات التي تحملها، دون نسيان أن الموائل المتدهورة تسهم بدورها في إجهاد مناعة الحيوانات الموجودة داخلها وإضعافها، ما يحسن فرص الفيروسات للتحول إلى فيروسات قادرة على اختراق حواجز الأنواع.

أوضحت دراسة العام الماضي إن «من بين أنواع الحياة البرية المهددة، تتسم تلك التي انخفضت أعدادها بسبب استغلال الموائل وفقدانها بتشاركية أعلى مع البشر من ناحية أعداد الفيروسات».

حذر بير وفريقه من جهلنا حتى الآن الأصل الدقيق لسارس-كوف-2، لذا فإن استنتاجاتهم ليست قاطعةً بعد، وتأكيدها يحتاج إلى إجراء دراساتٍ إضافيةً على نباتات مختلفة واستخدام نماذج متنوعة، بالتزامن مع البحث في المتغيرات الأخرى التي قد تؤثر في توزع الخفافيش، مثل الأنواع المجتاحة والتلوث.

مع أن الترابط لا يؤكد السببية، فإن مجموعةً متناميةً من الأبحاث تشير إلى إسهام تغير المناخ بتحريك العوامل الممرضة التي تصيب مُضيفين جددًا، جنبًا إلى جنب مع أمثلة كثيرة تقرن تغير المناخ العالمي عبر التاريخ بالاضطرابات البيئية التي أدت إلى ظهور الأمراض المعدية.

قال عالم الجغرافيا الحيوية كاميلو مورا من جامعة هاواي في مانوا: «يجب أن تمثّل حقيقة أن تغير المناخ قد يسرع انتقال مسببات الأمراض الموجودة في الحياة البرية إلى البشر نداءً عاجلًا للحد من الانبعاثات العالمية».

في سبيل تقليل هذه المخاطر، يوصي بير وزملاؤه باتخاذ تدابير لتقليل التفاعلات بين الإنسان والحياة البرية، مثل فرض تشريعات صارمة فيما يتعلق بصيد الحيوانات البرية وتجارتها، وثني الأفراد عن العادات الغذائية والطبية المعتمدة على الحياة البرية، ووضع معايير صارمة لرعاية الحيوانات في المزارع والأسواق ووسائل النقل، وكل ذلك عبر دراسة الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية التي تحرك هذه الممارسات التي لاحظوها في دراستهم.

من المهم أيضًا حماية الموائل الطبيعية للحفاظ على صحة الأنواع الموجودة ضمنها، فهو إجراء من شأنه أيضًا الحد من تغير المناخ.

ناشد فريق الباحثين: «نظرًا إلى الاحتمالية التي أثارها تحليلنا بأن انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية قد تكون عاملًا مسهمًا في تفشي كل من سارس-كوف-1 وسارس-كوف-2، فإننا نؤيد الأصوات الداعية إلى التدخل بصورة حاسمة للحد من تغير المناخ، والمشاركة في الوقت ذاته ببرامج الانتعاش الاقتصادي من جائحة كوفيد-19».

نُشر هذا البحث في دورية Science of the Total Environment.

المصدر