مقالات - احلام مستغانمي


احلام مستغانمي؛ مبدعة جزائرية ككاتبة وروائية، من مدينة الجسور المعلقة والدها محمد الشريف ممن حملوا على عاتقهم ثورة الجزائر، وحملت احلام على عاتقها ثورة الكتابة، فابعدعت في مجال الرواية ولها ثلاثيتها الخالدة ذاكرة الجسد وفوضى الحواس وعابر سرير والكثير من الروايات الأخرى.

مقالات - احلام مستغانمي 610

أنا من ضيّع في الأوهام عمره !

( سعدتُ حين عثرتُ بين أوراقي على هذا النصّ الذي كتبته في الثمانينات من القرن الماضي . جمعتُ شجاعتي وقلت ، أطلعكم عليه دون مراجعة أو تنقيح ) .
كنت أعتقد . .
أن الشعر هو الرجل الوحيد الذي منحني اسمه دون أن يطالبني بالوفاء، وهو الحبيب الصبور الذي يجوز لي خيانته حين أشاء ، ووضعه خارج غرفتي متحججة ليلاً بالإرهاق ، مذ أصبحتُ أمًا ليلها لأطفالها الرُضع ، لا لوجعِ الأشعار .
كنت أعتقد . .
أن هناك قصائد ليليّة ، قابلة للتأجيل ، ما لم تؤجّجها الشهوة . إلى أن قرأت قولاً للأبنودي " إذا خنتَ الشعر مرة واحدة خانك إلى الأبد " . فأدركت لماذا بعد أشهر ، حين دعوتُ قصيدة صباحيّة لتحتسي معي فنجان قهوة، لم تحضر . . واعتذر عنها الشعر .
كنت أعتقد . .
أنّ ثمّة مسلّمات غير قابلة للجدل ، وقناعات ليس من المسموح أن نعيد فيها النظر ، إلى أن سمعت بمثل فرنسي يقول " وحدهم الأغبياء لا يغيّرون رأيهم ، لأنهم لا يملكون القدرة على التأمّل ". فأقلعت عن سماع الخطب ، وأدركت لماذا في نوبة جنون ، أنفق أبي ما بقي له من مال في إهدائي مكتبة .
كنت أعتقد . .
أنني امرأة لا تخاف جبروت الضوء المسلّط على الكلمات ، وأنني امتلكت الحقيقة يوم أدخلت الكهرباء إلى دهاليز روحي ، وما عدت أخشى" الكتابة في لحظة عري" مُذ كستني الكلمات .
إلى أن قرأت قول مارغريت دوراس " لم أكتب قط في حياتي وكنت أظنني أفعل ، لم أحبّ قط في حياتي وكنت أظنني أفعل ، لم أفعل في حياتي شيئاً غير الانتظار أمام باب مغلق " .
فأدركت أن للحقيقة أكثر من باب ، وأنني لم أخفِ سوى ما ظننتني وضعته تحت الضوء . . وأنّ بعض الحبر ظن . ...
كنت أعتقد . .
أن البحر لم يُخلق لغير البواخر والحيتان ، ووقفت مذعورة "على مرفأ الأيام "، فلا أحد كان جاهزا أن يعلّمني كيف تسبح الأسماك الصغيرة ، وتعاشر البحر دون ذعر .
إلى أن قرأت " المركب الثمل " لرامبو ، فأدركت أن البحر خُلق ليستدرج العشاق للغرق ، ثمّ يضحك وجثثهم تطفو على سطح الماء مفتوحة الذراعين ، فقد كان يدري أنهم من كل حبّ يعودون بخفيّ حُنَين .
لذا ركبت الحبر ، و جذّفتُ بيدٍ واحدة هرباً من البحر ، صنعتُ لي زورقا من ورق ، حمولته الكلمات و ما تحتاجه سمكة من أكاذيب ، فالكتابة تجذيف بقلم ، كي لا ننتهي في جوف الحوت .
كنت أعتقد. .
أن الأوطان أمُّ تمسح بالقُبل دمعنا ، وأننا لن نتيه لأننا نمسك بتلابيب ملايتها في غربتنا ، ونخبئ عن المخبرين أشعارنا في عمق صدرها .
كنت أعتقد . . أنها ستبارك كتاباتي ، بزهو أم تسمع ابنتها " تلاغي " بأولى كلماتها . لكنها وشت بي ، وأمدتهم بمنديلها للجم فمي ، وحاكمتني بتهمة النطق ، و عذرتها حين قرأت قول الماغوط " ما من موهبة تمرّ بلا عقاب " .

