الادب و علم النفس

الادب و علم النفس 624288139

ان العلاقة بين الأدب وعلم النفس يمكن القول بإنها موغلة في القدم ، فالكتابة الأدبية منذ بدايات ظهورها ، حتى عندما كانت تأخذ طابع الحكايات الملحمية للأبطال الخارقين عند اليونان وغيرهم ، يمكن الربط بينها وبين تكوين النفس البشرية . عند هوميروس على سبيل المثال في الإلياذة والأوديسة ظهرت العديد من التأويلات النفسية لتصرفات أبطال تلك الملاحم وتأثير الإضطرابات التي سببتها الحوادث الكبرى على الوعي الجمعي كما نعرفه بشكله الحديث ، بل لقد قامت العديد من الدراسات الحديثة في علم النفس بضرب أمثلة من الأعمال الأدبية الكبرى لكتاب كبار مثل هوميروس وشكسبير وتولستوي ، وغيرهم .. .

الأدب عند علماء النفس : أما علماء النفس و إرتباط مجال بحثهم بالأدب فنوجز آراء أشهرهم ، وهم فرويد ويونج ، حيث يقول فرويد عن الأدب أنه " لاشئ غير الأماني غير المتحققة ، والمخاوف المؤجلة." ، ويرى فرويد أن الأدب بناء على تعريفه الشخصي السابق ما هو إلا محاولة خروج أشياء حبيسة في اللاشعور البشري ، وتحتاج تلك الأشياء إلى الظهور في الوعي وبناء على ذلك الظهور تشكل تلك المخاوف علاقاتنا مع الأشياء المحيطة بنا . والفنان أو الأديب يتميز بامتلاك الوسيلة الملائمة للتعبير عن تلك المخاوف الدفينة ، فالكاتب لديه القدرة البلاغية التي تمكنه من بناء أحداث وتفاصيل ومزجها في بناء محكم بلغته الخاصة التي يتلقاها القارئ ، كما نرى في أعمال كافكا أو إدجار آلان بو اللذان تميزا بالقتامة والسوداوية ، ولا يوجد شك في وضوح العذابات النفسية التي تظهر في كتاباتهما ، ورغم أن تلك الكتابات كانت تعبر عن مخاوف ذاتية محضة إلا أن القدرة على اخراجها على الورق و إيصالها إلى القارئ جعلت منها أعمالاً أدبية عظيمة لأنها رغم قتامتها كانت صادقة للدرجة التي جعلها تصل إلى وعي قراء الأدب وربما مست مخاوفهم الشخصية بشكل كبير أيضا ! . أما كارل يونج عالم النفس الشهير والذي ارتبطت أبحاثه بالوعي الجمعي قد أضاف بعض الأفكار المفيدة في دراسة البناء النفسي للعمل الأدبي ، حيث نقل " يونج " بحثه عن الأدب من اللاشعور الفردي الذي تحدث عنه فرويد إلى اللاشعور الجمعي ، فالشخصية الإنسانية في نظر "يونج" لا يقتصر بناؤها على التجربة الفردية ، بل تمتد تلك التجربة لتصل إلى استيعاب التجربة الإنسانية الكاملة للتاريخ البشري عبر الإحتفاظ بالأنماط العليا مثل القيم عبر الأجيال المختلفة ، وتنتقل تلك الأنماط عن طريق الأجيال عبر الحكايا وما تمثله الموروثات ، فالكاتب على سبيل المثال لا يكتب تجربته الشخصية او مخاوفه التي مر بها فقط ، بل يكتب المخاوف التي يمر بها الجيل الذي يعيش زمنه والمنطقة الجغرافية بعلاقاتها الإجتماعية ، بالإضافة إلى التجربة العرقية إن وجدت ، وارتباط ذلك بالزمن وتراكم الخبرات والمكان .