مفهوم الحضارة عند ابن خلدون

مفهوم الحضارة عند ابن خلدون 587423256

الحضارة

الحضارة عند العرب (المدنيّة) تعني الإقامة في المدن والحواضر، وما يتبعها من أشكال التطوّر وأساليب التقدّم والعمران.

لفظة الحضارة مشتقّة من الحضر، أما المدنيّة فهي مشتقّة من المدينة، وبالتالي لا يوجد أيُّ فرق بين الحضارة والمدنيّة، ولهذا عمد ابن خلدون إلى استخدام صيغة التمدّن، والتي يعني بها التحضّر، حيث رأى أنّ المدنيّة هي الاجتماع ذاته، حيث قال في هذا الصدد: (الإنسان مدنيٌ بالطبع، أي لا بد له من الاجتماع الذي هو المدنيّة).

أما كلمة الحضارة في اللغات الأوروبيّة (Civilization) مشتقةٌ من الكلمة اللاتينيّة (Civitas) ومعناها مدينة، ومن هنا نعلم أنّ الحضارة هي مفهومٌ عالمي إنساني بحت، إلّا أنّ المفاهيم الخاصة والمعتقدات المتوارثة هي ما يميّز كل حضارة عن الحضارات الأخرى.

الحضارة عند ابن خلدون

الاستقرار هو أوّل شرط لنشوء الحضارة من وجهة نظر ابن خلدون، ومن هنا تظهر الحاجة إلى عددٍ من القوانين لتنظيم حقوق الملكيّة، إضافةً إلى علاقات الأفراد ببعضهم البعض، حيث تحدد تلك القوانين نظام العقوبات وغيرها مما يعتبر أساساً لنشوء دولة، ولهذا فإنه يرى أنّ الطور الأوّل لبناء الدولة هو البداوة، تليها الحضارة التي عرّفها على أنها: (تفننٌ في الترف وإحكام الصنائع المستعملة في وجوبه، ومذاهبٌ من المطابخ والملابس والمباني... فصار طور الحضارة من الملك يتبع طور البداوة).

تعريف ابن خلدون لهذا المفهوم لا يشتمل على العقائد والمفاهيم التي تقام على أساسها أيُّ دولة، لأنّ هذا الأمر بحاجةٍ إلى تخصيص، فعلى سبيل المثال لا الحصر الحضارة الرومانيّة فإنها تتضمّن التيبيون أو الديمقراطيّة.

يقول ابن خلدون إنه ما من حضارةٍ إلّا واعتمدت في نشأتها على معارف وعلوم الحضارات السابقة، وقد قال في هذا الصدد: (وأهل الدول أبداً يقلّدون في طور الحضارة وأحوالها الدول السابقة قبلهم، فأحوالهم يشاهدون، ومنهم في الغالب يأخذون، ومثل هذا وقع للعرب لمّا كان الفتح وملكوا فارس والروم).

حقيقة فإنّ هذا الاعتماد على الحضارات السابقة لا يقلل من شأن الدولة أو حضارتها ولا يعيبها في شيء، فهي ظاهرةٌ عالميّة تدلّ حقيقةً على مرونة الحضارة وإيجابيّاتها الناشئة.

فيما يتعلّق بالحضارة الإسلاميّة فكان اقتباس المسلمين من الحضارات الأخرى مقتصراً على أساليب العمران والوسائل الماديّة (كتعبيد الطرقات وبناء المدن والمهارات الحربيّة والفنون الصناعيّة)، ولم يكن اقتباسهم من عمق العقائد أو التشريعات أو الأنظمة الاجتماعيّة، لأنّ هذه الأمور غير جائزة الاستناد إليها أو الاقتباس منها من وجهة نظرٍ عقائديّة.