مقالات - احلام مستغانمي 7171010

بلاد المطربين.. أوطاني

وصلتُ إلى بيروت في بداية التسعينات، بتوقيت وصول الشاب خالد إلى النجوميّة العالميّة. أُغنية واحدة قذفت به إلى المجد . كانت أغنية "دي دي واه" شاغلة الناس ليلاً نهاراً. على موسيقاها تُقام الأعراس، وتُقدَّم عروض الأزياء، وعلى إيقاعها ترقص بيروت ليلاً، وتذهب إلى عملها صباحاً .
كنت قادمة لتوِّي من باريس، وفي حوزتي مخطوط " ذاكرة الجسد"، أربعمائة صفحة قضيت أربع سنوات في نحتها جملة جملة، محاوِلة ما استطعت تضمينها نصف قرن من التاريخ النضالي للجزائر، إنقاذاً لماضينا، ورغبة في تعريف العالم العربي بأمجادنا وأوجاعنا. لكنّني ما كنتُ أُعلن عن هويتي إلاّ ويُجاملني أحدهم قائلاً: "آه.. أنتِ من بلاد الشاب خالد!"، واجداً في هذا الرجل الذي يضع قرطاً في أذنه، ويظهر في التلفزيون الفرنسي برفقة كلبه، ولا جواب له عن أي سؤال سوى الضحك الغبيّ، قرابةً بمواجعي. وفوراً يصبح السؤال، ما معنى عِبَارة "دي دي واه"؟ وعندما أعترف بعدم فهمي أنا أيضاً لمعناها، يتحسَّر سائلي على قَدَر الجزائر، التي بسبب الاستعمار لا تفهم اللغة العربية!
وبعد أن أتعبني الجواب على "فزّورة" (دي دي واه)، وقضيت زمناً طويلاً أعتذر للأصدقاء والغرباء وسائقي التاكسي، وعامل محطة البنزين المصري، ومصففة شعري عن جهلي وأُميّتي، قررت ألاّ أفصح عن هويتي الجزائرية، كي أرتاح .
لم يحزنّي أن مطرباً بكلمتين، أو بالأحرى بأغنية من حرفين، حقق مجداً ومكاسب، لا يحققها أي كاتب عربي نذر عمره للكلمات، بقدر ما أحزنني أنني جئت المشرق في الزمن الخطأ .
ففي الخمسينات، كان الجزائري يُنسبُ إلى بلد الأمير عبد القادر، وفي الستينات إلى بلد أحمد بن بلّة وجميلة بوحيرد، وفي السبعينات إلى بلد هواري بومدين والمليون شهيد .
اليوم يُنسب العربي إلى مطربيه، وإلى الْمُغنِّي الذي يمثله في "ستار أكاديمي" . وهكذا، حتى وقت قريب، كنت أتلقّى المدح كجزائرية من قِبَل الذين أحبُّوا الفتاة التي مثلت الجزائر في "ستار أكاديمي"، وأُواسَى نيابةً عنها إن هي خسرت ، لأن خسارة مطرب في مسابقة كهذه غدت فاجعةً وطنية...
قبل حرب إسرائيل الأخيرة على لبنان ، كنت أتابع بقهر ذات مساء ، تلك الرسائل الهابطة المحبطة التي تُبث على قنوات الغناء، عندما حضرني قول "ستالين" وهو ينادي من خلال المذياع ، الشعب الروسي للمقاومة ، والنازيون على أبواب موسكو، صائحاً: " دافعوا عن وطن بوشكين وتولستوي " .
قلت لنفسي مازحة ، لو عاودت إسرائيل اليوم اجتياح لبنان أو غزو مصر ، لَمَا وجدنا أمامنا من سبيل لتعبئة الشباب واستنفار مشاعرهم الوطنية، سوى بث نداءات ورسائل على الفضائيات الغنائية ، أن دافعوا عن وطن هيفاء وهبي وإليسا ونانسي عجرم ومروى وروبي وأخواتهن ... فلا أرى أسماء غير هذه لشحذ الهمم ولمّ الحشود .
وليس واللّه في الأمر نكتة . فمنذ أربع سنوات خرج الأسير المصري محمود السواركة من المعتقلات الإسرائيلية، التي قضى فيها اثنتين وعشرين سنة، حتى استحق لقب أقدم أسير مصري ، ولم يجد الرجل أحداً في انتظاره من " الجماهير " التي ناضل من أجلها، ولا استحق خبر إطلاق سراحه أكثر من مربّع في جريدة، بينما اضطر مسئولو الأمن في مطار القاهرة إلى تهريب نجم "ستار أكاديمي" محمد عطيّة بعد وقوع جرحى جرّاء تَدَافُع مئات الشبّان والشابّات ، الذين ظلُّوا يترددون على المطار مع كل موعد لوصول طائرة من بيروت.
في أوطان كانت تُنسب إلى الأبطال، وغَدَت تُنسب إلى الصبيان ، قرأنا أنّ محمد خلاوي، الطالب السابق في " ستار أكاديمي " ، ظلَّ لأسابيع لا يمشي إلاّ محاطاً بخمسة حراس لا يفارقونه أبداً . لعلّ الولد أخذ مأخذ الجد لقب "الزعيم" الذي أطلقه زملاؤه عليه غالية ، المناضلة الكبيرة جميلة بوحيرد ، في رحلة بين الجزائر وفرنسا ، وكانت تسافر على الدرجة الاقتصادية ، مُحمَّلة بما تحمله أُمٌّ من مؤونة ومواد غذائيّة لابنها الوحيد ، فبكيت وشعرت بالخجل ، لأن مثلها لا يسافر على الدرجة الأُولى ، بينما يفاخر فرخ وُلد لتوّه على بلاتوهات " ستار أكاديمي " ، بأنه لا يتنقّل إلاّ بطائرة حكوميّة خاصة ، وُضِعَت تحت تصرّفه ، لأنه رفع اسم بلده عالياً .
ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه.. أواه.. ثمّ أواه.. مازال ثمَّة مَن يسألني عن معنى "دي دي واه " !
( بيروت سنة 2000 )

مقالات - احلام مستغانمي 7171010

بهذا الركب وصلنا إلى هذا المطاف


لنكُن صريحين ، نحن نشكُ في النوايا الحسنة لهذا الوطن تجاه مبدعيه ، و لأنّ الإبداع شقيق الحرية، فالكتابة ليست وجاهة إنّما مسؤولية ، أي هي مُساءلة أيضاً .
إن تكريم المبدع الجزائري تبدأ باستعادة كرامته كمواطن . فالكرامة تأتي قبل التكريم، و لا نقبل بتكريم أقل من محاسبة الذين اختلسوا أحلامنا و ثرواتنا، بذريعتنا و على حسابنا، فآلةالفساد في هذه البلاد أكبر من أن لا يكون لهم يداً فيها .
مهرجان السلب و النهب، و السطو و النصب، قد بدأ باكراً. فبدعة "سنة الجزائر بفرنسا" التي كانت غنيمة بالعملة الصعبة على مدى عام ، لم تترك أثراً يُذكر سوى في خزينة الجزائر، وأنجبت لنا "سنة الجزائر عاصمة الثقافة العربية" وندري أنّ هذه المهرجانات و الكرنفالات ، ستتناسل برغم أسمالنا الروحية و الثقافية ،التي تعرُض عوراتنا أمام العالم ...أكثر مما تصدر له وجهنا الجميل .
و المأساة أحبائي أكبر من الثقافة، و من عرسها ، و أكبر من
"عرس أولاد فتوح إلي اكلاوه أولاد فتوح " فمنذ الاستقلال و نحن ذاهبون نحو الكارثة و لا أحد يستطيع إيقاف هذا القطار المسرع بنا إلى المجهول.
بهذا الركب وصلنا الى هذا المطاف ..
أخطر من أموالنا المنهوبة ، و تلك المهدورة على مرأى من فقر 17 مليون جزائري 12في المئة منهم يعيشون تحت خط الفقر. ثمّة هويتنا المهدّدة بالذوبان و الزوال، بدءاً بهذه اللغة التي نتكلّمها ولا تشبه لغة في العالم ، لأنها خليط من اللغات ، بعد أن خسرنا غنيمة اللغة الفرنسية التي كُنّا نتفوّق بها على الفرنسيين أنفسهم، من دون أن نكسب عربية تليق بنا، بحكم مستوى التعليم الذي يسوء جيلاً بعد آخر، حدّ عجز الدولة عن تأمين إطارات كُفء لمؤسساتها.
و اسألوا أهل العلم يخبروكم بما يُبكيكم، فما عاد بإمكان الجزائر أن تعوّض تلك النخبة المتميّزة من أبنائها ، التي فقدنا نصفها على يدّ الإرهابيّين، و النصف الآخر بالقهر و التهميش والتحقير حدّ إرغامها على الهجرة الى بلاد الله الواسعة .
وكأنه لا يكفي أن نخسر نخبتنا و لغتنا ، فلقد اعتمدنا من دون شعوب الأرض هذا اللباس اللقيط الذي نرتديه ،و لا هويّة له و لا تاريخ ،بينما تُخصّص تونس يوماً رسميًا للاحتفاء باللباس الوطني ، بإجبار التونسيين على ارتدائه في يوم محدّد، يذهب فيه التونسيون جميعهم إلى العمل بزيّهم الوطني. أمّا عندنا فمع موت كل عجوز قسنطينيّة تموت ملاية ، و يختفي في العاصمة " الحايك" و" العجار" لتحلّ محله ثياب نسائية غريبة عنّا ، و يستبدل الرجال البرنس الذي كان وجاهة أجدادنا ودليل عنفوانهم ، بالزي الأفغاني العجيب.
وكل هذا على علمي ، مشروع ثقافي، وطنيّ سياديّ ، معنيون جميعاً به ،سواءً أقمنا في الجزائر أم خارجها . ذلك أن معركة الهويّة إن خسرناها سنُلحق بأنفسنا ضررًا لم يُلحقه الأعداء بنا. . يتبع

مقالات - احلام مستغانمي 7171010

أثرياء تحت خط فقر السعادة

يعتقد البعض أنّه سيسعد بقدر ما يدفع ، ربما لأنّ سعادته رهن مكاسبه و مصاريفه . لذا يحجز له في نهاية السنة طاولة للبهجة في فندق بخمسة نجوم ، و لا يقبل بأقل من جنرال الفرح ، متعهداً لسهرته . يلزمه مباهج بهذه الرُتبة ، لأنّ الفرح العربي يحتاج إلى نجوم ، و هو جاهز لأن يدفع 3000 دولار و أكثر ثمن مقعده . و لأنّ البهجة تحتاج إلى رفقة و زمرة و شلّة من أصدقاء الجيب ، سيدفع المبلغ نفسه أيضا عن كل مقعد محجوز على حسابه في طاولة الفرح العابر بين سنتين ، في سهرة يغنّي فيها النجوم مروراً و عبوراً بين فندقين . فسماء البهجة مزدحمة بالمطربين ، حتى إنّ البعض ذهب به السباق في التشاوف و المزايدة على التبذير ، حدّ شرائه في ليلة رأس السنة بطاقات فرحه من السوق السوداء .. عسى " قرشه الأسود " ( لا الأبيض ) يُبشرّه بأيّام بيضاء .
لا شيء يستفزني أكثر من فحش مال لا حياء لأصحابه . لذا ما دُعيت إلى طاولات الهدر أيّا كان أصحابها ، و أيّا كانت ذريعة الاحتفال أو المحتفى به ، إلّا و اعتذرتُ عن الحضور ، حتى لا أترك إنسانيتي إكراميّة لنادل الأبّهة الزائفة .
لا أفهم كيف في إمكان امرئ ، أيًّا كانت درجة إيمانه ، و مقدار ثرائه ، أن يعود إلى بيته سعيدا ، بعد أن أنفق خلال ساعتين في سهرة ، ما قد يُؤَمّن قوت عشرات الأرواح البشريّة ويبقيها حيّة أشهراً عدّة ؟
لا يظنني بعضكم ضدّ البهجة . لكنّني أعرف أنّنا لا نحصل عليها بقدر ما نُنفق . أعتقد أنّ قمّة البؤس و الفقر الخُلقيّ ، أن يتحوّل الإنفاق في حدّ ذاته لدى البعض ، إلى مصدر سعادة .
تلك النفوس المريضة ، الباحثة عن سعادتها في الإسراف ، كتب الله عليها قصاصاً ألّا تعرفها ، و هل ثمّة من حزن أكبر من أن لا يزيدك مالك إلّا افتقاراً لطُمأنينةٍ .. يمتلكها أثرياء القناعة !

مقالات - احلام مستغانمي 7171010

هل قرأتم وصايا رسول حمزاتوف ؟ : نزار قباني


كم تمنيتُ لو أننّي التقيتُ به .
كنتُ جاهزة لأن أسافر إلى بلاد ما توقّتُ زيارتها يوماً كي أراه . أن أعبُر القارات لأقول له بالعربية التي عشقها " شكرًا " و أعود بحفنة من حكمته التي وُلدت في قرية تسادا النائية ، فلا يمكن أن تكون في حضرة آخر سلالة الشعراء الكبار ، ولا تنتمي إلى أرض ينتسب إليها .
من أجل رسول حمزاتوف أحببت داغستان .أرض توجد في مكان ما من روسيا ، يسكنها الشعر و يحكمها القرآن . يولد صبيانها شعراء وفرسان،لا ينحني رجالها سوى لله والجمال .
أخلفت موعدي مع رسول حمزتوف مرتين . مرة لأنني عاصرته ولم أره ، فقد رحل سنة 2003 عن عمر يناهز الثمانين ، ومرة لأنني عشت كل هذا العمر من دون أن أقرأه ( إلاّ في 2012 ) !. لكن ، جميعنا يطاردنا الندم لسبب ما. هو نفسه قال قبيل أيام قليلة من وفاته " حياتي مسودّة كنتُ أتمنى لو أنّ لديّ الوقت لتصحيحها " .
ماذا كان بإمكانه أن يصححّ ،والشعر يتغذى من خطايا وأخطاء الشاعر .!
لن أحدّثكم عن حياته ، فهذه المساحة تسمح لي بالكاد بنقل بعض مقولاته من كتاب " داغستان بلدي " عساها تغريكم بقراءته.
- إذا أطلقتَ نيرانَ مسدسِكَ على الماضي ، أطلقَ المستقبلُ نيرانَ مدافعِه عليك .
ـ إنّ الإنسانَ في حاجةٍ إلى عاميْن ليتعلمَ الكلامَ ، وإلى ستين عامًا ليتعلمَ الصمتَ .
ـ
لا تُخرج الخنجرَ من غمدِه دون حاجةٍ إليه ، ولكنْ .. إذا انتضيْته ، فاضربْ به . اضربْ ، لكي تقتلَ الفارسَ والفرسَ بطعنةٍ واحدة .
ـ عندما تترقـّبُ عودةَ الصّياد ، ترى كلبَهُ أولا .
ـ السّلاحُ الذي تحتاجُه مرة واحدة ، عليكَ أنْ تحمله العمرَ كلـّه . والأبياتُ التي ستردِّدها العمرَ كله ، تـُكتبُ مرة واحدة
ـ يمكنُ للرجل أنْ يركعَ في حالتين : ليشربَ من العين ، وليقطفَ زهرة .
ـ لا أحدَ يعرفُ عاداتِ حصانك خيرًا منكَ أنت .

مقالات - احلام مستغانمي 7171010

تذكّر أنك بشر : نزار قباني

كان الفراعنة يضعون صورة تابوت على المائدة ، كي يلجموا أنفسهم على الانغماس في الشهوات، ويفكروا في الأبديّة. ذلك أن فائض النِعم يعمي البصائر، ويُعطي إحساسا للإنسان بالعظمة والخلود.
لقد ذهبت النِعم عبر التاريخ بإمبراطوريات لم تكن تغرب عنها الشمس . فإدمان الرفاهيّة والملذّات أسقط قلاع روما، ولم يُبق منها سوى الأعمدة لمن يعتبر. أمّا قادتها، فبفضل فتوحاتهم العابرة للقارات ، والانتصارات الساحقة لجحافل جيوشهم ، أخذوا أنفسهم مأخذ الآلهة . مما جعل مجلس الشيوخ ينصِب مُنادياً على مدخل روما لدى عودة أي قائد منتصر إلى المدينة ، ومعه بوق يردِّد فيه : "تذكّر أنك بشر . . تذكّر أنك بشر" .
لو أنّ طغاة العالم عبر الأزمنة ، ممن استبدّوا وأبادوا ، وأفسدوا ونهبوا وتفرعنوا، سمعوا هذا النداء، لربما عادوا إلى صوابهم، وتذكّروا أنهم مجرّد بشر، وُجدوا لمصادفة تاريخيّة حيث هم. فتواضعوا قليلا ، ووفّروا على أنفسهم ذنوبا بين يديّ الله ، و نهاية مهينة في حضرة التاريخ .

مقالات - احلام مستغانمي 7171010

الثعلب

كان الثعلب يلتهم حيواناً كان قد قتله وفجأة علقت عظمة صغيرة في حلقه ولم يستطع بلعها وفوراً شعر بألم فظيع في حنجرته وبدأ يركض ذهاباً وإياباً يئن ويتأوه باحثاً عن أحد يساعده .
حاول أن يقنع كل من قابل ليزيل له العظمة، قائلا : "سأعطيك أي شيء إذا أخرجتها " .
وافق طائر الكركي على المحاولة، فاستلقى الثعلب على جنبه وفتح فكيه إلى أقصى حد . فوضع الكركي رقبته الطويلة داخل حلق الثعلب وبمنقاره حرر العظمة وأخرجها أخيراً .
قال الطائر : " هل تسمح بأن تعطيني ما وعدتني به ؟ "
كشر الثعلب أنيابه عن ابتسامة ماكرة وقال : " كن قنوعاً . لقد وضعتَ رأسك في فم ثعلب وأخرجته آمناً ، أليست هذه جائزة كافية لك ؟!! "
أو ليس من صفات الماكر أنه إذا حدّث كذب. وإذا وعد أخلف. وإذا ائتمن خان ؟

مقالات - احلام مستغانمي 7171010

رمضان . . ضيف نحن ضيوفه

أيّة لغة تختصر فرحك و ورعك و خشوعك و زهدك و دموعك، و أنت بين يديّ الله مجدَداً، صائماً ساهراً ذاكراً شاكراً، ظافراً بطمأنينة لن تمنحك إيّاها الدنيا، وإن جاءتك بكلّ كنوزها.
" كم من ذي طمأنينة إلى الدنيا صرعته" يقول الإمام علي رضي الله عنه. و هل تصرع الدنيا و تغدر بغير الواثق بها، العابد لها ؟
فالأمان لن تجده في مكسب عاجل أو بريق زائل. الأمان ليس حولك، بل فيك. و إن لم تجده في قلبك لن تجده مهما أوتيت و مهما أَتيت.
الأمان هو نعمة الإيمان ، لأنّك لا تبلغه إلّا مؤمناً. إنّها السكينة التي لا تُشترى، بل يهبها الله لمن اصطفى من عباده. إنّها نعمته التي لا نعمة فوقها. "ألا بذكر الله تطمئن القلوب"، بينما كلّ مكاسب الدنيا، من جاه و قوة و ثراء و شهرة، ما هي سوى مصادر شقاء لقلوب أصحابها.

مقالات - احلام مستغانمي 7171010

بورما لا بواكي لها . .

البارحة كانت ذكرى نكبة الروهنجيا . هل سمعتم بها ؟
إنها الأكثر قهراً بين النكبات ، أجّلتُ الحديث عنها إلى اليوم ، كي لا أتسببّ لكم في كوابيس قبل النوم . وللسبب نفسه لن أنشكر لكم صورها المروّعة ، ابحثوا عنها بأنفسكم إن شئتم البكاء .
بعض الموتى ، يموتون كما عاشوا في عتمة اللامبالاة ، وحده ضوء الإيمان يضيء قبورهم ، كما أضاء في الحياة قلوبهم ، فبسبب ذلك الضوء بالذات تمّ قتلهم .
إنهم مسلمو بورما ، البسطاء الطيّبين .لقد عانوا من ظلم الجغرافية التي زرعتهم في أرض ذات أكثريّة بوذيّة ، وظلم التاريخ حين سلّمهم الإستعمار البريطاني للهندوس ، وتجنّي الإعلام الذي لفقرهم وإسلامهم ، ماكان معنياً بالفضائع التي يتعرّضون لها منذ الأزل .
قبل عامين كتبت لي أخت عزيزة من تلك البلاد تقيم بيننا " السلام عليكم ياسيدة العَرب العظيمة وبعد التحية لِقلمكِ ولأهل الجزائر ، أحببتُ أن يكون لقضية بورما المنسيّة نصيبٌ من قلمكِ وتشملينا بدعواتك ِ فنحن بأشد الحاجة لكم وخاصّة أنتم العَرب ومِنكم الرسول بُعث ."
ماكنت قد سمعت ببورما ، ولكن هذا القلم العربي الذي يستغيث بي ، جعلني أشتهي لوكنت المعتصم ، لأهبّ لنجدة امرأة تقصدني بشفاعة النبي .
لا تسع صفحتي مآسي الآلاف الذين ذبحوا وأحرقوا بتهمة إسلامهم ، ولا قصص المسلمات اللائي اغتصبن ، وفضّلن على المعاصي الشهادة . لذا أستحلفكم بالله أن تكتبوا كلمة بورما في غوغل ، لتشاهدوا جثثهم المكدّسة ، والملقاة بالعشرات ، في أكبرعمليّة إبادة يتعرّضون لها ، مذ أعلن الكهنة بدء الحرب المقدّسة على المسلمين .
جبهة علماء الأزهر ، اختصرت تخاذلنا آنذاك بالقول أن " بورما لا بواكيَ لها ".
في الواقع ، مأساة مسلميّ بورما ، أنهم استنجدوا بنا في زمن ما عاد فيه للنساء من دموع . . ولا للعروبة من رجال ، وأصاب الإسلام فيه من أذى أبنائه ، أكثر مما أصابه من جرائم أعدائه .
بربكم ، أين هم قادة العرب والمسلمين من هذه المآسي ، خاصة أولئك الذين لا يستثمرون ثروات أوطانهم ، سوى في تدمير أوطان كانت آمنة قبل كرمهم . ألا مال لهم لينفق على أمان حفنة من المسلمين ، ولا صوت لهم الآن في المحافل الدوليّة .
وأين هم المتباهون بثرائهم . . المصرّون سنوياً على تصدّر المرتبة الأولى في قائمة أثرياء العرب والمسلمين في مجلة "فوربز " . هل رأوا صورة هذا المسلم الذي لا يملك مع شهادة الجوع المرسومة على جسده ، إلا الشهادة . . وسيشهد ضدهم بين يدي الله .

مقالات - احلام مستغانمي 7171010